|
القرار السياسي في المملكة المغربية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 3419 - 2011 / 7 / 7 - 19:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن التساؤل عن كيفية صنع القرار السياسي في المغرب لا يختلف عن التساؤل عن من يحكمه . واذا كان هذا السؤال وبهذه الكيفية في الطرح ينم عن بلادة ، لان صاحبه يكون غير ملم ومدرك بحقيقة الوضع ، فانه مع ذلك قد يعني نوعا من الكياسة في صياغة الأسئلة الصعبة للأجوبة الشافية ، وهو ما يعني استعمال الحدس للكشف عن المستور المختبئ بين السطور ، او على الأقل الاجتهاد في إمكانية الوصول إليه ، ويبقى المنال من هذا إظهار الحقيقة الجلية للعيان لإبعاد النوايا السيئة وتجنب أطماع بعض الجماعات المتربصة . ان التساؤل يبقى في جوهره ذا دلالات سياسوية لا تتعدى نطاق المعرفة ضمن التحولات الهادئة الجارية بالمملكة .لذا فان من يحكم ويسير دفة الحكم هو من يمسك حقيقة زمام المبادرة في كيفية صنع القرار السياسي في الدولة ، وهذا يعني ان الطرف القوي هو الذي يختار ويحدد أملاءاته طبقا لمصالحه ، لكن ورغم ذلك لا يمكن الجزم بان الأمور تكون في جميع الحالات بهذه السهولة والبساطة لأولياء الأمر . ان الطبيعة لا تقبل الفراغ ، واذا لم يكن المقصود من الفراغ الملك الذي يملئ هذا الفراغ ، فان المقصود هنا ذاك التأثير لدا بعض الموجات الداخلية والخارجية في كيفية صنع القرار السياسي ، وان كان في أحيان كثيرة لا يحظى برضاء الحاكم او موافقته ، وهناك أمثلة كثيرة نسوقها في هذا الباب مثل التراجع عن الزيادة في ثمن الخبز بعد أحداث يونيو 1981 بالدار البيضاء ، إطلاق سراح أبراهام السرفاتي ، رفع الإقامة عن الشيخ عبدا لسلام ياسين ، عودة الفقيه البصري الى المغرب ، عودة المنفيين السياسيين الى الوطن ، تشكيل حكومة ترأسها الأستاذ عبدا لرحمان اليوسفي عن حزب الاتحاد الاشتراكي مثلما ترأس حكومة مماثلة الأستاذ عبدا لله إبراهيم رحمه الله عن نفس الحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ... لخ . وان كان هذا التأثير يكون محدودا في اغلب الحالات ، كما ان النظام يتعامل مع هذه المستجدات من منطلق السبق واقتناص الفرصة لتمرير خطوات تزيد من تدعيم ومساندة الحاكم وحتى لا ينفلت زمام المبادرة من بين يديه . لكن السؤال : هل يحتكر الحاكم بمفرده صناعة صنع القرار السياسي في المجالات التي تدخل ضمن اختصاصه ، أي ممارسة السيادة المطلقة ، ام انه يستعين في ذلك بمجموعة من القنوات التي تختلف في الأهمية والقوة وتيسر له مجالات اتخاذ القرار في المجالات ذات الحساسية المفرطة ، وهو ما يصطلح عليه بقوى الظل الفاعلة والمتحكمة عن بعد في توجيه وترويض الحقل السياسي ، ويتكون هؤلاء من بعض المستشارين ، ومدراء وأعضاء الدواوين الملكية ، وبعض الوزراء النافدين مثل وزراء الداخلية ايام إدريس البصري ، ثم في الأخير مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك ، واللجان البرلمانية ، هذا دون نغفل التقارير التي تعدها وترسلها مختلف مصالح الأمن والاستعلامات العامة وأقسام الشؤون الداخلية بالولايات والعملات عن الأوضاع اليومية في مجالات توجهات الرأي العام ، وردود الفعل ازاء جميع الظواهر التي تسترعي باهتمام المواطن ، إضافة الى الإلمام بالوضع الاقتصادي والاجتماعي داخل الدولة ، أي ان الحاكم قبل ان يتخذ قراره السياسي يكون قد اضطلع على مجموعة من الدراسات والأبحاث والتقارير التي ترشده الى اتخاذ القرار الصائب المناسب في معالجة الإشكالية التي يفرضها الوضع . وقبل ان نعالج الموضوع نشير الى اننا سننكب على بحث العملية ، أي عملية صنع القرار السياسي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ، وعملية اتخاذه في عهد خلفه العاهل محمد السادس خاصة ان التعديل الذي ادخل على الدستور الذي صوت له المغاربة بنسبة قوية فاقت كل التوقعات قد اخلط الأوراق بتحويل جزء من سلطات و صلاحية الملك الى الوزير الأول الذي يسمى الآن برئيس الحكومة وهي تسمية ضفر بها الأستاذ عبدا لله إبراهيم في الحكومة التي ترأسها في عهد المغفور له محمد الخامس . وبطريقة أخرى نطرح السؤال الآن وبكل شفافية وهو سؤال الساعة بعد تزكية الدستور : من يحكم في المغرب ؟ أي كيف يصنع القرار السياسي في المغرب ، وما هي اهم المتغيرات التي كانت تتحكم في عملية صنع القرار السياسي ، وما هي القوى المساندة او المعارضة لصناعة القرار السياسي في الحقبتين معا ؟ . تعريف صنع القرار السياسي في المغرب: يعرف ريتشارد سنايدر صنع القرار السياسي بأنها " العملية الاجتماعية التي تتم من خلالها اختيار مشكلة لتكون موضعا لقرار ما ، وينتج عن ذلك الاختيار ظهور عدد من البدائل يتم اختيار احدها لوضعه موضع التنفيذ والتطبيق " . ويرى الأستاذ حامد ربيع ، ان أي " قرار هو نوع من الاستجابة لمنبه خضع له الجسد الاجتماعي ، فإذا به يصيبه نوع من الاختلال في التوازن ، ومن ثم يسعى من خلال تلك الاستجابة الى إعادة التوازن " . نستطيع ان نعرف القرار السياسي بأنه نوع من عقد العزم من جانب السلطة على اختيار أسلوب معين من أساليب التخلص من حالة من حالات التوتر التي تفرضها الممارسة السياسية . وعلى هذا فان عملية صنع القرار السياسي يعني أولا مواجهة مشكلة معينة ، والمهم في هذه المرحلة ضرورة التعرف على كيفية إدراك وفهم القرار السياسي لأبعاد المشكلة موضع القرار ، وبعبارة أخرى كيف يدرك صانع القرار حقيقة المشكلة والمتغيرات المتعلقة بها ، وهنا تظهر الجوانب الخاصة بشخصية صانع القرار السياسي ، أي الحاكم . لقد اهتم علماء علم السياسة بدراسة هذه المسالة ، فأشار هارولد لاسويل الى ان الباحث السياسي بحاجة الى فحص الشخصية السياسية لصانع القرار السياسي ، لذلك اهتم لاسويل بدراسة خصائص الشخصية وأثرها على محتوى القرار ، وقد أوضحت بعض الدراسات التي جاءت بعد ذلك ، ان ثمة تأثيرا واضحا لشخصية صانع القرار على محتوى قراراته . تزداد أهمية هذا الجانب اذا ما أدركنا ان دلالات اصطلاح صنع القرار في سياقها الغربي ، تختلف عن دلالتها في السياق المجتمعي العربي. فبينما تنطوي هذه العبارة في الغرب على ان عملية اتخاذ القرار تمثل " صيرورة معقدة يشارك فيها أكثر من طرف ، وان كان يعبر عنها في النهاية طرف واحد مسئول تجوز مراجعته ومحاسبته " فان دلالاتها في السياق المجتمعي العربي تشير وترمز الى النخبة الحاكمة او السلطة الآمرة المستبدة بالأمر ، وتنأى عن المسائلة والمحاسبة ، وان سمحت بالحد الأدنى منها ، فان ذلك ينصرف الى شكليات قشرية ، وفي داخل هذه النخبة الحاكمة تتركز سلطة اتخاذ القرار او إصدار الأوامر في كل المسائل الكبرى في شخص واحد هو الزعيم او الحاكم . وفي هذا المضمار تغربل القرارات قبل خروجها الى دارة العلن بمكاتب الأحزاب المسيطرة مثل حزب البعث في العراق أيام الراحل صدام حسين وفي سورية والحزب الوطني بمصر وتونس وجبهة التحرير الوطني بالجزائر . في المغرب ركزت معظم الكتابات التي نشرتها بعض الصحف او بعض المداخلات السياسية لإطراف المعارضة حول بناء القوة في الدولة ، حيث تكاد تجمع على ان السمة الرئيسية لبناء القوة في المجتمع تتمثل فيما ينصص عليه الفصل 19 ، الذي تم تفتيته مع بعض المتغيرات الى الفصل 41 و 42 من الدستور الحالي ، دستور 2011 . لقد كان الفصل 19 ينصص على ان " الملك أمير المؤمنين ، والممثل الأسمى للأمة ، ورمز وحدتها ، وضامن دوام الدولة واستمرارها ، وهو حامي حمى الدين ، والساهر على احترام الدستور ، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات ، وهو الضامن لاستقلال البلاد ، وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحق " . ان قوة هذا الفصل دفع ببعض المحللين الى القول بان الدستور المغربي يجب فهمه على ضوء هذا الفصل ، كما ان بعضهم ذهب الى القول بان الفصل 19 من الدستور هو بمثابة دستور قائم الذات ، أي دستور داخل الدستور . هكذا سنجد ان جميع الدساتير المغربية التي عرفها المغرب وباستثناء دستور 2011 وهي دستور 62 و 70 و 72 و92 و 1996كفلت بمقتضى الفصل 19 من الدستور سلطات واسعة للسلطان كأمير للمؤمنين في النظام السياسي المغربي الذي يعتمد على المزاوجة بين الدستور المستفتى عليه وبين نظام البيعة الذي يعطي للملك مكانة خاصة به تجعل ينأى عن الصراع الذي يحدث بين السلطات فيما يخص تنازع الاختصاص ، وهذه المكانة جعلته المحور الرئيسي في عملية صنع القرار السياسي ، وهو ما يعني ان الجوانب المتعلقة بشخصية صانع القرار السياسي في المغرب ، تؤثر بدرجة كبيرة في عملية صنع القرار السياسي ، وهذا مع عدم إغفال العوامل الأخرى التي قد تؤثر في هذه العملية عند التحليل . من الأهمية بمكان ان نشير الى ان إدراك صانع القرار للمشكلة موضع القرار يتأثر كذلك بالمعلومات التي تصل اليه عن هذه المشكلة ، من خلال قنوات المعلومات المختلفة المتاحة بالنسبة اليه ، وفي هذا الصدد يشير كارل دويتش الى ان المعلومة المتعلقة بموضوع قرار ما ، تمثل اللبنة الأولى التي يتعرف من خلالها صانع القرار على طبيعة موضوع القرار ، ومن هنا يجب الاهتمام بالعناصر المتعلقة بطريقة عرض وصياغة هذه المعلومات ، ومدى ثقة صانع القرار في مصدر المعلومات ، مما قد تتعرض له هذه المعلومات من تشويه سواء بالنقص او بالإضافة حتى وصولها الى صانع القرار . فمثل هذه الأمور التي برع فيها إدريس البصري وبطانته ايام الحسن الثاني رحمه الله ، قد تؤثر على فهم او إدراك صانع القرار ، الملك ، والمتغيرات المتعلقة به . وفي هذا الباب نتساءل عن القنوات التي دفعت بالملك الرحل ان يلتزم أمام الرأي العام الوطني بتشغيل 25 ألف معطل في السنة ، ان لم يكن سقط في تدليس وكذب شارك فيه كل من الحبيب المالكي وإدريس البصري . كذلك نتساءل عن أكاذيب القنوات التي جعلت العاهل محمد السادس يثق بوجود بترول من النوع الجيد وبكميات كبيرة في المغرب ، ثم من المسئول عن مهزلة جزيرة ليلى التي ورطوا فيها الملك وانتهت باعتقال ستة جنود مغاربة وإبعادهم بشكل مهين الى الحدود المغربية ؟ ... وتفاديا للتقارير الكاذبة الملغومة ، فان عملية صنع القرار السياسي تعني بعد مواجهة المشكلة الطارئة ، وضع البدائل المختلفة لحل هذه المشكلة ، وهنا تظهر إشكالية أخرى تتمثل في كيفية فهم وإدراك صانع القرار لمحتوى وأهمية كل بديل من هذه البدائل ، ويترتب على ذلك وضع تسلسل للبدائل لاختيار البديل الذي يرى صانع القرار بأنه انسبها لمعالجة المشكلة موضوع القرار . وفي هذه المرحلة من مراحل صنع القرار السياسي تظهر عملية الصراع بين أصحاب النفوذ واللوبيات ذات المصالح داخل الدولة ، كما تظهر عملية الصراع بين القوى السياسية المختلفة صاحبة المصلحة في موضع القرار . فقد تختلف هذه القوى في تصوراتها لأهمية البدائل المقترحة ، ومن ثم فقد تحاول كل منها فرض بديل معين يحقق اكبر قدر ممكن من مصالحها . وهذا النوع من الصراع حول المصالح كانت تعرفه لجنة الداخلية بمجلس النواب والمستشارين ، كما كانت تعرفه قبة البرلمان بين الأغلبية وبين المعارضة ، ومع ذلك يبقى في النهاية ان صاحب الاختيار الأخير هو صانع القرار السياسي المنوط به دستوريا هذا الحق ، أي الملك . وفي عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان تتم صناعة القرار السياسي بواسطة وزير الداخلية إدريس البصري الذي كان يسيطر على كل شيء بسبب الثقة المفرطة التي كان يحظى بها من طرف الملك الراحل ، وهو ما كان يعطيه مجالا أوسع للمناورة وحرق أوراق الخصوم المعارضين له كوزير للداخلية برع في البطش والتنكيل وسرقة أموال الدولة . تعامل الحاكم صاحب صناعة القرار مع قنوات المعلومات : في هذا الباب نشير الى حصول بعض التغيير في كيفية التعامل مع المعلومة ، وفي نوع القنوات المختصة بجلب المعلومة بين عهدي المغفور له الحسن الثاني رحمه الله ، وبين خلفه العاهل المغربي محمد السادس . ان هذا الاختلاف فرضته طبيعة المتغيرات التي طرأت في الساحة خاصة بعد إبعاد أقدم وزير داخلية في المملكة المرحوم إدريس البصري عن وزارة الداخلية وعن مراكز القوة في تحديد المعلومات التي تلعب دورا فعالا في تحديد نوع القرارات المتخذة لمواجهة جميع المشكلات الطارئة ، وهذا يتجلى في تعيين جنرال من الدرك لأول مرة على راس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التي كانت تتبع مباشرة الوزير المبعد . فبعد ان كانت وزارة الداخلية هي كل شيء في عهد الملك الراحل بسبب الهزات العنيفة التي تعرض لها القصر اثر المحاولات الانقلابية الفاشلة انقلاب الصخيرات سنة 1971 وانقلاب الطائرة سنة 1972 ثم المحاولة الفاشلة للجنرال احمد الدليمي سنة 1981 ، وبعد العديد من المحاولات البلانكية التي كانت تهدف قلب النظام الملكي وتأسيس جمهورية برلمانية على طريقة الجمهوريات العربية ، أحداث 3 مارس 1973 ، ثم البرنامج الإيديولوجي الثوري الذي خططت له مختلف منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية لإقامة جمهورية ديمقراطية شعبية ، دكتاتورية العمال والفلاحين ، ... لخ فان دور الوزارة تقلص الى أقصى الحدود في عهد الملك الجديد بسبب مجموعة من العوامل نذكر من بينها : إبعاد إدريس البصري مع بعض معاونيه عن وزارة الداخلية وعن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني ، حيث كان يستمد سلطته من الملك الذي كان يثق فيه ، لذا فهو لم يكن أقوى وزير بل أقدمهم وأكثرهم خبثا ومكرا وحيلا ودناءة وخساسة ، حيث كان في العديد الأحيان يستغل ثقة الملك فيه ليوظف اسمه في تحقيق نزوات وخدمة مصالح خاصة لا علاقة لها بالمصلحة العامة للدولة . هذا ويعتبر خطاب جلالة الملك حول المفهوم الجديد للسلطة وسلوكه باعتماد الشفافية والوضوح وتجنب التخندق والامتلاءات ، اكبر ضربة وجهت للعناصر القديمة ولإتباعها داخل الوزارة ، وبعد فصل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني عمليا عن وزارة الداخلية حيث تتبعان مباشرة للملك ، أضحت الحاجة ملحة لإحداث تغييرات عميقة عموديا وأفقيا بالمديرية العامة للشئون الداخلية لجعلها تساير السرعة التي تتصف بها العديد من الأجهزة الأمنية حتى تتمكن من مسايرة التطورات اللاحقة والمتعاقبة التي يعرفها المغرب على جميع الأصعدة وخاصة بعد ظهور ما يسمى 20 فبراير ، وتضارب مصالح التنسيقيات التي التفت على الحركة و وصلت الى حد المطالبة بالجمهورية . اذا كان عهد الملك الراحل قد اتسم بالتركيز أكثر في تسييره للشأن العام على وزارة الداخلية ، خاصة اعتماده على الثنائي احمد رضا أجديرة وإدريس البصري ، فان عهد الملك محمد السادس عرف تنوعا في قنوات المعلومات التي ترسم الطريق لإصدار القرار السياسي ، وهذا الجديد المتغير جعل العديد من المتتبعين للشأن العام لا يستطيعون معرفة وحصر المؤسسات التي تقوم بدور جلب المعلومة ، نظرا لطبيعة مؤسسة المخزن الجهاز الإيديولوجي للدولة العلوية التي تتسم بالسرية التامة . ورغم ذلك يمكن ان نحدد بعض قنوات تصريف المعلومة عند التفكير في صناعة القرار السياسي . وبشكل طبيعي ومثل والده رحمه الله ،فان الملك يتلقى كل يوم أربعة ملفات أساسية يدور حولها نشاطه اليومي . هناك ملف وزارة الخارجية وهذا يحوي أهم البرقيات الشفرية والتقارير الواردة من سفراء المملكة والأجهزة الأمنية العاملة بالخارج خاصة تقارير الإدارة العامة للدراسات والمستندات . هناك ملف وزارة الداخلية وهو تقرير يعكس حالة الأمن العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المملكة مع البدائل المقترحة لمواجهة الحالات الطارئة . هناك ملف ثالث يتوصل به شخصيا من الاستخبارات العسكرية والمدنية ، وهذا يضم نشاطها في الأمن الداخلي والأمن الخارجي للمملكة ، وأعمال مكافحة الجاسوسية وعادة ما يضاف الى هذا الملف ملف خاص بالوضع الخاص في الصحراء وملحقا حول الموقف على حدود الدولة وتحركات القوات المعادية وغير ذلك من المعلومات ذات الطابع العسكري . اما الملف الرابع فيأتي من وزارة المالية والاقتصاد ويحوي أرقاما عن الأحوال المالية والاقتصادية بما فيها حالة الاحتياط من العملة الصعبة ، هذا دون ان ننسى التقرير اليومي الذي يضم كل المعلومات المتاحة عن أوضاع الاستهلاك والأسعار والمخزون السلعي من كل الاحتياجات الأساسية . ان هذا الملف قد تعالجه وزارة الداخلية كما قد تعالجه وزارة المالية في تقريريهما اليومي ... وإضافة الى هذا هناك ملفات أخرى ترد الى القصر تتناول أحوال الإنتاج الزراعي والصناعي والتخطيط لرسم تصورات لخطى اية مرحلة مقبلة ، الى جانب ان مجموعة من الوزارات التي يتصل عملها بنشاط وفود ذاهبة من المغرب ووفود قادمة اليه ، تبعث الى الديوان الملكي بما لديها من تقديرات ومعلومات خصوصا اذا كان على الملك ان يشترك شخصيا فيما تجريه من مفاوضات .واضح إذن ان هناك عدة قنوات تقوم بتوصيل المعلومات الى صانع القرار السياسي أي الملك ، وهنا لا يجب ان ننسى أجهزة الاستخبارات الأجنبية من عربية أروبية وأمريكية . هناك ملاحظة مهمة يجب الإشارة إليها وهي ان الدولة ومؤسساتها أضحت اليوم في عهد الملك الجديد أكثر قوة وصلابة مما كان عليه الحال في عهد الملك الراحل ، وذلك لان العاهل المغربي محمد السادس وجد فراغا في الساحة ملئه بمفرده في غياب أحزاب المعارضة القديمة التي تقلص دورها وتشتت الى فرق صغيرة وشيع وأضحت جزءا من الدولة وليس ضدها . فباستثناء جماعة العدل والإحسان وبعض الأحزاب والجماعات اليسارية الصغيرة مثل حزب النهج الديمقراطي واليسار الجذري ، فان جميع الأحزاب ذابت في مشروع الدولة رغم اختلاف درجات الذوبان من حزب الى آخر ، وهذا ما تدل عليه نتائج الاستفتاء على الدستور التي وصلت درجة لم تكن متوقعة . ان هذا يعني ان الدولة العلوية صاحبة صناعة القرار السياسي لم يسبق في تاريخها ان بلغت من القوة والضبط والتوجيه والسبق في اتخاذ المبادرات ،،، ما وصلته اليوم . ان العاهل المغربي محمد السادس وبخلاف والده ليس له أنداد Les rivaux ، فاذا تمعنا في نوع الهيئات التي تدعمه الجيش، الدرك ، القوات النظامية المختلفة ، المجالس العلمية ، القبائل وأعيانها ، الأحزاب السياسية ، النقابات ، الجمعيات ، البادية ،سلطة المال والشعب ، أوربة والولايات المتحدة الأمريكية ، دول مجلس التعاون الخليجي ،،، فإننا نستنتج ان الملك الحالي أصبح في الظرف الراهن يكون رأس الحربة الضاربة في توجيه التوازنات السياسية العامة ، وتحديد الاختيارات الإستراتيجية في الميادين التي تهم مصير و مستقبل المغرب ، أي ان الملك يحكم وحكمه يستمده من الدستور ومن عقد البيعة الذي يجمعه بالشعب وليس بالأحزاب ، هذا ناهيك ما ينصص عليه الفصل 41 و 42 من الدستور المعدلين للفصل 19 السابق . في عهد الملك الراحل خاصة بعد الانقلابين العسكريين في سنة 1971 وسنة 1972 التي تورط فيها ضباط كبار كانوا مصدر ثقة عند الملك ،وبعد فشل المحاولة الانقلابية للجنرال احمد الدليمي ، أصبحت وزارة الداخلية من خلال الأجهزة المنية التي كان يتحكم فيها إدريس البصري هي المصدر الأساسي لجلب المعلومة الى القصر ، فكانت صناعة القرار السياسي تتم على ضوء ما كان يصل الى الديوان الملكي من معلومات من هذه الوزارة . و في سبيل الوصول الى هذا الهدف أصبح إدريس البصري هو الكل في الكل ، وأصبحت وزارة الداخلية هي مفتاح المغرب الحقيقي ، فتشعبت لتغطي كافة المرافق وتستولي على جميع التخصصات التي تعود الى وزارات او أجهزة أخرى ، لذلك أطلقوا عليها تسمية ( ام الوزارات ) كما درج البعض على تسميتها بالحزب السري الذي سيتحول بعد ترقية البصري الى وزير دولة في الداخلية الى جهاز نسميه بمؤسسة وزير الدولة في الداخلية التابعة مباشرة للوزير و لا علاقة مهنية كانت تجمعها بوزارة الداخلية التي كانت عبارة عن وزارة عادية مثل سائر الوزارات تتولى تصريف الأعمال العادية التي لا علاقة لها بسلطات الضبط ولتوجيه . وبفعل هذه القوة التي جمعها إدريس البصري بتحكمه في هذه المؤسسة الخفية ( الحزب السري ) الذي كان يشكل الدرع الواقي للنظام ،استطاع إدريس البصري وزير الدولة ان يخلخل المجتمع ومكوناته ، كما أعاد رسم الخرائط السياسية والحزبية وتوزيع الأدوار والمسرحيات بما مكنه من التحكم المطلق في الشأن العام من خلال تحكمه في الجهاز الأمني بالمملكة ( المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، المديرية العامة للأمن الوطني وهيئة العمال والولاة بوزارة الداخلية ) . لقد حاول إدريس البصري ان يجعل من مؤسسته الامتداد الفضائي لمؤسسة المخزن بتجلياتها المختلفة ، فأصبحت بذلك عبارة عن إخطبوط تمتد خيوطه حتى الى خارج الوطن من خلال السفراء والقناصل الذين كان يقف وراء تعيينهم بالقنصليات والسفارات التي يتواجدون بها ( في تصريح سابق للبصري بعد تنحيته من وزارة الداخلية قال ان طنجرته كانت تصل الى سفير المغرب بباريس عباس الفاسي الوزير الأول للحكومة المغربية) ، ناهيك عن تطايرها للأحزاب الإدارية واختراقها القوي لأحزاب المعارضة البرلمانية والأحزاب الراديكالية والجماعات الإسلامية ، ثم توجيهها لوسائل الإعلام والصحافة .. لخ . لذا فان هذه المؤسسة ومع مرور الزمن تمكنت ان تخلق لها ثقافة سلطوية بشكل سلس ومرن جعل جميع المخاطبين السياسيين والنقابيين وأساتذة الجامعة يتلهفون للتعاطي الايجابي معها وبأبخس الأثمان . لقد استطاع إدريس البصري في وقت من الأوقات ان يقف وراء العديد من القرارات التي اتخذت في مجالات مختلفة ، فكان بذلك بمثابة الظل وراء عملية صنع القرار السياسي في العديد من المجالات التي استرعت باهتمام الطبقة السياسية مثل مشاركة وزارة الداخلية مع مجموعة من الأحزاب بتوقيع ميثاق الشرف ، وإشراف إدريس البصري شخصيا على عملية تولي عبدا لرحمان اليوسفي منصب الوزارة الأولى ، ثم دوره وراء التفكير في رجوع الفقيه محمد البصري و محمد بن سعيد آيت ايدر الى المغرب من المنفى ، هذا دون ان ننسى اعتماد الملك الراحل على وزارة الداخلية عندما كانت العدة تعد للمسيرة الخضراء المظفرة ، ودوره في معالجة ملف التعليم ، الصحة ، الشئون الاجتماعية .... فكان دور إدريس البصري ومنه وزارة الداخلية واضحا كقناة أساسية لتصريف المعلومات الى القصر بغية اتخاذ القرار السياسي المناسب للحالة المناسبة . ان هذا الوضع الذي جعل من البصري كفاعل أساسي في عهد الملك الراحل ساهم بشكل أساسي في التفريش لعملية اتخاذ القرار ، جعله يعرف تحولا يستجيب لطبيعة الدور الذي أضحى يلعبه في الدولة ، وخاصة بعد موت الجنرال احمد الدليمي ، وترقية البصري من وزير للداخلية الى وزير دولة في الداخلية . لذلك سنجد انه لما كان وزيرا فقط للداخلية كان يتكلم بصيغة ( الأنا ) ، أي انه يتكلم كوزير للداخلية مكلف بتنفيذ التعليمات الفوقية ، لكن عندما أضحى وزيرا للدولة وأصبح يشارك في صنع القرار لم يعد يتكلم بصيغة ( الأنا ) ، لكنه أصبح يتكلم بصيغة الجمع ، أي انه بدا يستعمل الجمع أل ( نحن ) ، وبطبيعة الحال هناك فرق بين استعمال ( الأنا ) واستعمال أل ( نحن ) . فعند استعمال ( الأنا ) كان الوزير يحاول إثبات وجوده أي ( ها أنا أهنا ) في كل مرة تقتضي الظروف ذلك لإرجاع الأمور الى نصابها ، او إعادة ترتيب بيت العشيرة من أحزاب ونقابات وغيرها . أما عندما كان يستعمل أل ( نحن ) فانه كان يتكلم كواحد فاعل في مؤسسة المخزن له دور أساسي في صناعة القرار السياسي بالمملكة ، و في أحيان كثيرة كان يعتبر نفسه كاتجاه سياسي تمشيا مع مصطلح الحزب السري الذي كان بحق مختبر عمليات متنوعة في تصريف المعلومات لاتخاذ القرارات على أعلى المستويات .ان هذا الدرع الذي كان يعد بحق من القنوات الأساسية لتدفق المعلومات التي كان يعتمد عليها القصر في صناعة القرارات السياسية كان يتكون من ثلاث أدرع تكون هذا المكون السياسي التقريري الذي يعرف مرة بالحزب السري ، ويعرف لذا المحللين بمؤسسة وزير الدولة التي كانت بتصرفها وقوتها خارج وزارة الداخلية . ان أول هذه الدروع هناك الأجهزة الأمنية DGST et DGSN+ LE PERSONNEL d AUTORITE . هذه الأجهزة معروفة باحتكاكها المباشر مع السياسيين ، النقابيين وكل ما له صلة بالشأن العام والنظام العام . ان ثاني الدروع أعوان وعيون عملاء البصري في الأحزاب الإدارية وأحزاب المعارضة البرلمانية وبالجمعيات والاتحادات الطلابية والنقابية . هذا الدرع كان يلعب دورا في إيصال الجديد الى أعوان البصري الذي كان يتولى معالجة المعلومة للتدقيق من صحتها قبل إرسالها إلى الديوان الملكي . يلاحظ ان موت البصري خلف وراءه أيتاما كثر تقطعت بهم السبل مع مجيء العاهل الجديد محمد السادس الذي خلق خطابا جديدا مبني على الحوار والقناعة والاقتناع . اما ثالث أدرع الحزب السري فيتكون من الجالية المغربية بالخارج المنضوين تحت راية الوداديات العمالية والجمعيات التي كانت بها معارضة الخارج . لذا فان البصري وبعد ان ملك القوة ومارس السيطرة ، وشعر بثقله أضحى يستعمل في خطابه تعبير أل ( نحن ) بدل ( الأنا ) ، أي وبلغته البدوية يريد ان يقول ( ها أحنا أهنا ) وليس ( ها أنا أهنا ) . ان كلمة ( ها أحنا أهنا ) تعني المخزن والدولة ، اما ( ها أنا أهنا ) فتعني وزارة الداخلية كغيرها من الوزارات العادية . ان هناك فرق بين ال ( نحن ) و بين ( الانا ) . ففي ال ( نحن ) يذوب الجميع وبما فيهم إدريس البصري نفسه ، أي ان المخزن هو الذي يتكلم ، ويترتب على هذا الوضع والمفارقة صعوبة أخرى تتجلى في تحديد جهة المخاطب من طرف جميع الفرقاء السياسيين والاجتماعيين ، حيث يسود منطق الدولة والسيادة والهيبة والرهبة من دار المخزن ، وهنا لا يتردد العديد من السياسيين من تحميل المسؤولية عن أي إجراء يخص الشأن العام الى الملك مباشرة خاصة وانه سبق ان اعتبر في وقت من الأوقات ان إدريس البصري هو من المقدسات التي أعطيت لها تفسيرات متضاربة من قبل الفاعلين السياسيين ،،، ورغم ان المقصود من كلمة مقدس التي استعملها الملك الراحل في تحديد الوصف القانوني لوزيره لم يكن يعني ان البصري مثل القران او انه احد أفراد الأسرة الملكية او انه جزء من التراب الوطني ،،، لكن الملك كان يقصد بذلك ان قبول اقتراح المعارضة البرلمانية ( حزب الاستقلال الذي يعرف من أين يأكل الكتف ، الاتحاد الاشتراكي ، حزب التقدم والاشتراكية ) بإبعاد إدريس البصري الذي كان يتولى ملف الصحراء المغربية هو مساس وضرر مقصود بالقضية المقدسة عند الجميع المغاربة بدون استثناء ، كما ان فرض إبعاد وزير على الملك هو مسالة منافية للدستور الذي كان ينصص في فصله 24 على ان الملك يختار الوزير الأول ويعين الوزراء باقتراح من هذا الوزير ، وهو الأمر الذي لم يعد في الدستور بعد الاستفتاء بنعم على التعديلات التي أدخلت على الدستور باقتراح من العاهل المغربي ،،، ان هذا الغموض في تحديد المخاطب الرئيسي هل هو البصري وزير الدولة ، ام البصري المخزن ،ام البصري ام الوزارات ام البصري الحزب السري ..لخ يذكرنا بقضية وقصة الكلب المعروفة في( الثقافة) الزنقاوية المغربية وتعني ان كلبا اتفق مع مجموعة من أصدقاءه الكلاب على الذهاب غدا الى السوق قصد للتبضع من بقايا ما تجود به المجزرة ، لكن في اليوم الموعود غلب النوم جميع الكلاب فتعطلت عن الذهاب الى السوق ، باستثناء كلب واحد استيقظ باكرا واخذ وجهته وكالمعتاد نحو السوق . في المساء لما رجع إلى الدوار تعرض له باقي الكلاب المتغيبون ليسألوه عن أحوال السوق ، فكان جوابه المسكين ( المعنة كاينة و الدقة ما تعرفها منين تجيلك ) . هكذا كان الوضع أيام إدريس البصري الذي تمكن من مخزنة المخزن أكثر من اللازم مع تغليفه بمساحيق الإيديولوجية البصراوية ، خاصة في مجال النصوص والدوريات القامعة ، وفي الجانب التنظيمي الشديد التمركز ، وفي الممارسة السياسية المكيافيلية . ان هذا الوضع جعل من إدريس البصري أهم قناة رئيسية في جلب المعلومة ، يساهم مساهمة مباشرة في عملية صنع القرار السياسي في المملكة ، فإليه ترجع مختلف التعيينات السامية في جميع دوائر الدولة والتي كانت تخضع للتقييم الذي تنجزه الأمنية التابعة له مما جعله يقرر في اختصاصات تدخل في المجال السيادي للمخزن . وهنا لا بد من التذكير انه كان يقترح الوزراء الذين كانوا يعينهم الملك ، الولاة والعمال ، السفراء ، عمداء وقيدومي الجامعات ، مدراء الإدارات الإستراتيجية مثل المديرية العامة للأمن الوطني ، اما المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني فكان هو مديرها الفعلي ،الكتاب العامون للعديد من الوزارات ... بناء على المحسوبية والزبونية . كذلك لا بد من الإشارة الى استعمال البصري نوفده لتعيين بعض ضباط الجيش الكبار مثل الجنرال مدير القوات المساعدة ، والجنرال مدير مدرسة استكمال تكوين اطر وزارة الداخلية التي أصبحت تعرف بالمعهد الملكي للإدارة الترابية ، ثم الجنرال مدير الوقاية المدنية . لقد كون إدريس البصري شبكة قوية داخل الدولة أصبحت من أهم القنوات الأساسية لجلب المعلومات وغربلتها في غرفة العمليات بالقيادة العامة التي كانت تتكون من اقرب المقربين إليه من ولاة ، عمال بوزارة الداخلية ، رجالات السياسة المحتكين به ، فكان يركز على العديد من القنوات التي وان كانت تتبع له رسميا ، فإنها كانت تختلف فيما بينها بخصوص وضعها القانوني والإداري في علاقتها بالوزارة ، لذا فهو استعمل عدة قنوات لجلب المعلومة نحددها كما يلي : 1 -- قنوات بعيدة عن وزارة الداخلية وتتكون من : -- لجنة الداخلية داخا مجلس النواب -- اللجان البرلمانية المختلفة -- الأغلبية داخل مجلس النواب -- العديد من برلمانيي المعارضة داخل مجلس النواب -- الأحزاب بمختلف تشكيلاتها حيث كانت له عملاء كثيرون -- النقابات العمالية -- نقابة الصحافة والصحافيين -- العديد من أساتذة الجامعة -- الفصائل الطلابية بما فيها اليسارية والإسلامية التي كانت مخترقة بالكامل -- بعض العملاء الذين كانوا يتحركون تحت غطاء الفن ، الطرب والغناء -- رؤساء ومنتخبو الجماعات الحضرية والقروية 2 – قنوات رسمية وتتكون من : -- هيئة رجال السلطة وعلى رأسها العمال والولاة ، الكتاب العامون والباشوات ، رؤساء الدوائر والقياد . لقد كان هؤلاء يتصرفون على مستويين : ا -- مستوى المحافظة على النظام واستتباب الأمن لضبط الهزات والزلازل السياسية التي يعرفها المغرب في كل وقت وحين . يضاف الى هذا مهمة أخرى تتعلق بأساليب وتقنيات المحافظة على النظام العام والأمن بمفهومه الضيق والشمولي وتتلخص في أمرين احدهما يتعلق بمهمة الاستعلامات والمخابرات الرامية الى سبق كل اضطراب او إخلال بالنظام العام ، والأخرى تتعلق باستعمال القوات العمومية لاستقرار الأمن والسكينة العامة وإرجاع الأمور الى مجراها الطبيعي الذي كان قبل الاضطراب . فبالنسبة للاستعلامات العامة التي كان يقوم بها رجال السلطة في عهد إدريس البصري ، كانت تساعدهم على تتبع تطور الرأي العام الوطني بصفة عامة وإدراك دوافعه وحوافزه ، والتعرف على عوامله وعناصره وتحركه وحتى سكونه وخموله . ان الشبكة المتكونة من رجال السلطة تدخل عادة في نطاق مهمة الإدارة العامة لوزارة الداخلية ب – السلطة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي . وهنا يتولى رجال السلطة في العمالات والأقاليم التدخل على مستوى الوحدات اللامركزية ، ونشير هنا الى السلطة المالية والاقتصادية المتعلقة بمراقبة الإثمان والقرض الفلاحي والميزانية المحلية وأعمال التنقيب عن المعادن وسرقة رمال الشواطئ 3 – السلطات المرتبطة بمختلف الجماعات المحلية ، وفي هذه الفقرة نجد ان وزير الداخلية كان يتحكم تحكما مطلقا في بنية الجماعات المحلية من بلدية وقروية من خلال محورين : - 1 – محور الأحزاب التي كانت توصف بالإدارية الموالية ، ومحور الأعوان المخبرين داخل أحزاب المعارضة البرلمانية ( حزب الاستقلال ، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ) . - 2 – محور علاقة رجال السلطة مع هذه الجماعات المختلفة طبقا لما يمليه القانون . هكذا نجد في هذه العلاقة العديد من أشكال التدخل نحددها كما يلي : ... سلطة المراقبة على الجماعات ، أي سلطة الوصاية التي يقرها ميثاق التنظيم الجماعي ، وهذه السلطة تمتد لتشمل المجلس الإقليمي نفسه من خلال الممثلين المحليين من حيث المشاركة في إعداد القرارات وتنفيذها . وعلى مستوى كل من الإعداد والتنفيذ تتولى السلطة المركزية من خلال هؤلاء المندوبين مهمة الموجه المرشد في تحرير المشاريع وسكبها في قالبها النهائي ، بحيث يبقى رجل السلطة في شخص العامل او الوالي هو المنفذ الحقيقي والمشرف على الفعلي على تحقيق المنجزات . ... المشاركة في إعداد المشاريع . وهنا لابد من الإشارة الى دور ممثل السلطة لدا الجماعات اللامركزية حيث يجب التأكيد في هذا الصدد ان وزارة الداخلية كانت تشجع عقد اجتماعات للاتصال والتعارف على جميع المستويات بين ممثلي السلطة التنفيذية ومختلف السكان . ويترتب على هذا ان السلطة المحلية تكون مضطلعة على مطامح السكان ورغباتهم ، مع العلم ان هذه السلطة يجب ان تبقى في مركزها المدة اللازمة للتعرف على المنطقة وأهلها . هذا وقد كان دور العامل بالنسبة لمجلس الإقليم او مجلس العمالة من الأهمية بمكان . ان العامل هو الذي يحضر الميزانية ويشارك مشاركة فعالة في أشغال لجنة الميزانية والشؤون الاقتصادية والتخطيط والشؤون الاجتماعية والثقافية ، ان هذا الوضع كان يسمح للعامل بفتح آفاق واسعة أمامه للسيطرة والتوجيه ومن ثم تزويد الوزارة بالمعلومات الضرورية التي كان يتم إعادة صياغتها بطرق مختلفة قبل رفعها الى الديوان الملكي لاتخاذ القرار بشأنها . يتبين اذن من هذه الدراسة ان قنوات الحصول على المعلومات لصناعة القرار السياسي في الدولة ، تختلف اختلافا جذريا من عهد المغفور له الحسن الثاني الى عهد نجله العاهل محمد السادس . فبينما كانت ظروف سياسية دقيقة مثل الانقلابات العسكرية في سبعينات القرن الماضي ، والعديد من المحاولات البلانكية التي كانت تستهدف رأس النظام بقلب الملكية الى جمهورية برلمانية على الطريقة العربية .. هي التي دفعت الملك الراحل الى الاعتماد فقط على وزارة الداخلية ، وذلك لما كان إدريس البصري يحض به من نفوذ ،،، فإننا نجد ان العاهل محمد السادس قد نوع مصادر معلوماته عند صناعة القرار السياسي بالمملكة . وهنا لابد من الإشارة الى تراجع وزارة الداخلية بجهازها القديم لصالح العديد من الأجهزة الاستعلاماتية الأخرى من مدنية وعسكرية ، إضافة الى ملفات تأتي يوميا من وزارة الخارجية ووزارة المالية والاقتصاد .. ان التنوع في مصادر وقنوات المعلومات تبقى ظاهرة صحية وسليمة لأنها تخلق نوعا من التوا زن بين الأجهزة حتى لا يبقى واحدا يطغى على الجميع كما كان الحال أيام إدريس البصري حيث كان يحتكر كل السلط بما يخدم أجندته ومصالحه على حساب المصلحة الكبرى للدولة . وحتى لا ننسى يجب في كل مرة التذكير بما اعترف به الملك الراحل لمدير المجلة الفرنسية ( الملاحظ الجديد ) Le nouvel observateur عندما سأله عن الشيء الذي يكون قد ندم عليه في حياته . أجاب الملك أربعة أيام قبل وفاته قائلا " ان الشيء الذي ندمت عليه أنني كنت أثق كثيرا " .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية
-
النظام السوري يتململ تحت الضغط
-
بين الملكية البرلمانية والملكية الدستورية المطلوب راس النظام
-
جماعة العدل والاحسان بين الانقلاب والثورة
-
الفرق بين الهبات (بتشديد الباء) او الانتفاضات وبين الثورة
-
كيف سيكون اللقاء التشاوري لحراك 20 فبراير؟
-
قرار انضمام المغرب الى مجلس التعاون الخليجي
-
شعبوي شعبي وشعوبي
-
سوق عكاظ
-
الديمقراطية العربية
-
اسامة بن لادن مشروع شهيد
-
خريف ثلاث اوراق مغربية
-
بدعة المجلس التأسيس لإعداد الدستور
-
تنفيذ الاحكام القضائية ( المادة الادارية )
-
مغالطة التاريخ ( الحركة الوطنية )
-
ملك يسود ولا ( يحكم )
-
ازمة الفكر العربي ( المعاصر )
-
هل يمكن الحديث عن مشروع ايديولوجي عربي ؟
-
رواد عين العقل العربي بين التنظير الإيديولوجي والعمل السياسي
-
هل تدق طبول الحرب في الصحراء ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|