|
نقد فظ لشيوعي ناعم
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 3427 - 2011 / 7 / 15 - 12:41
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كنت طالبت الرفيق علي الأسدي بألا يقفل التعليق على مقالاته بوجه القراء لكنه وللأسف لم يستجب لطلبي المتكرر وأصر على الإقفال بحجة انشغاله الدائم بحيث أنه لا يجد الوقت الكافي لمحاورة القراء. هذا ما رتب علي أن أكتب مقالة قصيرة بدل التعليق أنتقد فيها بعض الأفكار الخطيرة التي وردت في الجزء الثالث من مقالته في الحوار المعنونة ب "الاشتراكية واليسار ... ونظرية نهاية الرأسمالية"
يقول الشيوعي الناعم علي الأسدي .. " لقد قامت دولة الديمقراطية الشعبية على مبدأ الاعتراف بالآخر واحترام الاختلاف في الرأي والمصالح الخاصة ، بنفس الوقت الذي لا تتناقض مصالحها الاقتصادية مع مصلحة الطبقة العاملة في البلد المعين. مثل هذا النظام الاشتراكي قد يكون النظام العالمي القادم لما بعد الرأسمالية" وهكذا ينضم الرفيق المناضل علي الأسدي إلى أيتام خروشتشوف لأسفنا الشديد وحزننا البالغ فخروشتشوف أعلن في العام 1959 إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا وأحل محلها "دولة الشعب كله" واليوم رفيقنا العزيز يقول أن دولة الديموقراطية الشعبية هي التي ستبني الإشتراكية !! ولا يتردد رفيقنا في الإفصاح عن اشتراكيته الموعودة وهي النظام الذي يوازن بين مصالح مختلف طبقات الشعب من بورجوازية وطنية وعمال وفلاحين، أي اشتراكية طبقية !!
مثل هذه الهرطقة تؤكد أن الرفيق علي الأسدي وبعد أن قضى عمره بين صفوف الشيوعيين كما أعتقد دون أن يدرك ماهية الاشتراكية التي قضى عمره يناضل لتحقيقها، إذ ها هو يؤكد أن اشتراكيته التي ستعقب الرأسمالية القائمة هي اشتراكية تختلف عن اشتراكية ماركس ولينين؛ إنها اشتراكية بين الطبقات المتصالحة والمتوادة والتي تنأى بنفسها عن الصراع الطبقي، وهي مثل اشتراكية أحزاب "الاشتراكية الدولية" كالحزب الاشتراكي الألماني أو الفرنسي أو الاسباني أو اليوناني!!
أكد كارل ماركس في "نقد برنامج غوتا" أن مرحلة الاشتراكية يتم عبورها حصراً (Exclusively) بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا، وشرح لينين بقراءته العبقرية لكارل ماركس مقاصد ماركس بهذا القول فظل يكرر تعريفه الماركسي للاشتراكية بكلمات قليلة قاطعة وهي . . "الاشتراكية إنما هي محو الطبقات" ولهذا اشترط ماركس أن يتم عبور الاشتراكية في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا لأن أي طبقة أخرى غير طبقة البروليتاريا لا تستطيع ولا ترغب في محو أي طبقة لأن الطبقات الأخرى هي دائماً شرط وجودها. وفي قراءة معمقة إضافية يلزم التوضيح بصورة جوهرية في أن الاشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً مستقراً يقوم على علاقات إنتاج ثابتة كما يفترض "الاشتراكيون " البورجوازيون خارج الأحزاب الشيوعية ومثلهم كثيرون من الشيوعيين غير الماركسيين. دولة دكتاتورية البروليتاريا تهدم علاقات الإنتاج الموروثة خلال مرحلة الاشتراكية القصيرة نسبياً دون أن تقيم أية علاقات إنتاج جديدة؛ وكل ذلك من أجل العبور إلى الشيوعية بلا أدنى شروط من شروط الإنتاج فيتحقق بذلك تحرير الإنسانية نهائياً من قيد الإنتاج التاريخي الذي قيد الإنسانية منذ ما قبل فجر التاريخ. عندما نقول أن دولة دكتاتورية البروليتاريا تقوم بتهديم علاقات الانتاج الموروثة دون أن تقيم بديلاً عنها فذلك يعني أن شروط الإنتاج والتوزيع في مرحلة الاشتراكية ليست ثابتة بل متغيرة باستمرار غير محكومة بقانون القيمة الرأسمالية. فالنقود التي يقبضها العامل في نهاية الشهر ليست أجوراً بالمعنى القيمي للأجر بل هي معاش تمكن العامل من رفع الطاقة الإنتاجية للدولة وتحسين شروط الحياة لعامة الشعب؛ وعليه كان يتخذ قرار برفع الأجور وتخفيض الأسعار في الاتحاد السوفياتي عند انتهاء كل خطة خماسية. الشيوعية هي حياة بلا دولة، بلا دستور، بلا قوانين وبلا نظام وواجب دولة دكتاتورية البروليتاريا وخلال فترة الاشتراكية القصيرة نسبياً أن تعدّ لكل هذا.
لعلم من لا يعلم فإن نظام الديموقراطية الشعبية هو من إبداعات الرفيق ستالين. فلدى تحرير دول أوروبا الشرقية من الاحتلال النازي حيث كان الرايخ الهتلري يقوم مقام روما في نهب البلدان المستعمرة والتابعة كانت تلك الدول في حالة تخلف لم تصل لمستوى التنمية الرأسمالية (باستثناء تشيكوسلوفا) . لذلك رأى ستالين أن التنمية في هذه الدول لا بد أن تقوم على تقاسم السلطة بين الطبقات الرئيسة الثلاثة وهي البورجوازية والعمال والفلاحون. لكن التنمية في تلك البلدان ما كانت لتكون مستقلة تماماً بل لا بد أن تكون مرتبطة بمركز إنتاجي قوي يساعدها في ذلك، وكان ذاك المركز هو الإتحاد السوفياتي بالطبع. ضمن تلك الشروط كان نظام الديموقراطية الشعبية يمكن أن يحقق تنمية حقيقية وهو ما تحقق نسبياً في تلك الدول قبل أن يظهر سيء الذكر خروشتشوف ويغير ويبدل في قيادات تلك الدول ويحرفها بالتالي عن طريق التنمية الاشتراكية كما حرف بلاده. اليوم وبعد تخريب الاتحاد السوفياتي في نهاية الخمسينيات غدا متعذرا تحقيق أي تنمية من أي نوع كان وحتى بافتراض أن الرأسمالية العالمية ما زالت على الأرض كما يفترض عامة الكتاب من أنصاف الماركسيين، ورفيقنا الأسدي منهم كما يبدو، وغير الماركسيين.
بحدود ما أعلم فإن 99% من أدعياء الماركسية لم يقرأوا "رأس المال " لكارل ماركس ولا حتى الجزء الأول منه. ولذلك تجدهم لا يعرفون من الرأسمالية شيء سوى أن الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية بحكم أن هذا هو عنوان لآحد أهم كتب لينين، حتى باتت الإمبريالية من طبيعة أخرى وكانها ليست من الرأسمالية بشيء. انتهت الرأسمالية في أميركا وما زال فلول الشيوعيين من أيتام خروشتشوف يعاونهم فلول القوميين يصيحون بأعلى صوتهم ضد ما أسموه المشروع الأميركي الصهيوني الإمبريالي في المنطقة وهم يقرنونه بالصهيونية ليستدروا كراهية بسطاء الناس للمشروع الموهوم. . تُبرز لهؤلاء القوم الضالين جداول إحصاءات دولية وغير دولية تقول أن أكثر من 80% من مجمل الانتاج القومي للولايات التحدة هو من الخدمات وأن الخدمات هي بحكمم طبيعتها إنتاج فردي مغاير للإنتاج الرأسمالي إلا أنهم مع ذلك يشيحون بوجوههم ويزعقون ضد المشروع الامبريالي الأميركي الصهيوني. تقول لهم أن الولايات المتحدة مدينة رسمياً بخمسة عشر تريليون دولاراً وها هو الكونجرس الأميركي اليوم يناقش عجز الولايات المتحدة عن خدمة دينها وهو ما يعني الإفلاس التام ، فيصمون آذانهم ويزعقون ضد المشروع الامبريالي الأميركي الصهيوني. كيف لنا أن نصدق بأن دولة إمبريالية تنهب ثروات الشعوب الأخرى تعجز عن سداد ديونها !!؟ ليتفضل رفيقنا العزيز علي الأسدي يفسر لنا مثل هذا المأزق كي نصدق روايته عن الاشتراكية الطبقية. وكيف يمكن أن تقوم الإشتراكية إنطلاقاً من نظام رأسمالي متخلف ومغاير للنظام الرأسمالي!!
الأحزاب الشيوعية التي ما زالت قائمة كانت قد تحولت وتغيرت طبيعتها منذ أن اصطفت وراء خروشتشوف في المؤتمر العشرين للحزب في العام 1956. حينذاك أدان خروشتشوف النظام السوفياتي جملة وتفصيلاً بادعاء أنه نظام الخوف والفرد الواحد. ما وجه الشيوعية بعد ذاك لدى هذه الأحزاب؟ الحزب الشيوعي بتعريف لينين هو هيئة أركان الطبقة العاملة، لكن خروشتشوف أنكر حكم الطبقة العاملة وأطاح به، فأي وجه للشيوعية يبقى لدى هؤلاء وهم في الأصل من ألمثقفين من البورجوازية الوضيعة!؟ جميع هذه الأحزاب تشكلت استجابة للنداء الذي أطلقه لينين لدى أعلان انتفاضة أكتوبر كثورة اشتراكية عالمية من المركز موسكو وقيام الأمية الثالثة في مارس آذار 1919. قامت الأحزاب الشيوعية في كل لاأطراف الأرض من أجل العمل المشترك لتحقيق النصر النهائي لمشروع لينين. أما وقد انهار مشروع لينين فعلاً مع ظهور خروشتشوف في الخمسينيات، وشكلاً في العام 1991 على يد ابن خروشتشوف بالمعمودية، كما رسمه مثقفو موسكو، فما الداعي لبقاء الأحزاب الشيوعية خاصة وأن أعمالها الحالية لا علاقة لها بالاشتراكية نهائياً. عدم تفكيك هذه الأحزاب هو تضليل للبروليتاريا والابتعاد عن مفاعيل الماركسية ولذلك تراها اليوم بشعارات لا تختلف عن شعارات البورجوازية الوضيعة في الحرية والديموقراطية.
نحن نعترف بأن وسائل الإنتاج السائدة اليوم في العالم لا تسمح برفع شعارات أعلى من الليبرالية والحرية والديموقراطية لكن ذلك لا يسمح لنا على الإطلاق أن نعترف بأن هذه الأحزاب هي أحزاب شيوعية. فليطلقوا اسم الشيوعية ولهم ملء الحرية في صنيع ما يشاؤون بعدئذً.
www.fuadnimri.yolasite.com
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا عن وحدة اليسار
-
الإشتراكية والديموقراطية
-
لن تكون رأسمالية في روسيا
-
إنتهت الرأسمالية إلى الإنحلال وليس إلى الثورة !!
-
حاجة العالم للينين مرة أخرى
-
ماركسيون بلا ماركس
-
لماذا الأول من أيار !؟
-
المتلفعون باليسار واليسارويّة
-
العقبة الكبرى أمام استئناف العمل الشيوعي
-
الحرية ليست إلاّ شرطاً ظرفياً يستوجبه فقر أدوات الإنتاج
-
فؤاد النمري في حوار مفتوح حول: القراءة اللينينية لماركس المت
...
-
ماذا في مصر وفي تونس
-
حزب العمال الشيوعي يعادي الشيوعية
-
الكارثة الكونية الوشيكة (انهيار نظام النقد العالمي)
-
الدكتور علي الأسدي يغطي على المرتدين والمحرفين السوفييت
-
نهاية التجربة الإشتراكية لدى علي الأسدي
-
كيف تخلَّقَ عالم اليوم
-
- المسألة الستالينية - !!
-
العدو الرئيسي للعمل الشيوعي اليوم
-
الحزب الشيوعي اللبناني يطلّق الماركسية
المزيد.....
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|