|
دنشواى أغسطس 1952 وسياسة العين الحمرا
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3417 - 2011 / 7 / 5 - 17:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أعلن ضباط يوليو أنهم مع الشعب. وكان المنتظر، كترجمة واقعية لهذا المبدأ ، أنْ يساندوا مطالب العمال الذين هتفوا للضباط وتفاءلوا بهم ، اعتصم عمال كفرالدوارمساء12/8/52 لتحقيق بعض المطالب الاقتصادية. وكانوا فى شبرا الخيمة وغيرها على درجة عالية من الوعى والتحضر فكتبوا على اللافتات ((المصانع أمانة فى أعناقنا.. أرزاقنا فى هذه المصانع فحافظوا عليها)) هذا التظاهرالسلمى واجهه الضباط المنادين ب (القضاء على سيطرة رأس المال) بمحاصرة المصانع بالدبابات (د. فخرى لبيب – الشيوعيون وعبدالناصرج1 ص94) . تصاعدتْ الأحداث يوم 13 أغسطس. تم القبض على 576 عاملا. كان من بينهم أطفال فى سن العاشرة. بعد يوميْن صدرالحكم بالافراج عن 545 عاملا والحكم على 29 بالسجن. وكان المطلوب إعدام 29 عاملا وتم الاكتفاء بإعدام عامليْن (مصطفى خميس البالغ من العمر18سنة) و(محمد البقرى البالغ من العمر19سنة ونصف) وصدر الحكم بعد خمسة أيام . وأصرّ الضباط على أنْ يتبعوا أسلوب الإنجليزالذين حاكموا وأعدموا جدودنا فلاحى دنشواى عام 1906، فجمعوا 1500 عامل فى النادى الرياضى بكفرالدوار(ملعب كرة القدم) ليسمعوا النطق بالحكم بإعدام العامليْن المذكوريْن. ليكون تجميع العمال رسالة إرهاب. وعن هذا المشهد الذى يستدعى من بئرالأحزان أحداث دنشواى ، كتب المؤرخ العمالى طه سعد عثمان أنّ عاملا من ((الذين حضروا إعلان الحكم مجبرين قال : إنّ ما تعرّض له جميع الحاضرين من العمال من مهانة وإذلال وإرهاب كان أقسى مما يمكن أنْ يتعرّض له أسرى الحرب فى جيش مهزوم ومستسلم بدون قيد مما جعل المنتصريعاملهم أسوأ من معاملة العبيد)) (خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة- مطابع الأمل للطباعة والنشر ص52) . إنّ أحداث كفرالدوارالدامية درس فى مناهج قهرالشعوب. فقد كانت النية مبيتة لإظهارالعين الحمرا بعد عشرين يومًا من انقلاب الضباط . يؤكد هذا أنّ المحاكمة تمت فى يوميْن. وأنّ الأغلبية الساحقة منهم لم يكن معهم من يدافع عنهم. وأنّ بعض وكلاء النيابة كان يحقق مع ((مائة عامل فى اليوم الواحد فى تهم عقوبتها الإعدام)) وبعد أنْ وافقت المحكمة على أنْ يكون الصحفى موسى صبرى محاميًا عن مصطفى خميس وإتهامه له بالشيوعية (( فإنّ مرافعته لو وُضعتْ فى الاعتبار لصدرالحكم بالبراءة وليس الاعدام ولكن الحكم كان معدًا سلفًا)) ( المصدرالسابق ص47) وبعد أنْ أدانت منظمة حدتو العمال وأيّدت الضباط اعترفت بموقفها الخاطىء إزاء حركة الضباط وقالت فى بيان لها (( إننا لم نحشد ونعبىء قوى العمال والشعب بدرجة كافية لإيقاف المحاكمة العسكرية الإجرامية للعمال وإنقاذ خميس والبقرى ورفاقهما الأبطال)) (د. رفعت السعيد – منظمات اليسارالمصرى – ص 113) . ورغم أنّ طه سعد عثمان وعبدالمنعم الغزالى يطالبان برد الاعتبار لضحايا المذبحة ، فإنهما يصران على أنّ المحرضين على الإضراب هم كبار الرأسماليين الذين من مصلحتهم القضاء على (الثورة) الوليدة وللوقيعة بين العمال والضباط . إنّ هذا الكلام تنفيه الوقائع التالية : لماذا تم عقاب المنفذ (العمال) ولم يتم عقاب المحرضين ؟ وهى حقيقة اعترف بها طه سعد نفسه الذى كتب ((استطاع المجرمون الحقيقيون أنْ يفلتوا حتى من مجرد البحث عنهم)) (ص35) وكذلك ما معنى البيان الذى أصدره قائد عام القوات المسلحة يوم 16 أغسطس وفيه تحذيرللعمال ؟ ولماذا كانت حملة التفتيش القاسية التى قام بها نحومائة جندى على مساكن العمال وعلى مسكن مصطفى خميس بالذات ؟ ولماذا استمرتْ مطاردة المباحث للعمال بعد صدورالحكم ؟ (طه عثمان ص40،45) ومامعنى أنْ يكتب محمد نجيب فى مذكراته أنه بعد أنْ صدّق على الحكم بالإعدام ((لقد أثقل الحزن قلبى))ولكن لأنه كان يلعب دور(الواجهة) فقد نفذ قرارمجلس (الثورة) الصادربإجماع الآراء ؟ (مذكرات البغدادى ج1 ص69) ولماذا يتم إعدام عامليْن ، بينما اختلفت المعاملة مع عدلى لملوم (الاقطاعي) والذى أظهرمعارضته للضباط صراحة ، وهاجم هو وأفراد من عائلته قسم البوليس وأطلقوا عليه أعيرة نارية ؟ وأثناء المحاكمة كان هو وأمه يسبان قادة (الثورة) والفلاحين. وكتب محمد نجيب ((امتطى عدلى لملوم جواده ومعه 35رجلا وحوّطوا الفلاحين وأخذوا يُطلقون النارفى الهواء على طريقة رعاة البقر)) (كنتُ رئيسًا لمصر- المكتب المصرى الحديث- عام 84 ص 173) ورغم ذلك صدرالحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة الذى انتهى إلى الإفراج الصحى ؟ المشهد إذن ينطق بالحقيقة المسكوت عنها منذ كارثة أبيب / يوليو52 : العداء السافرللعمال المسالمين والانحيازالواضح ل (الاقطاعيين) الذين زعم الضباط أنهم جاؤوا ليُخلصوا الشعب من سيطرتهم. ولماذا وافق الضباط على إنضمام عبدالمنعم أمين إلى حركتهم يوم 22 يوليو رغم ((إتصالاته بالسفارة الأمريكية واقتناعه بما تروجه الدوائرالأمريكية فى مصرعن الخطرالشيوعى وضرورة التصدى له بكل الوسائل)) ولماذا يكون هو بالذات الذى رأس المجلس العسكرى لمحاكمة عمال كفرالدوار؟ وذكرالمؤرخ العمالى أمين عزالدين أنّ ((عبدالمنعم أمين لعب دورًا فى حملة الترويج الأمريكية حول الخطرالشيوعى فى مصر)) لماذا تم إتهام خميس والبقرى بالشيوعية ؟ وما مغزى هذا الإتهام عند ربطه بالدعاية الأمريكية عن الخطرالشيوعى ؟ الإجابة ذكرها أمين عزالدين الذى قال ((وجدتْ المخابرات الأمريكية وعملاؤها فى أحداث كفرالدوار فرصتهم لكى يضاعفوا الترويج عن الخطرالشيوعى فى مصر. وراحوا يقنعون نفرًا من قادة حركة الجيش من بينهم عبدالمنعم أمين)) (روزاليوسف 27، 31/7/87) وما مغزى ما ذكره محمد نجيب الذى قال ((لبيتُ دعوة إلى منزل البكباشى عبدالمنعم أمين. وكان حاضرًا معنا جيفرسون كافرى وأربعة من رجال السفارة (الأمريكية) علمتُ فيما بعد أنّ إثنين منهم من رجال المخابرات الأمريكية وكان معى عبدالناصروزكريا محيى الدين. وفى لقاء آخرقال جيفرسون إنّ حكومته تخشى تسلل الشيوعية إلى مصر وعرض معاونة أجهزة المخابرات الأمريكية)) (مصدرسابق ص 312) وكتب طه عثمان ((وهكذا يتأكد دورالمخابرات الأمريكية فى الأحداث بالتقاريرالتى أحاطت قادة حركة الجيش عن شيوعية مصطفى خميس وقادة العمال فى كفرالدوار والتخويف من تحركات العمال فى مناطق أخرى مثل شبرا الخيمة والمحلة الكبرى)) (ص10) وذكرأيضًا أنّ ما حدث فى كفرالدواركان عربونًا للأمريكان فى محاربة الشيوعية (ص47) وما مغزى ما ذكره طاهر عبدالحكيم ((لم يكن قد مرّعلى ( ثورة) يوليو52 أكثرمن شهريْن حينما سيق إلى السجن الحربى أعضاء اللجنة التحضيرية لإتحاد عمال مصرفى سبتمبر52 على إثرالعدوان الوحشى على عمال كفرالدوار. وقد مورس التعذيب عليهم لأنهم احتجوا على إعدام خميس والبقرى ولإثنائهم عن المضى فى تكوين الإتحاد)) وأضاف ((إنّ النظام الناصرى كان يستخدم الفلكة والكرباج لتأديب معارضيه ، ففى عام 53 ألقى القبض على حوالى 40 نقابيًا قدّموا عريضة يطالبون فيها بإصدارقانون للتأمين ضد البطالة)) وما مغزى أنْ يقول البكباشى عاطف نصار وهو يتلو الحكم العسكرى أنّ مصطفى خميس كان ((يحارب الله ورسوله فحق عليه القتل)) ؟ وما علاقة ذلك بموقف الإخوان المسلمين الذين إتهموا عمال كفرالدوار بالخيانة ؟ (طه سعد ص28) واذا كانت أحداث كفرالدوارمؤامرة دبّرها الرأسماليون كما يزعم الناصريون ، فلماذا(( تم اختفاء ملف التحقيق فى تلك الأحداث بعد أنْ قرأه أحد وكلاء وزارة العمل الذى كان متحمسًا لعرضه على مكتب العمل الدولى)) ؟ ولماذا ((أحيطتْ أقوال مصطفى خميس بسرية تامة ولم يُعلم عنها شىء)) ؟ وما مغزى اختفاء الرسالتيْن المرسلتيْن لمصطفى خميس إحداهما من لندن والأخرى من الأرجنتين قبل إعدامه ؟ وعلّق طه عثمان (( إنه حتى الآن لا أحد يعرف شيئًا عن محتوى الخطابيْن. ولاشك أنهما كانا فى صالح مصطفى خميس وإلاّ كانت كل الأجهزة بما فيها الصحافة قد فضحت ما فيهما بتضخيم كبير)) (ص 55، 56) ولماذا قال السادات يوم 14/8/52 فى نقابة المعلمين أنه ((سوف يعلق المشانق فى شبرا الخيمة على أبواب المصانع اذا حدث أى تحرك من العمال))؟ ومامغزى نصيحة أستاذ القانون د.الطماوى لضباط يوليو((لقد أعدمتم إثنين من العمال فسكت العمال جميعًا. ويحتاج الأمرإلى إعدام اثنين من الطلاب كى يصمت الجميع)) ؟ (مجرد ذكريات- د.رفعت السعيد ص116) إننى أرجو من منظمات حقوق الإنسان التفكيرفى إقامة محاكمة شعبية ترد الاعتبارلضحايا مذبحة دنشواى / كفر الدوارالتى ارتكبها ضباط يوليو52بعد عشرين يومًا من استيلائهم على الحكم مع سبق الإصرار. *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعصب
-
ضباط يوليو والموقف من دولة الحداثة
-
التعليم الأزهرى والاعتقال فى كهوف الماضى
-
الشعريواجه الدكتاتورالمحتمى بعرش السلطة
-
عندما يكون البشر مثلثات متطابقة
-
معبررفح وأمن مصرالقومى
-
حقوق الإنسان والعقوبات البدنية
-
إنقاذ الأمة المصرية من حرب أهلية دينية
-
الإفراج عن كاميليا أم الإفراج عن العقل المصرى
-
الانتقال من الاستبداد السياسى إلى الطغيان باسم الدين
-
الكتابة واحترام عقل القارىء
-
هل إعدام القتلة والمُفسدين هو الحل ؟
-
إرادة الشعوب جمرة نارتحت رماد الاستبداد
-
هل الرئيس المخلوع وأسرته فوق القانون ؟
-
المستشارطارق البشرى بين المؤرخ والداعية الإسلامى
-
حمام - قصة قصيرة
-
شتاء الحرية وسقوط أوراق التوت
-
مبارة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والاستبداد
-
إقصاء المختلف يبدأ بالكلمة وينتهى بالقنبلة
-
الدكتورجمال حمدان والبكباشى عبدالناصر
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|