أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - تمخض الجبل فولد فأرا















المزيد.....

تمخض الجبل فولد فأرا


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 23:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه قراءة أخيرة في النقاط المتبقية (10-13) في مقالة المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي (الإسلام والمواطنة):
http://www.ghannoushi.net/index.php?option=com_content&view=article&id=417:mouatana&catid=25:fikr&Itemid=2
في النقطة العاشرة يقول ((كما أننا على تمام الثقة في قدرات الإسلام التنموية على صعيد تأصيل فكرة المواطنة في ثقافتنا والديمقراطية والمجتمع المدني، وأن السلم هو الأصل في العلاقة مع غير المسلم، وأن الجهاد لم يجعل أداة للدعوة إلى الإسلام أو لفرضه على مخالفيه أو لاستئصال الكفر من العالم، فكل ذلك مباين لنصوص وروح ومقاصد شريعة جاءت لتعلي من حريات الإنسان وتحيله بعد إقامة الحجة عليه مسؤولية مصيره "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة" (انظر التفسير) (الأنفال-42) و"لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" (انظر التفسير) (النساء-165) وإنما هو سبيل لدفع العدوان وإتاحة حرية الاختيار والعبادة للناس آمنين من كل فتنة وإكراه وحسابهم على الله (انظر المؤلف الضخم المهم للشيخ يوسف القرضاوي "فقه الجهاد".)).
لقد قرأنا في النقطة الثالثة التي سبق أن كانت محلة قراءتي، قول السيد الغنوشي: ((وفي السياق الإسلامي تمتّع أهل ديانات وأعراق مختلفة بحقوق المواطنة أو بكثير منها في ظل حكومات إسلامية عبر تاريخ الإسلام الذي برئ من حروب الإبادة والاضطهاد الديني أو العرقي)).
وفي النقطة الرابعة قال: ((لقد تمتع سكان المدينة من غير المسلمين بحقوق المواطنة)).
وفي النقطة الخامسة كتب: ((وبينما تمتع كل الأقوام وأتباع الديانات ممن يقيم في أرض الدولة بحقوق المواطنة)).
وفي النقطة السابعة كتب ((فإذا كانت هذه هي المواطنة قد تحققت في التجربة الغربية في سياق الدولة القومية العلمانية، فتلك واقعة وليست قانونا لأنها قد تحققت قبل ذلك على نحو أو آخر في سياق التجربة الإسلامية وحسبما سمح به مستوى التطور البشري)).
وها هو في هذه النقطة العاشرة يكتب ((كما أننا على تمام الثقة في قدرات الإسلام التنموية على صعيد تأصيل فكرة المواطنة في ثقافتنا والديمقراطية والمجتمع المدني)).
وهو ما يعني أن فكرة المواطنة ليست أصيلة ولا متأصلة في ثقافتنا الإسلامية ولا فكرة الديمقراطية والمجتمع المدني، وبالتي فكل ما قاله سابقا حول وجود مواطنة تمتع بها المسلمون وغير المسلمين في رحاب الدولة الإسلامية مجرد ذر الرماد في العيون، بالنظر إلى أننا مازلنا حتى اليوم، كما يقول، في حاجة إلى تأصيل هذه الأفكار في ثقافتنا، وهو صادق في هذه النقطة، لكن صدقه كان قد صادره هو بنفسه في مزاعم سبق لي دحضها.
وبما أن هذه الأفكار أو القيم ليست أصيلة في ثقافتنا فلا بد أن قيما أخرى تناقضها كانت متأصلة، فالطبيعة تخشى الفراغ، فعدم وجود ثقافة مواطنة متأصلة يعني وجود ثقافة تمييز بين المواطنين تخدش هذه المواطنة، كما يعني وجود الاستبداد محل الديمقراطية ويعني سيادة ثقافة الطائفة والقبيلة والمذهبية المغلقة وما تفرزه من تناحر وتقاتل محل المجتمع المدني. وهذا فعلا ما كان سائدا في المجتمعات الإسلامية شأنها شأن غيرها من المجتمعات البشرية القديمة التي كان يسودها التوحش وإرادة القوة ومنطق الغلبة في ظل الأديان وخارجها. لهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن نعترض على الكاتب وهو يكتب: ((وأن السلم هو الأصل في العلاقة مع غير المسلم، وأن الجهاد لم يجعل أداة للدعوة إلى الإسلام أو لفرضه على مخالفيه أو لاستئصال الكفر من العالم، فكل ذلك مباين لنصوص وروح ومقاصد شريعة جاءت لتعلي من حريات الإنسان وتحيله بعد إقامة الحجة عليه مسؤولية مصيره)).
فلم تكن علاقة المسلم بغير المسلم سلمية، وكيف يكون ذلك بينما حتى علاقة المسلم بالمسلم لم تكون سلمية، بل هي علاقة خضوع وإخضاع ساهمت فيه النصوص الإسلامية غير الدقيقة والقابلة لكل تأويل بحيث أدت إلى تشظي المسلمين باكرا رغم أنها وحدتهم للخروج من صحرائهم لغزو العالم تحت لواء الجهاد وتبليغ رسالة ربهم. لقد كان انتشار الإسلام في القرون الأولى كلها يعتمد على الغزو والاحتلال والاستعباد خاصة عندما تهب الشعوب لمقاومتهم. مصير الأراضي المفتوحة عنوة كما يقول فقهاء الإسلام معروفة: إنها ومن عليها ملكية خالصة للمسلمين يفعلون بها ما يشاؤون: احتلال واستعبادا وخراجا وجزية. لهذا نجد فقه الجهاد يحتل مرتبة عالية بين أبواب الفقه المختلفة.
محاولات الإسلاميين اليوم التنكر لهذا التاريخ خداع في خداع. مازلنا نحفظ ونتذكر كيف كنا نزهو ونفخر، على مقاعد الدراسة في الجزائر، بأقوال جهادية منسوبة إلى عقبة بن نافع الفهري الذي غزا شمال أفريقيا خاصة قولته المدوية التي كانت تهز نفوسنا الصغيرة هزا، عندما أوقف فرسه أمام أمواج المحيط الأطلسي وصاح ((يارب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك)).
كما نتذكر قولة هارون الرشيد المشهورة للسحابة ((شرقي أو غربي فأينما حللت يأتيني خراجك))، وهارون الرشيد نفسه كان، كما يقول المؤرخون، ومنهم ابن خلدون، ((يحج عاما ويجاهد عاما)). ولولا ذلك لما أمكنه توسيع خلافته الإمبريالية التي كانت تكاد لا تغرب عنها الشمس. فلماذا يحاول الغنوشي والقرضاوي التنصل من هذا التاريخ ومن تلك المناهج التعليمية، ويزعم أن النخب العلمانية همشت الإسلام. أليس هذا مجرد خدعة لا غير؟
تاريخ المسلمين لا يختلف في هذا عن تاريخ غيرهم. وما يهمنا هنا أن غير المسلمين رفعوا عن تاريخهم ثوب القداسة وأخضعوه للنقد المتواصل بل واعتذروا لمن ظلمهم هذا التاريخ، أما نحن فمازال التاريخ جاثم على صدورنا، ومازال الأسلاف يتحكمون فينا من قبورهم عبر وكلاء لهم يستغلون هذا التراث كما تستغل حكوماتنا ريع البترول وغيره من الثروات الطبيعية مع الفارق أن الريع الطبيعي ينفد وهذا الريع لا يبدو أنه سينفد قبل أن تنفد تلك الثروات.
لهذا فقول الغنوشي: ((((وأن السلم هو الأصل في العلاقة مع غير المسلم، وأن الجهاد لم يجعل أداة للدعوة إلى الإسلام أو لفرضه على مخالفيه أو لاستئصال الكفر من العالم، فكل ذلك مباين لنصوص وروح ومقاصد شريعة جاءت لتعلي من حريات الإنسان وتحيله بعد إقامة الحجة عليه مسؤولية مصيره))، هو قول يجانب الحقيقة تماما. فنصوص وروح ومقاصد الشريعة تقول عكس ذلك تماما، والمسلمون لم ينطلقوا من صحرائهم لغزو العالم لولا أنهم كانوا مزودين بمبررات دينية واضحة تبيح لهم أسلمة (الكفار) رغما عنهم، بل إن أولى السرايا لغزو العالم بدأت بإمرة النبي محمد، الذي كان قد وعد أصحابه سابقا بخزائن كسرى. كما تبيح لهم في حالة مقاومة الشعوب المغزوة ورفض الخضوع والاستسلام للمسلمين اللجوء إلى الحرب وما ينجر عنها من احتلال واستعباد. وحتى السيد الغنوشي في هذه الفقرة لا يكاد يخفي هذه الحقيقة حتى تنبجس من بين يديه ومن خلفه. ماذا نفهم مثلا من قوله ((بعد إقامة الحجة عليه))؟ هل كان من حق المسلمين أن يقيموا الحجة على غيرهم بالسيف؟ والأدهى والأمر، هل يعقل أن نبرر هذه الحجة اليوم؟ هل كان يجب أن يفتح الناس بلدانهم للغزاة لمجرد أنهم يدّعون أنهم يحملون رسالة ربانية؟ ثم كيف يعقل أن يتخلى الناس عن أديانهم التي ألفوها ولم يعرفوا غيرها لمجرد أن آخرين قالوا لهم إن الإسلام هو الأصح وهو آخر الأديان. وهي حقائق تتطلب منا اليوم، بوصفنا ورثة هذا التاريخ أن ننظر إليها بروح نقدية جريئة، تمهد العقول والمشاعر لقرارات لا بد من اتخاذها حول تدريس هذا التاريخ وحول واجب الاعتراف بأخطائه وواجب الاعتذار لأحفاد المتضررين منه.
في مسرحية للمسرحي الجزائري سليمان بن عيسى، يلتقي القائد الأمازيغي بقائد جيش المسلمين الذي يقول له ((لقد أتيناكم بكتاب الله العزيز، رسالة من محمد فأسلم تسلم)). فيقول الممثل، بتهكم لاذع، على لسان القائد الأمازيغي: جبتو(جئتم بـ) برية (رسالة) مرحبا بكم، بالصح، كنتو تبعثوها مع مرسول، كنا نقروها ونردولكم الجواب، وإلا انتم في عوايدكم تشقيوا (تتعبوا) جيش بسلاحه على جال (من أجل) برية؟ ! فقال القائد العربي: ((إنا قاصدينا فتوح الأندلس)).
http://www.youtube.com/watch?v=6R3tM535KgY
ما ذا تعني عبارة ((بعد إقامة الحجة))، غير التهديد المغلف ثم تبرير الغزو والاحتلال تحت ذريعة نشر الإسلام. الدليل على خطل هذه الفكرة أن الإسلام واصل انتشاره بعد توقف (الفتوحات) بطرق سلمية عبر الدعاة والتجار في أفريقيا ما وراء الصحراء التي احتقرها المسلمون ولم يروا أية جدوى من التوجه إليها، ربما لفقرها من الذهب والفضة أو من حور العين. ولقد انتبهنا ونحن شباب معتزليين بعد أن راح الشك في هذه التاريخ يدب في عقولنا إلى الخدعة التي انطوت عليها قولة عقبة بن نافع الفهري، وكنا نتهكم منها قائلين: أما كان يمكن أن يتوجه جنوبا نحو بلاد أفريقيا ما وراء الصحراء وأسلمة شعوبها الوثنية بدل التفكير في خوض غمار المحيط ثم التراجع ليقتل في كمين نصبه له القائد الأمازيغي كسيلة، ثم يقرر خلفه ركوب البحر وقطع المضيق وغزو أهل الكتاب في أسبانيا لولا جاذبية الغنائم؟ !
ينهي الغنوشي هذه النقطة بقول أبشع مما سلف: ((وإنما هو سبيل لدفع العدوان وإتاحة حرية الاختيار والعبادة للناس آمنين من كل فتنة وإكراه وحسابهم على الله (انظر المؤلف الضخم المهم للشيخ يوسف القرضاوي "فقه الجهاد".)).
فأي عدوان تسبب فيه المصريون وأمازيع شمال أفريقيا على المسلمين وهم الغزاة لا المغزوون؟ وأي ((إتاحة لحرية الاختيار والعبادة))، هل بين أيدينا روايات تفيدنا أن الناس في تلك البلدان المغزوة طلبوا من المسلمين مساعدتهم على حرية الاختيار للتحول عن أديانهم؟ ومتى كان للناس حرية الاختيار بين أديانهم والأديان الأخرى مهما كانت من البساطة والوثنية؟ وهل إتاحة حرية الاختيار تعني الاحتلال والأسلمة القسرية والتعريب والتربع على العروش قرونا من الزمن؟
في النقطة الحادية عشر يكتب الغنوشي: ((إننا لا نجهل أنه بدوافع رد الفعل على سياسات دولية عدوانية ضد الإسلام وأهله ، وضد حكومات فرضها الغرب على أمة الإسلام ، وبأثر الجهل بالإسلام، انبعثت من داخل الإسلام نفسه تيارات مضادة لقيمه الإنسانية العليا تسيء إليه أيما إساءة ، وتقدّم وقودا للنار التي يلهبها أعداؤه من حول قيمه لربطها بالإرهاب، وبالعداوة لكل ما ناضلت البشرية من أجله من حريات وحقوق وعدالة وحقوق للنساء وللأقليات وفنون جميلة، وعلاقات دولية يسودها السلم باعتباره الأصل في علاقة الإسلام مع غير معتنقيه لا الحرب والقوة. ولكن الإسلام إذا كان رسالة الله الأخيرة إلى خلقه ورحمته بهم فلن يضيّعهم وبالخصوص في زمن ثورة المعلومات والتواصل البشري والانكشاف المتسارع للحقائق وتزايد الحاجة للرواسي في زمن تزلزلت فيه اليقينيات، واستبدت الحيرة)).
وهذا بدوره كلام فيه الكثير من التزييف للحقائق والالتفاف عليها والتنصل من المسؤولية. لقد ظل الغنوشي وصحبه من الإسلاميين يتهمون الحكام العرب بالعلمنة والعداء للإسلام وتهميشه والعمالة لقوى الكفر، كما ظلوا يعبئون الشباب للجهاد من أجل الخلافة الإسلامية، وقوله ((إننا لا نجهل أنه بدوافع رد الفعل على سياسات دولية عدوانية ضد الإسلام وأهله، وضد حكومات فرضها الغرب على أمة الإسلام)) لا يمكن أن يفسر ظاهرة الإرهاب التي عمت كل بلداننا بما فيها تلك التي لم تهمش الإسلام وتلك التي لم تكن حليفة للغرب، وعندما آمن الشباب المسلم بهذه الأفكار ونهضوا لتغيير (المنكر) بالسيف عند الاستطاعة كما يدعوهم إلى ذلك دينهم، اعتبره الغنوشي جاهلا بالإسلام وإرهابيا. ماذا نتوقع من شباب تلقن في المدرسة وفي المسجد وفي ووسائل الإسلام بأن الغرب يمارس عدوانية ضد الإسلام وأهله وبأن حكوماتنا كافرة عميلة لا تحتكم إلى الإسلام، ماذا نتوقع منه أن يفعل غير تحويل الكلمات إلى رصاص؟ ماذا ننتظر منه أن يسلك تجاه ((حكومات فرضها الغرب على أمة الإسلام)). ألا تكون هذه الحكومات كافرة أو بالأحرى مرتدة ويجب القضاء عليها؟
قول الغنوشي إذن ((وبأثر الجهل بالإسلام، انبعثت من داخل الإسلام نفسه تيارات مضادة لقيمه الإنسانية العليا تسيء إليه أيما إساءة ، وتقدّم وقودا للنار التي يلهبها أعداؤه من حول قيمه لربطها بالإرهاب، وبالعداوة لكل ما ناضلت البشرية من أجله من حريات وحقوق وعدالة وحقوق للنساء وللأقليات وفنون جميلة، وعلاقات دولية يسودها السلم باعتباره الأصل في علاقة الإسلام مع غير معتنقيه لا الحرب والقوة)) قول غير مسؤول وهو يتنصل من مسؤوليته تجاه ظاهرة الإرهاب التي عمت العالم بأيدي شباب أشرف هو وغيره من شيوخ الوهابية والإخوان المسلمين على تكوينهم. فأي إسلام يجهله هؤلاء الشباب؟ هل أخطأ الشباب أم أخطأ شيوخهم؟ هل أخطأ من اتهم الحكومات العربية والغربية بمعاداة الإسلام أم أخطأ من آمن بهذا الكلام ووضعه موضع التطبيق وعمل على تصحيح هذ المنكر؟ هل أخطأ من كان يتهم كل المجتمعات العربية بالجاهلية (سيد قطب) ويتهم الديمقراطية والعلمانية بالكفر(القرضاوي والغزالي وتلميذهم علي بلحاج في الجزائر) أم أخطأ من آمن بكلامهم وقام يحارب الجاهلية تأسيا بسيرة نبيه الضحوك القتال! كما وصف نفسه، كما قام يحارب الخونة وأعداء الإسلام؟ هل أخطأت الدوائر الأصولية المتحالفة مع حكومات البترودولار الوهابية التي ضخت الملايير لتعبئة الشباب المسلم لمحاربة الكفار في أفغانستان والشيشان والبوسنة ثم قبل أن يعودوا ليمارسوا جهادهم في البلاد العربية (العلمانية) أم أخطأ الشباب المسلم حين رفض الانصياع لأوامرهم عندما قالوا له: انتهت مهمتك وعليك بإلقاء سلاحك والعودة إلى بؤسك وصبرك رغم أنه يرى في الميدان أن مهمته لم تنته وأن الأعداء الذين وصفوهم له مازالوا في أماكنهم. بل بعد أن اكتشف أن هؤلاء الشيوخ كانوا يضحكون على ذقنه وأنهم كانوا يتحالفون وراء ظهره مع من وصفوهم بأعداء الإسلام، تحول ضدهم فصاروا في نظره علماء السلطان لا علماء القرآن.
كيف نصدق الغنوشي وهو يصف الحركات الجهادية لشباب آمنوا بما تعلموه عن الإسلام، حد التضحية القصوى، بأنهم ((تيارات مضادة لقيمه الإنسانية العليا تسيء إليه أيما إساءة))؟ كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟ أليس الغنوشي نفسه وغيره من الشيوخ هم الذين ظلوا ومازالوا ينظرون إلى كل ((ما ناضلت البشرية من أجله من حريات وحقوق وعدالة وحقوق للنساء وللأقليات وفنون جميلة، وعلاقات دولية))، نظرة عدوانية ولا يقبلونها إلا إذا توافقت مع تعاليم الإسلام القروسطية؟ من المسئول عن بناء هذا الصرح المنيف من الفكر الأصولي الوهابي الذي هيمن على كل حياتنا ولوث تعليمنا ومؤسساتنا وشوارعنا إلى غاية أسرنا؟
وماذا نفهم من قوله ((ولكن الإسلام إذا كان رسالة الله الأخيرة إلى خلقه ورحمته بهم فلن يضيّعهم وبالخصوص في زمن ثورة المعلومات والتواصل البشري والانكشاف المتسارع للحقائق وتزايد الحاجة للرواسي في زمن تزلزلت فيه اليقينيات، واستبدت الحيرة))؟ هل نفهم منه أنهه يعتبر نفسه وصحبه وكلاء الله على البشرية الضالة؟ أليس هو الله القائل: إنما إمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون؟)
لعلنا نجد الإجابة في النقطتين الأخيرتين. ففي النقطة الثانية عشر يقول: ((يبقى العاصم الأساسي من الضلال هو الالتزام بموجّهات الشريعة، وهي موجهات لا تكبل العقل ولا تحد من نشاطه بل تطلقه حرا طليقا مزوّدا بأنوار تهديه ومقاصد تحميه من الضلال وبيقينيات تعمر القلب وتجنّبه الحيرة)). فماذا بقي للدولة المدنية التي ينادون بها كنقيض للدولة العلمانية؟ هل يمكن الالتزام بموجهات الشريعة خارج الدولة الدينية الثيوقراطية التي يتحكم فيها رجال الدين بوصفهم وحدهم المؤتمنين على هذه الشريعة وفهمها وتطبيقها؟ ثم ما هو العقل الذي لا تكبله هذه الشريعة اليوم بينما كبلته طوال القرون بعد أن قضت على الإنجازات الحضارية العقلية التي عرفتها الحضارة العربية الإسلامية خلال القرون الأولى قبل أن يؤدي تحالف الاستبداد والدين إلى تعطيل العقل نهائيا؟ ومازال الغنوشي يوجه نفس الضربات التي وجهها أسلافهم النقليون للعقل في قوله عنه: ((... وتلك الطامة الكبرى الواقعة: غرور العقل بما كسب وزعمه إمكان تنظيمه الحياة ونيل السعادة بمغنى عن الله خالقه سبحانه ورسله، فتألّه، بل أعلن موت الله!! وإنما هو قد أمات نفسه وفقد البوصلة ودخل في مهمه وظلمات وفوضى بلغت حد تهديد الحياة جملة وتدمير الأسرة)).
أليس هذا العقل، يا مولانا، هو الذي كان وراء ((ما ناضلت البشرية من أجله من حريات وحقوق وعدالة وحقوق للنساء وللأقليات وفنون جميلة، وعلاقات دولية))، أم عقلك الإسلامي المستنير بموجهات الشريعة كما زعمت؟
وبعد كل هذه المنازلة الدونكيشوتية لإثبات وجود المواطنة في الإسلام نرى شيخنا يلتف عليها في قول غريب عجيب غامض يختم به هذه المقالة بالنقطة الثالثة عشر: ((كل هذا لا يؤكد الجدوى الإجرائية والقيمية لمفهوم المواطنة ولو في الحد الأدنى من معناه وهو الاعتراف -ولو النظري- لكل سكان بلد بحقهم في امتلاك البلاد بالتساوي، أي بشرعية أن تكون لهم حقوق وفرص وعليهم واجبات متساوية أمام قانون عادل، يقوم على المساواة لا على المحاباة وعلى الاعتراف بكبرى اليقينيات الكونية أن لهذا الكون خالقا آمرا عادلا رحيما)).
كل هذا التنظير من أجل علمانية عرجاء تطالبنا بالاقتناع بالحد الأدنى وبالاعتراف -ولو النظري- بحقوق المواطنين؟ فما أبدع من قال: تمخض الجبل فولد فأرا !



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما حقيقة الدولة الإسلامية (المدنية)؟
- هل العلمانية مسيحية متنكرة؟
- هل في الإسلام مواطنة: قراءة في فكر راشد الغنوشي 5
- هل في الإسلام مواطنة؟ قراءة في فكر راشد الغنوشي
- راشد الغنوشي هل في الإسلام مواطنة؟ 3
- راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة 2
- قراءة في فكر راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة
- العلمانية مفهوم للترك أم للتبني؟ 2
- العلمانية: مفهوم للترك أم للتبني؟
- انتفاضة الشباب في الجزائر من وجهة نظر لبرالية ويساري
- قراءة (2) في مقال ((الماركسية والتنوير المزيف)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال ((الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال -الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل- ...
- قراءة في مانيفستو المسلم المعاصر لجمال البنا (تابع)
- قراءة في -مانيفستو المسلم المعاصر- لجمال البنا.
- هل تصح المقارنة بين الشريعة الإسلامية وتجارب البشر؟
- هل طبقت الشريعة الإسلامية في حياة المسلمين ماضيا وحاضرا؟
- حول صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان
- حوار الطرشان بين الفيلسوف ورجل الدين
- تطبيق الشريعة يعني مزيدا من الاستبداد والتخلف؟


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - تمخض الجبل فولد فأرا