سمر الاغبر
الحوار المتمدن-العدد: 3431 - 2011 / 7 / 19 - 10:40
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كثيرة هي القضايا العالقه والمثيرة للجدل والنقاش في مجتمعنا الفلسطيني، إن كان ذلك على الصعيد الداخلي وفي مقدمتها المصالحة وتشكيل الحكومة والأزمة المالية، أو على الصعيد السياسي الخارجي وبخاصة مساعي الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية واستحقاق سبتمبر والمفاوضات .
وأمام هذه التحديات يصبح الفعل الفلسطيني وتأثيره في مجريات الأحداث من أهم العوامل التي ستمكن شعبنا من تحقيق أهدافه الوطنية، لا سيما فيما يتعلق بوحدة الاداء الفلسطيني ووحدة الخطاب السياسي الفلسطيني، وان كان ذلك قد تقدم بعض الشيء في ضوء توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة، فانه لم يصل إلى مستواه المطلوب في ضوء تعثر تجسيد هذه المصالحة ميدانيا، مما يضع أمام القوى تحديات جديدة وبخاصة أمام قوى اليسار الفلسطيني التي يُفترض أن تلعب دورا طليعيا ومؤثرا في توجيه التفاعلات السياسية بالقدر الممكن الذي يساعد في استنهاض الحالة الفلسطينية على مختلف المستويات .
لذا فقد أصبح من الضروري بل ومن الموضوعي تحقيق وحدة قوى اليسار الفلسطيني، باعتبار ذلك من القضايا الهامة والحساسة التي كانت ولا تزال موضع للنقاش والتحليل, بدأ بخلفيات وأسباب تراجع فعل اليسار على الصعيدين العام والخاص وليس انتهاءا بعدم نجاح المحاولات القائمة والصيغ الداعية لوحدة هذا الاتجاه السياسي .
لا يخفى على احد الدور المتميز الذي لعبه اليسار الفلسطيني في المراحل الاولى من النضال الوطني , والذي توج فعله بانخراطه المتميز في الانتفاضه الأولى، حيث استطاع من خلال أطره الجماهيرية التفاعل الجاد في تلك الفترة, وقد لاقى أداؤه قبولا واستحسانا من قبل الشارع الفلسطيني، مما أدى إلى توسيع القاعدة الجماهيرية لهذه الأطر والهيئات، وبالتالي للأحزاب السياسية التي تشرف وتدير عمل هذه الأطر .
وفي تقديري أن أسباب تعثر جهود وحدة قوى اليسار الفلسطيني حتى الآن عديدة، وان كان منها ما هو موضوعي، فإنني أرجح أن الذاتي منها هو الأساس المعيق لهذه الوحدة، وهنا أشير إلى جانبين، أولهما: ما يتعلق بقيادة فصائل اليسار الفلسطيني، وبخاصة في ضوء النتائج المتعثرة للتقدم على طريق هذه الوحدة والتي تسعى للتبلور الآن بين الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب، بان هناك ما يعيق ذلك بسبب الطريقة التي تتعامل بها بعض قيادات هذه الفصائل والتي يغلب عليها أحيانا الطابع الشخصي، وربما مصالح متشابكة هنا او هناك . وثانيهما: مستوى استعداد قواعد هذه الفصائل وأطرها الجماهيرية للعمل المشترك، وهنا أشير إلى أن واقع التعبئة الفئوية والذاتيه لأعضاء هذه الفصائل ما زال يفعل فعلة السلبي في التفاعل والاستجابة لتحقيق هدف وحدة اليسار، وان كانت هناك رغبات واسعة من الكثير من قيادات وكوادر وقواعد هذه التنظيمات لتحقيق هدف وحدة اليسار الفلسطيني.
وعليه فان تحقيق هذا الهدف الهام يتطلب من قيادات فصائل اليسار تجاوز كل التأثيرات التي تعيق تحقيق ذلك، وربط أقوالهم بالأفعال، واهم شيء الابتعاد عن "شخصنة" الأمور، والعمل على إنجاز الحوار بين فصائل اليسار للخروج بوثائق وتوجهات مشتركة تجد طريقها الى التنفيذ، كما هو مطلوب البدء بعملية واسعة في مختلف قواعد هذه التنظيمات لتهيئة المناخ لهذه الوحدة، بعيدا عن منطق الفئوية والتعالي او المزايدة على بعضنا البعض .
وهنا تحتل عملية التهيئة والعمل الميداني المشترك بين أعضاء الأطر الجماهيرية التابعة لهذه الفصائل أهمية كبيرة، باعتبارها روافع العمل، السياسي والجماهيري، وما تجسده بينها من وحدة في كافة الميادين، وبخاصة على مستوى الانتخابات وقوائمها المشتركة، سيساهم بصورة كبيرة في إكساب اليسار قوة وهيبة في أوساط الجماهير التي ستجد في ذلك مشجعا لها للانضمام او العمل مع اليسار في ضوء الابتعاد الكبير من قبلها عن طرفي القطبية الثنائية على الساحة الفلسطينية، وهنا يأتي دور النساء اليساريات الفاعلات في هذه الأطر، لتحتل مكانا مميزا في صياغة هذا التوجه وتفعيله ميدانيا .
لن نناقش في هذه المقالة او نحلل هذه الصيغ فشلها او نجاحاتها وأثرها وواقعها على الأرض,ما يهمني التركيز عليه هو مساهمة الأطر الجماهيرية لهذه الفصائل وبخاصة النسوية منها في توحيد الرؤى على الاقل ,من خلال مواقفها اهتماماتها وأنشطتها لتشكل أرضيه خصبه وممارسه عمليه في القضايا المفصلية ,على ضرورة وأهمية توحيد الجهود لمجابهة الثنائية المفرطة في التعامل مع الشأن العام وحماية لمكتسبات تم تحقيقها على صعيد المطالب الاجتماعية وعدم التراجع عنها، بل ضرورة البناء عليها وتطويرها .
نقر جميعا أن الأطر الجماهيرية وسأخص لاحقا النسوية منها هي مرآة لأحزابها، والعلاقة فيما بينها وتلك الأحزاب علاقة جدليه ,ونقر جميعا ان هذه الأطر في حال تراجع وانحسار لدورها، مما يؤثر سلبا على دور أحزابها, ومع إقرارنا بأهمية دور هذه الأطر، إلا أن مساهمتها في تأصيل الفكر التقدمي الديمقراطي ومبادئ العدالة والمساواة على جميع الصعد باتت أمر ملح يجب الوقوف عليه .
كان قد سبق مؤتمر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية,مجموعه من اللقاءات ضمت الأطر نسويه يسارية (اتحاد لجان المرأة العاملة الفلسطينية –اتحاد لجان العمل النسائي-اتحاد لجان المرأة الفلسطينية-اتحاد العمل النسوي), وكان من أهم القضايا المطروحة للنقاش بلورة رؤية محددة لتوحيد جهود هذه الأطر باتجاه تعزيز وتمكين مكانة المرأة الفلسطينية عامه ونساء اليسار خاصة، تقوم على أساس النظرة التقدمية للمرأة ومساواتها الكاملة للرجل(قضايا اجتماعيه وقانونيه) ,في ظل تنامي الفكر الظلامي في المجتمع، إضافة لما يمكن أن تشكله تلك الخطوات من داعمة أساسية لوحدة اليسار، والمفارقة كانت أن لا خلاف بنظره هذه الأطر للمرأة وللمجتمع الذي نريد , ولا خلاف بنظرتهن أيضا للاتحاد العام للمرأة وما يشوبه من احتكار لطرف معين على حساب جميع مكوناته كما هو حال جميع هيئات منظمة التحرير الفلسطينية, وكان هناك توافق تام بان نوحد الجهود من اجل كسر هذا الاحتكار باتجاه المشاركة الفعلية والعادلة .
ولكن للأسف عندما حان موعد توزيع وتقسيم "الكعكة" إن جاز التعبير, عادت هذه الأطر إلى أحضان تنظيماتها واحزابها في محاوله للاستقواء بها، ولكسب ما يميزها عن باقي الأطر التي من المفترض أن تناضل معها، لتبدأ النزعة الفئوية والمزايدة تحتل المكان الأبرز في العلاقة !! وهذا ما انسحب على العديد من المعارك الانتخابية في العديد من المؤسسات الفلسطينية، رغم أن التجربة تؤكد بان وحدة القوى اليسارية في بعض المعارك الانتخابية قد زاد من قوتها ومن هيبتها وتأثيرها .
ما زال هناك العديد من الدعوات من اجل التقدم على هذا الطريق، وبخاصة من الأطر النسوية، لكن للأسف ولغاية الآن لم تحقق الهدف المنشود , ولم تستطع ان تشكل أرضيه صلبه للبناء عليها في لأجل تحقيق الهدف الأسمى.
بدون أدنى شك ان العقبات والصعوبات عديدة في طريق وحدة هذه الأطر ,الا انني على قناعه أيضا أن ما يجمعها أكثر مما يفرقها ,فهي تقريبا متشابهه في أهدافها ورؤيتها واشكالياتها أيضا, في تحليلها ورؤيتها لاي مجتمع نريد، بما في ذلك الرؤية النسوية القائمة على تحقيق مجتمع تسوده قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
المهمة الأساس الآن والتي لا بد من البدء بها، هي العمل على بناء أرضيه داعمة ومؤسسه لأحزاب اليسار بالفعل لا بالقول , للانطلاق لما هو أوسع واشمل من ائتلافات ديمقراطية على الساحة الفلسطينية تشكل الحركة النسوية أساسا فيها، بدون ذلك ستبقى فصائل اليسار وأطرها الجماهيرية تراوح مكانها وربما تتراجع، وستتكرس حالة الاستقطاب الثنائي المقيتة في النظام السياسي الفلسطيني، والتي يدفع المواطن الفلسطيني ثمنا لها على مستوى حياته اليومية وقوت أبنائه وكرامته الشخصية .
من هنا أتوجه بنداء لكافة النساء الفلسطينيات اليساريات المنضويات داخل تنظيماتهن او ضمن أطرها الجماهيرية، ومن يصنفن أنفسهن كمستقلات، بان يشكلن ضغطا حقيقيا من اجل تحقيق هدفنا السامي والنبيل بوحدة الحركة اليسارية، لأنه بدون تحقيق ذلك فان مستقبل اسود ينتظر المجتمع الفلسطيني وفي المقدمة منه نساء بلادنا.
* عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني
#سمر_الاغبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟