استفتح موضوعي حول تخرصاة حفيد دولة الرجل المريض وزير الدفاع التركي ( ...، أوغلو ) ببعض الأبيات الشعرية التي وردت في ملحمة مم وزين الشهيرة للشاعر والمتصوف الكبير احمد خاني* ، وبترجمة أستاذنا الدكتور عز الدين مصطفى رسول في كتابه القيم (احمد خاني شاعرا ومفكرا وفيلسوفا) في بغداد عام 1979 .
ولم لا يكون لنا أيضا وطن وملك ،
ولو كان لدينا ملك ٌ،
ولو توجه سبحانه أجلسه على عرش
لابتسم الحظ لنا، ولاهتم الناس بنا ولما انتصر الترك علينا
وحل بنا الخراب
وعشعش البوم بيننا
ولما أصبحنا تحت رحمة الترك والفرس
خاضعين،فقراء مساكين ...
نحن لا نريد أن نفسر التاريخ وفق الطروحات الرسمية أو وكما مدون حسب رغبة العسكرتارية المنتشرة في بعض البلدان المبتلية بفقر الدم الديمقراطي ،وفي هذا الإطار يمكن أن نقف حول تصريح الأخير لوزير الدفاع التركي حول عائدية كركوك والموصل للإمبراطورية التركية وإحياء النزعات الاستعمارية ، ونفي كردية مدينة كركوة عبر تاريخها الطويل وتجاهله للآلاف من الوثائق والأدلة التاريخية المثبتة أصلا في السالنامات العثمانية التي تؤكد على كردية كركوك وعائديتها لمنطقة كردستان وتعايش الأقليات المتآخية الأخرى فيها مثل إخواننا الأعزاء التركمان والكلدان والعرب ، وان هذه المدينة العريقة كانت ملتقى الحضارات والثقافات وكذلك محط أنظار الطامعين والغزاة من زمن غزوات الإسكندر الكبير لحين استباحة مدينة كركوك على يد الكيمياوي علي أبان انتفاضة الشعب ضد النظام الديكتاتوري سنة 1991 ،
لا ادري كيف سمح وزير الدفاع التركي لنفسه باحتلال وغزو أراضي الغير ؟
أنا ليس عندي ردا آخر له سوى جهل السيد الوزير بجغرافية المنطقة الكردية أو كما يقول المثل الكردي الشهير انه ( نائم في أُذن الثور ) لا ادري في أي زمن يعيش السيد الوزير كي يغزو ويحتل أراضي دولة أخرى ، أليست كانت تركيا من ضمن الدول التي تضامنت واشتركت ضمن التحالف الدولي في حرب تحرير دولة الكويت أدانت غزو دولة الكويت وإلا كيف انضمت تركيا إلى التحالف الدولي ضد العراق ، وكيف تحالفت مع القوات الدولية في حملتها على دولة أفغانستان ؟، نرجح هذا التصريح مرة أخرى لغباء الوزير السياسي ولعنجهيته الفارغة والتي تأتي دائما من أن الفكر العسكر في تركيا الكمالية ليس شاملا وإنما ذا نزعة قومية شوفينية
ومستندين في ذلك المقولة التركية الشهيرة ( أن لا صديق للتركي سوى التركي ) وكما يقول المنظّر التركي الشهير إسماعيل بيشكجي حول الأيدلوجية التركية قديما وحديثا بأنها منطلقة من إن حقوق الإنسان تقتصر في تركيا على التركي فقط ولا بد من الاحتجاج إذا ما تعرض التركي ، أينما كان في أرجاء العالم ،لضرر ما . أما كان الأجدر بالسيد الوزير أن يسكت خجلا وعارا من جرائم المجلس العسكري المتنفذ في تركيا التي ارتكبت بحق الشعب الكردي الصامد في تركيا والذين ينكرون وجودهم القومي منذ اكثر من 80 سنة تحت يافطات قومية شوفينية عنصرية ،إن أمثال هذا الوزير المفكر والزمرة العسكرية هم الدين يمارسون القمع والتنكيل ذد الأكراد وقمع لغتهم وثقافتهم ، ويتضاهرون أمام الرأي العالمي بأنهم دولة علمانية متحضرة وانهم يقرون بمبادئ حقوق الإنسان وانهم بذلك مستوفون شروط الانضمام لدول الاتحاد الأوروبي ،انه شيء جميل ومفرح بان نرى دولة غالبيتها تدين بالإسلام أن تدخل للاتحاد الأوروبي بهذه السهولة رغم مرور اكثر من 70 سنة على نزع الطربوش العثماني والتراطن بالأبجدية اللاتينية خدمة لسواد عيون الغرب الذين يعرفون حقيقة الزيف والإدعاء دولة تركيا الكمالية وطروحات المرحوم كمال اتاتورك مؤسس التركية الحديثة الذي استهزأ في بداية استيلائه الحكم بسورة التين والزيتون في القرآن الكريم في معرض رده على تمسك البعض بنهج الإسلام واترك التعليق حول هذه الفقرة لعلماء الدين الأفاضل في تركيا للبحث عن السبب ،
فأعود لتصريح السيد وزير الدفاع التركي حول احياء فكرة ولاية الموصل ،فاقول إن تصريحك هذا قد أضرت كثيرا المصالح التركية في المنطقة و أساءت إلى العلاقات الدولية التي كانت تربط تركيا بجيرانها وقبل أن تتطور الأمور نحو السوء وتثار في تركيا الجدال والمشاكل الداخلية والتي ربما أن تؤدي إلى ظهور انقسامات في صفوف الحكومة التركية أقول مثلما قال الأستاذ سعد البزاز في تعليق حول تصريح وزير الدفاع التركي على الحكومة التركية أن تقيل وبسرعة هذا الوزير من الحكومة ، ولا ادري هل من ندرة الرجال أم من سوء حظ الشعب التركي أن يقود البلاد مثل هذا العسكري العبقري ، إن هذا الرجل الذي كان يحلم بالغزو ويؤمن بمبدأ القوة مثل أخيه دكتاتور العراق بالنصر الوهمي وخرق الحدود الدولية للدول المجاورة وعدم قراءة النظم السياسية في العالم وكأن مثل هؤلاء لا يستوعبون من دروس التاريخ في المنطقة والعالم ،
فيا السيد الوزير (.....أوغلو) عليك أن تعيد دراستك العسكرية مجددا وفق المعطيات العسكرية الحديثة التي تؤمن بالحوار الشامل وإرساء الديمقراطية في مؤسسات الدولة ،وليس التفكير باحتلال أراضي الغير مثل أراضي كردستان العراق ، والتفكير في حقوق الكرد في بلادك وعدم الخوف من إقامة الدولة الكردية وتقسيم تركيا إلى كانتونات حسب الأثنيات القومية الموجودة عبر التاريخ لماذا لا تقرأ التاريخ جيدا أنت وباقي المؤسسة العسكرية وتتمعن لبحار الدم جراء ذبحكم الديمقراطي لأبناء شعبكم في كردستان تركيا وتباكيكم على حقوق إخواننا التركمان في العراق وأين كنتم عندما ذبح النظام في العراق أبناء مدينة كركوك في الانتفاضة المباركة ؟ وأين كنتم عندما اقدم النظام على إعدام كوكبة من المثقفين والسياسيين في مدينة كركوك وطوز وبشير وتازة لماذا هذا النفاق السياسي والتفكير في المصالح القومية لتركيا فقط ، أليس التركمان الذين انتم اليوم تبكون عليهم هم أنفسهم في السبعينات والثمانينات تعرضوا للذبح أمام مرأئ ومسمع حكومتكم الرشيدة وكم من الناس الأبرياء اعدموا جهلا بسياستكم الشوفينية آنذاك من اجل رسم علمكم على الجدران والأشجار ، وتحت وهم وسراب الموجة الطورانيةالعاتية في المنطقة !
ارجعوا إلى أنفسكم قليلا وحاسبوا ذاتكم مليا ً ، هو كم عدد الأكراد في تركيا ؟ وكم عدد المدن الكردية التي تعرضت لسياسة التتريك ومسخ هويتها القومية ، وكم من الأطفال والنساء والشيوخ ذبحت من قبل أجهزتكم القمعية وكم من القرى والقصبات الكردية مسحت من الخارطة الكردية المنسية وإذا كنت حريصا على حقوق الغير من الأفضل أن تفكر بحقوق الأكراد في تركيا، لا تكفي تبيض السجون التركية بالقتل والرمي وتغيير معالم المدن التركية بالحروف اللاتينية التركية وتزيين واجهات المراقص الليلية بالإضاءات الملونة وتشجيع السياحة والعمالة الأجنبية ، وتخويف المفكرين والفنانين والكتاب بتغيير أسماءهم الكردية وهويتهم الثقافية وتعلمهم القسري للغة التركية واطلاقكم على الأكراد (بأتراك الجبال ) رغم معرفتكم الأكيدة بهذا الشعب الصامد بوجه سياستكم الشوفينية المقيتة، إذا كنت تجهل كل هذه الأمور يا سيادة وزير الدفاع ، يكفيك أن تخصص شيئا من وقتك الثمين بدل إطلاقك مثل هذا التصريح أن تشاهد فلم بني وطنك المخرج الكردي الشهير الذي أنكرت حكومتك أرديته مثل باقي المثقفين والفنانين ( الفنان المرحوم يلماز كوناي ) ولو مشهدا واحدا من فلمه الشهير ( الطريق .... يول ) حيث ترى جرائم رجالك من الدرك كيف يقتلون الأكراد باسم المهربين والعصاة حيث المصطلحات المتداولة في خطاب الأنظمة التي تقمع الكرد في أراضيها . وكيف يأمر آمر قوة الدرك أو الجند رمة حسب مفهوم جدك العثماني بان ينقل جثث هؤلاء الأكراد إلى القرية المجاورة وعلى عربة خشبية وكذلك جمع أهالي القرية المنكوبة بأبنائها حول العربة ويطلب إليهم إن كانوا يعرفون أحدا من هؤلاء العصاة أم لا فيجيبون بالنفي خوفا من ديمقراطية بلدك الذي يسعى بكل ثقة أن ينضم للمجموعة الأوروبية ،متصور يا سيادة وزير الدفاع إلى أي مدى يذل جيشك المؤمن بحقوق الإنسان مواطنه الكردي و تجريده من كل الحقوق مثل إنكاره عليه هويته وثقافته ولغته القومية ، إذن لماذا هذا التباكي على الآخرين وأنت تنكر حقوق الملايين من الكرد في كردستان الشمالية ، فقليلا من الأنصاف يا (..... أوغلو)
وعليك تعتذر ومجلسك العسكري الحاكم في تركيا من الأمة الكردية المجزأة بفعل سياسة جدكم المرحوم الاستعمار ( فرّق تسد ) وكما نعرف إن الإمبريالية لا تدمر شعوب وثقافات البلدان التي تحتلها كما يقول عالم الاجتماع السياسي التركي ( إسماعيل بيشكجي ) وإنما فرق وتسد ودمر هي سياسة المتعاونين الإقليمين في المنطقة .وعل سبيل المثال تصريحك الأخير وتهديدك لاحتلال كركوك والموصل . ويمكننا في السطور الأخيرة أن نستنتج شيئا واحدا وهو الخوف من المستقبل الذي يحمل إليه والينا مفاجآت سارة وخلاص الشعوب من الأنظمة الاستبدادية و الديكتاتورية العسكرية التي باتت لا تتلاءم وطموح الشعوب التواقة للحريات والحقوق السياسية مثل باقي شعوب العالم ....
نه به ز الداوودي
السويد
الهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ * هو احمد خاني المولود في منطقة هكاري ( كردستان الشمالية عام 1650 م والمتوفى عام 1707 م في منطقة بايزيد الشرقية . صاحب الملحمة الشهيرة مم وزين ، ويعد من الشعراء الفطاحل إضافة إلى كونه من كبار رجال المتصوفة .
2 ـ احمد خاني شاعرا ومفكرا وفيلسوفا ، د. عز الدين مصطفى رسول ، بغداد مطبعة الحوادث 1979 .
3 ـ الأكراد وبلادهم كردستان بين سؤال وجواب . د. زهير عبد الملك ، مطبعة ابيك 1999 السويد