|
كي يصلح العطار ما افسد الدهر
محمود محفوري
الحوار المتمدن-العدد: 1023 - 2004 / 11 / 20 - 10:32
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
المجتمع الإنساني كائن واع مبدع خلاق غير متجانس يقبل الإقناع والترويج ويرفض بشكل واع وحدسي ما يخالف الفطرة الإنسانية السليمة. فهل أفضل من هكذا معين من اجل الخير العام والتقدم. إن كل إصلاح يجب أن يعتمد ويكون من اجل هذا الكائن المصلحي المتطلب الذي تحركه دوافع برغماتية عديدة أولها احتياجاته الفيزيولوجية الأكثر أساسية (الحاجة إلى الطعام والماء والمأوى والهواء) ثم الحاجة إلى الأمان والحب والتقدير والاحترام ثم تحقيق الذات وفقا لهرمية ماسلو. هذه الاحتياجات متجددة ومتزايدة فكيف يمكن أن نلبيها دون أن تتسبب باحتقان اجتماعي خطير؟ لذلك ابتدع المجتمع آلية تخفف الاحتقان وتتيح لجزء كبير منه المشاركة في الجهود الرامية لتلبية هذه المتطلبات الكبيرة اللامنتهية، سميت هذه الآلية بالديمقراطية. فالديمقراطية صمام أمان يسمح بمشاركة قطاعات واسعة من المجتمع في إدارة شؤونه ويمنع الاحتقانات الشديدة فيه وتولد سلما اجتماعيا. و نعمة السلم الاجتماعي لابد منها لكل ازدهار وتطور. فلا تآلف ولا أمان ولا وحدة وطنية دون سلم اجتماعي راسخ تراعى في ظله الحقوق الأساسية لجميع الأفراد من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية والمجموعات البشرية دون تمييز. إنه البيئة التي تزدهر فيها الثقافة والفكر والأدب والعلوم. إن الديمقراطية تقنن التعددية وتحترم حقوق المجموعات الأقل حظوة وثقلا في المجتمع لتجعلها تشعر بالأمان والطمأنينة وتدمجها في نسيج المجتمع لتخلق مجتمعا متماسكا قوي لا إقصاء لأحد فيه على أساس الجنس أو المهنة أو الرأي أو المعتقد أو أي معيار آخر. واحترام التعددية في كل مجالات الحياة خطوة كبيرة باتجاه المجتمع الموعود مجتمع السيادة والحقوق للجميع الذي يقوم على مساهمة كل فرد في المجتمع لما فيه خيره وخير الآخرين، إنه خير الوطن والشعب. كيف نصلح ما أفسده الناس والدهر معا بمساعدة الناس ومن أجل الناس؟ أول خطوة في هذا الطريق الصعب هي تشخيص مواضع الفساد والإفساد. من اجل هذا الهدف لا بد من تسريع الإجراءات الديمقراطية التي تسمح الاستماع إلى الرأي و الرأي الآخر الذي أخذ يتحسن لكن بوتيرة بطيئة. فالديمقراطية هي السبيل كي يقول أصحاب الرأي والعقلاء رأيهم بلا خوف ولا كتمان ولا اجتزاء، وفي رأيهم السديد منفعة للوطن وأهل الوطن بلا استثناء. إذن لا بد من تطوير الديمقراطية مقدمة لكل إصلاح تسمع فيها جميع الآراء ليكتمل المشهد الحق. لا بد أن نسلم أن لكل شيء وكل فكر عمر زمني محدود، أي أن له مدة صلاحية تطول أو تقصر وفقا لمعايير عديدة. يتناقص هذا العمر منذ لحظة الولادة. إنها سنن الكون. ومادام الأمر كذلك كيف لنا نحافظ على الاستمرار؟ إنه التجدد كما اختزلته أساطير البشر من السومريين إلى الآكاديين و الكنعانيين والإغريق والرومان. فالسلعة منتهية الصلاحية تصبح تالفة وقد تفتقد – بل يجب- من السوق إن لم ينتج بديلا لها من ذات النوع. لكن كيف تنتهي صلاحية فكرة أو قانون أو معتقد إنساني؟ هنا يختلف الأمر فالفكرة البديلة تتولد في رحم الفكرة القديمة وتنمو معها وتكبر لتزيحها شيئا فشيء، إذ لا مجال لبقاء مكانها خاو دون بديل فطول عمر الفكرة القديمة يعتمد على تأخر ميلاد جديدها. وهكذا تتكرر عملية التجدد هذه مع ديمومة الحياة. لكن من هو العطار في هذه الحال يا ترى؟!!! إنه الحكيم الذي لا يعيق الولادة الجديدة بل يسهل طريقها لتأخذ مكانها في الحياة وفي سبيل الحياة. فالعطار في مجال الفكر الإنساني لا يعيد فكرا ميتا ولا يحاول أن يحييه بل يساعد بعقل منفتح على ولادة فكر جديد أو متجدد. فكر يحمل كل السمات الإيجابية من سابقه ويتخطى الكثير من عيوبه. من البديهي أن نعتقد أن الفكر الجديد موجود في كل البيئات الإنسانية وفقا لمتطلباتها الحياتية و لمستوى تقدمها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تحمله نخبة ممتازة من هذه البيئات. وتحمل عادة المجتمعات الأكثر رقي وتحضر أكثر الفكر الإنساني تقدم. وبما أن وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات سمحت بالتبادل اللحظي للمعلومة عند ولادتها فنحن نثق أن الفكر الأكثر تقدم في هذا العالم أصبح في متناول الجميع دون استثناء وهو ملك للجميع دون استثناء. إذن ما هو المطلوب كي يصلح العطار ما أفسدناه نحن أهل الزمان؟ مطلوب أن يشخص فكرا أو مسلكا أخذ يتولد بديلا عنه وفقا لقانون التجدد؛ وأن يحدد هذا الفكر الجديد ويرعاه ويسمح له بالنمو والتكامل وفقا لقوانين النمو الطبيعي بعيدا عن التشويه أو القسر؛ وأن يترك هذا الفكر يأخذ مكانه بشكل طبيعي مجددا في الحياة قدر ما يستطيع.
د. محمود محفوري : رئيس المكتب السياسي في حزب النهضة الوطني الديمقراطي
#محمود_محفوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصلاح والديمقراطية في الشرق الأوسط والدولة الفلسطينية المو
...
-
كلمات في الديمقراطية والليبرالية والعدالة الاجتماعية كما يرا
...
-
دعوة لتآلف وطني يشمل الجميع
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|