أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الطائفية ضد الانتفاضة، الانتفاضة ضد الطائفية!















المزيد.....

الطائفية ضد الانتفاضة، الانتفاضة ضد الطائفية!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 21:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كانت مفاجأة سعيدة للسوريين، قبل غيرهم، أن ظهروا طوال أربع شهور من الانتفاضة أقل انقساما وتخاصما مما كان يقدر ملاحظون منهم ومن غيرهم، تابعوا تطورات السنوات الأخيرة في سورية نفسها وفي المشرق. وفي تقريرين لها، نشرا مؤخرا، سجلت المجموعة الدولية لمراقبة الأزمات هذا الواقع السار: "لقد ثبت أن الشعب السوري مقاوم بدرجة مرموقة للميول الطائفية والانقسامية، متحديا تنبؤات النظام الخاصة بصراع طائفي وبالأسلمة". و"لقد أدهشت قابلية السوريين لتجاوز الانقسامات الطائفية مراقبين كثيرين. وما هو أهم من ذلك أنها كذبت النظام الذي جعل من التعيّش على مخاوف السوريين من الفوضى أو من بديل إسلامي عن حكمه صنعة له". ليست "المجموعة الدولية..." جهة تكن عطفا خاصا على السوريين، ومركزيتها الغربية تدفعها، بالأحرى، إلى التفكير في المجتمع السوري كتراصف لأديان ومذاهب وإثنيات، متأهبة دوما للتصارع فيما بينها. فإذا سجلت هذه الملاحظة، وعادت إليها غير مرة في تقريريها، كانت هذه شهادة طيبة لوعي السوريين وحرصهم على وحدتهم.
لكن نحن أهل البيت، وربما نعرف أحسن.
إذ تثير أسوأ مخاوفنا الضغوط الكبيرة المستمرة التي تتعرض لها البنية الوطنية للمجتمع السوري. من هذه عنف منفلت، لكن تمييزي بصورة واضحة، تمارسه السلطات ضد جمهور الانتفاضة؛ ومنها تعامل عدواني حقود يتعرض له ناشطو الانتفاضة المعتقلون (وهناك الآن سجل معقول من الشهادات المكتوبة في هذا الشأن). ومنها إعلام إجرامي وغير مسؤول، سارع في وقت مبكر إلى بث رسائل طائفية لا تخفى على أحد؛ ومنها انعدام حس تام سجلته كرنفالات النظام الاحتفالية، بينما البلاد في أزمة وطنية كبرى، وبينما هو يزعم أن ألفا من عناصر الجيش والأمن قد قتلوا، دع عنك ألفين من القتلى المدنيين، وألوف الجرحي، وفوق 10 آلاف معتقل. وهذا كله دون قول شيء عن استفزازات موضعية لا تحصى، في ميادين الاحتجاج (شاهد ملايين السوريين بعضا منها) وفي المقرات الأمنية، ويجري فيها توجيه إهانات طائفية متطرفة في فظاظتها.
لذلك لا تفاجئنا كثيرا حوادث طائفية جرت في حمص مطلع الأسبوع الماضي. تتضارب الروايات في شأن ما حصل، لكن ما لا شك فيه هو أن عنفا طائفيا قد وقع في المدينة، ويحتمل أن عشرات الضحايا سقطوا بمحصلته. لا يجدي إنكار الواقع إلا في مزيد من الوقوع فيه. ولن يكون إلا محاكاة لسياسة النظام الذي جمع بين الإنكار وبين جعل القتل رياضة وطنية.
العنف الطائفي شيء يوجب أن يتوقف المرء عن التحليل والبحث في الأسباب والمسؤوليات، ويأخذ قرارا بعدم الفهم، كي يدينه إدانة قطعية لا لبس فيها. فليس لأية جهد تفسيري، مرغوب دوما بالطبع، أن يسبغ شرعية الفهم على ممارسات غير شرعية، وطنيا وأخلاقيا.
هل يبدو أننا نفتعل عفة طائفية؟ نفترض مجتمعا ببكارة وطنية سليمة، لا تخدش حياؤه تمايزات دينية ومذهبية، يجري استخدامها أدوات للامتياز والسلطة؟ ألسنا نغمض أعيننا عن أشكال متنوعة من التلاعب والتمييز الطائفي يعرفها السوريون جميعا، وإن تواطأ أكثرهم على الإغضاء عنها؟ ليس كذلك. ندين الممارسات والخطابات الطائفية كي نرفض حصر خياراتنا بين عفة طائفية كاذبة، هي استراتيجية سيطرة نخبوية، وبين إباحية طائفية صفيقة، ترافقها دوما، وهي استراتيجية سيطرة نخبوية مثلها. وقد لا يتأخر الوقت قبل أن نرى أهل العفة ينقلبون أهل إباحة، وينتجون فتاوى مناسبة لتغطية هذا التحول.
ونتكلم هنا كمواطنين ووطنيين سوريين، يشغل بالهم أولا وأساسا التفاهم الوطني، لا كدارسين يهتمون أولا بالفهم. ندرك أن التعارض بين مقتضيات الفهم والتفاهم الوطني (ما يتطلبه الفهم من تسمية الأشياء بأسمائها قد ينال من التفاهم الوطني، ولا نصون هذا إلا بصورة قد تنال من حقوق الفهم)، يؤشر على قيام نظامنا السياسي الاجتماعي على الكذب والمخاتلة، وهو مسوغ إضافي لتغييره. إذ لا تلتئم أمة على باطل.
ولا نسدى معروفا لأنفسنا بالقول إن النظام يتحمل المسؤولية عن أية تفجرات طائفية محتملة. هذا صحيح من وجهة نظر التحليل أو الفهم، لكنه محدود الفائدة من وجهة نظر العمل، واليوم عمل، ومن وجهة نظر المسؤولية التاريخية عن مستقبل البلد. نحن في غمار انتفاضة شعبية، يواجهها النظام بالحرب، وسيكون سعيدا جدا إذا انزلقت باتجاه نزاع طائفي. فمن شأن ذلك أن يحوِّل ما هو صراع بين قطاعات متسعة من المجتمع السوري وبين نخبة تسلطية امتيازية غير أمينة على البلاد، إلى صراع داخل المجتمع، فينال من البعد التحرري والوطني للانتفاضة، ويجعل أقوياء السلطة والثروة المتبلِّدين حكما بين الضعفاء المتقاتلين. أي حلّا. في الأصل قامت استراتيجية النظام على صنع أزمة ثقة وطنية مستمرة، تجعل السوريين خائفين من بعضهم أكثر من خوفهم من النظام الذي ينهبهم ويضطهدهم ويكذب عليهم جميعا. لقد كان تفجر الانتفاضة حدثا رائعا بالضبط لأنها أبطلت هذه الاستراتيجية التي أشار إليها غير مرة تقريرا "المجموعة الدولية..." المشار إليهما فوق.
ثم أن من خصائص الصراع الطائفي أنه ما إن يتفجر حتى يبدأ بإنتاج أسباب دوامه، فلا يعود مهما كثيرا تحديد من المتسبب الأول فيه، ويمسي الشيء المهم هو وقف الصراع بأي ثمن، ولو على حساب العدالة والحقيقة والحرية.
وإنما لذلك تشكل الإدانة الفورية لأية ممارسات طائفية، والحرص على تسجيلها بأمانة، ووضع الحقيقة بشأنها أمام الناس جميعا، دون اختزال أو تشويه، تشكل مساهمة رفيعة في الدفاع عن الانتفاضة واستمرارها إلى حين تحقيق أهدافها الوطنية التحررية. وهذا واجب يقع أولا على عاتق التنسيقيات المحلية، الأقرب إلى أرض الواقع الفعلي، والتي تشغل عمليا موقع قيادة الحراك الاحتجاجي. إن تقديم رواية أمينة عما جرى في حمص، وفي قطنا، في الأسبوع الماضي، وعما قد يجري هنا أو هناك، لا يقل شأنا عن أنشطة الانتفاضة الميدانية والتنظيمية. للمثقفين أيضا دور كبير في هذا الشأن، وكثير منهم قاموا بأدوار مشرفة فعلا. أما تنظيمات المعارضة التقليدية فلا يكاد المرء يتوقع منها شيئا.
قد يظهر في النهاية أن ما وقع في حمص، وقطنا، حوادث معزولة ليس لها ما بعدها. هذا هو المطلوب. لكن ليس من المناسب الآن الركون إلى هذا التقدير. ولعل الذهنية المناسبة في أوساط الانتفاضة تقوم على وجوب مواجهة كل حادث قتل طائفي كأنما هو قتل للسوريين جميعا، وأن يرفض الثأر الطائفي قطعا. فالنظام ليس قدوة لنا في هذا الشأن, ولا في أي شأن.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قليل من الأمانة: رد على إبراهيم الأمين
- ثأر -ربيع دمشق-!
- النظام في أزمة، وهو من عليه أن يتراجع
- النظام يتصرف كشبيح، والثورة لن تخمد أو تتراجع
- السوريون تغيروا، وعلى النظام أن يتغير!
- سوريا انتفاضة.. والنظام لا يقترح بديلا غير الفوضى أو الحرب
- العصابات المسلحة غير موجودة، و-الحوار- خدعة!
- حوار مجلة رواق الشباب
- طور ثان من أطوار الأزمة الوطنية السورية؟
- بصدد بعض خصائص الانتفاضة السورية
- مكونان مدني وأهلي في الانتفاضة السورية
- ثلاثة أشهر على الانتفاضة... أية آفاق؟
- ما هي نقطة التحول السياسي في سورية اليوم؟
- حوار في الشأن السوري...
- في شأن الانتفاضة السورية وسياستها
- المسألة السورية والمستقبل
- المحنة السورية التي طال أمدها...
- في نقد السؤال عن البديل في سورية
- ثورة ضد الإقطاعيين الجدد
- العودة إلى الوراء ممتنعة، التقدم إلى الأمام صعب، لكن لا بد م ...


المزيد.....




- رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم ...
- سوريا.. مدى تهديد فصائل المعارضة وتحركاتها السريعة على بقاء ...
- أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم يعاقب إسرائيل
- هل فعلا يجب شرب 8 أكواب من الماء يوميا؟
- نصائح لتعزيز منظومة المناعة في الشتاء
- مصر ترفع اسم ابنة رجل أعمال شهير من قائمة الإرهاب
- عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
- من تاباتشولا في المكسيك إلى الولايات المتحدة.. مهاجرون يبحثو ...
- منطقة عازلة وتنازل عن الأراضي.. كيف يخطط ترامب لإنهاء الحرب ...
- رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الطائفية ضد الانتفاضة، الانتفاضة ضد الطائفية!