مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3435 - 2011 / 7 / 23 - 22:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
العلمانية كتشبيح فكري ( كبلطجة فكرية )
المؤتمر العلماني الأول ككل شيء في سوريا الأسد شهد صوتا وحيدا منفردا يعزف لوحده و لا يريد أن يسمع أي صوت آخر تماما كما يحاول من يطلق الرصاص و القذائف في شوارع حمص و البوكمال و ركن الدين أن يخرس كل الأصوات إلا صوته , لكن القضية تجاوزت اليوم مجرد تعدد الأصوات في سوريا , نريد سوريا فيها 23 مليون صوت حقيقي أصيل و مختلف عن الآخر و الأهم أن تكون كلها أصوات حرة تماما .. ما قاله حازم نهار صحيح , فالعلمانية في سوريا أيضا طائفة , مثلها مثل أية طائفة , تخشى الطوائف الأخرى و تحتقرها و تحلم بديكتاتوريتها الخاصة و هي في سبيل ذلك لا يكتفي بعض كهنتها بتبرير شلال الدم الذي يهدره شبيحة النظام , إنهم يمجدون القتلة و يقدسون الطاغية , هكذا تمسخ الديكتاتورية العلمانية و هكذا يمسخها شبيحتها الفكريون , لكن علمانية هؤلاء ليست إلا غطاءا , حجابا , برقعا , يحاول هذا البعض الطائفي حتى النخاع أن يرتديه فقط لأسباب تتعلق بإخفاء عورته الأخلاقية ( أو اللاخلاقية ) التي يخجل منها و هي حقيقة أنه طائفي , متخم بالطائفية حتى الثمالة و لستر اللعبة القذرة و الحقيقة العفنة لديكتاتورية بشار – ماهر الأسد , لذلك فعلمانيو النظام ليسوا فقط مجرد رجال دين في زي دنيوي علماني , إنهم شبيحة فكريون حقيقيون... سنية الأكثرية في سوريا تغري هؤلاء الطائفيين حتى ملابسهم الداخلية باستخدام العلمانية و نقد الطائفية كنوع خاص من التشبيح الفكري , هناك اليوم عنوان واحد لعلمانيي النظام و هو العداء للغالبية السنية , و بالتحديد التحذير من الخطر المحدق للحرية التي على وشك أن تنتزعها هذه الغالبية لتبدأ أخيرا في التنفس , و التفكير و التصرف دون سوط المخابرات أو رصاص الشبيحة , لكن يجب القول أن هناك الكثير مما قد يبرر هذه المخاوف , فتاريخ "الدول" التي اعتمدت الفكر السني بأشكاله المختلفة كإيديولوجيا رسمية لها , و حاضر تلك الدول ( السعودية خاصة و هي المثال المفضل عند السلفيين عدا عن أفغانستان طالبان التي تقع في مكان وسط بين الدولة القراقوشية و جمهورية الخوارج الشعبوية ) قد يبرر هذه المخاوف , الخلافة التي يتحدث عنها حزب التحرير ليست إلا سلسلة طويلة من الديكتاتوريات الدموية التي حلت الواحدة تلو الأخرى دون أن يتغير فيها أي شيء في الجوهر , على تفاوت دمويتها هذه و قراقوشيتها ( أي درجة غباء سادتها و وقاحة استعبادهم للرعية , السنة منهم ضمنا ) , لكن نظام بشار الأسد ( العلوي ضمنا , المعادي للطائفية ظاهريا ) لا يقدم مثالا أفضل من تلك الديكتاتوريات الدموية القراقوشية السنية , على العكس تماما , إنه يظهر بكل صفاقة و دموية استثنائية جديرة بأمثال هولاكو و هتلر و ستالين أن ديكتاتورية غير سنية لا تختلف عن الديكتاتورية السنية في شيء , إلا بالدرجة فقط , إن وضع طاغية علوي أو شيعي مكان سني كما جرى في العراق لا يحل القضية , و هذا صحيح أيضا بالنسبة لاستبدال طاغية علوي بآخر سني , حتى أن حالة الشيعة اليوم في العراق ليست أفضل كثيرا مما كان عليه حالهم تحت ديكتاتورية صدام "السني" , صحيح أن فرق الموت تقتل اليوم أكثر من السنة مقارنة بفرق موت صدام لكن الثمن يبقى باهظا جدا على الشيعة أنفسهم , إنه يعني حرمانهم حتى من أبسط حقوقهم كالعمل و الماء و الكهرباء , فالقتلة يأخذون ثمن رصاصهم من الشيعة الفقراء تحديدا , أما النخبة السنية , الدينية و السياسية و الاجتماعية , فهي تبقى شريكا في كل الأحوال , في "الوطن" كما في "الحكم" أو "العملية السياسية" و إن بحصص تختلف من وقت لوقت , تجار و صناعيو حلب و دمشق السنة أيضا يشاركون رامي مخلوف فيما يسرقه مع بقية آل الأسد من السوريين من كل الطوائف , لكن كما كان صدام يفعل في العراق من قبل , يحصل مخلوف و النظام في سوريا على حصة الأسد من تعب السوريين و عرقهم و خبزهم .. القضية إذن ليست في دين السلطان أو طائفته , إنها في السلطة نفسها , خلافة حزب التحرير هنا لا تختلف عن الممالك و الإمبراطوريات المسيحية الأرثوذوكسية أو الكاثوليكية , و لا الأخيرة تختلف عن تلك البروتستانتية مثلا ( رغم الخصومة الدينية الشديدة بين الاثنين ) إلا بدرجة دموية الحاكم و غبائه السياسي , أيضا الجمهوريات هنا لا تختلف كثيرا عن الممالك , صحيح أن الجمهورية متفوقة نظريا , لسبب تاريخي كونها ظهرت بعد ثورات شعبية كانت تهدف إلى الحرية أساسا , و سبب شكلي ظاهري كونها تقوم على مبدأ التنافس البرجوازي الذي يعود إلى أيام صراع البرجوازية مع الإقطاع تحديدا , لكن يجب ألا ننسى أن سوريا التي يفترض بها أن تكون جمهورية هي في الواقع مملكة حقيقية , نفس الشيء ينطبق على كوريا كيم جونغ إيل "الجمهورية الشيوعية" , و لا يمكن الزعم بأن فاشية الاحتكارات العالمية تختلف كثيرا عن هذه الممالك الستالينية أو القومية التي تمثل في الحقيقة أنظمة عبودية في شكل رأسمالية الدولة البيروقراطية , هناك ممالك رأسمالية حقيقية نشأت منذ وقت طويل و كثير منها استمر و بعضها تهاوى غالبا بنفس الآلية و القانون الذي أدى إلى صعودها في المقام الأول : النهب و الكذب و الغش و التلاعب الفاجر , ( منها ممالك روكفلر , مملكة فورد , هوندا , ميردوخ , الخ , ) ممالك تقوم سطوتها على الكذب و المال و القوة و فساد النخب الحاكمة و المثقفة و وحشية جنرالات الجيوش الليبرالية ... المشكلة ليست في دين أو مذهب الحاكم , المشكلة في وجوده كحاكم يحكم و يأمر , كحاكم يملك فرقة رابعة أو جيشا مؤلفا من قتلة مأجورين , يستطيع بواسطتهم أن يستمر بالحكم فقط على أكوام الجثث كما يفعل الأسد اليوم , لكن هناك فارق رئيسي فيما يجري اليوم في سوريا عن كل هذا , إن ما يجري في سوريا ليس انقلابا لجزء من النخبة الدينية أو التقليدية أو السياسية ( المحترفة للسياسة ) أو المثقفة ( المحترفة للثقافة ) على باقي أقسام النخبة الحاكمة أو المالكة , إنها انقلاب القاعدة على رأس الهرم الاجتماعي و السياسي , صحيح أن هذا لا يعني بالضرورة أن تتطور الحالة – الانتفاضة السورية إلى ثورة اجتماعية جذرية , لكن ما يجري في سوريا اليوم , هو كما يجري اليوم في كل "بلد" عربي , هو محاولة إعادة إنتاج علاقة القاعدة بقمة الهرم السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الديني و الاقتصادي , صحيح أيضا أن هناك على الدوام قوى جاهزة , و مستعدة سلفا للقفز إلى رأس الهرم , ليس فقط لتحتل رأس ذلك الهرم بل أيضا بهدف المحافظة على هذا الهرم أساسا من أن يدمره من هم في أسفله أو أن يسقط تحت ثقل و وطأة غباء و أنانية و همجية من هم على رأسه , بينما تريد قوى أخرى ,. قوى شعبية في الأساس , أن تدمر الهرم برمته و تسويه بالأرض , بشكل غير واعي في كثير من الأحيان , و بفكر و ممارسة تحرريتين في الجوهر لكن غير معلنين أو غير منظمين أو حتى يحاولان أن يفعلا كل شيء ليبتعدا عن هذا التعريف "المرعب" , التحرري , و صحيح أيضا أن تلك القوى السلطوية التي تتحدث اليوم عن حرية السوريين , و ربما تقدم الضحايا في سبيل ذلك , قد تلعب في المستقبل القريب نفس الدور الذي يلعبه النظام السوري اليوم بدرجة مختلفة فقط , بعد أن تتمكن الجماهير السورية الثائرة من التخلص من نير عبوديتها للنظام , ستلعب هذه القوى نفس دور نظام الأسد بخطابه و ممارساته القمعية بكل تفاصيلها , لا يهم هنا مذهب الرئيس الجديد أو دينه , و لا حتى إن كان علمانيا على طريقة أعضاء "المؤتمر العلماني الأول" في سوريا , كل هؤلاء سينتهون إلى نفس النتيجة , كل دروب السلطة تنتهي إلى التشبيح و البلطجة , السياسية و القمعية و الفكرية , فقط رغبة الناس الذين في الأسفل و إصرارهم على الدفاع عن حريتهم التي يقاتلون اليوم بشجاعة منقطعة النظير لينتزعوها من النظام "العلماني جدا" وفقا لمؤتمر شبيحته العلمانيين , وحدها رغبتهم في في تعزيز كل ما هو تحرري في حياتهم و كل ما هو تحرري في مؤسسات المجتمع خاصة المؤسسات الجديدة بعد الثورة , يمكن أن تحول دون ذلك
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟