كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3428 - 2011 / 7 / 16 - 00:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصراع الطائفي الذي بدأ مع تشكيل مجلس الحكم المؤقت, دون الخوض ببعده التاريخي في فترة الحكم الملكي والفترات اللاحقة, ما يزال يتأجج ويتفاقم يوماً بعد آخر ويتخذ أبعاداً جديدة ومريرة, إذ يمكن أن يقود البلاد إلى متاهات مرعبة وعواقب وخيمة, رغم إن جميع القوى والقوائم الطائفية المشاركة في الحكم تدعي خلاف ذلك وترتدي لباس الدعوة للمواطنة الحرة والمتساوية, ولكن في حقيقة الأمر إنها لا ترتدي لباس الطائفية المقيتة فحسب, بل وتتدثر به تماماً وتمنع عن شعب العراق رياح التغيير الديمقراطي. والمشكلة في الجوهر تكمن في وجود أحزاب دينية سياسية, وهي في هذه الحالة لا يمكن أن تقوم إلا على أسس دينية مذهبية ذات وجهة سياسية طائفية وتعتمد في الممارسة العملية التمييز بين المواطنين على أساس الدين والمذهب والفكر, كما يعمل بعضها على إقصاء البعض الآخر إن تسنى له ذلك, لأن شيوخ الدين في الطرفين على امتداد قرون وعقود كثيرة قد لعبا دورا كبيراً في نشر العداء وروح الكراهية بين أتباع المذهبين وضد أتباع الديانات والأفكار الأخرى. والمشكلة تبرز بشكل أشد وأكثر خطورة حين يكون المجتمع غير محصن بعمليات التنوير الديني والاجتماعي وبالوعي السياسي الكافي بما يسهم في إفشال مشاريع القوى والأحزاب الطائفية التي تشق بوجودها السياسي ونشاطها المجتمع إلى جماعات جينية وم1هبية متناحرة وتمنع عنه وحدته الوطنية وتمزق نسيجه الاجتماعي, إذ أن هذه الأحزاب تستثمر الجهل والوعي الديني المزيف لتعبئ أتباع الدين والمذهب الذي تنتمي إليه حولها وتخوض الصراع السياسي بها وتحول ذلك الصراع إلى نزاع سياسي يتخذ أبعاداً خطيرة وأشكالاً مختلفة بما في ذلك ممارسة العنف المتبادل واستخدام السلاح والقتل على الهوية الدينية والمذهبية والفكرية. وقد عاش العراق هذه الفترة بكل أبعادها وكوارثها المريرة, كما إنه ما يوال لم يتخلص منها.
وتزداد هذه المشكلة الطائفية خطورة وقسوة حين ينتقل هذا الصراع الطائفي إلى الفئات المثقفة الأكثر وعياً في المجتمع, وخاصة حين يتم تبني هذا النهج المدمر من قبل بعض القوى والعناصر الديمقراطية العلمانية التي لم تكن قبل ذاك قد انخرطت في أجواء الصراع الطائفي بل كانت دوماً ضد السياسات الطائفية المقيتة ولعبت دوراً مهماً في النضال من أجل وحدة الشعب وقواه الديمقراطية. وبغض النظر عن العوامل التي تدفع بهؤلاء إلى اتخاذ مثل هذه المواقف الجديدة إزاء الطائفية وبعض قواها السياسية, رغم إنكارها تبني مثل هذه المواقف, وهي كثيرة ولكنها غير مبررة وسقيمة, فأنها تشكل ردة فكرية وحضارية, سواء أكانوا فقي الطرف الشيعي أم الطرف السني. إن الوقوع في حبائل الطائفية السياسية ينشأ أحياناً غير قليلة من مواقع قومية شوفينية وأخرى قومية ضيقة وأحياناً ثالثة بذريعة الدفاع عن مظلومية تاريخية لحقت بطائفة معينة دون غيرها ولا بد لها أن تتمتع بدورها في السيطرة على الحكم بذريعة الأكثرية والأقلية. كما إن القوى الطائفية الأخرى تدعي تغييبها عن القرار السياسي وعن الحكم الذي يفترض أن تكون فيه وعلى رأسه من منطلق أنها كانت تمتلك الحكم كله, في حين أنها الآن لا تقود الحكم كما كانت في السابق ولا تمارس دور الفاعل فيه. وفي كل الأحوال فأن المنطلق الأساس في الحالتين طائفي مقيت لا يعتمد مبدأ المواطنة الحرة في الوطن الواحد, بل يعتمد على كانتونات يراد إقامتها تستند إلى الطوائف الدينية, وأن يكون الحكم بيد الطائفة الأكثر سكاناً وليس على أساس الكفاءة والمواطنة والجهد الذي يبذل لصالح الشعب كله. وهكذا يمزق الوطن بين حانة ومانة!
إن تحول المثقف الديمقراطي أو الشيوعي أو الاشتراكي إلى المواقع الطائفية يعتبر نكسة وارتداد اجتماعي ويؤكد في الوقت نفسه عن ضعف الوعي بتلك الأسس التي تبناها قبل ذاك وخاض من أجلها النضال الطويل وتعرض للمضايقات والهجرة أو السجن من جهة, كما تعبر عن قوة الموروثات الاجتماعية المتخلفة والبالية التي نشأ وترعرع فيها هذا المثقف أو ذاك ولم يستطع الخلص منها رغم مرور سنوات طويلة من جهة ثانية, وضعف الثقافة الوطنية العامة لهذا الشخص أو ذاك ووعيه بحقوق المواطنة وحقوق الإنسان حتى لو سود لنا عشرات بل مئات الكتب في الحديث عن المبادئ التي يؤمن بها,إذ إن الممارسة اليومية تكشف عن جوهر آخر. يضاف إلى ذلك حدة الصراع الطائفي السائد في البلاد وفي المنطقة الذي يمكن أن يجر إليه جمهرة من المثقفين السطحيين.
وحين يُحكم الوطن من خلال الأحزاب والقوى الطائفية السياسية, كما هو حال لبنان والعراق مثلاً, وأياً كانت الطائفة الحاكمة أو توزيع الحكم في ما بينها, ستشعر القوى التي تدعي تمثيل هذه الطرف أو ذاك بالغبن والأخر بالهيمنة, عندها, وهو ما يعيشه لبنان والعراق في المرحلة الراهنة, يسعى كل منهما إلى تغيير المعادلة لصالحه ويتفاقم الصراع. وحين يصعب حسمه داخلياً وبقواه الذاتية, يبدأ كل منهما بالتوسل بوسائل غير شرعية ويمارس أساليب قاهرة, إضافة إلى الاستنجاد بقوى ودول الجوار لمساعدته في ما يسعى إليه. وهذا ما يحصل اليوم في لبنان وفي العراق. وإذ نترك لبنان جانباً ونعير اهتمامنا للعراق الجديد سنجد أمامنا واقعاً أثيماً وأليماً حقاً, إذ لا يخدم بأي حال الشعب العراقي ولا حتى أتباع المذاهب الدينية المختلفة, بل إنه يقود البلاد إلى مخاطر جديدة وأزمات حادة وعواقب يمكن أن تقترن بمزيد من سفك الدماء والخسائر المادية والحضارية.
فاللوحة السياسية التي أمامنا تشير بما لا يقبل الشك إلى استنجاد الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية العربية بالحكم في إيران وبالولي الفقيه فيها, في حين تستنجد الأحزاب الإسلامية السياسية السنية العربية التي تغطي أهدافها بمسحة قومية يمينية بالحكم السعودي وبحكومات وقوى في الخليج العربي, إضافة إلى الحكومة التركية لتعزيز مواقفهما السياسية وصراعهما السياسي حول السلطة ووجهة التطور في العراق. إن هذا الواقع لا يمنع وجود قوى ديمقراطية في هذا الطرف أو ذاك أو في قوائم مشكلة من تلك الأحزاب لا يمكنها تغيير الواقع فيها وتماشي السياسات الجارية لتلك القوائم متوهمة شيئاً آخر. كما إن الصراعات في ما بين القوى والأحزاب الإسلامية السياسية والقومية بارزة لكل ذي عينين مفتوحتين وبصيرة واعية. إن إنكار ذلك لا يساعد على الخلاص من كل ذلك ومن عواقبه. إنه صراع على السلطة والنفوذ والمال بين الأحزاب والقوائم الشيعية من طرف والأحزاب والقوائم السنية من طرف آخر, كما أنه يجري في ما بين قوى وأحزاب داخل هذين الطرفين.
قبل عدة أسابيع نشرت مقالاً حاولت فيه تحليل الواقع السياسي العراقي أشرت فيه إلى هذه الصراعات التي تتفاعل بقوة ولا تبشر بالخير للعراق, وإلى الدول المجاورة والقوى السياسية فيها التي تعمل على تأجيج هذه الصراعات وتشديدها من خلال تقديم الدعم والمساندة المتنوعة لهذا الطرف أو ذاك. ولا يمكن أن ينكر هذا الواقع من يمتلك بصيرة عادلة وواعية وواقعية وحس ديمقراطي يصب لصالح العراق ووحدة الوطن.
ويبدو أن هذا التحليل لم يعجب القوى الطائفية المتصارعة, إذ يرفض كل منهما خمس مسائل جوهرية:
1. يرفض الاتهام بكون هذا الطرف أو ذاك يعمل لهذه الطائفة الدينية أو تلك, بل يعمل لصالح الشعب العراقي كله.
2. يرفض كل طرف وجود صراعا داخلية بين قواه وأحزابه العديدة, بل أن جميع القوى موحدة في الموقف وملتفة حول زعيمها.
3. إنها لا تستنجد بالقوى الخارجية, سواء أكانت إيران أم السعودية أم الدولة التركية أم غيرها.
4. وإنها لا تحصل على مساعدات ودعم مباشر وغير مباشر من تلك دول وقوى الجوار.
5. ليست السلطة والمال والنفوذ والجاه همها, بل همها الشعب العراقي لا غير.
كنت أتمنى أن لا يفوت على العناصر الديمقراطية الواعية في الطرفين خطأ هذا الرفض, فكل هذه الأمور لم تعد تخفى على أحد في العراق وفي الخارج, وكم كنت أتمنى على الديمقراطيين النضال لإبعاد القوى التي يعملون معها عن هذه المسائل الفعلية القائمة على أرض الواقع ويلمسها كل الناس إلا السياسيين الذين لا يريدون ذلك.
بعد نشر تلك المقالة وصلتني رسالة من صديق احترمه كثيراً يرفض تقديراتي بوجود صراعات داخل القائمة العراقية من جهة, ويرفض حصول دعم للدكتور أياد علاوي والقائمة العراقية من السعودية وتركيا ودول الخليج العربي. وأشير هنا بأن من حق هذا الصديق أن يرفض تبنى وجهة النظر هذه, وأن يرفض تحليلي وتقديري للصراعات الجارية في البلاد والمنطقة. وليس هذا بالأمر الغريب, إذ الاختلاف في وجهات النظر مسألة صحية واعتيادية, ولكن الغريب في الأمر أن يتجرأ الصديق ويطلب مني أن لا أنظر إلى القائمة العراقية "بعيون حزب الدعوة". وهو اتهام يقول للدكتور كاظم حبيب: لا تنظر إلى القائمة العراقية والدكتور أياد علاوي بعينين شيعيتين طائفيتين, كما هي عيون حزب الدعوة. وكان قبل ذاك من تجرأ واتهمني بأني أعاني من "عقدة شيعية" لأني أمارس النقد إزاء سياسات الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية. واليوم تبرز اتهامات كثيرة منها مثلاً اتهام الشيوعيين بالغوغائية لأنهم شاركوا في مظاهرات فرضت على رئيس الوزراء إعادة النظر بالكثير من الأمور, بغض النظر عن مدى قدرته على تنفيذها.
لم أرغب بالرد على التهمة القبيحة الخاصة بعيون حزب الدعوة واعتبرتها زلة قلم أو محاول ابتزاز فاشلة أريد لصقها بشخصي مباشرة وبرسالة شخصية, إذ إن الواقع يشير إلى تفاقم هذا الصراع الطائفي في العراق, إذ اختلط الحابل بالنابل وضاعت الكثير من القيم والمعايير التي تحكم مبدأ المواطنة وتميز بدقة متناهية بين عيون وفكر المواطنة وعيون وفكر الطائفية السياسية التي ابتلي بها العراق بعد جرائم صدام حسين وحزبه البعثي الدموي في العراق. أما صاحب العقدة الشيعية فقد تراجع عنها وأدرك خطأ ذلك الاتهام. فمن يتبنى ويلتزم بالفكر الديمقراطي والتقدمي العلماني عن وعي ومسؤولية لا يمكن أن يصبح طائفياً أو ينظر إلى الأمور من زاوية مذهبية, بل لا بد أن يمتلك أفقاً أوسع وأرحب من كل ذلك. ولا بد لمن اتهم الشيوعيين والديمقراطيين الذين تظاهروا أيام الجمع المنصرمة بالغوغائية والقطيع أن يتراجع عن هذه الاتهامات النزقة التي لا تنسجم مع طبيعة الأحداث ولا مع طبيعة ومواقف الذين وجهوها وتاريخهم النضالي ولا مع الحق الذي منحه الدستور بالتظاهر ولا مع إصرار الحكومة برئاسة المالكي على استخدام أساليب غير ديمقراطية في اعتقال أو اختطاف وتعذيب المتظاهرين كما حصل أخيراً وقل ذاك ايضاً.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟