|
العوامل الثقافية وتشكيل الوعي
ضمد كاظم وسمي
الحوار المتمدن-العدد: 3432 - 2011 / 7 / 20 - 20:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في المجتمعات المتحضرة يعتبر المثقفون المحرك الإجتماعي الفاعل لبلوغ الأمة ماتتوخاه من قيم وأهداف سامية .. لأنهم العقول المفكرة التي تضيء الدروب لمجايليهم من العامة ، ولاتصادر أفكارهم بله عقولهم بقدرما تفتح السبل الجلية أمام تلمسها لجسور التطور والتقدم . فالمثقف الحق هو ضمير الأمة المترع بالشعور الأنساني لأفراد هذه الأمة . لذلك نرى أن الوعي الإنساني في المجتمعات المتحضرة يعطي العوامل الثقافية أهمية حاسمة في تزويد السياسة والإقتصاد والإجتماع بكل مقومات التقدم بما تغذيها من نسغ الإبداع الثقافي . بينما لم يزل الوعي العربي يرتاب من أهمية المسألة الثقافية في إعادة تشكيل هذا الوعي ضمن المشروع العربي النهضوي بإتجاهاته الفكرية والمجتمعية والإقتصادية والسياسية .. إذﹾ لازال الوعي العربي مقمط الإرادة في إطلاق (( طاقة الإبداع )) لأنه إستنزف ذاته وأضاع فرصه وهدر وقته في إستهلاك وإجترار إستيهاماته وأوهامه ، ليجدد ذاتاً لكنها محبطة ، ويدخل معارك لكنها دونكيشوطية .. يتطلع الى المسألة الثقافية بدون حماسة ولا أقدام لأنه إستدونها كثيراً ولم يرَ الى أنها تنجز شيئاً ، منصرفاً الى غيرها من العوامل الواهنة ، متوسلاً بغير أهله لسد فاقته .. وإنتهى وعينا العربي أخيراً من الفراغ من المسألة الثقافية التي أعياه أمرها ، الى جعلها محفلاً من محافله التي تؤبد خيالاته المريضة وتمجد آسناته السرمدية ، وتجمل تمظهراته القبيحة . إن وعينا يمارس لعبة خطرة وهي الإعتزاز المفرط بـ (( الجرح النرجسي )) الذي يكرس المزيد من الإنغلاق والإنطواء والشعور بالعظمة الكاذب تجاه ثقافة الآخر .. الأمر الذي جعل الآخر يبادلنا ذات اللعبة المخادعة .. حتى صارت أجياله الجديدة لاتعرف شيئاً عن ثقافتنا إلا بوجهها الأكثر قتاماً وتخلفاً ونفرة .. ذلك يملي على ثقافتنا الإنفتاح على الثقافة الغربية ، لأن الثقافة التي تخاف الآخر إنما هي ثقافة هشة ومهزومة .. ولابد من الإهتمام بموضوعة ثقافة التغيير والإصلاح من الداخل الذي ينشد المزيد من الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان وتجسير الهوة بين الثراء العربي الفاحش والشعوب العربية الفقيرة .. إذ أننا أمام ظاهرة مرعبة في الوطن العربي : (( نحن أمة غنية وشعوب فقيرة )) الأمر الذي يجترح نزعة الإنفجارات والتكفير والقبول بأسوأ الحلول حتى لو كانت من الخارج وتحت وطأة ثقل البسطال الأمريكي ، لأن الإصلاح في كل المضامير بما فيها الثقافة كعامل فاعل لعولمة العالم الذي يريد أن يصنع إستقراره ويؤمن مصالحه ، وهو واقع ضمن قطار العولمة شئنا أم أبينا في اي حال . إن مأساة المسألة الثقافية في وعينا العربي ناجمة عن إجتماع عوامل عديدة (( قد يكون أهمها سقوط الوعي تحت وطأة الإغراء السحري الزائف )) للنزع التي إستبدت بالفكر العربي قديماً وحديثاً .. كالنزعة الدينية وتكريس الماضوية وإستبداد التراثوية ، فالمنظومة التشريعية والفكرية لدولة الخلافة جاهزة للنصب والتشغيل . والنزعة القومية التي تقوم على النظرية العرقية للتاريخ وترى أن القومية تستبطن العقلانية . والنزعة الماركسية التي تجد في التحليل الإقتصادي نموذجاً يحتذى ومطلباً يسعى اليه لحل مشكلة الوعي العربي الذي يكمن في الفكر المادي والصراع الطبقي . في أعماق المثقفين العرب جراحات نازفة لايكتفي المثقف النبيل بلعقها ، بل بالبحث عن دواء إبرائها فضلاً عن أسباب كينونتها .. وهذا لايتم إلاّ بالإصطدام بالواقع الموبوء بالإبتذال .. أملاً في تحريك قيم العدل والحرية المطموسة بكل موبقات الماضي وتفاهات الحاضر وهزائمه التي أستولدها الإستبداد السياسي ذو الجذور التاريخية العميقة والتكريس الديني المنحدر بقوة رهيبة من قيعات الماضي .. بل وحتى من المتشدقين بالإنسانية والحداثة والعلمانية لأنه ثمة بحر مسجور بين أفكار التحديث وبين واقع المجتمعات العربية ، فأين يكمن خللنا السرمدي هل في الثقافة العربية ؟ أم في عجزها على التثاقف والتلاقح مع الآخر ؟ أم الخلل في وسائل الإستنهاض المتبعة ؟ أم في الفشل في توصيل الفكرة المتنورة الى عقول مجتمعاتنا وأضاءتها ؟ .. كل هذا التخبط صار يؤشر لاجدوى الثقافة وضياع المعنى !!! .. إن تجربة الإخفاق العربي المعاصر .. وعودة مسائل مهمة كالدين والقومية والأقليات الى واجهة الأحداث ولاسيما السياسة في العالم فضلاً عن ميل الصراعات الدولية للتعبير عن نفسها في صورة صراعات حضارية .. كل ذلك يفعّل أهمية عودة المسألة الثقافية بإحتسابها في عداد العوامل الأساسية المحركة للتاريخ .. بل صار الطلب المتزايد على العوامل الثقافية سواء في العملية السياسية أو في الصراعات الدولية رغم أن (( السياسة تميل – في المجال الوطني والدولي – الى انتاج نظامها الخاص المستقل ، المتحرر من ثقل البنى الثقافية والحضارية ، من حيث انها ( نعني السياسة ) اصبحت - في العالم المعاصر – ذات طبيعة زمنية مدنية صرف )) .. لكن العوامل غير السياسية ربما كان لها الدور الحاسم في توجيه السياسة وتزويدها بنسغ الحياة وروح التجدد .. (( إن قراءة أحداث السياسة في المجالين معاً ( وخاصة في المجال الدولي ) تقطع بأن العامل غير السياسي – مثل العامل الحضاري – هو عامل لا شعوري فيها وليس مجرد عامل للتوظيف التاكتيكي )) . لو نظرنا الى الوطن العربي كبيئة ثقافية .. فإننا سنعرج على طابعها العام ومشتركاتها العمومية ناهيك عن مقوماتها الأساسية ونتاجها الثقافي ذي السمات الخاصة . فاللغة العربية تعتبر أهم المشتركات للبيئة الثقافية العربية ، لكن ما يميز هذه اللغة الآن أنها مترهلة بأحمال الماضي فضلاً عن عدم بذل الجهود اللازمة لجعلها لغة للعلم (( بجوانبه الفيزيقية والرياضية والطبية في العالم العربي )) .. كذلك هي عرضة لمنافسة جادة من اللهجات المحلية وبصورة متزايدة . وبما ان النظام التعليمي يعد من أهم مقومات البيئة الثقافية ، فإننا لايمكننا الحديث عن نظام تعليمي عربي بل نظم تعليم مختلفة وبائسة .. كما أن الإبداع والموهبة في هذه البيئة لا يلقى الإهتمام المطلوب في إتون بيئة تعمل على (( نفي الأفضل )) وتقديم (( المفضول )) .. كما أن من أهم مقومات البيئة الثقافية هو وجود بناء عقلاني يقوم على أساس الحرية السياسية يتقدمه حوار حضاري وإعتراف بالآخر وبالتالي يؤدي الى حرية فكرية .. لكن في الوطن العربي لايوجد سوى الرقابة الصارمة ، اما الحوار الذي يمكن الاعتراف به فهو الذي يجري من طرف واحد (( حوار الصوت وصداه )) الأمر الذي أفقر البيئة الثقافية العربية وبالتالي شلَّ العملية السياسية للنظم العربية .. فيما يتعلق بالإنتاج الثقافي في الوطن العربي ، لا نريد هنا الآداب والفنون الجميلة على أهميتها .. وإنما الإنتاج الأهم هو أن (( يتم في إطار إتجاهات ومدارس فكرية ، وفلسفات ونظريات تعبر عن تيارات ثقافية – إجتماعية من جهة ، كما تنبيء عن تطورات سياسية وإجتماعية وإقتصادية جرت على مجتمعاتهم من جهة ثانية ، فضلاً عن أنها تحمل المصطلحات والتعريفات والمفاهيم المعبرة عن ذلك كله من جهة ثالثة )) . وبطبيعة الحال لايمكن القول أن الإنتاج الثقافي العربي يتم في أنماط أو يفعل في سياقات تعبر عن ذلك كله . وهذا يوصلنا الى جدلية التصدع التي تحكم العلاقة بين الثقافي والسياسي في الوطن العربي لتنتهي الى تشوش الوعي العربي وضعفه وعدم تماسكه .
#ضمد_كاظم_وسمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأكاديميون والإبداع
-
خيارات تشكيل الحكومة الجديدة
-
الهوى قدر
-
البطاقة التموينية والموت السريري
-
الرأسمالية والإنسانية المعذبة
-
الدمية
-
مأزق العملية السياسية في العراق
-
الجمال بين العلم والفن
-
قرابين الفوز
-
العراق .. والديمقراطية
-
الانتخابات العراقية
-
هذا العراق
-
أسرار الوردة
-
ثنائية الفلسفة والعلم 2
-
ثنائية الفلسفة والعلم ( 1-2 )
-
صمت العدم
-
الوردة البيضاء
-
البداوة السياسية
-
نقد الثقافة العربية
-
عطر القرنفلة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|