|
أسماء لامعة إعلامياً و معتمة إنسانياً وأخلاقياً
إيمان البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 3430 - 2011 / 7 / 18 - 19:48
المحور:
المجتمع المدني
عندما بدأت مؤتمرات السوريين تُعقد في الخارج كنت سعيدة و متفائلة للغاية لأنني شعرت أن السوريين جلسوا أخيراً حول الطاولة المستديرة ليتناقشوا و يتحاوروا حول همومهم و ليقرروا مصيرهم و ليتفقوا على رؤويا واضحة لمستقبلهم وعلى الرغم من أنني لم أشارك بأربعة مؤتمرات دُعيت إليها إلا أنني دافعت عنها وعن فكرتها لأنني كنت مؤمنة أن السوريين سيجتمعون لما فيه مصلحة الوطن.. خاصةً كون الدماء بدأت ولأننا نمر في حالة إنسانية خاصة ومرحلة حاسمة من تاريخ سوريا....فظننت أن هذا كفيل بأن يكون جميع المشاركين و المبادرين بهذه المؤتمرات راغبين بإيجاد حلول لدعم الثورة السلمية كما لإيجاد رؤويا سياسية واضحة .. طبعاً لن أتحّدث عن أي مؤتمر تم عقده ..لكنني لم أجد لأي من هذه المؤتمرات أي تأثير في دعم الثورة على أرض الواقع!!
بتاريخ 16 تموز كنت أحد المدعوين لمؤتمر الإنقاذ الوطني وفي هذه المرة سارعت لتلبية الدعوة لأن هذا المؤتمر كان بالتزامن مع مؤتمر سيعقد في دمشق و لأن أسماء اللجنة التحضيرية كانت أسماء أحترمها للغاية وكنت أظنها تشكّل قيمة وطنية هامة للغاية ولديها مشروع واضح للإسراع في إسقاط النظام كما لديها آليات لتقليل الخسائر البشرية التي لم نعد نحتملها
وبما أنني لم و لن أكون يوماً شاهدة زور... كما يتوجّب عليّ أن أكون صريحة و واضحة وجريئة في قول ما لدي مهما كلف الأمر..ربما من سيقرأ هذا الكلام سيقول أنني لا أصلح لأكون سياسية فالسياسية تحتاج للمواربة والالتفاف بعض الأحيان لكسب جميع الأطراف...لكن ليس لي أي طموحات سياسية وما أريده فقط أن يعلم أولئك الذين يبذلون أرواحهم رخيصة من أجل سوريا حرّة ماذا يجري بالضبط..كي يعرفوا بيد من يضعون أياديهم وكي لا يثقوا بأي شخص كان ..لأنني لا أريدهم أن ينتقلوا من تحت الدلف إلى تحت المزراب
فمنذ أربعة شهور والسوريون يهتفون أن "الشعب السوري واحد".."الشعب يريد إسقاط النظام".. خرجوا يداً بيد يرتدون إرادتهم ويحملون أرواحهم على أكفهم ..يدفعهم إصرارهم نحو الأمام ليثورا بكل رقي وسلمية كي يستعيدوا حريتهم و ليعيشوا جميعاً بكرامة وعدل و مساواة .. خرجوا ليهدموا أعتى الديكتاتوريات التي سمح لها خوفنا وخوف أباءنا و أجدادنا بأن تتجذّر و تعبث بحياتنا وإنسانيتنا فحّولتنا إلى عبيد صامتة لعقود طويلة .. لم يكن أحد يتخيل أن هؤلاء الشباب سيرسمون خريطة الحرية بأجسادهم المنتفضة بالملايين ..و لم يعودوا نحو الوراء خطوة واحدة رغم الآلاف التي قدموها من الشهداء ومن المعتقلين ورغم تشرد و ضياع و نزوح الكثيرين.. ولأنهم اليوم اقتربوا من عنق النظام أصبح تعامله معهم أكثر وحشية و استشراساً فبات لزاماً على المعارضين أن يغلبوا المصلحة الوطنية على مصالحهم و أطماعهم السياسية ..هذا ما أفهمه أنا ويفهمه و يتوقعه الجميع..لكن....لكن غالبية المعارضين المعروفين الذين شاركوا في مؤتمر الإنقاذ الوطني كانوا بحاجة لإنقاذ حتمي من أنفسهم الراغبة والتواقة للسلطة فقط بغض النظر عن طموح الشعب بالحرية.
نعم.. لقد كانوا يتكالبون وينهشون بجثث القتلى وكأنهم لم يجتمعوا " كما ادّعوا وصرحوا" من أجل البناء و الاتفاق بل للهدم و الاقتتال على الحصة الكبرى ..وكأنهم لا يسعون لتشكيل هيئة انقاذ مؤقتة بل يسعون ليكونوا في السلطة للأبد... تورّمت وانتفخت أناتهم العفنة بدقائق.. و ظهرت معالم الدكتاتور الكامن في نفس كل واحد فيهم..ذلك الدكتاتور القبيح الذي يتوق للكرسي و المنصب .. نسوا أن السوريين ينتظرون هذا المؤتمر الذي وعد بدعم الثورة كما إيجاد بديل سياسي واضح.. كما نسوا أن الكثير من المشاركين يسمعون و يشاهدون و أتوا وكلهم أمل بهذه الشخصيات المعروفة والتي يعتبرها الكثيرين رموز وطنية.. لم يكترثوا لأحد و اقتصرت المشاركات على الأسماء المختارة مسبقاً "من الرجال طبعاً" وضمت الشخصيات المعروفة وشركائهم في هدفهم لانتقال السلطة إليهم ..كما شارك بعض أصحاب الصوت العالي الذين صرّحوا بأنهم يريدون حصة من الكعكة المُعدّة من جثث الشهداء والمُزيّنة بدمائهم و دموع أهاليهم ..
نرجسيتهم أنستهم كل شيء فلقد كان هناك تغييباً فاضحاً للمرأة وتغييباً مقصوداً للشباب الثائرين أصحاب النوايا الطيبة و الذين تجاوز عددهم المئتين ورغم ذلك لم يكن لهم مشاركات تذكر .. لقد تأملوا خيراً في هذه الوجوه والأسماء المعروفة وأتوا ليعملوا معهم من أجل دعم ثورة أهلنا في الداخل...لكن أولئك الذين ادعوا أنهم أتوا ليشكلوا حكومة إنقاذ من أجل مصلحة سوريا "كما كنا نتمنى" كشفوا عن أقنعتهم منذ الدقائق الأولى وتبيّن أنّ هناك أهداف أخرى لا علاقة لها بأهداف الثورة وهم يريدون إسقاط النظام ليخلفوه ..
لقد كان واضحاً صراع بعض الشخصيات والأحزاب التي شعرت أنه من الممكن أن تكون حصتها صغيرة .كما ثار أولئك الذين شعروا أن رغباتهم وطموحاتهم كما يريدونها بالضبط لم تكن مُتضمنة..أولئك كانوا هم المشاركين ..أما البقية وأنا من بينهم فكنا فقط متفرجين وما كُتب على بطاقتنا أننا مشاركين كان كذباً فهم لم يسمحوا لنا بالمشاركة بشيء حتى أنهم لم يعرضوا علينا الوثيقة التي من المفترض أننا أتينا لنناقشها إلا بعد خمس ساعات من بداية المؤتمر ..لقد قدموا لنا الوثيقة في الوقت الذي كان مخصصاً لانتخاب الأعضاء ...طبعاً نحن لم نعد نعرف حينها إن كانوا ينتخبون أشخاص ليشكلوا حكومة ظل أم هيئة إنقاذ أم لجنة للدعم فلقد خلطوا الأوراق ببعضها ..وكانوا يدّعون أنهم يستشيروننا ويختارون من يشاؤون للحديث ورغم ذلك لا يتخذون قراراً بأي شيء من المقترحات التي كان بعضها جيداً...وكأنهم يتركون الوقت كي ينفذ وتأتي لحظة الحسم وتتم الموافقة على ما أرادوه..وكلما حاولنا الضغط و طلبنا الكلام قالوا لنا أن الوقت ينفذ ولا وقت لديهم....حتى أنني خرجت وطلبت من الشخص الذي يدير الجلسة أن أتكلم فقال لي أنه تم اختيار امرأة لتتكلم عن النساء...ولا أفهم لماذا لم يتم اختيار رجل أيضاً ليتكلم عن الرجال!!!! ألم نكن حينها سننتهي بسرعة كما كانوا يريدون؟؟؟ وهل المهم أن ننتهي بسرعة أم أن نصل لنتيجة كان ينتظرها جميع السوريين بترقّب شديد؟؟ وهل تشكيل حكومة إنقاذ هي عملية سلق بيضة للفطور؟؟
بصراحة تمت دعوتنا لنكون "كمالة عدد" كي يملؤوا بنا المقاعد الكثيرة بقاعة تتسع لخمسمائة متفرج كتبوا على بطاقاتهم مشارك وهذا غير حقيقي...حتى أنني علمت من أحد المنظمين أنهم لم يقرأوا الاقتراحات التي أرسلناها لهم قبل المؤتمر.. لقد طلبوا على ما يبدو أن نرسل اقتراحاتنا فقط كمجرد بروتوكول ..لكن مصير اقتراحاتنا الكثيرة كان سلة مهملات البريد الالكتروني الذي أرسلت إليه
في القاعة الأنيقة علت الأصوات و تشاجروا فيما بينهم لا من أجل الدم المهدور على الأرض بل من أجل مصالحهم القبيحة...فهذا أعلن تغيير هدف المؤتمر ثم خرج ليتكلم على الفضائيات بأنه لا يقبل بما يحدث وبأنه الشريف الوحيد...وذاك خرج معلناً انسحابه من المؤتمر ثم عاد بعد أن أغروه بقطعة من الكعكة ...و الآخر عندما لم يوافق البعض على قائمته التي زكّاها للانتخاب خرج منزعجاً و قال لنا: "بشار الأسد كتير عليكم" .. ثم أعادوه بعد قليل والناس تهتف باسمه!!!! ثم وافق الأغلبية على قائمته التي شُكلت حسب المصالح والتي كان ابنه واحداً منها...وكأن التاريخ يعيد نفسه حيث الآباء يجهّزون أبنائهم للخلافة ..أو ربما في هذه المرة الأبناء يستغلون أسماء آبائهم ليتسلّقوا كرسي السلطة من خلالها..لكنها بالنهاية المصيبة ذاتها و الكارثة ذاتها. طبعاً وقد ضمّت قائمة "الإنقاذ هذه" الأسماء الأساسية المُختارة مسبقاً ..وأسماءً جديدة قامت بتهديدهم أنهم في حال لم يضعوا أسمائهم في القائمة فسوف يقلبون المؤتمر رأساً على عقب.. ومنهم من قالوا أنهم سيفضحونهم في أمريكا حين يعودون إليها ..وهذا قال أنه سيحرض العشائر عليهم... و هذه قالت .. و هذا قال...وووو أشياء مشينة للغاية..هذه الأسماء الخمسة والعشرين التي تم "اختيارها "أسماء ملطخة بالدماء ..على الأقل دماء أولئك الشباب الذين قتلوا وأصيبوا في القابون كي يُعقد مؤتمر الإنقاذ في دمشق لكنهم استشهدوا و جرحوا وهم اليوم خسارتنا الكبرى
أقولها بصراحة لشباب الداخل وشباب التنسيقيات هبّوا و شكلوا ممثلين عنكم و شكلوا حكومة الظل أو المجلس الانتقالي المؤقت أنتم و دعكم من هؤلاء الديكتاتورين القبيحين... أنتم يا شباب من صنعتم الثورة وأنتم من لديكم عقول وإمكانيات قادرة على الانتقال نحو المرحلة القادمة..دعكم من الشخصيات المعروفة "أو بالأحرى التي أصبحت معروفة بفضلكم فأنا شخصياً لم أكن أعرفهم قبل أن تشقوا وتمهدوا لنا طريق الحرية بشجاعتكم و بطولتكم" دعكم من هذه المومياءات العفنة دعكم من هذه المتحجرات التي فقدت أي شعور إنساني أو وطني..
غالبية هؤلاء يتاجرون بكم و بدمائكم ثم يظهرون أمام الفضائيات ليتحدثوا عن حزنهم لأجلكم و هذا كذب وأنا مسؤولة عن كلامي..لا تتشائموا من كلامي بل كونوا حذرين ..كما أنه رغم كل شيء فأؤكد لكم أنني التقيت بالكثير من الشباب والشابات الذين أتوا من كافة أنحاء العالم ولديهم كل الرغبة بأن يكونوا معكم في ساحات سوريا .أتوا فقط من أجلكم ومن أجل سوريا..أنتم و هؤلاء الشباب المفكرين الحقيقين ..وليسوا أولئك الذين جاؤوا إلى المؤتمر متأنقين و يوزّعون علينا بطاقات طُبع عليها المفكر فلان.. و البروفسور الدكتور علاّن.. و صاحب المؤسسة السياسية أو الإنسانية علاّك البان.
أكملوا أنتم الطريق وحافظوا على سلمية ثورتكم الرائعة ودعكم من الشخصيات المعروفة فغالبيتها مجرد أسماء لامعة إعلامياً و معتمة إنسانياً وأخلاقياً ...و الحياة القادمة لكم والروح الحقيقية كامنة فيكم
أكملوا الطريق فالحرية باتت على بابكم
#إيمان_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميثاق شرف بين المعارِضين السوريين (قوى سياسيّة و مستقلين)
-
فلنجهض هذا الجنين
-
ماذا سنفعل بعد الثورة؟؟
-
إذا الشعب السوري أراد الحياة
-
أجنحة الذاكرة
-
كفى عاراً أيها المثقفون
-
هل أسماء الأسد هي السيدة الأولى؟؟
-
ربيع الأصابع المقطوعة
-
كيف.. و إلى متى؟
-
الأقلام الرمادية و قطار الحرية
-
سوريا ليست أكوام الحجارة
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو وجالانت لارتكا
...
-
الجنائية الدولية تصدر أمر اعتقال بحق قائد كتائب القسام محمد
...
-
حيثيات تاريخية لإصدار أمر اعتقال نتنياهو وجالانت لارتكاب جرا
...
-
وزيرة إسرائيلية تصف مذكرات الاعتقال الدولية الصادرة ضد نتنيا
...
-
بن غفير يدعو إلى فرض السيادة على الضفة الغربية ردا على مذكرا
...
-
قيادي لدى حماس: مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت تؤكد أن العدال
...
-
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ويوآ
...
-
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الجنائية الدولية: توجيه تهم ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية ل
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|