خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3427 - 2011 / 7 / 15 - 21:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو ان اصحاب الفكر العرقي العروبي الاسلامي, يظنون ان العرب المسلمين هم محور العالم. فهم لا يرون صراعا عالميا, بل يظنون انهم المقصودون وراء كل حركة ومناورة واستراتيجية عالمية, لذلك لا نجد عندهم القدرة على التحرر من نظرية المؤامرة, يتفاقم هذا الخلل بتطعيم المتاسلمين السياسي له, جاعلين شعوبنا تظن ان هدف _التامر_ العالمي هو هزيمة العرق العربي والدين الاسلامي, فحسب, لا هزيمة كل الشعوب, حتى شعوب مراكز القوة الاخرى, حيث كل حركة في نظرهم صليبية وان تلك الحروب مستمرة ولم تتوقف, وانها بدأت مع سقوط الاندلس, دون ان يكون عندهم اي استعداد للاقرار بانها _تحررت_ من استعمارهم لها وانها مجرد عادت لتكون اسبانيا مرة اخرى.
ان سطحية هذه الرؤية يصل مستواها ان جعلت _للوجه_ الثقافي من الصراع قيمة ووزن اعلى من وزن وقيمة _العاملين_ الحقيقين للصراع, وهما, الاقتصادي واللوجستي, ولم يكن غريبا وهذه الحال ان يبقوا عند مقولة ان هدف التامر هو تمزيق الوحدة القومية العربية والاسلامية, التي لم توجد تاريخيا ولا توجد الان,وبذلك فهم يرون استمرار منهجية سايكس بيكو, بهدف احداث مزيد من _ تقسيم وتجزيء_ الكتلة القومية العربية الاسلامية_.
ان كل فكر استعماري هو فكر تامري , وكل علاقة استعمارية هي علاقة تامرية, وهذه حقيقة لا ينكرها احد, لكنه في مقابل الاقرار بها يجب ايضا ان يقر الفكر العرقي, ان الاستعمار حدث منهجيته واساليبه ووسائله واستراتيجيات تعامله مع المجتمعات الاخرى, وان الحفاظ على فارق التفوق معها يؤمن له المردود الاقتصادي الذي لا يضطر معه الى استخدام مباشر للقوة الا مضطرا,
ان ضرب طموح التفوق القومي والحصانة القومية, بات هو وسيلة الاستعمار في التعامل مع المجتمعات الاخرى, لذلك علينا ان نعلم ان خطر اتفاقية الجات الاقتصادية مثلا على المجتمعات النامية اكبر من خطر جيوش مراكز الاستعمار والقوة, لان اتفاقية الجات تفكك السياج الجمركي من الحانة القومية وتمنعه من حماية مسار التنمية الصناعي في المجتمعات النامية, وتبقي اقتصاد هذه المجتمعات اسيرة علاقات التبعية وخدماتية الطابع, وبذلك تبقى مصدرا للمواد الخام, وسوقا للتسويق, وملحق اقتصادي خدماتي يخدم عملية انتاج المجتمع المتفوق,
ان هذه هي الشروط التي نجد الان تنموية مجتمعاتنا عليها ونجدها تبعا لهذه الشروط تتفاقم ازماتها الاقتصادية, كمقدمة تستحدث فيها تاليا الازمات الاجتماعية السياسية, خاصة مع تقاطعها مع الصيغة الطبقية الوكالاتية الخاصة التي تستحدثها فيها, في تعديل تدريجي لهذه الصيغة ينتهي الى ان تتناغم مع الشروط العالمية لوضعها القومي الخاص, فتتفاقم ازماتها الدخلية, وتنفجر لاحقا في صورة انتفاضات...الخ.
ان انهاك الدين ليس هو الهدف اذن بل انهاك الظاهرة القومية هو الهدف, ولا بد ان ينطوي ذلك على مسرب انهاك الثقافة القومية ضمن سياق انهاك الممانعة القومية وهي احد الجوان الممكن ان يحملها الدين ايضا,
ان هذه الخبرة الاستعمارية ليست حكرا على الزمن الراسمالي الراهن من تاريخ التجربة الاستعمارية, لكن من الفوارق ان التجربة الاستعمارية ما قبل الراسمالية, لم تكن تتعامل مع الظاهرة القومية الحديثة, بل كانت تتعامل مع المستوى العرقي من الظاهرات الماقبل القومية الحديثة, وكان تجسيد التامر عمليا في الواقع يحتاج لممارسة القوة القمعية مباشرة, اما الان فهي نادرا ما تحتاج لهذا الاسلوب والوسيلة, وضد مجتمعات يجسد نظامها قوة حصانتها القومية, مثال العراق,
ان الامساك بزمام التناقضات الوطنية والديموقراطية, واعادة توظيفها ضد مسار تطور المجتمعات النامية الاقتصادي كبنية تحتية لمسار تطورها الحضاري, هو الان منهج الاستعمار الحديث في التعامل مع هذه المجتمعات, وفي سياق تحقيق هذا التحكم والسيطرة على الوضع القومي, جاءت نظرية الفوضى الخلاقة, والتي لا تمارسها فقط الولايات المتحدة واوروبا, وانما باقي مراكز الاستعمار العالمي ومراكز تفوقه الاقتصادي, كروسيا والصين ايضا, غير ان الاكثر ممارسة لهذه النظرية هو الولايات المتحدة الامريكية, اما الباقين فهم يتخفون تحت مظلة الصدارة الامريكية, تماما كما يتخفي الموقف الرسمي العربي من النضال الفلسطيني تحت مظلة الصدارة الصهيونية,
اليوم نجد ان تاميم العالم _ الذي ياخذ صورة عولمته_ في نظام ديموقراطي ليبرالي, هو الاطار الذي تعمل مراكز القوة العالمية على ترحيل الانظمة القومية اليه, وفي هذا السياق كانت حرب افغانستان, تلاها الحرب على العراق, وقد كان العدوان المباشر على انظمتها ضروريا نظرا لما تتمتع به من حصانة وممانعة قومية قومية جسدته في صورة نظام سيد مستقل الى درجة عالية, وكمقدمة لادخالها قسرا لمسار الفوضى الخلاقة, والذي يستهدف اضعاف مركزية الادارة السياسية وتنمية تعددية اطراف الشراكة الديموقراطية. في هذه الادارة السياسية, مما يصعد من وزن الصراع الديموقراطي على حساب الصراع الوطني, خاصة ان هذه التعددية_ خصوصا _ في منطقتنا لا ترتكز الى وعي قومي سليم بل الى وعي عرقي متخلف, منتوجه الثقافي السياسي لن يحتكم في توجهه الى شرط محورية الحصانة القومية في المنهجية السياسية, بل تتعدد اتجاهاته بحسب تعددية منطلقاته العقائدية, لذلك لم يكن غريبا في الفترة الماضية ان ينفلت بصورة رئيسية عقال قوى الاتجاهات الدينية وتفرض على المنطقة مسار الصراع الطائفي المذهبي, وايضا صراعها مع الاتجاهات الليبرالية بما فيه الليبرالية التقليدية وايضا العلمانية واليسارية والشيوعية, وان تلقى قوى الاتجاهات الدينية الدعم والاسناد من _ عدوها الصليبي_
ان من المهم هنا ان نرى دور كل مراكز القوة العالمية ذات التصريح السياسي الذي نرضى عنه او ذات التصريح السياسي الذي نرفضه, كشريك في تنفيذ نظرية الفوضى الخلاقة, والتي لا تستهدف كما يقال رسم خارطة جديدة لجيوسياسية الشرق الاوسط بل تستهدف اجراء تعديلات بها فحسب بما يتناغم وظرف تصدر الولايات المتحدة الامريكية لتحالف القوة الاستعمارية العالمية,
ان من اشكال الانهاك القومي والذي يصب ايضا في تعديل خارطة المنطقة, محاولة مراكز القوة هذه اعادة الظاهرات القومية الاقليمية الى احجامها الفعلية, وفي هذا السياق كان انفصال جنوب السودان عن شماله, فجنوب السودان ليس عربيا ولا مسلما بل له مسار تطوره القومي الحضاري الخاص, كذلك الامر بالنسبة لقضية الاكراد ومن ثم بلوشستان, وهذه حقائق يجب الاقرار بها, مع استثنائية الوضع في فلسطين التي تتعلق بلوجستيتها السياسسة والامنية. وتفرض تعاملا عالميا خاصا معها
ان الولايات المتحدة لن توافق على تقسيم لبنان عبر اللعب على الصراعات الطائفية والمذهبية فيه, غير انها تسعى لابقاءه منهكا, في ذاته ومنهكا للخاصرة السورية في نفس الوقت, ولو قرانا جيدا مجريات التعامل مع قضية اغتيال الحريري, لوجدنا ان اهدافها بعيدة عن ما تراه رؤى قوى 14_و_8 اذار,مجتمعة, فتقسيم لبنان ليس الهدف لاي طرف وانما انهاك حصانته القومية والتي كانت قوة حزب الله مؤخرا احد مقوماتها, الى درجة ان استظل بها كحماية له ووظفها عاملا ضد العدوان الامريكي والصهيوني عليه انظمة سوريا وايران,
فبالانشغال ومحاولة التصدي لقضية اغتيال الحريري نجحت الفوضى الخلاقة بتحويل حزب الله وكذلك في سياق خاص حركة حماس في الواقع الفلسطيني, الى اطراف في الصراع الديموقراطي المحلي, اكثر من كونها اطراف الصراع القومي مع الكيان الصهيوني, وبذلك كسبت المناورة الاستعمارية مزيدا من انهاك الحصانة القومية اللبنانية والفلسطينية, وجردت ايران وسوريا من عوامل قوة وحصانة قومية, ولم ينتهي فعل الفوضى الخلاقة في هذا المسار بعد, حيث جاءت الانتفاضة الشعبية في سوريا لتخدم في احد جوانبها هدف انهاك الحصانة القومية لسوريا, بتجاوز القضية الوطنية والتركيز على القضية الديموقراطية, وهو ما يحاول مثقفوا سوريا_ املين ان ينجحوا_ بتلافيه, وللاسف دون ان ينتبه له ايضا او دون ان ياخذه في حسابات معالجة الازمة النظام السوري نفسه.
ان السيطرة الامريكية الاوروبية المشتركة على المحاور اللوجستية التي تمثلها المنافذ البحرية في البحر المتوسط والبحر الاحمر, وكذلك سيطرتهم على المحور الاقتصادي في منطقة الخليج, هو الاساس الناظم لخريطة الشرق الاوسط والمنطقة الاقليمية, وهو ايضا ما يقلق روسيا التي ليس لها سوى قاعدتها البحرية في لاذقية سوريا, وعلاقتها بنظامها موطيء قدم نفوذ امني سياسي في المنطقة, لا يخدم روسيا فحسب وانما يخدم الصين ايضا ضمن تحالفهما في حلف شنغهاي, لذلك نجد تعطيلها لفاعلية مجلس الامن يمنح النظام السوري مظلة وقاية دولية بهذا الصدد, وهي تغتنم الازمة السورية لتحسين شروط مساومتها مع الولايات المتحدة الامريكية واوروبا على طيف واسع من القضايا كانضمام روسيا الى اتفاقية الجات والانفاق على التسليح العسكري النووي والصاروخي, ......وحتى قضايا تبني الاطفال وتاشيرات السفر, وكذلك تنافسية الاقتصادين الامريكي والصيني, وعلاقة مقولات حقوق الانسان ....الخ بهذا الشأن,
ان الصين وروسيا اذن وان لم تمارسا مباشرة مقولة الفوضى الخلاقة لظروف نفوذها في المنطقة لكن ذلك لا يمنعهما ولا يقصيهما عن الاستفادة منها,
ان مجال الفوضى الخلاقة ينطوي على تشغيل وتوظيف مجالات متعددة لصراعات متنوعة من قبل الفاعلية السياسية الاستعمارية, ولا يقتصر ذلك على الصراعات الديموقراطية المحلية فقط كما فهم خطئا البعض منا, فالصراعات الاقليمية ايضا من مجالاتها, وبالنظر لاجتماع الديموقراطي والوطني نستطيع تخيل كم هي جبارة الة صنع الفوضى الخلاقة, والطيف المحلي والعالمي الواسع القادر على الاستفادة منها, ومن الطبيعي هنا ان يكون المبادر لممارستها والاقدر على توظيفها هو الاكثر استفادة منها, وهو الولايات المتحدة الامريكية, التي تنجح في تاميم العالم
ان الفوضى الخلاقة هي الوجه الاخر لمقولة ادارة الصراعات لا انهاءها, ومن الواضح ان تسوية الصراع مع الصهيونية بمستوويه الاقليمي العام والفلسطيني الخاص, هو احد مجالات تشغيل الفوضى الخلاقة, ولربما يساعدنا في ادراك ذلك محاولة فهم التناقض في السلوك السياسي الامريكي بين الدعوة الاعلامية لتسوية هذه الصراعات والمنهجية السياسية التي تزيد من الطموحات الفلسطينية في التسوية وتزيد في نفس الوقت من التعنت الصهيوني بها,
ان قرار تجميد مسار التفاوض كان اراديا فلسطينيا لكنه موضوعيا قرارا عالميا وعلى وجه الخصوص من قبل مراكز القوة العالمية, لكننا هنا سنحاول محاكمة منهجية الولايات المتحدة منذ اعلانها ان الكيان الصهيوني يرفض تجميد الاستيطان, وحتى فشل اجتماع اللجنة الرباعية, مقدمين لذلك بطرح سؤال بسيط وهو: هل تدرك الولايات المتحدة ما تفعله ام انها مرتبكة متناقضة؟
ان النتائج الموضوعية للمسلكية السياسية الامريكية كانت دفع الطرف الفلسطيني لمغادرة طاولة المفاوضات, ورغم ان السلوك الفلسطيني لم يقف عتد حد مغادرة الطاولة بل رفض الانصياع للضغوط الامريكية الاوروبية ايضا والاعلان عن الاتجاه للجمعية العامة للامم المتحدة, الا اننا نجد ان الولايات المتحدة ترفع مستوى التمثيل الديبلوماسي الفلسطيني عندها الى مستوى بعثة, تبعها في ذلك دول كثيرة اوروبية وغيرها, وفي الحين الذي يعلن به الرئيس الامريكي اوباما, مبدأ اعتماد حدود 1967م _ مع التعديلات_ اساسا لحل الدولتين نراه يرفض بشدة توجه الطرف الفلسطيني للجمعية العامة للامم المتحدة ويهدد بقطع المساعدات عنها, بل ويبدأ حملة دبلوماسية عالمية مستركة مع الكيان الصهيوني لافشال التحرك الفلسطيني, معلنا انه سيستخدم حق النقض الفيتو في مجلس الامن لاجهاض هذا التحرك.
بالطبع لا يفوتني هنا العلم بوجود اسباب اخرى تدفع لهذا التاقض في السلوك, ولكن الا يقود ذلك الى تعميق حالة الفوضى الاقليمية؟ او ليس هذا تجسيدا عمليا لمقولة الفوضى الخلاقة في الواقع, الا يدفع فشل اجتماع اللجنة الرباعية الاخير الى انعكاسات سلبية على المصالحة الفلسطينية, وكيف سيقرأ نتنياهو هذه التناقضات؟
الحقيقة انني لم ارى فشلا لاجتماع اللجنة الرباعية الاخير بل رايت نجاحا لتحكم مقولة الفوضى الخلاقة بمسار التسوية, ومفاوضاتها, كما ان فشل هذا الاجتماع والذي اسهمت روسيا فيه بتمثل وزير خارجيتها الموقف الفلسطيني_ كما يقال اعلاميا_ فقد فتح باب مساومة روسية امريكية على طيف من القضايا الثنائية بين البلدين, لا شك ان نتائج هذه المساومة سرعان ما تنعكس على عدد من القضايا الاقليمية, كالتسوية والازمة السورية والازمة الليبية.... الخ.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟