|
ملا مصطفى البارزاني وجون كرنك و .. والوطن العربي الواحد
حبيب تومي
الحوار المتمدن-العدد: 3428 - 2011 / 7 / 16 - 21:26
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
اجزم أن الشعب اليهودي هو اول من مارس الظاهرة القومية ، فالمجتمعات القديمة ومجتمعات دول العالم الثالث في العصر الحديث ، ما برح العرف العشائري يشكل فيها ركيزة اساسية للعلاقات المجتمعية ، لكننا نجد منذ عصور موغلة في القدم بأن الأسباط اليهودية ، لأول مرة ، اتخذت لنفسها لقب شعب ، وبعد ذلك اصبحوا شعب الله المختار بموجب كتاب التوراة . إي ان النزعة القومية خلقت عند هذا القوم منذ اقدم العصور واستمرت معه في القرون اللاحقة حيث اصبح الغيتو اليهودي معروفاً في اوروبا وجلب عليهم التعاسة والأضطهاد والنقمة ومع ذلك استمروا على ذلك التقوقع ، إن صح التعبير . إن القومية حالة إنسانية فريدة تبقى حاملة غايات نبيلة ، إن بقيت في حدود الدفاع عن حقوق ( القوم ) ، لكن الفكر القومي ينقلب الى حيوان مفترس إن هو انتقل الى دائرة التزمت والتكبر ووصل تخوم إقصاء الآخرين . وبدأنا المقال باليهود فنصل بهم الى العصر الحاضر حيث تتوسط اليوم دولة اسرائيل الوطن العربي الذي يمتد من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي . في القرن السابع الميلادي كانت انطلاقة نبي الأسلام محمد بن عبدالله الى عالم الفتوحات العسكرية ونشر الدين الأسلامي بين شعوب الأقطار المفتوحة عسكرياً ، وزاد على الفتوحات التقليدية في ذلك الزمان حيث يأتي في المقام الأول جمع الجزية والضرائب من الشعوب الخاضعة ، لكن الفتح الأسلامي استهدف فرض الجزية اولاً ، وإلغاء ثقافة الشعوب المغلوبة بفرض الدين الأسلامي واللغة العربية عليها ثانياً ، وهكذا مع مرور الأزمان، وتحت ظل تطبيق احكام اهل الذمة ذات الصبغة الدينية العنصرية ، على الشعوب المقهورة ، كان الدين الأسلامي قد انتشر ، وانسحبت اللغات المحلية كاللغة الآرامية وحلت اللغة العربية بدلها ، فألغيت الهويات الوطنية وحلت محلها هوية الأمة الأسلامية ، والتي تعكزت ايضاً على نظرية التفوق ، فكانت الأمة العربية الأسلامية ( خير امة اخرجت للناس ..) . كانت القومية العربية المنتصرة هي الهوية التي فرضت على الأقوام التي اصبحت ( جغرافياً ) ضمن الوطن العربي ، ومن هذه (الدول ) سورية التاريخية ومصر الفرعونية ، وبلاد الرافدين الكلدانيــة وشمال افريقيا الأمازيغية والبربرية ، لقد فرضت اللغة العربية والهوية العربية على الأقوام المقهورة ، كالأكراد والأمازيغ والأقباط والكلدان والسريان والآشوريين والأرمن والبربر والشركس والطوارق والمندائيين ، ووجدت هذه المكونات نفسها تعيش في بحر العالم العربي وباتوا مطوقين من سدنة القومية العربي من العروبيين . إن التوسع العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي جاء على خلفية ضعف الأمبراطوريتين الساسانية والرومانية ، وأستطاع الأسلام فرض الدين الجديد لكنه اصطدم في أماكن كثيرة بمقاومة وإصرار تلك الثقافات واللغات السائدة فقد قاومت هذه الهجمة اللغات الكوردية والفارسية والتركية والكلدانية والأمازيغية والأرمنية والأسبانية والعبرية وغيرها . إن الوطن العربي نفسه وجد في القومية العربية منفذاً للخلاص من الحكم العثماني الإسلامي ، ليتخذ من شعار القومية رمزاً لهذا التحرر وبناء الدولة العربية . لكن التيار العروبي المتزمت ، أراد صهر القوميات الواقعة ضمن جغرافية الوطن العربي الذي جاء بعد الفتح الأسلامي لتك الأقطار ، فالأمة العربية تمتد من المحيط الأطلسي الى الخليج ، الذي كان يطلق عليه قبل عقود الخليج الفارسي ، لكنه اليوم اصبح الخليج العربي . في الوطن العربي مكونات دينية ومذهبية عرقية لها نزعة قومية ، وهذه الشعوب ترى مصيرها في الحكم الذاتي او حق الأنفصال او حق تقرير المصير وتكوين الدولة القومية لذلك الكيان ، لكن تلك الإرادة تصطدم دائماً بالسد المنيع للفكر العروبي الذي يرى في دعوات الحكم الذاتي بأنها محاولات تآمرية لتمزيق الأمة العربية . الوطن العربي الذي يمتد افتراضاً من المغرب الى العراق لم يفلح يوماً في تأسيس دولة قومية عربية واحدة تمتد على تلك المساحة ، والبديل كان تأسيس دول عربية اقليمية عديدة ، بل كان هنالك من صنع لهم تلك الدول ، لكن تأسيس دول غير عربية في هذه المنطقة كان يعتبر من المحرمات ويعتبر تمزقاً للوطن العربي الواحد بموجب الفكر العروبي . إن اول من كسر تلك القاعدة كان دايفيد بن غوريون وباعتباره رئيس وزراء للحكومة الأسرائيلية الموقتة ، فقد أعلن عام 1948 عن تأسيس دولة إسرائيل ، وهناك من يرى ان بن غوريون ينتمي الى النوع النادر من الزعماء الذين يقومون بصياغة الأحداث ولا يعيشون في عالم زاخر بالأحداث وفقا لما حدّده الفيلسوف والمؤرّخ سيدْني هُوك. فالتحديد الأول يتحدّث عن أفراد يدفعون سير التأريخ بالاتجاه الذي يرسمونه، في حين يتحدّث التحديد الثاني عن أفراد لا يعتبرون إلا الأشخاص المناسبين في الوقت المناسب. أدت زعامة بن غوريون الكاريزماتية والفعّالة خلال السنوات الخمس الأولى من قيام الدولة إلى موجات ضخمة من القادمين الجدد التي ضاعفت عدد سكان الدولة. وكان بن غوريون على رأس المساعي لاستيعاب القادمين الجدد ، إن تواتر الحروب والعنف الدموي بين العرب واسرائيل الذي اعقب قيام هذه الدولة، لم تفض تلك الحروب إلى إزالة دولة اسرائيل من الوجود كما ارادها العرب ، فأسرائيل دولة قائمة وعلى العرب الأعترف بوجودها كطريق لسلام دائم في المنطقة ، وفي الوقت ذاته ينبغي اقرار حقوق الشعب الفلسطيني كاملة . في اقصى الشرق من الوطن العربي المفترض كانت حركة انتفاضات وثورات الشعب الكوردي التي اتسمت بغير قليل من العنف وإراقة الدماء والسبب يعود الى انتهاج سياسة الصهر القسري الذي استخدمته الحكومات ذات التوجه العروبي بشكل رئيسي .واستخدام وسائل الإبادة الجماعية ضد الشعب الكوردي ، كما ان الشعب الكوردي الذي يربو تعداده على 25 مليون نسمة ، هو الشعب الوحيد المحروم من إقامة دولة . كان هنالك من الزعماء الكورد من نادى بتأسيس دولة كوردية ومنهم الزعيم الكوردي محمود الحفيد ، ثم جاء القائد الكوردي المعاصر ملا مصطفى البارزاني الذي تزعم ثورة ايلول الكوردية في اوائل الستينات من القرن الماضي ، ويعتبر اقليم كوردستان اليوم ثمرة من ثمرات تلك الثورة ، كما ان ملا مصطفى البارزاني يعتبر اليوم رمزاً للنضال القومي للشعب الكوردي والذي يهدف في نهاية المطاف الى إقامة دولته المستقلة للانضمام الى الأسرة الدولية والمتمثلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة . ونبقى في سياق التركيبة الأثنية للوطن العربي والمرشحة لولادات اخرى وها نحن في التاسع من تموز من هذا العام نشهد احتفالات ورقصات وأهازيج لمناسبة اعلان ولادة دولة السودان الجنوبي ، إنهم يحتفلون تحت علم وهوية قومية جديدة ، والأمم المتحدة تستقبل شعباً آخر كان يفتقر الى الدولة ، واليوم يمتلك هذا الشعب دولة اسمها دولة السودان الجنوبي ، ، لقد كان تأسيس دولة في جنوب السودان يعتبر ضرب من الخيال قبل عقود من السنين ، حينما كانت تشتد وتيرة الصراع الدموي ، لكن سنوات النضال الطويلة تكللت بتأسيس هذه الدولة الفتية . لا ريب ان كارزمية القائد جون كرنك قد الهمت هذا الشعب لمواصلة النضال فقد كان قائداً ميدانياً وسياسياً ووضع استراتيجية طموحة لشعبه ولحركته الشعبية لتحرير السودان ، ان ما يقارب من ثلاثة عقود من السنين الثقيلة المليئة بالدماء والمأساة الأنسانية كانت قمينة بأن يفكر العقلاء من الجانبين ، بأن الحرب ليست طريقاً اميناً لتحقيق السلام، ورجحت كفة العودة الى العقل والى طريق المفاوضات ، وجرى الأتفاق على اجراء عملية استفتاء الشعب لمعرفة إرادته ، وكانت نتائج الأستفتاء تشير الى ان الأغلبية الساحقة من الشعب تريد الأستقلال ، وإقامة دولة مستقلة لهم وكان التاسع من تموز الجاري هو اليوم الذي شاهدنا فيه علم دولة جديدة يرفرف فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة اسمها دولة السودان الجنوبي . إن حجم الأقليات في الوطن العربي غير معروف بدقة فالحكومات العربية غالباً ما تحاول طمس الحقائق بل تخفي وجود جماعات اثنية ، لتتهرب من المسائلة اثناء المطالبة بالأقرار بحقوق تلك الجماعات ، كما انها غالباً ما تقر بأن هذه الأقليات من صنع الأستعمار وإن المطالبة بحقوقها هو بتحريض من الأجنبي اوالأستعمار ، إن التهم من هذا النمط قد وجهت للثورة الكوردية وللمرحوم ملا مصطفى البارزاني الذي اتهم بالعمالة مرة لبريطانيا وامريكا وأخرى للاتحاد السوفياتي السابق . إن الوطن العربي ليس واحة خضراء متجانسة لغوياً ودينياً واثنياً ومذهبياً ، وينبغي أجراء الأحصاءات السكانية والأسئلة الأخرى التي ترافق الأحصاء من قبيل اسئلة عن الدين والقومية واللغة ، وبذلك يمكن تحديد احجام العديد من الجماعات الأثنية . في الوطن العربي مكونات اسلامية لكنها غير عربية ومنهم الأكراد والأمازيغ والتركمان وغيرهم ، وهنالك مكونات ضمن جغرافية الوطن العربي وهي ليست عربية وليست اسلامية ، ومنهم الكلدانيين والأرمن والآشوريين والسريان وغيرهم ، متى يتاح للمكونات غير العربية وغير الأسلامية في جغرافية الوطن العربي ان تتمتع بحقوقها المشروعة ، إن الشعب الكلداني في العراق والأقباط في مصر والأمازيغ في الشمال الأفريقي ، هل تنتظر هذه الشعوب قادة امثال البارزاني وجون كرنك ؟ ام تسلك سلوك آخر في المطالبة لحقوقها ؟ ومن البديهيات ان الحقوق لا تعطى إنما تؤخذ . وشعبنا الكلداني بالذات ستبقى حقوقه مهضومة ما لم يتحرك لنيل حقوقه في وطنه العراقي . حبيب تومي / القوش في 17 / 07 / 11
#حبيب_تومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة طيبة الى صبنا الكلدانية وعلى نار ليست هادئة مع الأخ موف
...
-
مطلوب من الدكتور برهم صالح التدخل لتحصيل اموال المواطنين من
...
-
رابي يونادم لا يقبل بتعيين الأستاذ رعد عمانوئيل رئيساً للوقف
...
-
إقامة سنغافورة كلدانية في سهل نينوى احلام وردية وجدل بيزنطي
-
اين يقف الأستاذ نيجرفان البارزاني من العملية السياسية في اقل
...
-
حقوق الشعب الكلداني ليست ورقة للمساومة او بضاعة للمتاجرة
-
الرئيس مسعود البارزاني والمعارضة الكوردية
-
امريكا في عهد اوباما تبلع الإهانة في بغداد
-
منتهى الصراحة مع تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا من الكلدان و
...
-
صبنا الكلدانية صراع من اجل الهوية القومية
-
بعد استئصال الشعب اليهودي من الوطن العراقي يبكون على ارشيفه
-
شيرا درابان هرمز الجميل في القوش ليس مناسبة للاعتداء على الب
...
-
ضياع حقوق الشعب الكلداني بين الحكومة العراقية وأحزاب شعبنا ا
...
-
القوش يا زهرة المدائن ومربض الأسود
-
وكانت رحلتي الى امريكا
-
إلا كوردستان.. !! لماذا ؟
-
المطران مار باوي سورو جسّد الوحدة الحقيقية بحضوره المؤتمر ال
...
-
نحن الكلدان لم نصلب المسيح يا اخوان !!
-
اجل يمكن ان يخطئ الشعب فينتخب الحرامية والفاسدين وحتى الفاشي
...
-
على الشعب الكلداني ان يتعلم من الشعوب العربية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|