أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب















المزيد.....

حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1021 - 2004 / 11 / 18 - 07:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بعد 11 ايلول سارت الإدارة الأميركية على نهجين متوازيين: قتل "الإرهابيين" وسجنهم وتفكيك شبكاتهم وقطع مصادر تمويلهم المفترضة والضغط على الدول التي يمكن أن تؤويهم، ثم تعريف الإرهاب والإرهابيين بطريقة تسوغ إبادتهم وإخراجهم من السياسة والتفاوض. فالإرهابيون أشرار متطرفون، الشر المطلق، وشرهم علة ذاته. لكن هل يساعد هذا المنطق الموظف في خدمة السحق والإبادة على فهم أصول المشكلة الإرهابية؟ وهل صحيح ان كل كلام على اسباب الإرهاب تواطؤ مع الإرهابيين؟
هذا إرهاب بحد ذاته في رأينا. وهو يبقى إرهابا حتى لو لم يخفَ علينا الميل الماكر لدى بعضنا إلى التماس المعاذير للأفعال الإرهابية البغيضة أو إضفاء النسبية عليها عبر البحث المتعجل عن اسباب وعلل وشروط. بيد ان هذا المسعى التبريري الذي يلتمس المعاذير لفعل ذميم يشارك نظيره "التشريري"، الأميركي، الذي يستغني بأبلسة الفعل عن تحليله (بل ويجعل من التحليل فعلا من أفعال التواطؤ مع الأشرار)، يخل في الأساس بما يمكن أن نسميه العقد التفسيري: نفسر الافعال الذميمة لأن إدانتها وإدانة مرتكبيها أمر محصّل سلفا. بل نحن لا نشرع بمحاولة التعليل والتحليل إلا لأننا نشعر أن الإدانة وحدها لا تكفي، وهو ما يفترض بداهة الإدانة وتحققها المسبق غير المنازع فيه. أكثر من ذلك يتضمن العقد التفسيري، وهو تعاقد بين المجتمع ممثلا بسلطات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية وبين "مجتمع" المعرفة الموضوعية المكون من باحثين وأكاديميين وخبراء ..، شرطا وقائيا: إن حسن التفسير، إذ يعين على فهم جذور المشكلة وشروطها وبيئتها..، يساعد على اقتراح سبل وإجراءات تمكن من إحباط وقوع الأفعال الذميمة. ونتحدث عن عقد لأننا نرى ان التفسير جزء لا يتجزأ من معالجة الحدث الذميم وعنصر عضوي من عناصرها.
والواقع أن الإصرار على تفسير موضوعي للأفعال الذميمة والإجرامية هو من مكتسبات الحداثة التي تعتبر، خلافا للعصور الوسطى والقديمة، أن شروط حياة الناس تحدد افعالهم ومسالكهم، وأن شرانية الأفعال لا تنبع من نفوس شريرة استولى عليها الشيطان أو استحقت اللعنة. وتعني صفة موضوعي في هذا السياق أن من المحتمل أن يقدم اي منا على الفعل الاثيم ذاته لو كان في وضع مماثل للمرتكب. فالحداثة تقول إننا جميعا لصوص وقتلة وكذابين ومغتصبين محتملين، وإنه ليس بيننا من هو منيع على إتيان الشر من تلقاء ذاته (او عرقه او دينه أو أثنيته)، لكنها تقول ايضا إن الاستثمار في التعليم والقانون والمؤسسات السياسية والدين من شانه أن يقلل احتمال أن نقتل ونسرق ونكذب ونغتصب. ويعني ذلك بكل تأكيد أن الاكتفاء بتشرير الأفعال هو نكوص إلى ما قبل الحداثة. وليس إلا طبيعيا أن يمتلئ الفراغ التفسيري بالماهيات الثقافية والعقائد الدينية بديلا عن التحليل الاجتماعي والاقتصادي والجيوسياسي...
وجلي أن جوهرانية الشر، أي استنباطه من عقائد او ثقافات أو أديان الفاعلين، هي الممارسة المشتركة بين الشيخ أسامة بن لادن وبين إدارة بوش ومنظريها المحافظين في أميركا. فبينما ينسب الشيخ اسامة الشر إلى جوهر صليبي ويهودي مشترك بين الأميركيين والغربيين، فإن المزاج المحافظ الجديد في أمريكا يفسر أفعالا إرهابية يقوم بها عرب بكوننا نكره الأميركيين لما هم لا لما يفعلون. ويتفضل أمثال برنارد لويس وفؤاد عجمي وصموئيل هنتنغتون باقتراح أساس ثقافي أو ديني لكرهنا المفترض للأميركيين.
والتقليل من أهمية المسعى التفسيري او التعبير عن الضيق به، على غرار ما يفعل مثقفون ليبراليون واخلاقيون مرهفو الحس، ليس أدنى خطرا من حرْف المسعى ذاته عن معناه ودوره، وقلبه إلى تبرير. فبينما يفضي التبرير إلى تشجيع الإرهاب، فإن رفض الربط بين الحدث وشروطه، ورفض اعتبار التفسير جزءا عضويا من معالجة الحدث، يسهل لجوء القادرين إلى افعال قصوى وغير منضبطة ضد من قد يتهمون بالإرهاب. فإذا كانت إسرائيل اليوم طليقة اليد حيال المقاومين الفلسطييين فلأنها ركبت موجة التشرير الأميركي، ونقلت "قضيتها" ضد الخاضعين لاحتلالها إلى سجل القضية الكاسبة بالتعريف: الحرب الأميركية ضد الإرهاب. ولو حصل اليوم ان هاجمت دول عربية إسرائيل فلا شك أن ترددها في استخدام السلحة النووية سيكون أقل مما كانه عام 1973، وذلك لأن الأبلسة النشطة للعرب في السنوات الأخيرة قد خفضت عتبة التحمس إلى ضربهم. وإذا كان معدل قتلى الأميركيين هو 1 إلى قرابة 100 من قتلى العراقيين، ومعدل قتلى الإسرائيلين في فلسطين اقل من 1 إلى 4 من قتلى الشعب المحتل، وإذا كان العالم لا يكتفي باعتبار هذا الميزان عادلا بل يميل إلى "لوم الضحية"، فلأن التشريريين المنتشرين في اميركا وغيرها يقومون بدورهم على أكمل وجه. إن رفضهم تفسير الأفعال الإرهابية خشية تبريرها يكافئ عمليا تبرير السحق الأميركي والإسرائيلي وإضفاء الشرعية عليه.
ليس رفض إدانة الأفعال الإرهابية وحده إخلال بالعقد التفسيري العالمي الذي يستلزم الإدانة قبل الدراسة، بل إن رفض التفسير ايضا إخلال بالالتزام بالمعرفة المترتب على العقد ذاته. ويقود أحد الإخلالين بالضرورة إلى الاخر ويقوضان معا اللغة المشتركة لتقييم تلك الأفعال.
ما هي اللغة المشتركة أو التي يمكن اعتبارها كذلك لتقييم افعال تنجم عنها ضحايا بشرية بريئة؟ نميل إلى القاعدة التالية: نحكم (ندين أو نبرر) كما لو لم يكن هناك اسباب إطلاقا، ونعرف (نحلل ونفسر) كما لو كنا نعمل في مختبر. أي أننا نصدر عن القبول بالاستقلال الذاتي لكل من التفسير والحكم، الحكم التحليلي والحكم المعياري؛ الاستقلال الذاتي وليس الانفصال، فهما التزامان في عقد واحد.
هل هذا ممكن؟ إنه القاعدة الوحيدة التي تستجيب لمطلبي العقل العملي والعقل النظري. وتمايز الحكم التحليلي عن الحكم المعياري هو شرط قيام كل من العدالة والعلم. وبالعكس إن "التشرير" أو رفض التحليل، على غرار ما أخذنا نشاهد بعد 11 ايلول، يدفع آخرين لتبرير الأفعال الإرهابية ويقوض اية قاعدة مشتركة لتفاهم عابر للثقافات و"الحضارات" حول افعال القتل ذات البواعث السياسية والدينية... وهذا يفتح باب الفوضى العالمية ويؤسس لحال من البابلية الاخلاقية والقانونية تعيد العالم إلى حكم القوة: القوي دائما على حق.
نحن، واعني البشر جميعا، مترددون عادة في الحكم على ما لا يمسنا مباشرة، نضع رجلا هنا ورجلا هناك. ولذلك بالذات يمكن للحجة العقلانية أن تدفعنا إلى حزم أمرنا وإجماع رجلينا على موقع واحد. أما إذا فرض علينا موقف ما دون إقناع، كما هو جار منذ أزيد من ثلاث سنوات، فإننا نتشوش، وربما ننتقل للامبالاة، وربما إلى اتخاذ الموقف المعاكس والتعصب له. هذا يفضي بالتدريج إلى عناد يتصلب في هويات متنافية، وإلى شِرْك أخلاقي، وإلى تدمير حس العدالة الاصيل عند الناس جميعا.
اليوم، وبعد اكثر من ثلاث سنوات على هجمات 11 ايلول، ما يكون موقف عرب كثيرين لو وقعت هجمات مماثلة في الولايات المتحدة؟ وإذا تبين ان نسبة من يميلون إلى تبرير الهجمات أعلى اليوم مما كانت قبل ثلاث سنوات، فهل نستنتج أن الشر العربي يتفاقم من تلقاء ذاته؟ وهل سيرفض العاقلون والعادلون بيننا محاولة معرفة سبب الشر لمجرد ان ذلك يمكن ان يضعف إطلاقية الإدانة المطلوبة للأشرار؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أجهزة أمن اكثر = أمن اقل؛ والعكس بالعكس
- موت آخر المحاربين
- مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
- اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2
- أي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 1 من 2
- إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا
- حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
- اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
- الاستقطاب والاختيار: حول مفهوم السياسة 2 من 2
- الاستقطاب والضعف : حول الخط الثالث مجددا 1 من 2
- ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا
- مذهب الضربات الوقائية والعقلانية في النظام العالمي
- فليستقل مدير عام مؤسسة الاتصالات!
- الجامعات الأسيرة صورة عامة للحال الجامعية السورية
- على أثر العاديين ...في شاتيلا
- في ذكرى اعتقال رياض سيف: احتجاج على شركتي الخليوي
- ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟
- نظام الهيمنة وإصلاح العلاقة السورية اللبنانية
- السوريون والمسالة اللبنانية: أسرار الصمت
- الرغبة في تقديس حكامنا؟!


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب