جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3423 - 2011 / 7 / 11 - 17:13
المحور:
سيرة ذاتية
كل الناس تحاول أن تكسب أشياء كثيرة على حساب جرحي الكبير.
كل جراح الناس تنشف وتجف وتذبل ويصيبها الاصفرار فتموت مثل كل الجراح الحارة والباردة إلا جُرحي الكبير فهو من ناحية الحرارة والبرودة دائما في حالة نزيفٍ داخليٍ وخارجي, ودائما ما اشعر به كما أشعرُ بالنار المستعرة, وثانياً دموعي تمشي جنباً إلى جنب مع كل الجروح التي أشعر بهن كما يشعر أي إنسان بلدغة الأفاعي السامة , ودائما ما يتحرك جرحي الكبير في داخل أمعائي ليجعلني أشعر بمرارة السم وبمرارة الوقت , وترفض دموعي أن تنشف أو أن تجف ولا يعرف جرحي الكبير لغة الهدوء ويرفض أن يتوقف على الإشارات الضوئية مثل جراح بعض الناس,ودائما ما تجدد جروحي نفسها تلقائيا فتظهر أحيانا بأساليب مختلفة كليا عن جروح الماضي التي اعتدتُ على تضميدها من خلال تقوية جهاز المناعة ضد أي هجوم مفاجئ تشنه على قلبي وروحي, وحين أتعرض إلى جرحٍ جديد غريب في الأطوار وفي الشكل وفي الملمس أبقى وقتاً طويلا من الزمن وأنا أبني بجهاز المناعة ضدها, وكل قلوب الناس تمرض وتصاب بالخدوش السطحية والعميقة وسرعان ما تسترد عافيتها إلا قلبي حيث لم أستطع في الفترة الأخيرة أن أسترد لقلبي عافيته بسبب الجرح الكبير الذي توغل في أعماق قلبي وقطع عني التنفس في بعض الأوقات حين اشتد بي الألم وحين ازداد الجرح تضخما, وهكذا تركتني كل الجروح من غير أن تأخذ معها آثارها التي ما زالت تنزف وتسبب لي الألم, وكل جراح الناس تموت وتذبل وتسقط مثل أوراق الخريف إلا جرحي الكبير فهو في كل يوم يزداد اخضرارا ويزدادُ طولا وعرضا وعمقاً ولمعانا بحيث تستطيع عزيزي القارئ أن تشاهد جرحي في الليالي السوداء وهو يلمع مثل بريق الشتاء في الليالي المظلمة, وغالبية جراح الناس تموت مع لحظة ولادتها إلا جرحي الكبير كان يكبر معي في كل يوم, وكان وما زال يشاركني طعامي وشرابي, وبلغت الوقاحة بجرحي الكبير أن يمتد بلا خوف وبلى وجل إلى قلوب أولادي الصغار, وكبر جرحي وازداد عرضا وطولا حتى أصبح حجمه أكبر مني بالطول وبالعرض, وأعترف بأن مشاكل الإنسان المعاصر أكبر من قدرات العالم كله, وبعض الجراح القاتلة والمميتة تصدأ كما يصدأ الحديد إلا جرحي الكبير يزدادُ في كل يوم لمعاناً وقوة لدرجة أن جهاز المناعة لديّ يقفُ مكتوف الأيدي ولا يستطيع أن يزحزح جرحي الكبير أو أن يبصق في وجهه, فلجرحي بريقٌ ولمعانٌ يظهر من خلال عيوني المدمعة دوما ويعجب كل الأعداء الذين يتمنون أن يكبر الجرح ويتسع على امتداد الوطن العربي الكبير ومرة من ذات المرات طلب مني أحد الناس بأن يأخذ لنفسه صورة تذكارية إلى جانب جرحي الكبير,وبعض الناس الذين يتسببون بفتح جروحٍ جديدة في أحشائي يفتخرون في ذلك ويتباهون ويحصلون على معونات مالية سرية من تحت السجادة وبعض جراح الناس تموت في نفس اللحظة التي تولدُ فيها وتندمل في الترابْ فيأكلها الدود وتصبح عظامها مكاحل وأقلاماً كلسية وبعض الجراح تموت مع موت أصحابها إلا جرحي أنا فسيبقى حياً في ذاكرة أهلي وفي ذاكرة كل الشعوب العربية والعالمية ومن الممكن أن يصبح قبري بعد مماتي مزارا لكل المجروحين ليأخذوا إلى جانبه صوراً تذكارية تذكرهم بمآسي الماضي وبمآسي الشعب العربي كله والشعب الأردني ككل, إذاً كل الناس يجرحون وينزفون بشكل عادي إلا أنا ذلك أن كل جراحي تختلفُ عن جراح كل الناس العادية فأنا فتحةُ جرحي الكبير في كل يوم تزداد عمقا وقلبي يزدادُ حزنا ووجعا, والأغلبية من الناس يفرحون إذا بكيت ويشمتون بي كلما عرفوا بأنني فشلت في مداواة جراحي, إن جراح الناس في كل يوم تصغر وتصغر وتصغر حتى تصبح بحجم رأس دبوس إلا جرحي الكبير فهو يزداد كل يوم حجما حتى غدى ليلة الأمس بحجم جبال الهملاي ومرتفعات ( قمة إفرست)وكم كان جرحي الكبير هدفاً ليتسلق الصعاليك عليه, وكم ربح تجار النمو الكريه من بيع جراحي ومن عرض جرحي الكبير في الأسواق وفي الساحات الوطنية,وكم كسب الشيوخ وهم يسبون ويشتمون بجرحي الكبير, وكم كسب القوادون والعرصات من جرحي الكبير الذي لن يندمل ما دام أنفي يشم الهواء, إن جراحي تشبه فتحة أكبرِ بركانٍ ثائر, إن جرحي الكبير عبارة عن موجة(اتسونامي) هوتني هزاً عنيفاً من الداخل ومن الخارج , واستغرب كيف يستطيع بعض الناس أن يدملوا جراحهم بسرعة إلا جرحي الكبير فهو حتى هذه اللحظة له في داخلي سبعة أرواح وأتباعٍ وأحفادٍ وأنا أغني لهم جراحي, وهم يطربون على مواويلي الحزينة ويرقصون فرحاً, وأنا وحدي من يرقص أَلَماً,أنا جرحي لن يذبل كأوراق الصيف وأوراق الخريف وأوراق الزمن المُرْ, لن يسقط جرحي كالأوراق المتساقطة وأنا جرحي لن يصدأ كما يصدأ الحديد وأنا جرحي لم يستطع أي مِثقب أن يثقبه كما تتم عملية ثقب المعادن وخصوصاً المعدن الفولاذي ,وأنا جرحي لن يموت وسيعيشُ جرحي إلى جانبي لمئات السنين ولمئات القرون, وستطرب الأجيال القادمة على صوته وستقوم فِرق موسيقية بتلحينه وبغنائه في كافة الفعاليات السنوية ومن الناس من سيضحك على جراحي لأنهم سيعتبرونها تافهة ومخزية وسيقولُ بعضهم :هل من المعقول أن صاحب هذا الجرح عاش كل حياته وهو يبكي!!ولم يستطع أن يدمله!!,والغريب في الموضوع أن جرحي الكبير في نظر كل الناس جرح تافه ورخيص وهذا هو الفرق بين جرحي الكبير والمؤلم وبين جراح كل الناس.
اجرحوني كيفما تريدون جَرحي واذبحوني كيفما تريدون ذبحي بسكين غير حادة لأصرخ أكثر ولأتألم أكثر على جراحي الكثيرة والكبيرة,فأنا من ناحية الجراح أستطيع أن أوزع على كل المستشفيات الموجدة في هذا العالم من جراحي ومن دمائي التي تنزف,نظراً لِما في قلبي من جراحٍ قديمة وحديثة, منها ما أستطيع أن أدفنه بسرعة تحت الضمادات الطبية ومنها ما لا أستطيع أن أنساه بسرعة كعادة نسياني الطعامَ والشرابَ ومنها ما لم أستطع أن أدمله أو أن أدفنه أو أن أنساه بسرعة,فأنا رجلٌ معتادٌ جدا على لملمت الجراح اليومية والفصلية من خلال لعقها مرة بلساني ومرة بمقالاتي الجريئة وقصائدي الطويلة ومرة بيدي ومرة بعيوني, ولكثرة ما لعقتُ جراحي تسمم لساني بشتى أنواع السموم وأصبح لونه أبيض وجاف, وتلوثت النواقل العصبية في مجرى الأعصاب بشتى أنواع الهرمونات والحوامض ففي كل فصل شتاء يظهر لي جرحٌ شتوي أعاني منه لوحدي وأشعرُ به لوحدي,وهذا النوع من الجراح ألقيت عليه لقب الجرح الشتوي.
وفي فصل الصيف أعاني أيضا من جرح صيفي كبير وطويل أطولُ من سفينة (نوح) أسميته أيضا (الجرح الصيفي الملتهب) حيث يزداد نفوري من العالم الذي حولي وبنفس الوقت نفور العالم مني ومن جرحي, ولكثرة ما رويت للناس عن جراحي أغلق كل المستمعين آذانهم لكي لا يسمعوا ضجيجي وأنيني .
وفي فصل الربيع ينزف الجرح الربيعي أكثر ب100مرة من الجرح الشتوي والصيفي من ناحية الكم والكيف وأسميه (الجرح الربيعي الحارق) حين يعشوشبُ العشب الأصفر في فصل الربيع مع ازدهار جراحي الكثيرة , أي أن هنالك في حياتي جرح يصيبني في كل ساعة, وجرح آخر يصيبني في كل يوم, وجرح آخر يصيبني في كل غمضة عين,وتظهر أحيانا في قلبي جراح لم أعتد على الإحساس بها وعلى مداراتها أو مداواتها, وجرح آخر يصيبني في كل دقيقة, وهنالك جرح يتسببُ لي بالنزيف كلما حاولت أن أضع رأسي على وسادتي للنوم وأحيانا ما أشعر به فأبقى طوال الليل مستيقظا لكي لا يسبب لي نزفا جديدا , وهنالك جرح يصيبني كلما نهضت من النوم وجرح يصيبني كلما خرجتُ بأولادي من باب المنزل إلى أي مكان يتنزهون به وهنالك جرحٌ دائما ما يؤثر في حياتي يأتيني شهرياً وجرح آخر أسبوعيا وجرح سنويٌ يصيبني في كل عام, وكنت طوال حياتي وما زلت مسيطرا على كل الجروح التي أدملها مرة بلساني حيث أبقى ألعق بالجرح حتى يتوقف الجرح عن النزيف, إلا الجرح الجديد أو الجرح الأكبر الذي لا أعرف كيف سأواريه أو كيف سأدمله, فقد لعقته مليون مرة بلساني وما زال ينزف وكلما صحوت من الحبوب المنومة أراه وهو ما زال ينزف أمامي,إن حياتنا كلها جراح وذكريات مجروحة,فإذا ذهبت إلى السوق تتفتح جراحي القديمة والحديثة وإذا أردتُ دخول الحمام أشعر بأن جراحي تتفتح على رغوة الصابون, وإذا مشيتُ في الشوارع أقفُ دقيقة صمت في كل شارع مشيت به وخصوصا إذا رأيت بعضا من آثار جراحي التي لم يمسحها على برد الشتاء ولا حرارة الصيف.
وهكذا دائما ما يتركني جرحي ليسافر بعيدا في أعماقي تاركاً وراءه نزفا كبيرا, ربما لأنه لم يحتمل على التعايش معي حيثُ من الممكن أنا في كل يوم أنزف من خاصرتي إلا اليوم لأن موقع الجرح ليس في الخاصرة بل في القلب وفي النعش الذي سأحمل به يوما إلى باطن الأرض حين تتحول كل مشاعري وأشعاري ورومانسياتي إلى حفنة تراب لا تتجاوز قبضة اليد. وبدل أن يندمل الجرح ويذهب إلى غير رجعة أجده على العكس يبقى في حالة توسع واستيطان في الطول وفي العرض, لقد أُُصبتُ في زماني بجراح كثيرة في قلبي وفي عقلي وكنتُ فورا أدملها بشتى الوسائل وبشتى الطرق إلا هذه المرة التي لا أستطيع فيها وحدي أن أدمل الجرح, فأنا بحاجة إلى امرأة تدمل لي جراحي القديمة والحديثة,أنا لا أحتاج إلى مستشفى ولا إلى أطباء ولا إلى وزراء لكي يدملوا جراحي أنا فقط محتاج إلى يد حنونة فوق جرحي الكبير, وأنا محتاج إلى عيون سوداء تغرق في عيوني وتسافرُ بهما عبر العواصم العربية التي تؤلمني وأنا محتاج إلى كف ندية فوق كتفي تُطبطب على جراحي لكي أشفي الجرح الكبير,أنا جراحي لا يمكن أن أداويها إلا بلمسة يد رقيقة وبمشاعر رقيقة ,أنا بحاجة إلى يد ناعمة تلمس يدي وإلى ذراع تطوق عنقي وإلى أصابع يدين تُدغدغُ لي بطني .
كل يوم جديد تطلع فيه الشمس وتغيب أتلقى مع شروق الشمس وغروبها جرحا جديدا يظهر في قلبي وفي عقلي وفي وجداني وفي الكتب التي أقرأها, وفي كل عيد وطني أصاب بجرح جديد فأنزف نزفا شديداً,وفي كل عيد ميلاد لي أكتشف أن بداخلي جرحا عميقا لم يندمل بعد,أو يصيبني جرحٌ جديد يسبب لي آلاما في القلب وفي الرأس, فأنا في كل المناسبات السنوية تظهر جراحي سواء أكانت في المهرجانات أو في الأسواق العامة, وفي الحقيقة أن جرحي الكبير لا يستحي من عرض نفسه وصورته أمام الناس وفي المناسبات فتجدونه يظهر على النوافذ وعلى الصلبان وعلى الشوارع وعلى أسطح المنازل وعلى أسطح البنايات المرتفعة, وفي كل مرة أستحلفُ جرحي الكبير أن لا يظهر للناس إلا إذا سمحتُ له أن يظهر, ولكنه يظهر غصب عني بدون أخذ الإذن المسبقة مني ومن دون موافقتي على ظهوره ولهذا أنا الرجل الذي لا يستطيع أن يتحكم بإنفعلاته اليومية وبدموعه التي تنزف رغما عنه سواء أكنتُ أمشي في الشارع أو راكباً في مؤسسات النقل أو حتى في المناسبات المفرحة التي يكونُ فيها الناس يدبكون ويرقصون ويغنون وأنا وحدي أنزف من أعماق أعماقي, وكثيرا ما كنت أطلبُ من جرحي الكبير بأن يتوقف عن النزيف احتراما للناس المارة في الطرق التي لا تفهم لغة البكاء أو لغة الجراح الكبيرة , وبعض الناس يدملون جراحهم في المشروبات الروحية وفي ممارسة الجنس إلا أنا لم يشفِ الجنس جراحي ولمتشفي المشروبات الروحية جراحي فأنا أشعر بأن جراحي تزداد مع الجنس توسعا ومع المشروبات تزدادُ نزيفاً,إن جراح الناس الكبيرة تندمل بسرعة من خلال الرقص, وكثيرا ما كنتُ وما زلت أطلب من جرحي الكبير أن يتأدب قليلا وأن يسكت قليلا ريثما تذهبُ الناس من عندي أو ريثما يذهبون في طريقٍ أخرى, أنا لا استطيع التكيف مع الجرح الكبير كما أتكيف مع الجروح الكثيرة التي تعيش في وجداني , إن الجرح الذي تعرضتُ له مؤخرا سيبقى معي في ذاكرتي وفي ذاكرة أولادي حتى نهلك جميعا عن بكرة أبينا, سيبقى الجرحُ الكبير في حالة تمدد وتوسع ما دامت ذاكرتي قوية وما زالت موهبتي في البكاء وفي النزيف سريعة التأثر والتأثير.
منذ عشرة أيام وأنا أعاني من جرحٍ كبير أصابني في كل أنحاء جسمي الداخلية والخارجية وذهبت إلى كل الأطباء المختصين لعلي أجدُ مثلا طبيبا ماهرا يخفي لي جرحي أو يدمله كما دملتُ من قبل جروحاً كبيرة بالطول وبالعرض وأغلب الأطباء اعتذروا عن إيجاد علاجٍ لجرحي الكبير وقالوا بأنهم طوال فترة دراستهم للطب لم يتعرفوا على جرحٍ مثل جرحي وقال آخرون بأن المستشفى الذي قصدته لم يسبق له أن تعامل مع جرح كبير بهذا الشكل, وقال آخرون بأنهم لم يشاهدوا في حياتهم جرحاً ينزف بمقدار ما ينزفُ جرحي الكبير فهذه أول سابقة لهم بجرح مثل جرحي يمتدُ من البحر الأحمر إلى البحر الأسود, حتى على البحار العربية أتألم جدا فحين أشاهد البحر الأحمر أجلس على شاطئه وأتألمُ من اسمه فلماذا لا يكون اسمه البحر الأرجواني أو اللازوردي, وحين أذهب إلى البحر الميت أتألم أكثر من أسمه فلماذا مثلا اسمه البحر الميت؟هل لأنه لا تعيش بداخله الأحياء؟لماذا لا نسميه مثلا البحر الطيب أو البحر العاطفي.إن كل شيء أراه في هذا الكون يؤلمني كثيرا وكل شيء أنظر إليه أشعر به وهو يحاول أن يجرحني في عيوني فأنزف بناء على رغبة الناس والوطن في أن أتألم لأن في الألم داء من كل الأمراض , ورغم أنني أداوي جراح الناس الكبيرة والصغيرة غير أنني هذا اليوم أقف عاجزا في وسط البحر لوحدي حائرا لا أدري إلى أين سأتجه ولا أعرفُ ما هو المصير الذي سيرسلني إليه جرحي الكبير... هذه المرة لم أجد أحدا يستطيع أن يدمل آخر الجراح التي ألحقت بي الأذى, وفي كل يوم أصحو من النوم على صوت الجرح وهو ينزف ويصرخ فأجلس في فراشي أبكي على جرحي بصوتٍ خافت وغير مسموع حتى لا أفتح على أهل بيتي جروحهم المغلقة , والغريب في جرحي الكبير أنه يفتح جروحا قديمة مغلقة كان قد مضى عليها الزمن ولكنها سرعان ما تظهر كلما حاولت إغلاق الجرح الكبير بأصابع يدي أو بدموعي, ونظرا لأنني لم أجد من يبكي جراحي أو من يأخذ منه شبرا أو شبرين ليخفف لي من طوله وعرضه الذي بلغ مساحة الشرق الأوسط والأدنى فإنني أعيش الآن لحظات البكاء على نفسي وأنا ما زلتُ على قيد الحياة,أنا اليوم أرثي لنفسي كثيراً, وأنام وأنا ما زلتُ أنزف وأصحو وأستفيقُ وأنا ما زلت أنزف, ويأتيني إلى البيت أقاربي من الدرجة الأولى وكل واحد منهم يرى في شخصه طبيباً أو خبيراً في لملمة الجراح ودملها وبيده علاجا لجرحي, فمنهم من أراد أن يكوي جرحي بالنار ومنهم من أراد يشفي جرحي بفتح 100جرح جديد في أعماقي , ونصحني الكثير بأن أشرب من كأس النسيان وتعددت أنواع العلاجات على قدر ما أتاني من أطباء شعبيين وأطباء متخرجين من أقوى الجامعات الطبية, ولم يستطع أي أحد منهم أن يدمل جرحي الأخير الكبير الذي مزقني وجعلني أشلاء مبعثرة هنا وهناك, وكل جراحي القديمة استفاقت على صوت الجرح الحديث الولادة,وكل جرح قديم كان يظهر ومعه 100جرح أقدم منه وعدت بطفولتي إلى الوراء أكثر من ثلاثين عاما حين كنت أجلس خلف الدار أبكي جراحي حتى يبتلَ التراب الذي تحت قدمي فأصنع منه طينة ألعبُ بها كما يلعب الأطفال بالمعجون الملون, وعدت إلى جرح الطفولة حين كنت أزور المقبرة لأبكي على قبر أبي, و نسيتُ كل تلك الجراح القديمة التي دملتها بالتقادم الزمني عليها ولكنها اليوم أعشوشبت كما النباتات وكما الأزهار, وكان من المفروض أن تساعدني جراحي القديمة على الثبات وعلى التصدي للجرح الأخير غير أن توقعاتي كلها جاءت عكسية .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟