|
إيقاعات رقصة الحوار المر
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 3419 - 2011 / 7 / 7 - 21:20
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
بعد مائة يوم ونيف من عمر الانتفاضة الشعبية المريرة الدامية ، وبعد ما انتهت إليه الأمور ، كم أشرت في مقالي السابق ، إلى أن لا قيادات الإنتفاضة ( التنسيقيات ) قادرة ، بإمكانياتها المحلية ، على إ سقاط النظام ، ولا القوى الدولية ( أميركا وأوربا ) التي تدخلت ، راكبة موجة الحراك الشعبي الاحتجاجي ، قادرة على استخدام المؤسسات الدولية ( جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي ) لتجعل من سوريا ، بواسطة حلف الأطلسي ، ليبيا ثانية ، ولا النظام الذي مارس مختلف أشكال القمع ، قادر على ا ستعادة استقراره وتوفير مقومات ا ستدامته وضمان امتيازاته الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي أ سس لها وما رسها عقوداً طويلة ، اتسعت رغم ا ستمرار الاشتباكات المسلحة الخطيرة بين قوى النظام ( الأمنية والجيش ) ومسلحين " جهاديين ، في غير مدينة أو منطقة ريفية ، اتسعت مساحة الحاجة الوطنية إلى الحوار في المشهد السوري .
وبناء على موازين القوى التي حددها موضوعياً ، حراك الواقع وحجومه المتعددة التباينة ، فإن الحوار ، الذي تستدعيه الحاجة الوطنية ، والذي مطلوب منه أن ينجز بأقصى السرعة مقومات التصدي للمخططات الأجنبية التي تستهدف كيان الوطن ومصيره ، وتفكيك الاستبداد ووضع الأسس لبناء سوريا جديدة ديمقراطية علمانية تسودها المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية ، ليس هو في حالة تطابق مع مبادرة النظام " الحوارية " بقدر ماهو وسيلة للحفاظ على ا ستدامة النظام بصيغة جديدة ، وليس هو أيضاً مطابقاً مع ما كانت تطرحه ، قبل الآن ، الأغلبية الكبيرة في المعارضة ، فيما يتعلق بالحوار من أجل الإصلاح السلمي التدرجي . وذلك لأن النظام يحاول توظيف ضعف المعارضة السلمية الميداني ، المتأتي عن عوامل كثيرة ـ أهمها ، القمع المزمن المستديم ، وتعدد قياداتها وخلفياتها ، وتباين أساليب حراكها وغياب برنامجها السياسي الاجتماعي البديل ، ومن ثم دخول فصائل " جهادية " وفصائل طائفية سوداء الفكر والقصد ، إلى الفضاء الميداني والسياسي والإعلامي المعارض ، التي أدت اشتباكاتها وصداماتها الدموية مع قوى النظام ، وكذلك طروحاتها ودعواتها الطائفية البشعة ، أدت إلى التخوف الشعبي الواسع المشروع من أخطارها ومآلاتها على المصائر الحياتية وعلى وحدة البلاد ، ليطرح ( النظام ) نفسه محاوراً رئيسياً ( سيد الحوار) ، وليحصل حسب ما يملكه من أوراق قوة على نتائج حوارية تتناسب ورغبته في الاستدامة بطبعة " ديمقراطية تشاركية " يزينها فسيفساء معارضة مشبعة بمكرمات المحاصصة النخبوية في السلطة الجديدة . بمعنى أن المطلوب ممن سيشترك من المعارضة في الحوار مع النظام ، حول الإصلاح ، أن يسقط من عقيدته " الثورية " مهمة إيجاد بديل مغاير للنظام . وهذا منتهى الإملاء والتعسف في ا ستخدام الظروف التاريخية الخطيرة القائمة . الذي سيؤدي تقبله إلى فقدان الفريق المعارض المحاور أي قدرة مؤثرة على طرح أجندته الحوارية والزود عنها ، وبالتالي إلى فقدان أي فرصة للفوز بنتائج ذات أهمية ، وسيؤدي أيضاً إلى فقدان الحوار أي جدوى مطابقة للحاجة الوطنية الراهنة . كذلك يحاول الطرف المعارض ، الذي أعلن في السابق مراراً مطلبه في الحوار الوطني ، كخطوة أولى لخلاص البلاد من أزماتها المزمنة ، وهو يضمره الآن ، بعد أن طرحت الانتفاضة الشعبية شعار إ سقاط النظام ، يحاول أن يوظف ارتباك النظام تحت الضغوط السياسية والإعلامية ، وعجزه الأمني في معالجة الأزمة ، ليطالب ، بوقف الحل الأمني ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، واعتماد مبدأ التفاوض بدلاً عن الحوار ، لتغليف وتسويغ قبوله بالحوار ، ولتحسين مركزه الحواري ، وتحقيق ما هو بديل مقنع جماهيرياً لطروحات إ سقاط النظام . وفي حال تلكأ أو رفض النظام أحد أو كل هذه الشروط ، يحمل الطرف المعارض النظام مسؤولية تعثر أو فشل الحوار . وعلى خلفية أن النظام ، يعمل على أن يأخذ المعارضة من حاجتها إلى الحوار ، لتحوز على الاعتراف الرسمي بها وخروجها المشروع إلى العلنية التامة ، وإلى توقها إلى المشاركة في السلطة ، للتخلص من شبح شعار إسقاط النظام الذي ترفعه الانتفاضة الشعبية ، وتحث عليه القوى الجهادية المسلحة . وعلى خلفية أن المعارضين المحاورين يعملون على أن يأخذوا النظام من حاجته إلى باب نجاة في أزمته الوجودية ، للتخلص من استبداده وامتيازاته ، بمعنى إ سقاط صيغته الديكتاتورية المفوتة . الأمر الذي يدفع الحوار المترافق و المتزامن مع الصدامات المسلحة هنا وهناك ، في أ شكاله وآلياته ومقاصده ، إلى ما يشبه الرقص على إيقاعات نارية ، لايصمد فيها حتى نهاياتها إلاّ الأقوى والأكثر براعة في المناورة والمبادرة ، ويدفع إلى اكتراع الكأس الحواري أو التفاوضي المر ، لأنه لايحقق النتائج المطلوبة بالنسبة لكل الأطراف .
وبمقتضى ذلك تجري الاستعدادات والمؤتمرات والاستعراضات الحوارية .. كمقدمة لابد منها لانطلاق الحوار . وتجري عمليات جس نبض متبادلة ، لمعرفة إلى أي حد يمكن أن يذهب النظام في تراجعاته السلطوية الاستئثارية ، وإلى أي حد يمكن أن تتأقلم المعارضة مع النظام في صيغته التنازلية المتوقعة .
وبصرف النظر عن التفاصيل في المواقف ذات الصلة بالحوار ، فإن الخطوات العملية لإعداد مختلف الأطراف نفسها للحوار ، تؤكد أن مساحة الحوار في المشهد السوري ، رغم التمنع المشروط تحت ضغط الشارع ، تتوسع أكثر فأكثر . فقد عقد نحو مائة وخمسين مثقفاً وناشطاً مستقلاً ( كما ورد ) مؤتمراً علنياً في فندق " سميرا ميس " بدمشق ، وانتهوا إلى إصدار بيان مشروط يعلن استعدادهم ، عند توفر المنلخ المناسب ، للتفاوض ومناقشة المسؤولين في السلطة حول سبل الانتقال إلى سوريا ديمقراطية مدنية . أعقبه مؤتمر آخر لمستقلين ومثقفين في دار رجب باشا بحلب . ومن ثم مؤتمر للفعاليات الاقتصادية بحلب أيضاً . كماعقد مؤتمر للبرلمانيين " المستقلين " بدمشق وأدلوا بدلوهم في عرض الاستعداد للحوار . والمؤتمر الأكثر التفاتاً كان مؤتمر قطاع هام من الأحزاب السياسية المعارضة ، ضم التجمع الوطني الديمقراطي باستثناء حزب الشب الديمقراطي ، وخمسة أحزاب كردية ، وتجمع اليسار الماركسي ( أربعة أحزاب ) وشخصيات من لجان المجتمع المدني ، الذي أصدر بياناً حدد فيه شروطه للاشتراك في الحوار ، وشكل هيئة تنفيذية لمتابعة تنفيذ مقرراته تحت ا سم " هئية التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي " وهناك دعوات لعقد مؤتمرات معارضة خلال الأيام القادمة تنحو نفس المنحى في المناخ " التحاوري " المنتشر ، منها ما سمي " قوى الطريق الثالث ، أومؤتمر جبهة الإنقاذ الوطني .
على أنه لايصح ونحن نتعرض لحركة المؤتمرات لقطاعات من المعارضة الحزبية أو المستقلة في الداخل ، أن نتجاوز مؤتمرات لحركة قطاع آخر من المعارضة في الخارج ، مثل مؤتمر " أنطاليا " في تركيا . ومؤتمر بروكسل في بلجيكا ، ومن ثم المؤتمر الذي دعا إليه الفرنسي المتصهين " برنار ليفي " وعدد من أنصار إسرائيل في فرنسا " لنجدة سوريا " شكلاً وللإسهام في بناء شرق أوسط " مسالم مع جيرانه " إي مع إسرئيل فعلاً ومضموناً ، وقد لبى دعوته عدد من المعارضين المشاركين في مؤتمر أنطاليا وممثل عن الأخوان المسلمين في سوريا ، وهو يستحق لما ضم من معارضين يزعمون إنقاذ سوريا من الديكتاتورية بواسطة الخارج ، أي كان هذا الخارج ولو كان عدواً للوطن ، ولما جسده وكشفه واقعياً لمعادلة داخل / خارج البائسة بالنسبة لفئات ورموز معارضة ، يستحق التوقف عنده وفضحه . وجميع هذه المؤتمرات في الخارج ، لم يكن بوارد لديها أي استعداد للحوار مع النظام ، وإنما التشدد والتركيز على الحشد الدولي لإسقاط النظام .
المؤتمر الحواري الأهم ، هو ما دعا إليه النظام كافة قوى وشخصيات المعارضة " الوطنية " في العاشر من شهر تموز الجاري ، للحوار ، حسب اهل النظام ، حول عدد من القوانين " الإصلاحية " والتعديلات الدستورية ، تمهيداً لعقد مؤتمر الحوار الوطني العام ، الذي سيكرس " الإصلاح الشامل " في الدولة والمجتمع .. أي إصلاح النظام ..
من سيجلس إلى النصف دائرة الحوارية .. ومن سيتحاور مع من .. ستكشفه الأيام القليلة القادمة . لكن في مختلف الأحوال ، إن النظام يجسد الطرف الأساس في أي حوار ومن ثم يأتي الآخرون .. تنظيمات وأفراد . وقبل انطلاق المداخلات ، يدرك ولاشك الجميع ، أنه ما لم يؤخذ في الشارع لايؤخذ على نصف دائرة الحوار . لهذا هناك سباق من معظم أهل الحوار ، لوأد الشارع .. أو تحجيمه .. أو احتوائه .. خوفاً من مطالبه الجذرية وتداعياته العنفية ، وذلك لممارسة الحوار دون مؤثراته المحرجة والمرعبة .. وصولاً إلى عقد اجتماعي نخبوي جديد ، يتم فيه تقاسم السلطة ، وتوسيع قاعدة توزيع الثروة .
الأمر الذي يعني ، أنه بقدر ما يتعرض الوطن لمخاطر المخططات الأجنبية الصهيو - إمبريالية .. تتعرض الانتفاضة الشعبية لمخاطر جري قوى من المعارضة وراء الحوار مع النظام ، دون وحدة الرؤى والموقف والإلتزام بالمطالب الشعبية التي كانت الإرهاصات الأساسية لاندلاع الانتفاضة الشعبية واستمرارها ، والتي يمكن إيجازها ب : تفكيك الاستبداد وآلياته الدستورية والأمنية والاستئثارية على كافة الصعد في الدولة والمجتمع ، وبناء نظام بديل مغاير وطني ديقراطي علماني تسوده المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية .. نظام مفتوح الآفاق اجتماعياً واقتصادياً كما يرغب ويقرره الشعب بأسلوب ديمقراطي حضاري .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين حوار الدم وحوار العقل
-
الخطوة الأولى لأي إصلاح أو حوار
-
الوطن قبل وفوق الجميع
-
أول أيار ومواسم الحرية
-
سوريا جديدة ديمقراطية آتية ..
-
السوريون على طريق الحرية
-
ضد الاستبداد والتدخل الخارجي
-
السوريون يتحفزون للثورة
-
الثورة الليبية والتدخل التآمري الدولي
-
الرئيس تشافيز : في ليبيا ثورة حرية
-
على كل أنظمة الاستبداد أن ترحل
-
وماذا عن الثورة في سوريا ؟
-
حين تسقط المسافة بين القهر والثورة
-
الثورة التونسية والتحديات المركبة
-
ولابد للقيد أن ينكسر .. إلى - أبو القاسم الشابي -
-
في فكر وسياسة المعارضة 4- 4
-
في فكر وسياسة المعارضة 3- 4
-
في فكر وسياسة المعارضة 2 - 4
-
في فكر وسياسة المعارضة 1 - 4
-
أهميةالحوار المتمدن فضائياً
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|