رغدة حسن
الحوار المتمدن-العدد: 3427 - 2011 / 7 / 15 - 00:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوطن الحلم
من خلال قراءتنا لتاريخ تجارب الشعوب وصيروراتها حصل هذا التراكم المعرفي الهام , الذي ساهم في بلورة البنية الفكرية لتتكون رؤية ستقوم بدورها في بناء الدولة الجديدة والتي ستقدم بالتالي " أي الدولة " الوطن الحلم لكل فرد ليكون مواطناً يمتلك القدرة الفاعلة في صناعته وتطوره .
وفي السؤال عن " الوطن الحلم " لماذا كان حلماً ؟
هناك إجابات كثيرة ومتعددة تنبع من رؤى مختلفة , لكنها تحمل الأسباب نفسها لإشكالية الوطن الحلم .
والسبب الأهم في خلق هذه الإشكالية هو عمل النظام البعثي على التذرع بتكريس كل الجهود لخوض حرب مزعومة ضد عدو خارجي , وقد افتضحت مزاعمه وظهرت كم كانت واهية وزائفة تلك الذريعة التي امتهنت في ظلها الحقوق والحريات والعدالة الفردية والجمعية , لأنه ما من شبر قد تحرر أو استرجع كما اعتبر النظام أن الحرية والكرامة (ترف!!! ) من الغرابة المطالبة به , واعتبر أن من حملوا لواء الحريات هم في صف الخونة لأن اللحظة الراهنة (والتي امتدت لأربعة عقود فقط )
لا تسمح بذلك ... فيُذهب بكل من أراد كرامته وحريته إلى أقبية النظام ليلقن درساً في الحس الوطني والانتماء إلى حركة التحرير ومحاربة العدو الصهيوني والخارجي , لبضعة سنوات كفيلة بأن تنسيه هويته وإنسانيته .
إن النفاق السياسي والإدعاء الدائم بإنجاز معجزات مزعومة كرست ثقافة إلغاء الآخر وعملت على إنتاج وعي معتقل خاضع للتزييف والامتهان وبات الفرد يعاني من الاستلاب الفكري .... ما فتح الباب لاستيراد ثقافات غربية (معلبة ) استنسخت كما هي دون النظر في إمكانية تطبيقها في واقعنا المختلف بتفاصيله غير آبهين بالنتائج , غافلين حقيقة أن تجربة مجتمع ما ونجاح ثورته تتضمن فلسفة شاملة في النظرة إلى الكون والحياة والإنسان لتكون التجربة تعكس تطوره الذاتي .
ولما فشلت تجارب قوى كثيرة في تطبيق مشاريعها التحررية وإنتاج هويتها لأسباب كثيرة كان أهمها محاولة وأدها من قبل النظام القمعي الذي اعتمد سياسة الإقصاء والتهميش للاستفراد بالسلطة واحتكار الوطن بكل مكوناته ..
إن الشره السلطوي الذي طغى على نظام استحكم سورية أربعة عقود وقيد حركة الإبداع وتحكم بها إلى درجة التعسف , جعل عتبة الخوف والانكفاء للوراء تعلو وترتفع ...... ما أدى الآن إلى صعوبة هدمها , هذا لا يعني أنه لم يتم البدء بتدميرها .
لأن نواة التغيير تتعاظم وتكبر , وتتسع دائرة التحول من الفرد العاجز المتلقي والخانع إلى مواطن اتسعت مداركه للبدء بتحقيق طموحاته في الوطن ومواكبة حركة المجتمعات الأخرى .
ولأننا استفدنا من فشل التجربة في الماضي وإعادة قراءتنا لها ليس في سورية فقط بل في المنطقة عامة , استطاع جيل الشباب اليوم الاستفادة من ثورة التكنولوجيا والمعلومات وتسخيرها لمصلحة تحرر الشعوب من الاستبداد واستبدال نظام حياة بآخر يتوق للتغيير في مجتمعات تباطأ نموها أو كاد أن يتوقف , وذلك لتحجّر نمط الحياة فيها وتخلفه عن مواكبة التطور لأن الأنظمة الحاكمة كانت تعمل على سد الآفاق ومحاولة قتل الروح المبدعة وحصار الأفكار المتجددة التواقة لكسر القيد الذي تفرضه الحكومات علينا .
نحن الآن على اختلاف مرجعياتنا وتباين اتجاهاتنا وتنوع آلياتنا منخرطين بالضرورة في صناعة المستقبل القادم , والغد القادم يتطلب منا بشكل حتمي أن ندور في فلك الحركة الفاعلة التي أحدثت هذا الفارق , أو أن نلتحم بنواتها .
إن الحديث عن صناعة مستقبل يعني بالنسبة لنا تحقيق ما حرمنا منه منذ عهود وهو إعادة صياغة مفهوم (الوطن ) , وهذا المفهوم بالنسبة للجميع يبدأ من ابتسامة طفل لا تحمل بين طياتها حرماناً ..... تحت سماء من حقها علينا ان تكون مفتوحة الأمدية دائماً غير محتجزة ولا تمر عبر قضبان الحديد والإرادة القمعية لهذا النظام الشمولي الذي لم يقو إلا على تقديمنا على مذابح رغباته ومصالحه ليبرر فشله وطغيانه الذي امتد ليطال مقدساتنا وخصوصياتنا وصوتنا الداخلي .
الآن نرى كيف ان الثورة أدت إلى اهتزاز المركزية وسقوط الأنظمة التقليدية بصورة مروعة على إيقاع التحولات النوعية العميقة التي تفرضها التقنيات المعرفية الجديدة , وكشفت الستار عن هشاشة الأنظمة القديمة وعجزها عن تقديم إجابات تتطلبها المرحلة الجديدة .
لذلك أرى بما أننا امتلكنا القدرة على التقاط اللحظة الفاعلة والحاسمة في حياتنا ومصائرنا , فإن مسؤولياتنا ستكون مضاعفة للحفاظ على هذه اللحظة وانتصارها .
إن الخوف يتعاظم من أن يلتقط بعض صائدي الفرص ذروة الموجة ويعتليها مضيعاً على السوريين فرصة صناعة دولة مدنية ديمقراطية .
فعلى كل الأطياف السياسية الآن أن تتوحد في صف واحد ليكون الانتصار نتيجة حتمية فهذا الوطن لا يليق به أن يكون مختصراً بدين .. أو طائفة ... أو حزب ما ... هو وطن للجميع .
اللحظة الراهنة تتطلب بذل كل جهد لدفع الثورة للأمام لا أن نتجاوزها لاهثين لاقتناص مكتسباتها ,
إن الحراك الذي يسير في إيقاع متسارع أدهش الجميع والمعارضة التقليدية على وجه الخصوص لتدرك أنه ما من واقع لا يحتمل حراكاً سياسياً ,
إن الانقسامات والمؤتمرات سواء كانت تشاورية أو إنقاذية ستبقى على هامش الحراك والشارع لأنها لا تمثل نبضه .... إلا إذا قدمت رؤية موحدة شاملة لكل مطالب المجتمع وتطلعاته , جامعة كل أطيافه في بوتقة العمل على النهوض لبناء الدولة المرجوة .
رغدة حسن .. 12/7/2011
#رغدة_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟