|
غسان كنفاني الوجع في ذكراه ذكريات
سامي الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 3419 - 2011 / 7 / 7 - 21:21
المحور:
القضية الفلسطينية
كل ذكرى تتصلب شراييني، ويقف الدم عن التدفق لتغذية تلابيب المخيخ، ليبدأ البحث في رحلة القلم، ليدون بلا غضب عن غسان، ولكن!! يتصلب الإبهام ويتجمد، وأتعجب!! ماذا يُكتب عن غسان، وكيف يَكتب هؤلاء عن ذكراه، وأغضب لعجزي عن الوقوف أمام الصورة، وأسأل بحنق الغيرة، ماذا أَكتب عن غسان؟! أكتب عن الإنسان؟! أم الأديب؟! أم الشاب العاشق؟!! فإنسان جف دمه، وعدنا جميعاً إلى لغتنا التي لم نستعد القدرة من خلالها على الكلام، والحديث عن ينبوع النهر والأحزان، فهذا ما عبر عنه "الدرويش محمود" عندما قالوا له أكتب عن صديقك غسان، فرد بغضب أكتب عن الشيء " الطبيعي" واللاطبيعي، فكلاهما أريد أيام لأعتاد عليهما، لأن حبره لم يجف بعد، رغم أن دمه جف. فكيف نَكتبُ عن غسان الأديب، وقد أهدتنا "غادة السمان" مخطوطات عشق، ونيض النزف للإنسان الطبيعي، وفيض من الدم بكل اللغات، فكان السيف القاطع الساطع في مجرات التكوين الأدبية، وقوانين العشق الطاهرة. فلم يعد لدي القدرة على الحسم ما بين الفهم والتفاهم مع قلمي لأكتب عن غسان. فأعود لأقرأ لغسان علّني أهتدي للقصائد، ولليقين، وأجد فيها معنى للحرية التي أرادها غسان وهو يتناثر مع "لميس" في قصة عشق للوطن، فلم أجد إلا قاعدة الإغتيال الكتابية وهي تجردني من الوقوف أمام الصورة الكنفانية. من قرأ غسان قرأ الحياة، وأبحر في الماضي، والحاضر، والمستقبل، وأدرك أن الحكاية لن نلتقي بها من جديد، لأنها ظاهرة كونية تركت أم سعد لنا، ولم تعد بنا إلى حيفا، رغم عودته في سفر التكوين والخيال إلى يافا، ونحن نعلم أن الندرة لا تُقرأ مرة واحدة كلما عدنا من جنائز التعري أمام الأدب! نحن نعرف وندرك لماذا نكتب، وماذا نكتب؟ ونبحث كثيراً عن جذور بلاغتنا اللغوية، والوصفية، ولكن غسان أدرك الفكرة، وشعر بموته المبكر، فأطلق ينابيع عشقه إلى حد الإسراف، فلم نستطع إستدراك السر الذي غَيب عنا غسان، وغَيب منا الوعي ونحن أمام حركة السكون في قلم غسان... فحاولنا ونحاول اللحاق بحلبة السباق لإستدراك سر الإبداع، والضغط على الإبهام في رحلة الإكتشاف لمن جَسد فلسطين بالنقش على صفحات الأدب، ففهمة الآخرون الذين يجيدون الفهم، ولكن!! لم نجده ولم نفهمة نحن إلا بعد طرق جدار الخزان. فغسان الأديب الذي لم يرحمه شعبه، وتنكروا لأدبه، وهو من استمد منهم القوة ليؤسس مدرسة الثورة في الأدب، والأدب في الثورة، وهو من اعترف أن أرض البرتقال هي من شكلت غسان، وصهرت الفولاذ مداد ونزف يغتصب المنفى، ويعود بالقلم إلى وطن مسلوب من كحل الأعين. كثيرُ كَتبت، والعديد هم من رَثيت، ولكن لم أستطع أن أكتب، أو أقوى على رثاء غسان، وأنا هنا أتلمس مسيرة وأدب الكنفاني، فأشعر بأنه لا يصلح للوصف بكلمات وعبارات، ولا يمكن الإبحار في ذكراه ومناقبه بمقالات أو عبارات، لا تحمل نبض غسان الذي كلما وقفنا في حضرته نعيد صياغة حياتنا، والبحث عن المجهول فيما لم نجد من معانِ تعصى علينا. كل ذكرى أفكر طويلاً، ماذا أَكتبُ عن غسان؟ وهل سيفهم من يقرأ من هو غسان؟ أم الإعتقاد أن ما نكتب هو تشظي في مساحة الوعي؟! فأترك قلمي، وأركل أفكاري، وأحدث نفسي، إنه لا يُكتب عنه. بل يحكى عنه للأجيال، ويُدرس في علوم الإبداع، ومفاهيم الإنسان في بدايات التكوين الإبداعي، والعلاقة بين الحسيات والماديات. أما اليوم فإنني قررت أن أحتفي مع ذاتي، بذكرى إستشهاد " غسان" فبحثت في كل الصور، وتهت بين الأحرف والكلمات، وصليت بخشوع في محراب " درويش" وهو يكتب عن غسان فيقول: ويا صديقي غسان! " إن البياض أمامي كثير. ودمك الذي لا يجف ما زال يلون. ولقد ودعت مرحلة من حياتي حين كنت أودعك. جئت ورأيت. ورأيتك كيف تذهب" أما أنا فلم أجد سوى أن أكتب، إن السواد أمامي كثير، لأن ذنبي الذي لم يغتفر إنني لم أكتب عن الأرض التي أحببها غسان، وعن القمح واللوز التي عانقت روح غسان. نعم يا غسان! إننا أمامك صغار، أصغر ما نكتب عنك... فتركت القلم ينزف ما يشاء من مداد الحياة. فإنك تحيا فينا بأم سعد، وموت سرير رقم 12، ورجال في الشمس، وعالم ليس لنا، والشيء الآخر، وجسر إلى الأبد، ولا زلت فينا تعلمنا أن " الأطفال هم المستقبل"، وأن الواقع هو منبع الفكرة والأدب، وأنت توصف لنا في " عائد إلى حيفا" قصة لجوء رأيتها وأنت طفل تتأمل طريق اللاعودة. إن السواد أعظم عندما لا نعلم أن إبن عكا الذي ولد قبل أن تصل أمه إلى سريرها في التاسع من نيسان 1936م، شهر قطرات الندى على أوراق الزهر، كاد أن يختنق، ولكن! لأنه غسان كتبت له الحياة، ولأنه غسان عاد إلى يافا وشهد قرار التقسيم، ومعارك اليهود، ولأنه غسان ترك فلسطين في سرب اللجوء طفلاً، واعتمر في محراب بيروت أدباً. فماذا أكتب يا غسان؟!! لم أجد سوى عجز مداد قلمي عن النزف أمامك يا شهيد فلسطين، وقلم المضطهدين، وأقحوانة المقهورين... فأغفر لي غسان!! سامي الأخرس
#سامي_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازدواجية الجنسية الفلسطينية كارثة لأين تمضي بنا؟
-
مصالحتنا خلقت من ضلع أعوج
-
رفيق قلمي رشيد نيني أين أنت؟
-
من فلسطين لحمدين صباحي
-
ما بين الإنسان والحمار عنوان
-
حكم الوعي بالثورات العربية
-
المثقف العربي ووجدانية التعامل مع السياسات الأمريكية
-
حسن حجازي وتجسيد حق العودة والدولة
-
لا زالت نكبتنا مستمرة
-
من اين تبدأ مصالحتنا الوطنية؟
-
مؤتمر الحكيم الفكري- الثقافي الأول خطوة على الطريق
-
فلسطين واولويتها المركزية حقيقة أم سراب؟
-
عملية إيتمار إدانة للإجرام الصهيوني
-
فيتوريون أغفر لنا هواننا
-
سفهاء بجلباب الدين
-
مصر بين موقعتين
-
ثورة اليمن ثورة ورود وفل وياسمين
-
العراق والثورة المتوقعة
-
الحراك الشعبي الشبابي الفلسطيني فِعل أم تصريف للفِعل؟
-
لم نولد اذلاء يا مصر بل ولدنا احرار ثوار
المزيد.....
-
نتنياهو يبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة خلال زيارته إلى أم
...
-
السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق
...
-
هيغسيث: -داعش- تكبدت خسائر جراء الضربة الأمريكية في الصومال
...
-
قلق في إسرائيل بسبب منصب رئيس وفد المفاوضات مع حماس
-
وزير الخارجية المصري: لن تنعم المنطقة بالسلام ما لم تقم دولة
...
-
تقدم روسي.. وترمب يصر على الحل بأوكرانيا
-
لقطات جوية من مكان تحطم طائرة طبية في مدينة فيلادلفيا الأمري
...
-
بولندا.. مرشح المعارضة للرئاسة يتعهد بإعادة 20 مليون بولندي
...
-
ويتكوف ونتنياهو يتفقان على بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف
...
-
الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية ارتكبت جريمة حرب جديدة بقص
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|