راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3428 - 2011 / 7 / 16 - 21:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كما لاحظنا فإن المترجمين قد اختاروا كلمة غير دينية مثل ملة أو جماعة لتفسير كلمة أمة، هل هذا يبرر موقفهم؟ وحيث أن معرفة معنى كلمة أمة هي في غاية الأهمية دعونا نواصل تحقيقاتنا, ولعل أفضل طريقة لفهم معنى كلمة "أمّة" هي في مراجعة كيفيّة إستعمالها في القرآن الكريم نفسه، فلنتأمل الآية التاليه:
كل أمّةٍ تُدْعَى إلى كتابها. سورة 45, آية: 28.
تصرِّحُ هذه الآية أنه عندما يأتي رسول جديد، يذكّر أتباع الأديان السابقة بأن ظهورَه ومجيئه قد حقق نبوءات كتبهم المقدسة. فقد دُعِي اليهود لإختبار أو دراسة ما قيل في كتابهم عن السيد المسيح عليه السلام. وينطبق الأمر ذاته على المسيحيين والمسلميين. فالآية السابقة تشير بوضوح أن كلمة "أمّة" تشير إلى أتباع كتاب معيّن، لا إلى شعب أو قوم.
ولنفرض هنا أن كلمة "أمّة" تعني شعب معيّن. فمعنى هذا أن لكل شعب كتاب. فلنسأل أنفسنا، ما هو كتاب أمريكا مثلاً؟ وما هو كتاب الهند، أو كتاب ايطاليا، أو إيران؟ فمن الواضح هنا أن كلمة " شعب " ليس لها صلة بموضوع الآية السابقة، ولكن إذا أخذنا معنى الآية كما هي بأن "كل أمّةٍ تُدْعىٰ إلى كتابها" أي بمعنى الأمّة اليهودية تُدعى إلى كتابها أو الأمّة المسيحية تُدعى إلى كتابها أو الأمّة الاسلامية تُدعى إلى كتابها، فتعطينا هذه الآية الكريمة المعنى الحقيقي المراد.
ولننظر أيضا إلى الآيات التالية:
ولكل أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله. سورة 22, آية: 34 و67 أيضًا.
وهمّتْ كل أمّةٍ برسولهم. سورة 40, آية: 5.
إن أنت إلاّ نذيرٌ إنّا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا ... وإن من أمّةٍ إلاّ خلا فيها نذيرٌ. سورة 35, آية: 23-24.
وكما نلاحظ أن القاموس أدرج كلمة "دين" كمعنى آخر لكلمة "أمة", والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى. فلنتأمل الآن الآيتين التاليتين حيث يصف القرآن الكريم المؤمنين أي أتباع الدين الواحد بأنهم قسّموا الدين إلى طوائف وفرق:
وإن هذه أمّتكم أمة واحدةً ... فتقطّعوا أمرهم بينهم. سورة 23, آية: 52-53.
{ (فتقطعوا) أي الأتباع (أمرهم) دينهم { تفسير الجلالين.
إنا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون. سورة 43, آية: 23.
إن الآية التالية والتي ورد ذكرها مرتين في القرآن الكريم تشتمل على كلٍ من الكلمتين الهامتين وهما "أمّة" و "أجل":
ما تسبق من أمّةٍ أجلها وما يستأخرون. سورة 23, آية: 43، أنظر أيضًا سورة 15, آية: 5.
ولننظر الآن إلى آية أخرى في القرآن الكريم والتي تثبت ما ذكرناه في أول هذا الفصل، وهو أن للإسلام أجل معيّن ومحدد من عند الله سبحانه وتعالى، فتؤكد الآيات التالية وتحمل نفس المفهوم الذي ورد في الآية التي درسناها سابقاً ( سورة 7, آية:34) ولكن بتعبير أو صياغة أخرى:
ولكل أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضيَ بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل... لكل أمةٍ أجلٌ إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. سورة 10, آية: 47-49.
تحتوي الآية السابقة على جميع الكلمات المهمة التي درسناها. فبالإضافة إلى الكلمتين المهمتين،
• أمّة
• أجل
يوجد أيضا ثلاث كلمات أخرى مهمة:
• الرسول
• الوعد
• الساعة
إن الآية السابقة تؤكّد المعنى الذي شرحناه من قبل وهو أن كلمة "أمّة" تعني أتباع رسول من عند الله. ولكنها تكشف لنا عن فكرة أخرى لم يسبق شرحها. تلك الفكرة تم التعبير عنها في هذا السؤال: متى يتحقق هذا الوعد؟ تنص الآية الكريمة أن نهاية كل "أمّة" مرتبطة بوعد. فما هو هذا الوعد؟ أيُّ وعد سيكون أكثر عقلانية من مجيء رسول جديد ليحيي "الأمّة" في تلك الساعة الحاسمة من موتها روحانياً؟
يمكننا أن نفهم معنى هذه الكلمة بكل بساطة وبغض النظر عن الاستخدام القرآني لكلمة "أمّة" ذلك إذا تركنا العقل يرشدنا إلى المعنى المنطقي لهذه الكلمة فنجد حينئذ بأن المفسّرين يفترضون أن الآية تشير إلى جماعة مدنية مثل "شعب". هل لافتراضهم أي معنى؟ إن شعوباً مثل أهالي الصين والهند ومصر وإيران قد وُجِدت منذ آلاف السنين وقدّمت حضارة غنيّة للعالم. فلماذا ينبغي أو ربما سوف يختفي شعب ما ؟ كيف يمكن لشعب مثل أهالي كندا, أستراليا وأمريكا تختفي من على وجه الأرض في ساعةٍ معينة؟ لقد تم فتح بعض البلدان مراراً وتكراراً وعلى مر السنين وما زال أبناؤها يعيشون كدول أو أمم. فما السبب لتغيّر هذا النظام؟ وماذا سوف يجني العالم إذا اختفت أمم مثل الأرجنتين أو البرازيل أو المملكة المتحدة (بريطانيا) ؟
إذا كانت كلمة "أمّة" تشير إلى مجموعة من مواطنين يعيشون في بلد ما، فبماذا يسمّى المواطنون المسلمون الذين يعيشون في بلاد غير إسلاميّة مثل الصين أو الهند؟ وإذا كانت كلمة "أمّة"تعني المواطنين المسلمين، بغض النظر عن البلد أو الدولة التي يعيشون فيها، ففي هذه الحالة يكون لكلمة "أمّة"معنى معيّن ثابت مثل: الأمّة الإسلامية.
ولو فرضنا أن كلمة "أمّة" تعني شعب، فهذا المعنى يشمل الشعوب كلها بما في ذلك الأمة الإسلامية، وسيكون لهذه الدول الإسلامية وغير الإسلامية أجلٌ أو نهاية لأن الآية تشير إلى كل أمة وبالتالي علينا أن ننتهي إلى أن جميع الشعوب الإسلامية سوف تموت أو تختفي. ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟ هل سيظل الله سبحانه وتعالى صامتاً ؟ ألن يرسل رسولاً آخر ليحييهم؟
إن هذه الملاحظات ترشدنا إلى النتيجة التالية: إذا كان المفهوم من كلمة "أمّة" هو أن كل أمّة سوف تزول أو تُدَمَّّر في ساعة معيّنة من التاريخ، فليس لهذا المفهوم معنى أو مغزى ولكن إذا كان المفهوم من كلمة "أمّة" هم أتباع دين من الأديان وأن لحياتهم الروحانية أجل، فهذا صحيح, أي أنه سيظهر رسول جديد في ساعة محددة ويُعلن نهاية عصر الدين السابق وبزوغ فجر يوم جديد.
دعونا نتمعُّن مرة أخرى في الآيات 47-49 من سورة يونس, إن الآيات التي تشير إلى نهاية حياة كل أمة تتنبأ أيضاً بأن الوقت المعين لموتها سوف يحين في الساعة المحددة. يوجد الآن أكثر من مئتي دولة وشعوب ودول تابعة في العالم، فلماذا نحتاج أن نعرف بأن كلاً منها سوف يأتي أجلها أو تختفي في ساعة محددة؟ ماهي قيمة معرفة شيءٍ كهذا؟ ولكن العكس هو الصحيح : عند بزوغ فجر دين جديد وظهور الرسول ينتهي أجل الدين السابق وتفقد تعاليمه الروحانية قوتها وعندئذٍ يفقد أتباع الدين أو أمته حياتهم الروحانية, في هذه الحالة يكون لكلمة "أمّة" معنى ومغزى ؟ يقول القرآن الكريم:
"كنتم أمواتًا فأحياكم". سورة 2, آية: 28.
إن كل أمّة ستواجه في آخر المطاف موت روحاني، فهذه حقيقة يجب علينا أن نقبلها مهما صعُب الأمر. ألا تشير أحوال العالم اليوم إلى ذلك؟ فلننظر إلى ما تنبّأ به السيد المسيح:
ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعلَّه يجد الإيمان على الأرض (إنجيل لوقا 18: 8).
ولننظر أيضاً لما ذكره القرآن الكريم:
يا ربّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا. سورة 25, آية: : 30.
ألم يحن الوقت في هذا العصر لإحياء الروح الإنساني؟ أليس العالم اليوم في أشد الحاجة لرسولٍ جديد من عند الله لكي يجمع شمل البشر ويعيد السلام والطمأنينة إلى هذا العالم المنقسم والذي يفتقر إلى الروحانية ؟ ألسنا اليوم في أشد الحاجة إلى الهداية والنعم الإلهيّة والتحذير من عواقب الابتعاد من تلك البركات السماوية ؟
إن أجل كل دورة دينية أو عصر يتمثل في الموت الروحاني الذي تتجاهله البشرية في كل دورة. هذا لهو نوع من الموت ( أي الموت الروحاني) والذي يجب أن تعترف به البشرية في كل عصر عند مجيء رسولٍ جديد. والقرآن الكريم كتاب شامل فيه تفصيل كل شيء:
وتفصيل كلّ شيء. سورة 12, آية: 111.
فقد تنبأ بهذا الإنكار, فما أبدعه! إن هذا الكتاب السماوي البديع موسوعة العلم والحكمة يتنبّأ بأن هذه الظاهرة ستعود مرةً أخرى ويُنكر البشر موتهم الروحاني:
وأن عَسَى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأيّ حديث بعده يؤمنون. سورة 7, آية: 185.
إن الآية السابقة تطرح لنا أسئلة مثل:
إن موعد أجلهم قريب، هل يؤمنون بذلك؟
إن موعد أجلهم قد إقترب، كيف ينكرون ذلك؟
إن الآية السابقة تشير إلى المستقبل، فما هو المقصود بـ "هم" في كلمة "أجلهم"؟ عند نزول هذه الآية، أي أجل لم يأتِ ولم ينته بعد؟ إنه أجل الإسلام ( أي الأمة الإسلامية) فمن هم الذين أنكروا أن أجلهم أو موتهم قد إقترب؟ المسلمون فقط، الذين كانوا يعيشون وقت نزول هذه الآية الكريمة وبعدها. إن لآية تُصَّرِّح وبمهارة هذه الرسالة وهي: ما الذي يمكن أن يقوله الله أكثر من هذا لإقناع المسلمين بأن أجلهم أو نهاية حياتهم الروحانية قد إقتربت؟ إن الآية الكريمة هي فعلاً وحي إلهي، فهي تتنبّأ بالمفهوم الخاطئ عند المسلمين بأن حياة الإسلام وحياتهم الروحانية لن يكون لها نهاية.
الآية القرآنية الكريمة التالية تشير إلى نفس مفهوم الآية السابقة:
هو الذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمَّى عنده ثمّ أنتم تمترون. سورة 6, آية: 2.
الآية السابقة تشير إلى أجلين أو مدّتين محدَّدتين. الأجل الأول أي الموت فهو خاص بجسد الإنسان، وجميع البشر خلقوا "من طين"، والمسلمون جميعاً لا ينكرون هذا الأجل. فما هو الأجل الآخر المحدد من عند الله، والذي ينكره المسلمون؟ الأجل الآخر هو أن كل دين أيضاً له أجل أو مدة محددة، مثلما يموت الإنسان، كذلك الديانات لها وقت محدد يحدده الله سبحانه وتعالى.
يحتوي القرآن الكريم على آية قصيرة تشير إلى الوقت المحدد لكل رسالة ولكن يستعمل فيها كلمة نبأ:
لكل نبإ مستقرٌ وسوف تعلمون. سورة 6, آية: 67.
لقد ترجم يوسف علي كلمة نبأ بالرسالة.
إن كلمة نبأ أي رسالة أو خبر، لها مفهوم ديني. فالآية الكريمة توضح بجلاء الآيات التي درسناها من قبل وهي أن لكل رسالة "أجل" أو وقت محدد. تُختم الآية السابقة بالكلمتين "وسوف تعلمون". فمن الواجب إذاً السؤال: ما هو الخبر الذي "سوف تعلمون"؟ نبأ مجيء رسول جديد من عند الله. إن عبارة "سوف تعلمون" تدل على شيء قريب، ولكن كما نعلم أنه يوجد في كلٍ من الكتابين المقدسين القرآن والإنجيل عن أن اليوم عند الله بألف سنة: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون". سورة 32, آية: 5.
معنى كلمة "أجل"
لكي نختم نقاشنا، فإنه يجب علينا أن لا نتجاهل المعنى الدقيق للكلمة الحاسمة الأخرى في هذا الموضوع وهي كلمة " أجل". كما أشير من قبل، يستعمل القرآن الكريم كلمة "أمّة" مع كلمة "أجل" في تحديد الوقت المقدّر للأمّة الإسلامية. ومرة أخرى، لجأ المفسّرون في اتخاذ نفس السياق لتخفيف المعنى المراد من كلمة "أجل" وذلك بتفسيرها بمرادفات أكثر "ملاءمة" مثل "زمن معيّن" بدلاً من المعنى القاطع مثل "زمن محدد ينتهي بالموت". فباختيار مرادفات مثل هذه نجحوا في صرف النظر عن المعنى المراد من كلمة "أجل" وهو "الموت". بعض الناس فقط يُوَدّون التفكير بأنهم هالكون ولهم ميعاد محدد مع الموت. ففكرة الموت فكرة غير محببة للنفس سواء أكانت خاصة بحياة الفرد أو بدينه، وبالأخص حين يفترض المؤمنون أن دينهم خالد وأبدي. كما نعلم، فكلمة " أجل" حسب القاموس يحمل معنيين:
• الموت
• مدّة من الزمن
ليس هناك فرق في المعنى الذي نختاره من المعنيين السابقين، هل من الممكن أن يكون هناك:
"مدّة من الزمن" بدون "نهاية"؟ , الموت هو النهاية!
على الرغم من أن معنى كلمة "أجل" واضح تماما، ولكنه من المفيد أن ننظر في كيفيّة إستعمال القرآن الكريم لهاتين الكلمتين في سياق مواضيع أخرى. في إحدى الآيات المباركة يشير القرآن الكريم (سورة 40, آية: 67) إلى أطوار حياة الإنسان – طور الطفولة والشباب – ويستعمل بعد ذلك كلمة "أجل" للطور الذي ينتهي بالموت. توضّح الآية التالية المعنى المراد من كلمة "أجل":
ولن يؤخّر الله نفسًا إذا جاء أجلها. (سورة 63, آية: 11).
يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمّى إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون. (سورة 71, آية: 4، وسورة 6, آية: 60، وسورة 22, آية: 5).
إن دراسة هاتين الكلمتين الهامتين "أمّة" و "أجل" مفيدةٌ ومنوّرة للأذهان ، وإن فهمهما لا يعطينا درساً هاماً فقط، بل يجعلنا على علم بنتيجةٍ وأهميةٍ بعيدةِ الأثر:
الدرس : مقدرة العقل البشري غير المحدودة على تحريف مفهوم آيات بسيطة وواضحة إن لم تكن تتماشى مع الموروث الثقافى أو الأفكار المحدودة المكتسبة.
النتيجة البعيدة الأثر: النتائج الوخيمة والتي لا يمكن تصورها نتيجة تحريف معنى كلمة رئيسة واحدة.
سوف ندرس في المقال التالي الكلمة الثالثة الحاسمة المستعملة في القرآن الكريم والتي تشير إلى الفترة الزمنية المحددة للإسلام. وهذه الكلمة هي "وسط" وهي كلمة أخرى حرّف العلماء معناها لحماية المفهوم المفترض والمتعلِّق في الأذهان لكلمة "أجل". (خاتم النبيين- د.محمد إبراهيم خان)
ونتابع معاً في هذه الجزئية الهامة جداً،وعقيدة خاتم النبيين.............................
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟