|
من هم اصدقاء النظام السوري؟
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 3424 - 2011 / 7 / 12 - 18:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
انتفاضة الشعب السوري جاءت امتداداً لانتفاضة الشعوب العربية، بمثل ما هو النظام السوري كان امتداداً للنظام العربي الرسمي المأزوم. ولا غرابة في اندلاع الانتفاضة السورية التي امتلكت كل اسباب ومبررات ودوافع التغيير المشروع الذي يستهدف الخروج من عهد الاستبداد بحثاً عن عهد جديد عنوانه الحرية. لا الواقع المعاش ولا الأرقام ولا المعطيات الصادرة عن النظام والصادرة عن مؤسسات سورية ومؤسسات دولية تنفي وجود أزمة عامة مركبة. فأكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر، والبطالة تتراوح من 20-30%، وارتفاع مديونية الدولة، واستشراء التضخم والغلاء، وتراجع التعليم والخدمات، وتهريب الأموال الى الخارج. الازمة الاقتصادية في سورية تفاقمت اكثر فأكثر بفعل احتكار سلطة رجال الاعمال الطفيليين ورجال الامن والمؤسسة العسكرية للمال العام والاراضي الاميرية وابرام الصفقات وتبييض الاموال وقبض العمولات وفرض الخاوات واعتماد الفساد كآلية للاثراء وشراء النفوذ. الاحتكار في مجال الاقتصاد الذي جعل الاغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً، وثيق الصلة باحتكار السياسة في هيئة حكم مطلق عائلي وراثي ابدي كلي الحصانة والصلاحيات. حكم ديكتاتوري امتلك القدرة على إخضاع المجتمع السوري وإحالته الى وضعية العجز المطلق بعد تجريده من اية مؤسسات. اعتمد النظام على اجهزة امنية وعسكرية مطلقة الصلاحيات، تعمل فوق القانون، وترتكب المجازر والاعتقالات والتعذيب والإخضاع والإذلال والترهيب دون حسيب او رقيب. كما اعتمد على فكر شمولي إقصائي أغلق الابواب امام التطور في مجال العلوم والتكنولوجيا والقانون وأشكال الحكم والديمقراطية. كما يلاحظ من الوصف الذي لا ينكره اشخاص من داخل النظام، يوجد الف سبب وسبب لاندلاع ثورة او انتفاضة سورية. ويوجد اسباب وجيهة ومقنعة لانحياز الشعوب وكل القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية الى جانب الشعب السوري المنتفض ضد النظام. الشعوب العربية المنتفضة لم تفقد البوصلة عندما اعلنت انحيازها للشعب السوري، وبعض القوى الديمقراطية ونسبة مهمة من النخب الثقافية والفنية والاعلامية والاكاديمية انحازت بدورها للشعب السوري. غير ان "حزب الله" وبعض الاحزاب والقوى اليسارية والشيوعية وبعض النخب انحازت الى خندق النظام السوري. فهل يمتلك هؤلاء أسباباً وجيهة ومبررة؟ قد يكون "حزب الله" اكثر انسجاماً من بين القوى الاخرى في انحيازه للنظام السوري، وذلك من منطلق براغماتي نفعي. فما يهم الحزب هو الدعم اللوجستي الضروري لتثبيت سيطرته على لبنان في سياق المحاصصة الاقليمية تحت لافتة المقاومة والرد على اي عدوان إسرائيلي. ان انحياز "حزب الله" للنظام وعدم اكتراثه بحرية الشعب السوري يكشف حقيقة المشروع السياسي الذي ينتمي له، وهو مشروع لا يحرص على خروج لبنان من عهدة أمراء الطوائف ونظامهم الطائفي العائلي الوراثي، ولا يسعى للدخول في مشروع لبنان وطني ديمقراطي ودولة مدنية. ما يهم الحزب هو السيطرة على لبنان في إطار المعادلة الطائفية والنظام الوراثي ذاتهما، وتحويل لبنان الى ورقة إقليمية، تحتاجها ايران كما يحتاجها النظام السوري. أما حرية الشعب السوري فلا تعني "حزب الله" بمثل ما لا تعنيه حرية الشعب اللبناني الذي يرى فيه مستمعاً جيداً لخطاباته وردوده الاعلامية. لهذه الاسباب انحاز الحزب للنظام. ويأتي انحياز احزاب شيوعية ويسارية للنظام السوري ليطرح المعايير السياسية والفكرية والاخلاقية المعتمدة. فهذه الاحزاب والنخب تتبنى للاسف معايير النظام وروايته، التي تتحدث عن مؤامرة او فتنة تحركها اسرائيل والامبريالية والقوى العميلة بهدف تقويض نظام الممانعة. ولا يرون في الحراك الشعبي الذي شمل كل المحافظات غير عصابات مسلحة وسلفيين ومندسين. لا يرون الاسباب الحقيقية لاندلاع الانتفاضة الشعبية، ولإقدام عشرات الآلاف على المجازفة بحياتهم في سبيل حريتهم، والاسوأ في موقف هذه القوى هو وضع الشعب المنتفض المطالب بالحرية في خندق الغرب وإسرائيل. وأسوأ الاسوأ افتقاد هذه القوى للحساسية إزاء اعمال القتل الفاشية التي يندى لها الجبين بحق ابرياء على سبيل المثال الطفل (حمزة الخطيب) والمغني (ابراهيم قاشوش) وأطفال درعا والشباب التسعة الذين قتلوا اثناء التعذيب في تلكلخ، وإزاء حملات الاخضاع من طبيعة فاشية في البيضة وبانياس، والعقوبات الجماعية في مدن وبلدات عديدة، واستخدام السلاح الثقيل في مواجهة شعب أعزل، وفي محاولة لاخضاعه مرة أخرى بقوة الحديد والنار. ان السكوت عن القمع الدموي ينطوي على تبرير اعمال القتل المنظم وتأييد آلة القمع الوحشية والدكتاتورية. وهذا الموقف يطرح مدى التزام هذه القوى والنخب بقضية الديمقراطية وحقوق الانسان. إن رفض تغيير النظام يعني الانحياز لـ(تحالف رجال المال ورجال الامن والبرجوازية الطفيلية) الناهبة للبلد والكابحة لتطوره، يعني إدارة الظهر لفكر القوى اليسارية الذي يؤكد الانحياز للعمال والكادحين والفقراء والنساء والشباب (السواد الاعظم من الشعب). ماذا يعني تأييد او صرف نظر القوى اليسارية عن النهب والسرقة والفساد في الحالة السورية؟ ماذا يعني تأييد او صرف النظر عن اعمال آلة القمع المشينة. الا يعني هذا شطب العدالة الاجتماعية ومعها الصراع الطبقي كمحرك للتغيير حسب النظرية الماركسية؟ الا يستوجب ذلك استبدال شعار "يا عمال العالم اتحدوا" بشعار - يا رجال الاعمال ورجال الامن اتحدوا-! هل غادرت هذه القوى ثقافة الحداثة والتنوير والديمقراطية والتجديد والتغيير الثوري ومزقت المادية التاريخية والديالكتيكية وكل المنظومة الفكرية التقدمية، وتبنت ثقافة الولاء والطاعة للبرجوازية وهي في أحط مراحلها؟ لقد وضعت هذه القوى الصراع الطبقي جانباً، وضعت الديمقراطية وحقوق الانسان في الادراج، واكتفت ببند ممانعة النظام السوري للامبريالية وإسرائيل و"دعمه" للمقاومة بنداً وحيداً للحكم على النظام ثم اصدرت الحكم بالانحياز الكامل. علماً ان النظام لا يملك حلاً للمسألة الوطنية، ولا يتبنى استراتيجية بل ينتظر التفاوض. والنظام له علاقات وثيقة اقتصادية مع الذين يمانعهم، وله علاقات سياسية راوحت بين مواقف التدخل ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بإجازة اميركية إسرائيلية وبهدف إنقاذ النظام الطائفي واحتياطه الفاشي العام 76، ومواقف إرسال 15 الف جندي الى حفر الباطن لقتال الجيش العراقي العام 91، ومواقف تسليم عبد الله اوجلان الزعيم الكردي، اضافة للتفاهمات مع حكومة المالكي في العراق. الوشائج السياسية والاقتصادية والامنية - وبخاصة تأمين هدوء استثنائي على جبهة الجولان - مع المعسكر الامبريالي اقوى بكثير من الممانعة اللفظية ومن دعم المقاومة، ولأنها كذلك فقد اعلنت كلينتون ومعها دول اوروبية عديدة بأنهم لن يتدخلوا عسكرياً في سورية. وهذا يعني إعطاء النظام ضوءاً اخضر كي يخضع الانتفاضة. ان الصمت الغربي إزاء انتهاكات النظام التي فاقت كل حد له مغزى سياسي شديد الاهمية. الغرب ايها الرفاق يتآمر على انتفاضة الشعب السوري لمصلحة النظام كما تآمر ويتآمر على انتفاضات الشعوب الاخرى.
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنطفاء .....اليسار !
-
نداء آية براذعية * ما زال يطن في الأذن!!
-
اللا معقول في تصفيق الكونغرس ....ومبايعة نصر الله
-
فعاليات إحياء الذكرى63 للنكبة تحيي أملا جديدا
-
هل تجاوزت حماس وفتح اختلالاتهما؟
-
هل يملك النظام السوري حلا للأزمة؟
-
جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل
-
اغتيال جوليانو خميس ...اغتيال لثقافة الحرية
-
القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي
-
ثقافة ثورية إنسانية ...وثقافة فاسدة
-
اربعة مشاهد دراماتيكية مخزية
-
الثورة المصرية والتغيير الفلسطيني المأمول
-
ظاهرة دحلان...... الى اين؟
-
التفكير الآمن أولا !!!
-
التفكير الآمن ......!!!
-
استقلال المرجعية الثقافية..... ام تبعيتها!!
-
القرضاوي عالم دين ام رجل سياسة؟
-
مكانة الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني
-
قمة بدون قاعدة....!
-
الحريم.. صراع العقل والجسد
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|