|
الاسلاميون و حقيقة الدولة الدينية: او في نفي - الدولة التيوقراطية- و اقرار- الحاكيمة الالهية-.
كريمة بوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3415 - 2011 / 7 / 3 - 21:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتعالى اصوات اخوان المسلمين و منهم النهضة في تونس الى عدم امكانية الفصل بين ما هو ديني- متعالى – مقدس و بين ما هو سياسي- نسبي مدنس. وهم لايخفون ان غايتهم في ذالك هو اقامة " الدولة الاسلامية". فيغدو الاسلام من هذا المنطلق فضلا على كونه عقيدة نظام اجتماعي و سياسي و لما لا اقتصادي بامتياز اي نظام حكم كامل و شامل تظلله " الشريعة الاسلامية" و لا يمكن وجوده و استمراره الا تحت ظل المقدس اسوة بالتجربة النبوية التي اسسها الرسول حين هجرته الى المدينة. على هذا الاساس تغدو محاولة فك الارتباط بين الديني و السياسي في نظرهم مستحيلة. وعندما ياتي من يرفض قيام "دولة دينية" بعدما اثبت لنا التاريخ الانساني عدم جدواها بل و استبدادها ايضا يرد هؤلاء و بدون تردد ان" الدولة الاسلامية" ليست ب" دولة دينية". سنحاول ان نبرز تهافت هذه الفكرة بل و قصورها النظري استنادا الى نصوص ممن نظّر الى الاسلام السياسي نفسه. فما هي مقومات هذه الفكرة و خللها؟ اول من اسس هذه الفكرة هو مؤسس الفكر الاخواني " حسن البنا" الذي نبه الى الفوارق بين " الدولة الاسلامية" و " الدولة الدينية" اذ اعتبر ان الدولة الاسلامية هي فكرة بعيدة كل البعد عن الدولة الدينية اذ لا وساطة في الاسلام و لا رهبانية فيه يقول في( مجموعة رسائل الامام الشهيد حسن البنا ):" رجال الدين ( في الاسلام) ليسوا مثالات رجال الدين ( الاكليروس) في اوربا ...فسلطة رجال الدين في الاسلام محصورة محدودة". اخذ تلميذه يوسف القرظاوي هذه الفكرة و طورها وفقا لمعطيات الدولة الحديثة.اذ فرّق القرضاوي بين الدولتين فيقول في كتابه ( الصحوة الدينية) : "الدولة الاسلامية كما جاء في الاسلام و كما عرفها تاريخ المسلمين دولة مدنية و الحاكم فيها وكيل عند الامة او اجير لها من حق الامة ممثلة في اهل الحل و العقد ان تحاسبه و تراقبه وتـأمره و تنهاه وتقومّه ان اعوجّ والا عزلته...و اما الدولة الدينية التي عرفها الغرب في العصور الوسطى التي يحكمها رجال الدين يتحكمون في رقاب الناس و ضمائرهم ايضا باسم " الحق الالهي فهي مرفوضة في الاسلام" و يقول بوضوح: " نعم للدولة الاسلامية لا ثم لا للدولة الدينية" الثيوقراطية". وفق هذا التعريف يرى القرضاوي ان الدولة " الاسلامية" هي دولة " مدنية" بامتياز ذالك فقط في غياب" رجالات الدين" الذين نجدهم في " الدولة الدينية " او الثيوقراطية" الذين حكموا البلاد و العباد باسم الاله. و هنا و لا ندري ما الذي يمثله اهل الحل و العقد" عند شيخنا القرضاوي الذين يقدمون النصح و التقويم بل و امكانية عزل الحاكم ان لزم الامر ايضا. هل هم "علماء دين" ام "علماء مدنيين" ؟ عندما نمضي قدما في تمحيص طبيعة الدستور الذي سينظم لهذه الدولة قوانينها نجد شيخنا القرضاوي يقر ان: " الدولة الاسلامية " دولة دستورية" او " شرعية" لها دستور تحتكم اليه وقانون ترجع اليه و دستورها يتمثل في المبادئ و الاحكام الشرعية." هنا يتوضح دون لبس ان لا سبيل الا الاحتكام الى " الدستور الشرعي" الذي ينهل من القران و السنة و الذي قد تشبّع به " هل الحل و العقد" و هو ايضا و على اساسه سيوجهون به الحاكم و قد يعزلوه اذا انحرف. و هنا يغيب الفرق بين " الدولة الدينية" و " الدولة الاسلامية" المنشودة و لا تحضر الا الفوضى المفاهيمية. اذ لا ندري كيف يقر القرضاوي من جهة "بعلمانية الدولة الاسلامية" وفي نفس الوقت بضرورة اعتماد الشريعة الاسلامية دستورا لها؟ و كيف يرفض " الاكليروس في الدولة الدينية النصرانية و يقر مكانها " اهل الحل و العقد". و كاني بلسان حاله يقول ان لا دستور خارج دائرة الشرع الاسلامي الذي يرى ان القوانين الوضعية مدنسة وفاسدة بالمقارنة مع القانون الاسلاميي المقدس العادل ابدا و هو قدر الانسان الوحيد على هذه الارض. .و لعل الحديث عن العقل المشرع المنبثق من المقدس- الالهي المدبر الاول في الشان الانساني يدعونا الى الحديث عن" الحاكمية الالهية" التي تعد مبدا اساسيا في نظرية الاسلام السياسي. الحاكمية الالهية او تلازم السياسي و الديني: تعتبر الحاكمية الالهية حجر الزاوية في نظرية الاسلام السياسي التي بلورها ابو اعلى المودودي و احياها سيد قطب ردا على الحاكمية البشرية. و هي في جوهرها تقوم و كما حددها المودودي في كتابه ( نظرية الاسلام السياسية) على"ان تنزع جميع سلطات الامر و التشريع من ايدي اليشر منفردين و مجتمعين و لا يؤذن لاحد منهم ان ينفذ امره في بشر مثله فيطيعوه و ليس لهم قانونا ينقادوا اليه فيتبعوه فان ذالك امر منتهي بالله وحده لا يشاركه فيه احد". فبهذا المبدا يقر المودودي ان لا حاكمية لانسان او طبقة بل يؤكد على مبدا الحاكمية التي تنبثق من قانون و تشريع من الله وحده على اعتبار ان الاسلام ليس مجرد عقيدة بل هو شريعة تنظم الحياة باكملها. و غير بعيد عن هذا يؤكد لنا السيد قطب في( معالم في الطريق) هذا الراي حين يعرف الحاكمية بانها " مدلول في التصور الاسلامي لا ينحصر في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده و الاحتكام اليها وحدها و الحكم دون سواها... ان هذا المدلول ضيق... ان شريعة الله تعني كل ما يمثل في اصول الاعتقاد و اصول الحكم و اصول الاخلاق و اصول السلوك و اصول المعرفة". اذا تاملنا هذا التعريف نجد انه رغم محاولته الافلات من الفكر التيوقراطي في تاسيس الدولة الاسلامية المنشودة الا انه يؤكد بما يدع للشك على ان احلال او تطبيق الحاكمية ستقع من قبل "خبراء الشرع" (بتعبير لفي ستراوس ). و هؤلاء الخبراء لن يكونوا في النهاية الا طبقة تيوقراطية تستمد سلطتها ووجودها الفعلي بوصفها "خليفة الله على ارض" بما انها القوة التي تحتكم الى النص المقدس و في ذالك لا فرق بينها و بين الاكليروس في الكنيسة. و في ذالك تاكيد على ان الحاكم ليس بمسؤول امام الشعب بل امام القوة الالهية التي يمثلها اهل الحل و العقد-خبراء الشرع-. ان هذا التعريف الذي هو بؤرة التصور الاسلامي في فكرة الدولة يؤكد مرة اخرى ان لا مجال لقيام دولة خارج النظام الديني الذي يقوم اساسا على تشريع دستوري- ديني – مطلق - الالهي او قل "حاكمية الالهية" ضد كل حاكمية " بشرية" التي تنادي بدستور بشري- وضعي- نسبي. شورى ام ديمقراطية؟ يلاحظ العديد من الباحثين في تاريخ الفكر الاسلامي ان مضمون الشوري الايديولوجي هو مضمون معاصر فرضته دوافع موضوعية حين وُضع الاسلام على محك الواقع المعاصر. اذ اشاروا الى محدودية التراكم الفكري في الاشتغال على مفهوم الشورى في الفكرالسياسي الاسلامي. فحسن الترابي مثلا اعلن ا ان الفكر السياسي الحديث هو الذي روج لهذا المفهوم و اعطاه مضمونا جديدا. من هذا المنطلق ان منظري الفكر الاسلام السياسي اليوم لا يبرحوا في تطرقهم الى مفهوم الشورى ان يقابلوه بمفهوم الديمقراطية اما رفضا لهذه الاخيرة او جعلهم لها فرعا للشورى كما يفعل راشد الغنوشي الذي يعرف الشورى على انها" ليست حكما فرعيا من احكام الدين ...و انما هي اصل من اصول الدين و مقتضى من مقتضيات الاستخلاف اي ايلولة السلطة الربانية الى العباد.."( الحريات العامة في الدولة الاسلامية) فالشورى اذن هي اصل من اصول العقيدة و هي تعبّر عن صورة استخلاف الانسان في الارض بمعنى ان البشر متساوون بينهم احرار لكن بمقدار طاعتهم لله. بمعنى اخر انه لا مجال لقيام دولة مدنية يتساوى فيها المسلم و غير المسلم امام قانون عام بل هناك عبودية خاصة هي التي تؤسس علاقة الانسان بقانون الهي الذي يجب على الانسان- بوصفه خليفة الله- ان يطبقه وهو القانون الديني النابع من الشريعة الاسلامية اذ " لافرق بين اعرابي و اعجامي الا بالتقوى". من هنا نعود الى نقطة البدء اذ لا وجود لدولة خارج القانون الالهي او الحاكمية الالهية التي يجب ان تنظم حياة الجميع على اختلاف اديانهم اجناسهم و اعراقهم و نحلهم. غير بعيد عن هذا و في العلاقة بين الشورى و الديمقراطية يحلو للبعض ان يعتبر ان الديمقراطية كفر و بدعة سليلة " الحاكمية البشرية". لكن البعض الاخر يراها معطى مهم لتاسيس مبدا الشوري المنشود في الدولة " الاسلامية" .فراشد الغنوشي زعيم النهضة التونسي يرى ضرورة الاحتكام الى الديقراطية لانها الآلية الضامنة للحريات اذ يقول في ( الحريات العامة للدولة الاسلامية) " تقدم ( اي الديمقراطية) افضل آلية او جهاز للحكم يمكن المواطنين من ممارسة الحريات الاساسية و منها الحريات السياسية". ان هذا التعريف رغم على انه يقر بالاساس الديمقراطي الذي يقر الحريات الا انه يبين بما لا يدع للشك الطابع البراغماتي للقبول بها. اذ هو لا ياخذ بها الابقدر ما تحققه من ضمان لتحقيق الحريات و ضمان للمسلم من تطبيق التشريع الاسلامي على المدى البعيد لتصحيح الانحراف الذي وجد في الغرب الديمقراطي بما انه و الكلام للغنوشي "تجاهل- اي الغرب- الروح ووادها و حارب الله و جاهد جهادا كبيرا لاحلال الانسان محلها" و لما لا تصبح الشورى كما اعلن القرضاوي اصلا للديقراطية. (الصحوة الاسلامية) و السؤال المطروح هنا: هل يمكن تحقيق الشورى مثلا كمبدا اسلامي في اطار نظام ديمقراطي قائم ام يجب ان نعود بالديقراطية الى اصولها الشورية كشرط لتحققها ؟ هنا يتغافل الشيخان- القرضاوي و الغنوشي- كما كثير من منظري فكر الاسلام السياسي الحديث في مسالة الدولة عن الفروق الجوهرية في عديد من المفاهيم و الآليات التطبيقية لها في تاسيس الدولة الحديثة و لا نجد الا عملية "قص و لصق لكثير من المفاهيم. هكذا نرى اذن التضليل الذي يحاول منظري الاسلام السياسي ان يوقع القارئ فيه. اذ لم نجد فرقا بين الدولة " الدينية" التي يرفضونها وبين الدولة " الاسلامية" التي ينادون بها .وتبقى العديد من المفاهيم مثل الوطن و المواطنة المساواة بين الجنسين و الاقليات.. دون جواب واضح. و ان حاول البعض البحث فيها فاننا نلمس عدم الوضوح و الضبابية التي تصل الى حد التتاقض بين هذا الشيخ او ذالك و هذا مرده في نظري قصور المرجعية الفكرية في الالمام بالمسالة السياسية في ضوء التطور المفاهيمي و المنهجي الحاصل في مسالة الدولة خاصة. فنجدهم يتهافتون على قياس السابق بالشاهد و اسلمة بعض المفاهيم لايجاد أجوبة مشوهة لاشكالات معاصرة ملحية.
#كريمة_بوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نافذة على كتاب: الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر لكاتبه عبد
...
-
بنية الفضاء المقدس في الاسلام. الكعبة نموذجا.
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|