|
قصة المفهوم المعاصر لكلمة (حجاب)
واثق غازي عبدالنبي
الحوار المتمدن-العدد: 3427 - 2011 / 7 / 15 - 05:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا توجد في القرآن كلمة حجاب بمعنى لباس خاص بالمرأة، أو بمعنى غطاء للرأس. كلمة حجاب الواردة في القرآن في سورة الاحزاب، الاية الثالثة والخمسون، تقول: (... وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ...). تشير العديد من التفاسير إلى معنى هذه الاية بالقول: (إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أمر فخاطبوهن من وراء ستر بـينكم وبـينهنّ، ولا تدخـلوا علـيهنّ بـيوتهنّ). فمعنى الحجاب في هذه الآية هو الستار. فما الذي جعل معنى كلمة (حجاب) يتغير ليصبح تعبيراً عن زي معين ترتديه النساء، أو كما يفهمه الكثيرون اليوم كمرادف لغطاء الرأس؟
تبدأ قصة هذا التحول في معنى كلمة حجاب مع نشر كتابي قاسم أمين وهما: (تحرير المرأة) عام 1899، وكتاب (المرأة الجديدة) عام 1900، والذي دعا فيهما إلى سفور المرأة. وكلمة (سفور) في ذلك الوقت كانت تعني خروج المرأة من البيت للاختلاط بالمجتمع وممارسة العمل. وهي عكس كلمة (حجاب) والتي كانت تعني بقاء المرأة في البيت وانحجابها عن المجتمع.
يقول قاسم أمين في كتابه (المرأة الجديدة) في دعوته لخروج المرأة إلى العمل والاختلاط بالمجتمع: (التجارب هي اساس العلم والأدب الحقيقي، والحجاب مانع للمرأة من ورود هذا المنبع النفيس، لأن المرأة التي تعيش مسجونة في بيتها ولا تبصر العالم الا من نوافذ الجدران أو من بين استار العربة ولا تمشي إلا وهي كما قال الامير علي القاضي، ملتفة بكفن، لا يمكن أن تكون إنساناً حياً شاعراً خبيراً باحوال الناس، قادر على أن يعيش بينهم) (ص 168 و 169). ومن الواضح أن قاسم أمين استخدم كلمة (حجاب) كتعبير عن بقاء المرأة في البيت وعدم اختلاطها في المجتمع، أما حديثه عن الملابس في نهاية هذه الفقرة، فقد جاء كنتيجة عرضية، ومتلازمة للحالة المانعة للعمل. وللتأكد من صحة ما ذكرناه، فيمكن للقاريء أن يرجع إلى كتابي قاسم أمين اللذين ذكرناهما سابقاً، لأن فيهما ما يكفي من ايضاح لاثبات أن كلمة (حجاب) في ذلك الوقت كانت تستخدم للتعبير عن حالة حجب المرأة عن الحياة والمجتمع، ولم تستخدم للتعبير عن أي زي من الازياء. وهو المعنى الذي ينسجم مع ما جاء في الآية القرآنية المذكورة أعلاه.
بعد سنوات من صدور كتابي قاسم أمين، خرجت المرأة من البيت إلى ميادين العمل، واصبحت كلمة (سافرة) تُستخدم لوصف كل أمرأة خرجت للعمل. واصبحت، بالمقابل، كلمة (مُحجبة) تطلق على كل أمرأة بقيت في البيت ولم تخرج للعمل. ولغاية هذه الفترة، لم تُستخدم كلمة سافرة أو محجبة للتعبير عن أي نوع من الملابس والازياء، وذلك لأن كلاهما السافرة والمحجبة، كانتا ترتديان نفس الملابس والازياء، والمتمثلة في مصر بالعبائة السوداء وغطاء الرأس الأسود. أي أن زي السافرة كان هو نفسه زي المحجبة. ولكن مع تقدم السنوات، ودخول قيم الحضارة الغربية إلى مصر، تخلت السافرة، بمعنى المرأة العاملة، عن غطاء الرأس، وكشفت عن شعرها. وبعضهن تخلين عن العباءة، وارتدين الملابس العصرية، مثل الفستان والتنورة وغيرها من الملابس التي كانت سائدة في بلدان الغرب في ذلك العصر. أما المحجبة، بمعنى المرأة التي لم تخرج إلى العمل، فبقيت محافظة على ملابسها التقليدية، وهي العباءة وغطاء الرأس. في هذه الفترة، بدأت كلمة (محجبة) تأخذ مفهوماً يتداخل فيه البقاء في البيت مع الملابس التقليدية، العباءة وغاطاء الرأس. وأصبحت كلمة (سافرة) ترتبط بالمرأة العاملة التي ترتدي الملابس العصرية، أي التي تخلت عن العباءة وغطاء الرأس.
بعد سنوات من ذلك، في حوالي الربع الثاني من القرن العشرين، بدأت المرأة المحجبة تخرج إلى العمل هي ايضاً، ولكن مع ارتدائها لنفس الملابس التقليدية، العباءة وغطاء الرأس. ولكن، مع ذلك، فأن كلمة (محجبة) بقيت ملاصقة لها، لا بمعنى انها لا تخرج إلى العمل، ولكن بمعنى انها محافظة على الملابس التي كانت ترتديها قبل خروجها للعمل. واصبحت كلمة (سافرة) تُطلق على المرأة التي خرجت إلى العمل وتخلت عن ملابسها التي كانت ترتديها قبل ذلك. وبهذه الطريقة، وبمرور الزمن، اصبحت كلمة (حجاب) تعني زيا معينا ترتديه المرأة والمتمثل بالعبائة وغطاء الرأس. واصبحت كلمة (سفور) تعني عكس ذلك. وعندما تغير الحال، وتخلت المرأة المحجبة عن العبائة، واكتفت بارتداء الأثواب العريضة الواسعة، اصبحت كلمة (حجاب) مقتصرة على غطاء الرأس فقط. وهذا هو المفهموم السائد اليوم، فعندما يسمع أغلب الناس كلمة (حجاب) أو (محجبة) فان الذي يتبادر إلى اذهانهم هو غطاء الرأس فقط.
الذي ساعد على شيوع هذا المفهوم عن الحجاب، هم رجال الدين الذين عارضوا السفور في البداية، بمعنى عارضوا خروج المرأة الى العمل، وشجعوا الحجاب، بمعنى بقاء المرأة في البيت. وعندما تخلت السافرة عن الملابس التقليدية، زاد رفضهم للسفور، واخذوا يربطونه بالملابس. فهم عندما يتحدثون عن السافرة يتحدثون عن ملابسها، أكثر من حديثهم عن خروجها للعمل. وعندما يتحدثون عن المحجبة يتحدثون عن التزامها ومحافظتها على الزي التقليدي، أكثر من حديثهم عن بقائها في البيت. وبذلك رسخ ارتباط الحجاب بالملابس التقليدة، والسفور بالتخلي عن هذه الملابس.
الغريب في الأمر اليوم، أن الكثير من الكُتب الدينية الحديثة تحتوي عناوينها كلمتي (حجاب وسفور) لتعبر عن زي معين للنساء، وباعتباره فريضة اسلامية، في حين أن النص القرآني لا يستخدم كلمة حجاب بمعنى زي معين للنساء. وهذا يثير العجب، فرجل الدين المُسلم، يحرص عادة على استخدام مفردات وتعابير النص القرآني لدعم فكرته أو رأيه، ولكنه لا يفعل ذلك في حالة الحديث عن الحجاب. لعله من الضروري اليوم على رجل الدين أن يتحدث عن (الخمار) بمعنى غطاء الرأس، وعن (الجلباب) بمعنى الثوب العريض الواسع، عندما يريد الحديث عن زي معين مفروض على النساء بدلاً من استخدامه لكلمة (حجاب) أو (محجبة)، وذلك لأنها كلمة غير صحيحة وفقاً لتعابير الفقه الإسلامي، ولأنها لا تعبر عن أي زي معين للنساء وفقاً للنص القرآني. فالكلمتان القرآنيتان المرتبطان بزي ما هما (الجلباب) و(الخمار) وليس كلمة (حجاب).
هذا هو اصل المفهوم المعاصر لكلمة (حجاب) والتي تشكل واحدة من أكثر الكلمات استخداماً في قاموس الفكر والخطاب الديني الاسلامي المعاصر. فالحديث عن زي معين للنساء، يشكل اساسيات الايمان في نظر الكثير من رجال الدين المعاصرين، ويشكل الخطوة الأولى ولأهم في طريق التدين الذي ينبغي للمسلمة أن تسلكه وفقاً لهذا الفكر. ولكنها للاسف كلمة ليست قرآنية ولا علاقة لها اطلاقا بأي شكل من اشكال الحشمة أو العفاف أو الحياء. إنها كلمة دخيلة على الفقه الديني. كلمة خاطئة. فكلمة (حجاب) وفقا للنص القرآني، تعني الاستتار عن الانظار وراء ستار أو جدار أو غير ذلك، مما لا يلبس. لعله ليس من السهل على العديد من رجال الدين اليوم أن يتخلوا عن استخدام كلمة (حجاب) أو (محجبة) للتعبير عن زي مفروض على النساء وفقاً للشريعة الإسلامية، ولكن غرضنا من ذكر قصة تطور مفهوم كلمة (حجاب) هو القاء بعض الضوء على ظهور وانتشار فكرة فرض زي معين على النساء، والذي ينسب إلى الشريعة الاسلامية، والذي يُقدمه رجال الدين إلى المسلمين تحت عنوان (الحجاب الشرعي للمرأة).
#واثق_غازي_عبدالنبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحياة هي الوجدان
-
الحاضر مفتاح الماضي
-
المحتكرون
-
الله لا يحب العبيد
-
كُلنا نتبرك بروث البقر
-
ديني أم دين آبائي؟
-
احذروا من تدين الأبناء
-
المبدعون مصيرهم جهنم
-
عقدة الزواج الطائفي
-
مأساة الثقة العمياء
-
جرائم جيش الله المسيحي
-
جرائم عقيدة المخلص
-
توليستوي والمسيحية
-
حزام الكتاب المقدس .. ثلاث حكايات عن أحتكار الحقيقة في أمريك
...
-
نقد فكرة المقدس
-
عقائدنا من صنع المحيطين بنا
-
العقيدة الدينية ومنهج الشك
-
في معنى الدين والتدين
-
مجرمون ولكن لا يشعرون
-
أزمة الطاقة الكهربائية في العراق .. لا تنمية ولا استقرار بدو
...
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|