أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جمال العتابي - لننقذ تموز من (هذا الحب القاسي)! تبقى التجربة مشروعاً دائماً للكتابة التاريخية الموضوعية















المزيد.....

لننقذ تموز من (هذا الحب القاسي)! تبقى التجربة مشروعاً دائماً للكتابة التاريخية الموضوعية


جمال العتابي

الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 11:57
المحور: الصحافة والاعلام
    


مما يثير الدهشة والاستغراب أن تتعرض الكتابات التي تناولت تجربة تموز58 بالدراسة والبحث غير المنحاز، الى اتهامات تعسفية لايسلم منها كتاب تلك الدراسات ينعتون بشتى النعوت كونهم موتورين وفاشلين، ومرتشين، وفاسدين، ويبدي البعض نفوراً سطحياً من الكتابات الجادة والرصينة في هذا المضمار. وكأن البحث الموضوعي والدراسة العلمية التي تخضع لشروط المنهج التاريخي، في دراسة تجربة 14 تموز. تعد إساءة لهذه التجربة وانتقاصاً من صانعها. ليس ذلك فحسب. انما يفترض أولئك، ان تقييم هذه التجربة بكل ما انطوت عليه من ايجابيات وسلبيات، ينبغي أن تأتي منسجمة مع عواطف ومشاعر الحب التي يحملها الكثرة من ابناء العراق، وهي مشاعر صادقة ونبيلة بالتأكيد لانتردد من اعلان انسجامنا معها، وتفاعلنا بدوافعها وحماسنا لها. لكن المشاعر شيء، والبحث عن الحقائق شيء آخر.. سيما اذا كان الأمر يرتبط بمفصل مهم من تاريخ العراق الحديث، وبعملية تحول كبيرة في شكل وطبيعة النظام السياسي.
لذا تبقى الحاجة قائمة الى المزيد من الدراسات العلمية لهذا الحدث ولتلك الفترة، على الرغم من دعوة البعض الى الكف عن التنقيب والتحليل في هذا الشأن لكثرة التقليد والتكرار الممل والمرهق فيها، وماتحمل في طياتها من انتقادات غير موضوعية، ودلالات غير متعارف عليها وتجريحاً لايستحقه أولئك الرجال، اذ لا تشكل هذه الكتابات بنظرهم أية اضافة جديدة لما كتب عن تموز، وربما يرى البعض في ذلك الحاحاً في غير محله، وتحميل قادة تموز ما لا طاقة لهم بحمل وزر وتبعات كل اسباب الخسارة التي تعرض لها الشعب العراقي.
ونقول لهؤلاء الاخوة ان تاريخ العراق بكل احداثه وتفاصيله يبقى مشروعا للكتابة لايتوقف ولاينتهي عند حدود، مثله كالتاريخ الانساني على مر العصور، يظل مشرعاً للتأمل، واعادة النظر، والبحث في خفاياه، وان اختلفت وتباينت الرؤى ووجهات النظر فيه.. بل ان ذلك، على وفق هذا المنهج يمنح الدراسات حيوية فائقة، ويفتح الابواب واسعة أمام أجيال من الكتاب في تناول التاريخ، بصيغ واساليب متجددة، تفرضها صيرورة العصر وديناميكيته. ولا اعتقد ان أحداً من الدارسين له الحق بمصادرة حرية الكاتب في الرأي أو يمنعه من كشف الحقائق، سيما ونحن نعيش عصر الانفجارات الكبرى في المعلومات ووسائل الاتصال. وفي الوقت ذاته، ليس لاؤلئك الذين يختلفون في الرأي، حق كذلك في الغاء أو تشويه او الاساءة لكل ذاك التراث الضخم من الدراسات، التي نظرت لتموز نظرة ايجابية احادية الجانب.
ولست هنا بصدد البحث في الاسس النظرية لمنهج البحث التاريخي. لكن من المفيد ان اذكّر بإيجاز بمهمة المؤرخ، الذي عليه ان يتخذ مساراً مخالفاً لمسار الزمان للتعرف على الواقعة التاريخية، أن يتلمس السبل من الوثيقة الى الواقعة التي تصفها، وليس عمل المؤرخ في ذلك يسيراً، إذ عليه ان يقدم الشك على اليقين، والاتهام على البراءة.
ان روح العلم تتطلب من الباحث الالتزام التام بالموضوعية والتجرد عن الميول الشخصية، فلا يزوّر، ولاينتحل، ولايخفي الوقائع، ولايمالىء بتفسيره التاريخي وضعاً سياسياً قائماً. ولايفسر الماضي من زاوية الحاضر، وأود التأكيد هنا على عدم انقطاع احداث التاريخ ووقائعه فهي سلسلة متصلة مترابطة، فعلى القارىء ان لايذهب بعيدا في فهم حتمية التشابه، وهي الاشكالية التي طبعت معظم الكتابات والاراء التي تصدت لتجربة تموز، وشخص رائدها عبدالكريم قاسم. لذا تأتي محاولتنا هنا للتنبيه الى خطورة هذا الاتجاه، ولانقول تعسفاً (هذا المنهج). فمن المؤسف جداً أن تنسحب تلك الكتابات، والشهادات . على محاكمة الواقع الراهن. بكل مايحمله من تناقضات، وإرتباك، وتردٍ في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسوء الخدمات، في ضوء مقارنة قسرية غير منصفة مع واقع آخر مختلف تماماً عن الواقع الحالي، وهو الذي نعنيه بتجربة الجمهورية الاولى في العراق. لذلك تبدو فترة تموز 58، وكأنها العصر الذهبي في تاريخ العراق الحديث. قياساً الى ظروف سوداء وحروب كارثية دفعت بالبلد الى هاوية الخراب، ومن المفارقة ان يكون (تموز) منذ فجر التاريخ رمزاً للانتصار. إن افتتان الانسان بالرموز عظيم، تسحره القصص التي تعيش في مخيلة الانسانية، متحدثة عن نماذج عليا لابطال، ولآخرين حلت عليها اللعنة، فتجتذب رموز الخير عدداً كبيراً من الناس، فيعيدون تخيلها ويحولونها الى صور حية معاصرة، ويشتركون جميعاً في تمثلها وتذوقها.
ان هذا القول لايعني مطلقاً انكار المنجزات الضخمة التي حققتها تلك الجمهورية وزعيمها عبدالكريم قاسم على مختلف الصعد. ولايجوز لأي كاتب أو مؤرخ منصف ان يتجاهل تلك الحقائق، فيضل طريقه حين يسعى في البحث عن سوء الادارة، والتخبط، والفردية، أو الديكتاتورية، والغاء الحياة النيابية، أو عدم تأسيس دولة مدنية.
ان المنطق العلمي - كما قرأنا وتعلمنا – يقول: ان الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم، ولكنهم لايصنعونه إعتباطاً، بل وفقاً للظروف الموضوعية والقوانين الاجتماعية، أليس هذا القول يعد واحداً من المرتكزات الاساسية للمادية التاريخية؟ أم اننا نتناسى وجود هذه القوانين باعتبارها أمر لاريب فيه. ولكن فعلها ليس قضاءً وقدراً لامرد له. لانها تتجلى في النشاط، في تصادم مختلف القوى الاجتماعية، ولاتقرر ألبتة سلفا للتاريخ مجراه الملموس.؟
أخلص من هذا الى القول: إن حالة السكون أو الجمود هي نقيض حالة الحركة والتغير التي يتسم بها التاريخ، وهي جوهر مساره، فمن الصعب ان تتشابه لحظتان في تاريخ الشعب الواحد، والمؤرخ الذي يتجاهل لحظة الاختلاف، انما يسيء فهم الواقع التاريخي. لذا اردت ان أشير بالتنويه الى ضرورة قراءة العصر التاريخي، بل الحقبة التاريخية، بعقلية العصر الذي مرت به. فلكل منها شخصيتها، وقيمها ومعاييرها المختلفة عن الحاضر، والتعبير عنها بلغة عصرها.
لان الانسانية ليست شكلاً ولا طابعاً ولا نمطاً واحداً. وخلاف ذلك، فان الباحث يوقع نفسه بأحكام خاطئة. في تفسير الحاضر بالماضي كما أسلفنا.
لكننا مازلنا أسرى لهذه الاحكام، ونجد انفسنا منقادين الى التسليم بحماس بالغ الى دور الابطال في التاريخ. فالفرد صانع عصره، وان تاريخ العراق، وكل ما أنجزه الانسان، انما هو في صميمه تاريخ العظماء، فالبطل هو الذي يرفع شأن شعبه من الحضيض الى القمة وصدارة الاحداث.
ان حجم الكوارث التي اصابت الشعب العراقي، وأزماته المتواصلة، دعت العراقيين الى البحث الدائم عن منقذ، وهناك أمثلة عديدة في تاريخ الانسانية، كانت فيها الشعوب مفتونة بزعماء القسوة والبطش. مزهوة بفتوحاتهم وانتصاراتهم امثال هتلر، وموسوليني وستالين. وهي لاتدرك خطورة المصير أبان أيام الاختناق، ان تاريخها مرهون بقرار يصدره فرد واحد. وان ذلك يعني الاستئثار بالسلطة، وإلغاء المؤسسات الديمقراطية. خاصة عندما تتصاعد حدة الازمات السياسية والاقتصادية.
الانسان في ظل تلك الازمات مستلب الارادة، يعاني من حالات الضعف، والقلق، والشلل، وخيبة الامل، فيدخل المنفى الداخلي، والغربة الروحية التي ارهقته، ومن البديهي يتعذرعلى الانسان الوصول الى حل لمشاكله مع ذاته، ومع السلطة، ومن واقع الحال هذا، فان الديمقراطية تتعارض تماماً مع النظرة تلك. فهي تتعامل بمنتهى الريبة والحذر مع اولئك (الابطال)، حتى مع الايمان المطلق باخلاصهم لوطنهم، ونزاهتهم وعفتهم، وهي الاسباب التي تدعنا لتكريمهم بعد مغادرتهم الحياة. فلننصف اذن الرجل (الزعيم عبدالكريم قاسم)، وننقذه من (هذا الحب القاسي). بوعي تاريخي ناضج، فهو نتاج عصره ومرحلته وبيئته ومجتمعه. ولاندع أنفسنا قضاة نحاكم شخصيات التاريخ بموجب قوانين الاخلاق وحدها. اذ ان مهمات بناء الدولة، تقع خارج نطاق التقييم الاخلاقي العادي للافراد. كما ان حركة التاريخ وصانعيه، تقاس بمدى ماحققته من اسهام حضاري. اذ لايمكن ان يكون سفك الدماء، وسياسة القمع والاضطهاد، ومصادرة الحريات، وحقوق الانسان، اعمالاً ترفع من شأن فاعليها. بل ان المعيار، هو الانجازات الفكرية والمادية، وحدها التي تمنح التاريخ الضوء.



#جمال_العتابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا ...
- شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
- استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر ...
- لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ ...
- ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
- قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط ...
- رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج ...
- -حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
- قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جمال العتابي - لننقذ تموز من (هذا الحب القاسي)! تبقى التجربة مشروعاً دائماً للكتابة التاريخية الموضوعية