راسل كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 5923 - 2018 / 7 / 4 - 22:05
المحور:
الادب والفن
17/7/2011
إن تحديد المفاهيمِ مهمةٌ ليست باليسيرة، خصوصا عندما يكون ظهور المفهومِ ملتبسا يلفه غبار الغموضِ ومحاولات التأويل. هذا ما يظهر عند محاولةِ طرحِ مفهوم المثاقفة نقديا. وتعني المثاقفة، فيما تعنيه، التفاعل وتبادل التأثير والتحاور والتواصل في ميادين الثقافة والاتصال، فظهرت مفاهيم متعددة لها تاريخيا ووظيفيا، إذ يصعب النظر إليها معزولة عن سياقها التاريخي ودلالاتها الوظيفية كالقصدية بدوافع تبشيرية أو عقائدية أو غير القصدية مما ينغمر به المنتج الثقافي بتأثير فضاء ثقافة أو ثقافات أخرى، ويصعب في هذه الحال أن يؤطر مفهوم المثاقفة دون جواره من مفاهيم تتداخل معه إلى حد التمازج مثل التبعية والاستعلاء والغزو والهيمنة والعولمة (1) . لقد نظر إلى المثاقفة في في بدايتها على انها قد تكون جزء من الهيمنة الفكرية والغزو الثقافي للدول الاستعمارية, أي الدول ذات القوة العسكرية والسياسية التي تسيطر على مقدرات الدول الضعيفة ومنها الحراك الثقافي, مما تولد انطباع لدى المثقفين ان الثقافة السائدة هي بفعل تلك القوى, ومن هنا قامت ظاهرة الاستعمار تحت زعم ايديولوجى يقوم على أساس فكرة تصدير قيم الحرية والتقدم. ولأن الواقع قد كذب هذا الزعم على نحو دامغ، فان الاستخلاص الرئيسى الذى يمكن أن نخرج به من ذلك هو أن الغرب قد انطلق من معانى مضمرة داخل خطابه تتحدد فى: أن الغرب، وحده، هو الذى يمتلك هذه القيم الانسانية، وأن الآخرين ليسوا أكثر من برابرة (2) . وقد تداخل هذا المفهوم مع مفاهيم اخرى مثل صراع الحضارات والغزو الثقافي ومفهوم ما الكولونيالية واخر مفهوم برز في الساحة النقدية هو مفهوم العولمة, فيؤطر المثاقفة الحضارية المسرحية، لاختلاف النظر إلى هذا الفن تقليدياً أم حديثاً أم مستحدثاً في الثقافة العربية المكتوبة والتقليدية أو الشفاهية والشعبية، أو الثقافة العربية الحديثة واعتمالها بأشكال الاغتراب لقد عاش المسرح العربي قلق الكينونة ومخاض الوجود، ونشأ في واقع إشكالي تتجاذبه تيارات ونوازع وأفكار متناقضة. لذا، من الطبيعي أن يفرز بعض " الأشكال التأملية " داخل الممارسة المسرحية، لاسيما وأن هذه الأشكال تسمح للمبدع المسرحي، داخل واقع تحيط به أسيجة متعددة، بطرح هواجسه الفنية وأسئلته الوجودية وتصوراته الفكرية ومواقفه السياسية من داخل ممارسته الإبداعية نفسهاوالاستلاب والاستتباع لمركز الآخر المهيمن, ارتبط مفهوم المثاقفة بحضور تراثي مدهش، فلا يستطيع المسرحيون أن ينظروا إلى الغرب، مصدر المسرح الحديث ومعماره وتقنياته، بمعزل عن معاينة الذات الثقافية. لقد اختلط مفهوم المثاقفة بمفاهيم التأثر والتأثير والتبادل الثقافي، ولم يعد مقتصراً على علاقة ثقافة أرفع بثقافة أدنى، أو ثقافة الغازي بثقافة المغزو. على أن التصدي لهذا المفهوم لا يستند إلى تواضع أو إنجاز، بل ينغمر بمفاخر ذاتية، ومماحكات ثقافية مطلقة أحياناً. نظر إلى المسرح العربي الحديث على أنه تقليد غربي، بينما كانت نهضته الأولى مع رواده، القباني والنقاش وصنوع، تركيباً من المعمار الغربي وتقاليد الفرجة والمشهدية والاحتفالية الحكائية العربية، ولا يماري أحد اليوم في أن المسرح كلّه، من الهند ومصر القديمة إلى اليونان والرومان، قد خرج من الشعائر والطقوس الدينية، وتختلف هذه التقاليد من تجربة قومية وشعبية إلى أخرى. وهذا ما دفع النقاد والباحثون العرب المعنيون بالهوية القومية إلى تمحيص هذا التركيب لتحديد المكونات التراثية والمؤثرات الأجنبية في مراحل تشكل المسرح العربي، وهو ما سمي حتى ستينيات القرن العشرين بالتأسيس، ثم شرعوا بدرس السمة الأبرز في تعضيد حركات التأسيس المسرحي، وأعني به التأصيل في الممارسة المسرحية من جهة، وفي التأليف المسرحي من جهة أخرى، فتعددت التجارب، واغتنت بالتقاليد الأدبية والفنية العربية. وقد أنكر الكثير من المسرحيين معرفة العرب بهذا الفن المحدث حسب وصفهم لهم، بل إن البعض دعا إلى مجاوزة هذه الإشكالية: التقليد والتأصيل، والإبداع من الإنجاز المسرحي الغربي والراهن، فكانت مسرحياته شروعاً في المثاقفة الحضارية بأكمل تجلياتها الغربية (3) . فيما كان دأب المبدعين المجددين في مجال المسرح بالبحث عن أشكال جديدة تستوعب المضامين الحديثة، لأجل بناء جديد لا يضيق فيه كل عنصر من عناصر الفعل المسرحي بالآخر ، إن حركة الإصلاح المسرحي الكبرى التي أبدعت أجيالا عدة من المنظرين والمطبقين المسرحيين تختلف فيما بينها اختلافات كبيرة في الأطروحة ،والفكرة ،والمنهج ،والأعراف ،والصيغ الخاصة، وهذه الصيغ بمثابة استمرار لكل إلهامات مبدعيها . فعلى مدار سنوات عديدة حاول كل مبدع أن يدلو بدلوه في مجال الإبداع الدرامي والمسرحي لتقديم الأفضل وللخروج من دائرة التكرار والجمود لتحقيق إبداع حقيقي،وترددت أسماء عديدة في مجال التراث المسرحي وتجارب بعدد هذه الأسماء منها ما نجح ومنها ما أخفق ،ولكننا نسجل للمسرح تفوقه دائما وأبدا باستمرارية هذه التجارب ونبذ الإسفاف والأعمال الضحلة التي قد تسيء إلى المسرح ولا تضيف إليه شيئا فعمد كثيرون في الوقت نفسه إلى ابتعاث التقليد المسرحي العربي في عملهم، وغلب على هذا العمل مسرحة الموروث مثلما فعل الطيب الصديقي وقاسم محمد الذي عمل على التراث العربي والموروث الشعبي بشكل خلاق، وعبد الكريم برشيد الذي أدغم مسرحة الموروث بمذهبه الخاص: الاحتفالية والثاني هو التأصيل بالمضي في التركيب الذي اجترحه الرواد كما هو الحال عند الفريد فرج وعز الدين المدني وسعد الله ونوس، فقد يعنى التأصيل بالاستفادة من تقليد بعينه، الحكائية أو الفرجة أو المشهدية أو الموروث الأدبي أو التاريخي متعاضداً مع المعمار الغربي. وقد اتسعت عمليات التأصيل، وتعددت أشكالها، وبات تعبيرها عن مسعى الهوية وشجونها ومشكلاتها واضحاً فمفهوم المثاقفة يتضمن في النهاية، معنى الوجود الإنساني الذي لا يتم التعرف عليه إلا من خلالِ إدراكه. إدراكِ الإنسانِ لذاته، وإدراكه لما حولَه من موجودات، ومِن ثم إدراكه لكل الوجود الذي من حوله.
الهوامش:
(1) ينظر: عبد الله ابو هيف, المسرح العربي المعاصر, ص147.
(2) ينظر: صلاح السروي, المثاقفة وسؤال الهوية, 2009.
(3) ينظر: عبد الله ابو هيف, ص150.
17/7/2011
#راسل_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟