أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية















المزيد.....

الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 01:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن التفاعل السياسي، في شقه المدني داخل المجتمع الواحد، يستلزم بالضرورة تصارع القناعات والأفكار وتبدلهما وتطورهما. ولا أقصد بالقناعات أو الأفكار هنا المبادئ المتجردة العامة التي تؤسس للمنهج وتؤطر له، فهي إلا أنها صعبة التغيير المفاجئ وبطيئة التطور ضمن حدود المكان الواحد، ولكن المقصود هو تفاصيل آليات طرح هذه المبادئ ووسائل تفعيلها داخل المجتمع. فالسياسية في النهاية هي جلب للمصلحة بوسيلة ما، وبما أن “الظرف” المحيط متغير وشديد الديناميكية، فإن آليات جلب هذه المصلحة يجب أن تكون أيضاً متغيرة وشديدة الديناميكية. هذا بدوره يستدعي أن القناعات المصاحبة والمساندة لهذه الآليات هي أيضاً متغيرة بالضرورة وبصورة سريعة. فلا شيء ثابت في المجتمعات، مهما كانت هذه المجتمعات فاضلة أو متعالية في سلم الرقي والحضارة والمدنية، فحتى المبادئ العامة التي تبدو ثابتة راسخة هي على الحقيقة متغيرة (متلونة، هو المصطلح المناسب) ولكن ضمن إطار زمني طويل نسبياً ومع اختلاف ظرف المكان (أي صعبة التغيير المفاجئ وبطيئة التطور، ولكنها في النهاية تتغير وتتطور) . فحتى مجتمع الأنبياء الذين نقرأ سيرتهم في النصوص المقدسة كان متغيراً ومتبايناً في محيطه وأفراده ومناهجه، وهذا ما نراه واضحاً جداً في آيات القرآن الكريم التي نزلت لتتطرق إلى حوادث محددة ومتباينة في المجتمع المدني [نسبة إلى المدينة المنورة] الصغير نسبياً. فإذا كان هذا هو الحال في مدينة صغيرة (هي قرية على الحقيقة) حَوَت بضعة آلاف من السكان على أكثر تقدير، فما بالك بمدن ودول بها من البشر الملايين والملايين؟

في المجتمعات المدنية المعاصرة تبرز قضية استقطاب الرأي العام وأهمية اقناعه لصالح موضوع محدد سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي. فمثلاً، في الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة إختيار (انتخاب) الرئيس، نلاحظ أن الصراع بين المتنافسين هو صراع على قناعات الناخبين، وربما أيضاً على قلوبهم وعواطفهم. فجوهر هذا الصراع السياسي في القضية التغيير أو الثبات هذه هو قبول ورضى الأغلبية من الشعب بغض النظر تماماً عن السبب الوسيلة التي أدت إلى هذا الرضى والقناعة. أما مادة هذا الصراع عندهم فهي البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية ضمن محاور أخرى داخلية وخارجية وذلك من خلال طرح وجهات النظر عبر وسائل الإعلام، أو آليات التفاعل المباشر مع الناخبين، أو غيرهما من الوسائل المتاحة. ويندرج ضمن سياق أهمية الرأي العام أيضاً العملية الديموقراطية التشريعية كوسيلة من وسائل التعبير الجماعي عن الرضى والرفض عبر ممثليهم في البرلمان، مضافاً إلى ذلك وسائل استطلاعات الرأي العام التي غالباً ما تؤثر سالباً أو إيجاباً في القرار السياسي و التشريعي.

إذن، أصبحت لدينا مسألتين في التفاعل السياسي المدني في سبيل الحصول على مصلحة محددة للمجتمع. الأولى هي حتمية تبدل القناعات والمناهج بسبب التغير الحتمي للظروف، والثانية هي ضرورة رضى وقبول أغلبية المجتمع بهذا الثبات أو التغير ودرجتهما. فوجهة النظر التي تتبنى هاتين القناعتين هي دائماً تكون الأنسب والأكثر نجاحاً في احتواء التغير في الظروف وبالتالي جلب المصالح للمجتمع كمجموع. تلك حقيقة مُشاهدة بوضوح في المجتمعات المدنية المعاصرة التي تتفوق بمعايير هائلة على مجتمعاتنا. يقف على الطرف النقيض من هذا المنهج كل المناهج السياسية المذهبية والدينية على اختلاف زمانها وألوانها ومشاربها. ففي هذه المناهج فإن الأصل في ممارساتها السياسية هي القناعة الراسخة بأن الفقهاء ورجال الدين والشيوخ والدراويش وآيات الله وهيئات كبار العلماء، هؤلاء وحدهم، من يملك تقدير المصلحة لكافة الشعب والأمة. إنهم يتصرفون من خلال قناعة راسخة بأنهم وكلاء الله على البشرية. وهذا الموقف منهم يستدعي بالضرورة النظر إلى المجموع العام للشعب على أنه قاصر، لا يفقه ولا يعلم. فالشعب، كمجموع بشري، هو غائب تماماً عن التقدير الإنساني الناضج لمصالحه، ولذلك يحتاجون لرجل الدين لكي يقرر بالنيابة عنه كافة شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا الموقف يتجلى بصورة صارخة عندما شرح أحد أهم شيوخ السلفية المعاصرين في المملكة العربية السعودية الآية 44 من سورة الفرقان بقوله:

“بعض البهائم أهدى من بعض البشر، تنفع الناس ولا تؤذيهم. أما أكثر الخلق فهم شر من الأنعام، لا ينفع بل يضر“.
[المصدر: الغزو الفكري، الشيخ عبد العزيز بن باز، مكتبة الرضوان، الطبعة الأولى، البحيرة – جمهورية مصر العربية 2006، ص22. والكتاب هو تفريغ لندوة عقدها الشيخ بنفس عنوان الكتاب]

وأيضاً، فإن مسألة رضى الشعوب، كمجموع عام، هي غير ذات أهمية بالمقارنة مع رأي، أو بالأحرى “مشيئة”، رجل الدين. لأن القياس هنا هو قياس ينطلق من أن “عقل” رجل الدين هو أرجح من “عقل” أمة. ولذلك إذا خالف رأي رجل الدين هذا حتى المنطق وبداهة الأمور وما هو واضح وضوح الشمس في كبد السماء، فإن الاتهام لا يجب أن يوجه إلى رأيه وموقفه و “عقله”، ولكن الاتهام يجب أن يوجه إلى أفهام وعقول الشعب القاصرة عن إدراك المصلحة أو إدراك الحقيقة. ومن هذا المنطلق المتعسف في إلغاء عقول الناس وأفهامهم، بل حتى في إلغاء أي محاولة للمناقشة باستخدام أي نوع من أنواع المنطق “البشري”، نستطيع أن نفهم تصريح القنوات الإعلامية المؤيدة للمرشد العام الإيراني علي خامنئي كردة فعل على تأييده لإعادة انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لولاية ثانية منذ سنوات قليلة جداً ماضية، قالت هذه القنوات الإعلامية:

“لقد حدد لنا المرشد العظيم طريقتنا لإختيار رئيس الجمهورية، ولا بد للجميع من القبول بهذا الأمر الإلهي، لأن المرشد إذا قال لنا أن اللبن أسود فإننا نراه أسود، ولابد أنه أسود، ولكن عديمي البصيرة يرونه أبيض“.
[المصدر: جريدة القبس الكويتية]

"عديمي البصيرة" هنا هم كل العالم بلا استثناء، ماضيهم وحاضرهم ومن سوف يولد في المستقبل، والذين كانوا ومازالوا وسوف يستمرون في رؤية اللبن على أنه أبيض. وكل هؤلاء هم “عديمي البصيرة” أمام رأي رجل حظه من هذه الدنيا، فقط، عمامة فوق رأسه تقول للناس أنه يتكلم باسم الله. وحاله في هذا كحال أي رجل دين آخر، سني أو شيعي أو على أي مذهب كان، لأنهم يحتكرون الكلام باسم الله في مواجهة من يتكلمون باسم البشر.

الخطورة هنا من هذين النقلين أعلاه بنوعيهما السني والشيعي هي ذات شقين، شق إنساني وشق عقلي. ففي الجانب الإنساني فإن مساواة أكثر الشعوب، بملياراتها المتعددة، بالبهائم يستدعي بالضرورة أن الضحية الأولى هي “القيمة الإنسانية” لهؤلاء البشر. فأي قيمة حقيقية لـ “بهيمة“؟، ليس فقط على مستوى الرأي، ولكن الأخطر على مستوى الحياة نفسها. فشرعنة الاضطهاد الديني في كل تاريخه الأسود الحالك ضمن المجلدات القابعة على أرفف المكتبات، كان أصله وأساسه هو مساواة “غير المؤمن” بالبهيمة، ولا قيمة للبهيمة أمام الإنسان “المؤمن” كما يقوله لهم شيوخ الدين هؤلاء. أما الشق العقلي فإنه يساوي في الحقيقة الشق الأول في أنه ينزع من الإنسان ما يفرقه عن البهائم، وهو العقل. فهو يسلبه “الإرادة” بعد أن يسلبه “العقل” الذي هو أداة هذه الإرادة، وبعد ذلك يساويه بالبهائم التي إن قلت لها أن اللبن أسود لا ينبغي لها أن تعترض لأنها، وببساطة، لا عقل لها. إلا أن "البهيمة" الأولى كما هي عند الشيخ السني لا قيمة لها على مستوى الحياة ذاتها، أما "البهيمة" الثانية كما هي عند الشيخ الشيعي لا تحيا إلا لتكون مؤيدة لرجل الدين الذي سلبها عقلها وإرادتها.

هذا هو أساس خطورة التوجهات السياسية المذهبية الدينية المتطرفة. هي خطرة لأنها لا تعترف بـ “الإنسان” إلا من خلال مدى تقيده بآراء شيوخهم وآياتهم، فإذا شذ أحد ما فإنه يفقد جزءاً من إنسانيته أمامهم. ويستمر هذا الفقدان المتدرج للإنسانية حتى ينتهي “أكثر الخلق”، كما في تعبير الشيخ عبد العزيز بن باز، إلى درجة تنتفي عنهم أية صفة إنسانية يستحقون معها أن يبدون رأياً أو يعترضون على مشيئة. بل ربما تنتفي عنهم صفة الإنسانية، من وجهة نظر هؤلاء، إلى درجة أن حياتهم ذاتها سوف تُعتبر على أنها زائدة عن حاجتهم. وأعتقد أن أفضل تلخيص لمسألة الرأي العام من وجهة نظر الحركات السياسية الدينية قد قام به روجيه غارودي عندما كتب:

”هنا نكتشف الطابع الأساسي لكل أصولية: خفض إيمان، خفض سياسة، خفض منهجية إلى الشكل الذي أمكنها ارتداءه في حقبة سابقة من التاريخ. والنتيجة الحتمية لهذه الدوغمائية المذهبية المتحجرة: (التفتيش). لأنني إذا كنت واثقاً من حيازة الحقيقة المطلقة، فإن من يرفضها يكون إما مريضاً ينبغي وضعه في مصحة نفسية، وإما مرتداً واعياً يستحق السجن أو الموت نظراً لرفضه الإرادي للحقيقة“.
[المصدر: روجيه غارودي، الأصوليات المعاصرة، ص 35 – 36]


إنهم يخدعونكم باسم الدين في سبيل تمكين سلطتهم وترسيخها. لأن الدين، أي دين، لا يمكن أن يسلبك عقلك وإنسانيتك. فأي رأي أو مذهب أو عقيدة أو دين يقول لك: “تنازل عن عقلك”، أو يقول لك: “غير المؤمن بما نقوله لك، بهيمة”، قل له مباشرة: “أنا لك عدو“.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أوهام الشعار الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان)
- المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي
- المشكلة السياسية في الكويت
- الخطاب التمجيدي الإسلامي
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...
- أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ ...
- -حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي ...
- شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل ...
- -المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية