جريس سالم بقاعين
الحوار المتمدن-العدد: 3415 - 2011 / 7 / 3 - 17:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل أن أدخل في موضوع هذه الرسالة , أحب أنْ ألفتْ نظر القاريء أولاً إلى الفرق بين الإلحاد بالأديان والإلحاد بالخالق ..
فالشخص الذي يتبنى الموقف الأول هو شخص لاديني وصل إلى قناعة فكرية معينة أدَّتْ به إلى الاعتقاد بأنّ الأديان جميعها هي فكرة إنسانية بحتة أنتجتها عقول البشر , وليس لها علاقة بما يريده الخالق من البشر .. وهذا الشخص قد يكون مؤمناً بوجود قوة عظيمة خالقة للكون ليس لها دخل بالأديان الموجودة على ظهر الأرض , لذا يسمى ملحداً بالأديان .
أما الشخص الذي يتبنى الموقف الثاني – ومنهم أنا – فهو شخص يتفق مع الشخص الأول في رفضه لفكرة الأديان واعتبارها نتاج إنساني صرف , ولكنه يزيد عنه في اعتقاده بعدم وجود قوة ميتافيزيقية عظيمة تتحكم في هذا الكون , وبالتالي عدم وجود خالق , وهذا يسمى ملحداً بالخالق .
سأدع هنا الحديث عن الأسباب التي أدَّتْ بي إلى الإلحاد بالأديان , فهي كثيرة وطويلة جداً ومتشعبة , ولا أعتقد أنّ رسالة واحدة ستكفي لشرحها , وإنما سأتكلم عن أسباب إلحادي بما يسميه البشر : "الخالق" ..
وهي ثلاثة أسباب ..
سببان فلسفيان ..
وسبب آخر علمي ..
السبب الأول : وجود الشر في العالَم :-
يُعَدُّ هذا أكبر وأعظم وأعمق أسباب إلحادي ..
الشر .. الخالق
كلمتان متضادتان لا يصلح اجتماعهما مع بعضهما بأي حال من الأحوال .. لماذا ؟؟
تعالوْا بنا نرجع بخطواتنا إلى الخلف , ونمسك بتلابيب الحكاية من بدايتها ..
على حسب ما يعتقده المؤمنون , فإنّ هذا الخالق كان في الوجود ولا شيء معه .. كان وحده ولم يكن هناك شيء معه ..
إذن من المؤكد أنّ هناك دافع دفعه لاتخاذ قرار بإيجاد المخلوقات ..
تُرى ما هو هذا الدافع الذي يتوافق منطقياً مع قراره هذا ؟؟
من المعلوم بديهياً أنّ الخالق العظيم لم يكن مستوحشاً حتى يخلق مخلوقات ليتآنس بهم ..
ومن المعروف بديهياً أيضاً أنّ هذا الخالق لم يكن ضعيفاً حتى يخلق مخلوقات ليستقوي بهم ..
والمعروف ايضاً أنّ هذا الخالق الغني لم يكن فقيراً حتى يخلق مخلوقات يحتاج لها ..
الخلاصة أنّ الخالق يتصف بجميع صفات الكمال التي تؤهله لِأنْ يكون خالقاً ..
إذن طالما أنّ الخالق كامل وغني وعظيم ولا يحتاج إلينا , فياتُرَى ما هو الدافع المنطقي الذي دفعه لإيجادنا ؟؟
سؤال يطرح نفسه بشدة , ونريد أنْ نجد له جواباً الآن !!
هل أوجدنا لنعبده كما تخبرنا الأديان الإبراهيمية ؟؟
لا , فهذا لا يتماشى مع كونه غنياً لا يحتاج للعبادة ..
هل أوجدنا لكي يغدق علينا شيئاً من أفضاله ؟؟
لا , فواقع الحياة كله يخبر بوجود البؤس والفقر والحرمان ..
إذن فما هو الدافع ؟؟
الدافع المنطقي الوحيد لإيجادنا هو إسعادنا ..
هكذا يخبرني عقلي .. الخالق لم يكن يحتاج إلينا في شيء , وكان وحده في الوجود , ولكنه قرر إيجادنا , إذن فالدافع المنطقي الوحيد لإيجادنا هو إسعادنا ..
ولكن هل نحن نحيا في سعادة مطلقة أم نحيا في بؤس مطلق أم نحيا في حياة مزيجة من الإثنين ؟؟
الواقع المرئي يخبرنا بوجود البؤس بجانب السعادة في الحياة ..
ولكن كيف يوجد البؤس .. كيف يوجد الشر مع وجود الخالق ؟؟
هذا هو السؤال !!
لابد أن نتفق في أنّ وجود الشر ينفي وجود الخالق , وأنّ وجود الخالق ينفي وجود الشر ..
تعالوا لنمعن النظر قليلاً في رائعة الفيلسوف الإغريقي العظيم "أبيقور" , فهي تعبر بدقة عما أريد التعبير عنه :
هل الله لا يريد الشر , ويقدر عليه ؟
إذن , من أين أتى الشر ؟!!
هل الله يريد الشر , ولا يقدر عليه ؟
إذن , فهو غير كلي القدرة !!
هل الله يريد الشر , ويقدر عليه ؟
إذن , فهو شرير !!
هل الله لا يريد الشر , ولا يقدر عليه ؟
فكيف نطلق عليه "الله" إذن ؟؟ إنه هكذا لا وجود له لأنه لا قدرة ولا إرادة له !!
هذه معضلة فلسفية من معضلات أبيقور , لم أرَ أحداً من المؤمنين استطاع أن يجد له مخرجاً منها ..
فالشر موجود .. البؤس والتعاسة والألم والحزن , كل هذه أشياء موجودة .. وهذه حقيقة لا مفر منها ..
وفي نفس الوقت الخالق – حسب اعتقاد المؤمنين – موجود , إذن فكيف نوفق بين وجود الإثنيْن ؟؟
أعتقد أنّ الفيلسوف اليوناني "أبيقور" قد أغلق في وجه المؤمنين كل محاولات التوفيق !!
ولا أرَ هنا أي فائدة من الاستماع لقوْل المؤمنين : أنّ الخالق لم يخلق شراً مطلقاً , بل خلق الشر كاستثناء لقاعدة الخير لحِكَم معينة أهمها :
الحكمة الأولى :
- _ تمييز فائدة الخير عن طريق تذوق الشر:
- ( بأضدادها تُعرَفُ الأشياء ) كما يقولون ..
وهذه مردود عليها أيها المؤمنون لأنّ قاعدة تمييز الخير عن طريق تذوق الشر , هي من سنن الحياة الكونية التي من المفترض أنّ الخالق هو الذي وضعها – على حسب اعتقادكم , وقد كان بإمكان الخالق بصفته مطلق القدرة أنْ يضع سنة كونية أخرى تمكننا من تمييز فائدة الخير دون الحاجة لوجود الشر !.
الحكمة الثانية :
- أنّ الشر دائماً يحمل في باطنه الخير :
يقولون أنّه لا يوجد شر مطلق , وأنّ ما نعتقده شراً بشكل مطلق ما هو في حقيقته إلا وسيلة من وسائل نشر الخير , كالحروب مثلاً التي تحمل في مآسيها وجود محاولات لاختراعات مفيدة للبشرية , وكالبركان مثلاً الذي يحمل في حممه وشرره فائدة كبرى وهي التنفيس عن باطن الأرض منعاً لانفجارها , وهكذا فإنّ كل شيء عندهم في ظاهره شر هو في حقيقته يحمل أوجهاً كثيرة من الخير .
وهذه أيضاً مردود عليها , لأنّ الخالق بصفته أيضاً مطلق القدرة , فإنه كان بإمكانه أنْ يرينا أوجه الخير دون الحاجة لإرسالها مُتَضَمَّنَة بداخل الشر .
الحكمة الثالثة :- أنّ الشر يميز معادن البشر :
يقولون أنّ حلول الشرور سواءاً المرض أو الحرب هو الذي يميز معادن الرجال عن غيرهم ..
وأنا هنا أتساءل باستغراب شديد : وماذا سيستفيد الخالق أصلاً من تمييزهم , ألم يكن يعلم من البداية من هو الغث فيهم ومن هو الثمين .. ثم ما الذي حمله أصلاً على أنْ يخلق الغث ثم يجد نفسه مضطراً بعد ذلك لتمييزه من الثمين .. لم يكن هناك داعي أصلاً من خلق الغث من البداية !!
الحكمة الرابعة :- أنّ الشر هو من مقتضيات إعطاء الإنسان الحرية :
يقولون أنّ إعطاء الإنسان حريته سيؤدي به إلى ارتكاب كثيراً من الشرور , وأنّ منع الشر يقتضي سلب الإنسان هذه الحرية .. وأنّ الإنسان عندما يكون حراً ويخطيء أكرم له من أن يكون عبداً مبرمجاً لا يخطيء مثل الملائكة .. أي أنّ الحرية مع الألم أكرم من العبودية مع السعادة كما قال الدكتور المصري مصطفى محمود في حواره مع صديقه الملحد .. وقالوا أنّ الإنسان عندما ينول الجنة بتغلبه على نزعة الشر التي بداخله سيكون أشرف له من أن يصبح مبرمجاً على العبادة مثل الملائكة .. !!
وأنا أرد على هؤلاء رد في منتهى البساطة : هل الخالق مطلق القدرة أم ناقص القدرة ؟؟
سيجيبوني كلهم بأنه مطلق القدرة ..
حسناً : ألم يكن بإمكان هذا الخالق بأي طريقة كانتْ أنْ يعطينا حريتنا مع عصمنا من ارتكاب الشر , أو بمعنى آخَر : ألم يكن بإمكان الخالق أنْ يعطينا مساحة من الحرية في إطار الخير فقط ؟؟
بهذا السؤال البسيط الذي أترك إجابته لهم , أكون قد رددتُ على ما يزعمون أنه حكمة للبشر ..
***
وهنا تنفد كل محاولات المؤمنين اليائسة في الرد ..
وهي محاولات كلها تحمل سمة واحدة , ألا وهي أنّ الخالق يصلح خطأ بخطأ ..
جميع ردودهم احتوتْ على هذا المعنى .. وهذا لا يليق أبداً بالخالق ..
هنا يسألني كثير من المؤمنين :
أنت لا تريد الشر بأي شكل من الأشكال , إذن أنت تريدها جنة , أنت لا تريد هذه الدنيا .. أليس كذلك ؟؟
وأنا أقول : بلى , كلامكم صحيح , أنا لا أريد أي حياة تحتوي على أي شكل من أشكال الآلام أو الشرور , وبالتالي أنا فعلاً أريدها جنة !
وهنا تتعالى صيحات الاستنكار منهم قائلين : وماذا فعلتَ أنتَ لكي تستحق الجنة ؟
وأقول : أنّ الخالق أكرم من أن يساومنا على جنته بمقابل , هو أكرم من ذلك ..
الذي يليق به أنه خلقني ليسعدني دون انتظار لمقابل , ثم ما الذي سيستفيده هو من المقابل إذا كان هو لا يحتاجه أصلاً ؟؟
الخالق لم يخيّرني أصلاً في مجيئي إلى الوجود , وبالتالي فإنّ المفترض أن يأتي بي إلى حياة خالية من الآلام , أو على الأقل لا يطالبني بمقابل من أجل جنته , وهو أصلاً كان مطالباً بأن يدخلني فيها مباشرةً بمجرد إيجادي إلى الوجود !!
هنا تبدأ صيحاتهم في الخفوت قائلين : ولكن حتى لو منطقك صحيح , فكيف ستستمتع بالنعيم دون أن ترى الشر لتستطيع تقييم نعمة الخير وتذوقها بحق ؟؟
وهنا أرجع وأقول : أنّ الخالق بصفته مطلق القدرة كان قادراً على أنْ يشعرني بحلاوة النعيم دون الحاجة لتذوق طعم الألم ..
وهنا أخيراً يلجأ المؤمن إلى الحيلة الأخيرة في الرد وهي قوله :
"جميع ما تصفه أنتَ بالشر , ما هو إلا نتيجة لحماقات البشرية , ونتيجة لوسوسة النفوس الأمارة بالسوء , والخالق ليس له ذنب فيما تسميه أنتَ بالشرور "
وهذا قول مردود عليه برد في منتهى البساطة أيضاً وهو :
أنّ هؤلاء البشر .. هذا الإنسان .. من الذي خلقه وخلق بداخله نزعة الشر .. أليس الخالق ؟
إذن مهما لَفّ المؤمنون وداروا فإنهم سيصمون خالقهم بصفة الشر في نهاية الأمر , أو إما سينفون وجود الخالق من الأساس حتى يستطيعوا حل المعضلة !!!!
وهكذا فإنه لا مخرج أبداً في نظري لأي مؤمن من هذه المعضلة :
معضلة الشر-الخالق ..هاتان الكلمتان اللتان لا تصلحان أبداً للاجتماع ببعضهما البعض !!
الشر ينفي الخالق ..
والخالق ينفي الشر ..
وما أعرفه هو شيء واحد : طالما أنه يوجد ألم .. يوجد بؤس .. يوجد حزن , إذن فلا خالق ..
لأنه استحالة أنْ يخلق الخالق شيئاً ثم يسمح بالتعاسة أو بالألم يتغلغل في حياته ..
الفنان عندما يرسم لوحة فإنه يخاف عليها من التمزيق .. فما بالكم بالخالق : كيف يخلق شيئاً ثم يتركه يتألم ؟؟!!!
وأختم هنا بمقولة العالِم الطبيعي المشهور "ريتشارد دوكنـز" :
"إن المجموع الكلي للعذاب في السنة الواحدة في العالم الطبيعي يفوق كل تصور أخلاقي . ففي خلال الدقيقة التي أستغرقها لكتابة هذه الجملة , آلاف الحيوانات يتم أكلها وهي حية , الكثير غيرها تركض هرباً من مفترسيها ترتعش من الرعب . حيوانات أخرى كثيرة تأكلها الآن الجراثيم , بينما آلاف أخرى من جميع الأجناس تموت من الجوع والعطش والمرض!!"
ومقولة المفكر السعودي العظيم "عبد الله القصيمى" :
"إنه لا يوجد منطق في أن نخلق المرض لكي نتعالج منه، أن نسقط في البئر لكي نناضل للخروج منها. وليست حياة الإنسان، في كلِّ أساليبها ومستوياتها، سوى سقوط في البئر ثم محاولة الخروج منها" .
السبب الثاني : وجود أخطاء في تصميم الطبيعة :-
يتباهى كثير من المؤمنين بدقة تصميم الطبيعة وعدم وجود أية أخطاء بها ؛ الأمر الذي يدعوهم إلى التأكيد على أنّ هناك خالقاً حكيماً يقف وراء هذا الكون الدقيق ..
فهل ياتُرَى لو بحثنا بعين الإنصاف في هذه الطبيعة سنجدها فعلاً خالية من الأخطاء ؟؟
سآتي هنا ببعض النماذج لأخطاء في تصميم الكائنات الحية :
وسأنقل كلام الأطباء والعلماء بالنص دون تحيز :
ولن أتعرض هنا للأمراض الطارئة التي تصيب الجسم ثم تزول , بل سأتعرض للمشاكل المزمنة في تصميم أجسام الكائنات الحية نفسها :
1- شبكية العين : شبكية العين عكس العديد من الأعضاء في الجسم , حيث تكون الطبقة الوظيفية في الداخل وتأتيها من الخارج الطبقات المغذية ( الأوعية الدموية ) , لكن في شبكية العين نلاحظ أن التركيب مختلف , فالطبقة الحساسة للضوء ( العصيات والمخاريط ) هي في الخارج , وأما الأوعية الدموية فهي في الداخل . ما هي فوائد هذا التصميم بالمقارنة مع التصميم الأكثر منطقية , وهو كون الشبكية في الداخل وتأتيها الأوعية من المحيط ؟: الجواب لاشيء . أما ما هي مضار هذا التصميم , فهي وجود البقعة العمياء في العين , وهي بقعة غير حساسة للضوء , ولكن هذه المشكلة يمكن تجاوزها , أما المشكلة الأكبر فهي ارتباط العصب البصري بالشبكية من داخل العين فقط وليس من جزءها الخلفي أن يجعل الارتباط ضعيف بين الشبكية ومؤخرة العين , مما يؤدي عند كثير من البشر إلى حدوث انفصال الشبكية والعمى !!!
يقول العالِم البريطاني الكبير "ريتشارد دوكنـز" ساخراً في كتابه "صانع الساعات الأعمى" :
"إنه من الكفر أن نقول أنّ الله هو مَنْ خَلَقَ العين بهذا التصميم الأخرق" !!!
2- وضع مجرى البول في البروستاتا :
نلاحظ عند الرجال أن الاحليل وهو القناة التي تنقل البول إلى الخارج تمر في وسط البروستات، هذا التصميم بالمقارنة مع تصميم بديل يجعل الاحليل يمر أمام البروستات وليس عبرها يؤدي إلى كثير من المشاكل وخاصةً عند الكهول فحوالي 50% من الكهول
يصاب بضخامة بروستات مما يعيق تدفق البول وإذا ظننت أن هذه المشكلة بسيطة فأسأل أحد أقربائك المسنين وقل له ما هو رايه في الاستيقاظ عدة مرات ليلاً للتبول .
(ضخامة البروستات مما يؤدي إعاقة إفراغ المثانة هي السبب) !
3- الأقراص الفقرية في الظهر ... مشلكة آخرى :
فألم الظهر يعاني منه أكثر من نصف البالغين , وهو ينجم عن الأقراص الفقرية الرقيقة ووجود التحدب الخاص في أسفل الظهر , وفي الحقيقة فإن تصميماً بديلاً مع زيادة ثخانة الأقراص وانحناء بسيط مع أعلى الجذع للأمام سيخفف الضغط على الفقرات ويقلل خطر الانفتاق !
4- مشكلة دوالي الاطراف السفلية :
من المشاكبل الشائعة في الكهولة هي دوالي الأطراف السفلية التي تسبب توسع الأوردة الدموية وانتفاخ أحياناً جلطات دموية مميتة , هذا الخلل الخطير يمكن إصلاحه بوجود عدد أكبر من الصمامات في أوردة الساق مما يقلل خطر الدوالي !
5- الفيتامينات المعطلة :
الإنسان والقرود العليا تحتاج إلى فيتامين "سي" بصفة يومية , الغريب هو أنّ أغلب الكائنات تملك خاصية الإنتاج الذاتي له في تركيبها ومن بينها الإنسان والقرد . المفروض أنهم يملكون خاصية الإنتاج الذاتي لهذا الفيتامين في تركيبهم الجيني . وهو موجود ولكنه في نفس الوقت "معطل عن العمل" لسببٍ ما !
6- الزائدة الدودية :
هذه ليس لها أي فائدة , وهي زائدة عن حاجة الجسم كما هو واضح من اسمها , وهي في الأغلب تمثل جراباً لتجميع البكتيريا ! وتتضخم غالباً ليلجأ الشخص للتخلص منها !!
7- دعني أصمم الفك نيابة عنك يا الهي :
فك الإنسان "مصمم" أصغر من الحجم المناسب لعدد الأسنان الموجودة فيه , وهذا هو السبب في وجود "ضروس العقل" التي تتسبب في حدوث مشاكل عند أغلب الأشخاص !
8- الأعين المعطلة عند الأسماك ( يخلق أعيناً لا تعمل !! ) :
الكائنات المائية التي لا تعيش إلا في أعماق الماء والكهوف , بحيث تكون الرؤية منعدمة تماماً , لماذا لها أعين معطلة عمياء لا فائدة منها كسمكة السمندل مثلاً ؟!!!
لماذا يضع في تركيب الجسم أعين إذا كانت عمياء ولا فائدة منها ؟!!
9- الرئة المعطلة لبعض الثعابين :
ولا ننسى بعض الثعابين التي تمتلك رئتين إحداهما تعمل والأخرى معطلة !!
لماذا هذا التصميم السيء وتضييع مكان دون فائدة من أجل الرئة المعطلة ؟!!
ولا ننسى البقايا الضامرة لعظام الرجل وعظام الحوض الضامرة والغير مستخدمة في الثعابين والحيتان !!
10 – الأجنحة موجودة , والطيران غير موجود ( عجباً!!) :
لماذا خلق الخالق أجنحة للطيور التي لا تطير كالدجاج مثلاً ؟؟ والأجنحة الضامرة لطيور لا تطير إطلاقاً كالكيوي ؟ ألم يكن من الأولى أن يحذفهما طالما يؤديان وظيفة في جسم الطائر ؟ طبعاً التفسير التطوري يحل هذه المشكلة بأن يقول أنّ الأجنحة في تلك الطيور تمثل أعضاء ضامرة , أما المؤمنين بالخالق , فحلهم للموضوع هو "لله في خلقه شئون" !!!
11- الـ DNA المعطل :
الدي إن إيه المعطل أو "المهمل" ..
98% - 99 % من "الدي إن إيه" في جسم الإنسان معطل وليس له وظيفة في بناء الجسم !!
12- العجب العجاب في لخبطة خلق الميتوكوندريا :
من المعروف أن الميتوكوندريا ( إحدى عضيات الخلايا والمختصة بإمداد الخلية بالطاقة ) تحتوي على جينات البروتينات الخاصة بها في داخلها , وفي هذا تعتبر الميتوكوندريا "خلية" مستقلة داخل الخلية الأم , فمن المعروف أنّ النواة فقط هي التي تحوي على جينات صنع البروتينات , ولكن الميتوكوندريا كسرت هذه القاعدة . طبعاً من يرون أن هناك "خالقاً" صنع هذه الخلية لن يستطيعوا أن يفسروا لماذا وضع الخالق هذه الجينات داخل الميتوكوندريا بهذه الطريقة الشاذة ؟ ماذا كان يحسب نفسه يصنع ؟ وولعلم فقد وُجِدَت الجينات الميتوكوندرية المسئولة عن صنع البروتينات الميتوكوندرية , وُجِدَتْ مكررة مرة أخرى في النواة ! ( مثالنا هنا هو سيتوكروم سي ) الذي توجد الجينات المكونة له مرتين في الخلية ؛ مرة في النواة , ومرة أخرى في الميتوكوندريا !
13- كائن البق :
البق يلقح أنثاه , وبعد أن يلقحها , تقوم الأنثى بغلق الفتحة بسدادة لتجنب النكاح من ذكر آخر , ولكن بعض الأنواع من البق تطورت بحيث تستطيع ذكورها أن "تتخطى" هذه السدادة ..
هناك نوع من البق اسمه "زايلوكاريس ماكوليبنس"يسلك سلوكاً عجيباً في أثناء تكاثره , فالذكر لا يستطيع فقط "تخطي" السدادة , بل إنه يستطيع "اغتصاب" ذكر آخر , ويحمل هذا الذكر الضحية مَنِيّ المغتصِب , ليضعه في أول أنثى ينكحها ..
سلوك عجيب هو هذا السلوك , يدل تماماً على وجود خالق يقصد ما يصنعه .؟؟؟؟؟؟؟.
14- الأحصنة :
في الأحصنة الحديثة توجد الجينات المسببة للخطوط , والتي تدل على تطور هذا الحيوان من سلف مخطط مثل "الزيبرا" , لو كان الخالق خلق الحصان بطريقة هوكس بوكس لماذا نسي هذه الجينات في المخزن ؟؟ الحقيقة أن الجينات تدل على "سلوك" تطور الحيوانات , فمثلاً اكتشف العلماء بعد زراعتهم لجزء من فك جنين طير بجوار جزء من فك جنين "فأر" , اكتشفوا أن للطيور جينات تكون الأسنان , هذه الأسنان كانت موجودة في أسلاف تلك الطيور في العصور القديمة ( في العصر الجوراسيكي ) ..
15- ذيل بلا فائدة :
لسمك المقص ( أبو جلمبو ) ذيلاً !! تجدونه ضامراً قصيراً أسفل الحيوان , نتساءل هنا عن السبب الذي جعل السيد "الخالق" يخلق هذا الذيل لأبو مقص ؟؟ هل جعله له زينة كما جعل المال والبنون زينة للبشر أم ماذا ؟؟
طبعاً لا جواب عند الخلقيين ( المؤمنين بالخالق ) ولكن الجواب عندنا هو أن أبو مقص تطور عن سلف أطول وذو ذيل ( أشبه بالروبيان أو بالجمبري ) !
خلاصة :
التطور والطبيعة العمياء تخبط خبط عشواء , وما لم نفهم الأمر مبكراً ستنقرض الكثير من الأنواع , وستظل في الإنسان تشوهات تستعصي على الطب الحديث ..
فلنستيقظ , فلا وجود لخالق ولا لبطيخ !! وإنْ وُجِد فلابد أن يقدم للمحاكمة على أخطائه في تصميم الطبيعة!
السبب الثالث : غموض مصطلح "الخالق" :-
نأتي هنا إلى السبب الأخير من أسباب إلحادي ؛ ألا هو ما يكتنف مصطلح "الخالق" نفسه من غموض رهيب .. نعم , فكلمة "الخالق" نفسها هي كلمة غير مفهومة تماماً بالنسبة لي ! وأعتقد أنه شيء غير منطقي إطلاقاً أنْ يؤمن الإنسان بشيء هو غير مفهوم تماماً بالنسبة له ! فعندما نذكر مصطلح "الخالق" فإننا لابد وأن نذكر بجانبه بعض المصطلحات الأخرى الصعبة مثل "الأزلية" , و"الأبدية" , و"القدرة المطلقة" , و"عدم المثلية" , و"غموض الماهية الميتافيزيقية" , و"سرمدية الحجم" ... إلخ . أريد أن أتناول كل مصطلح من هذه المصطلحات على حدة ..
أولاً : مصطلح الأزلية :
هذه أول صفات الخالق , والأزلية هي ببساطة شديدة : اللابداية ...أي إنّ الخالق قديم قِدَم الأزل ولا بداية له .. لم يكن حادثاً , ولم يأتِ من العدم ..
وهذا المعنى يشكل لي صعوبة كبيرة جداً في الفهم .. معنى الأزلية ..
ما معنى أنّ الشيء لا بداية له ؟ كيف يستطيع تصور العقل البشري حدوث مثل هذا الأمر ؟؟
دائماً يسأل العقل : ماذا كان قبل هذا الشيء , وهذا الشيء بدوْره ما الشيء الذي كان يسبقه من ظواهر الكون وهكذا ؟؟
أما أن نقف عند شيء معين وهو "الخالق" ونقول لم يسبقه شيء , فهذا شيء أراه غير متناسب مع منطقي إطلاقاً , بل أرى أنّ قِدَم ظواهر الكون وتسلسلها اللابدائي لهو منطق يناسبني ويناسب تصوراتي أكثر بكثير !
وما معنى أنْ نقول أنّ الخالق كان موجوداً قبل أن يوجد أي شيء ؟؟
معنى هذا أنّ الله نفسه كان خارج الوجود , وهذا شيء يستحيل عليَّ تصوره !!
وأجد عقلي يتساءل : ما الذي كان يفعله هذا الخالق في لحظات "اللابداية" ؟؟
تُرَى ما الذي كان يشغله ؟؟
معنى أنه لابداية له , أنّ أفعاله أيضاً لا بداية لها , فما هي هذه الأفعال ياتُرَى ؟؟
وأسئلة كثيرة وكثيرة أجد إجابتها تستحيل على عقلي !!
ثانياً : الأبدية :هذه ثاني صفات الخالق , والأبدية هي الخلود المطلق , أو اللانهاية ..
وهنا تواجهني نفس الصعوبات التي تواجهني على الوجه الآخَر للأزلية ..
فعقلي لا يستطيع تصور أنّ هناك كائناً مدة حياته تساوي اللانهاية ..
قد أستطيع تصور أنّ الكون بظواهره الطبيعية المتسلسلة ليس له بداية ولا نهاية ( أي سرمدي ) ..
ولكني لا أستطيع تصور أنّ هناك كائناً بعيْنه ( وهو الخالق ) سرمدياً ..
ثم ثمة اعتراض آخَر ..
جميع المؤمنين يجمعون على أنّ الخالق سيمنح البشر حياة أبدية خالدة بعد الموت – لا تتساوي في أبديتها مع أبدية الخالق ..
وهنا أجد عقلي يتساءل :
هل هناك أبدية مؤقتة ,وأبدية أخرى مطلقة ؟؟
مصطلح الأبدية هو في حد ذاته مصطلح مطلق ويحمل أقصى معاني الإطلاق ..
فكيف سيحيا البشر بعد موتهم حياة أبدية لا تتساوي مع أبدية الخالق ؟؟
هذا شيء يستحيل على عقلي فهمه ,وإلا كنا بذلك منازعين للخالق صفة من صفات كماله وهي الأبدية التي لا تصح إلا له !!
ثالثاً : القدرة المطلقة :وهنا نأتي لصفة من الصفات التي تمثل أكبر معضلة من المعضلات التي يتسم بها مصطلح "الخالق" ..
"الخالق قادر على كل شيء"
جملة سهلة ومريحة ,ولكنها في نفس الوقت جملة خادعة ومحيّرة لأقصى درجات الحيرة ..
وأتذكر هنا السؤال الفلسفي المشهور :
هل يستطيع الخالق أن يخلق صخرة لا يقدر على حملها ؟؟
الإجابة على هذا السؤال ستضع جميع المؤمنين بين فكي كماشة .. لماذا ؟؟
لأنهم لو أجابوا بـ"نعم" ..
فإنهم بهذه الإجابة قد جعلوا الخالق غير مطلق القدرة ( لا يقدر على حملها ) !!
ولو أجابوا بـ"لا" ..
فإنهم بهذها الإجابة قد جعلوا الخالق أيضاً غير مطلق القدرة ( لا يستطيع أن يخلق هذه الصخرة ) !!
وهناك أسئلة كثيرة وكثيرة تضع الخالق وقدرته المطلقة في مأزق كبير ..
مثل السؤال الآخر :
هل يقدر الخالق أن يخلق إلهاً أقوى منه ؟؟
لو أجابوا بـ"نعم" ..
فإنهم بذلك قد جعلوا الخالق ضعيفاً ,وخلعوا من عليه صفة القوة الإلهية المتفردة المطلقة ( سيوجد إله أقوى منه ) !!
ولو أجابوا بـ"لا" ..
فإنهم بذلك جعلوا الخالق غير مطلق القدرة ( لا يقدر على خلق إله أقوى منه ) !!
وهكذا فإنّ القدرة المطلقة التي يتغني بها كثير من المؤمنين في وصفهم لخالقهم إنما هي في الحقيقة نقطة ضعف من أكبر نقاط الضعف التي تشكل مصدر عجز وضعف لهذا الخالق !!!
رابعاً : غموض الماهية الميتافيزيقية :"ليس كمثله شيء" .. انعدام المثلية ..
أيضاً يفتخر كثير من المؤمنين بقولهم : أنّ الخالق هو قوة ميتافيزيقية عظمى لا يشبهها شيء من مخلوقاتها ولا تخضع لحواسنا المباشرة ..
وأنا هنا بصفتي إنسان مادي فيزيقي أتساءل :
كيف يؤمن الإنسان بشيء هو وراء المادة ؟؟
كيف يؤمن الإنسان بشيء لا هو مكون من مركبات عضوية , ولا هو مكون من مركبات غازية , ولا سائلة , ولا جامدة .. إلخ ؟؟
لقد تعلمنا جميعاً منذ صغرنا أنّ الشيء إما سائل أو جامد أو غازي .. وغير ذلك فهو لاشيء ..
فكيف يمكنني الإيمان بشيء هو في حقيقته لاشيء ..
وكيف يقولون أنّ الخالق لا يشبهه شيء ..
إذن ما هو هذا الخالق إن لم يكن شيء مادي ؟؟
كيف نستطيع تصوره ؟؟
إننا بذلك عندما نتكلم عن الخالق كأننا نتكلم عن شيء خيالي أشبه بالخيال , أشبه بالكائنات الأسطورية التي كان والدينا يخوفوننا بها في صغرنا مثل الغول والعنقاء والوحش أبي رجل مسلوخة !!!
هي جميعها أشياء وهمية لا وجود لها لأنها لا تخضع لنطاق المادة ..
وبما أنّ الخالق هو ميتافيزيقي ولا يخضع للمادة , إذن فهو غير موجود في نظري ولا أستطيع تصور شيء غير ذلك !!
وأتذكر هنا مقولة توماس جفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة :
"الكلام عن الوجود غير المادي هو الكلام عن اللاشيء , قول أنّ الروح والله والملائكة هم أرواح هو مثل القول أنهم لاشيء , ولا وجود للملائكة ولا للروح ولا لله . ولا يمكنني أن أقبل بغير ذلك" .
خامساً : سرمدية الحجم :"الخالق لا يحيطه شيء" ..
كما يقول المسلمون ( هو الظاهر فليس فوقه شيء , وهو الباطن فليس دونه شيء ) ..
وكما يقول الهندوس ( لا سبيل إلى الإحاطة به , وهو كلي الوجود ) ..
والمؤمنون عموماً يعتقدون أنّ هذا الخالق غير محدود الحجم ..
وهذا شيء يستحيل عليَّ تصوره إطلاقاً ..
إنّهم بقولهم هذا يريدون أنْ يصوروا لنا الخالق مثله مثل الخط المستقيم الذي ندرسه في الهندسة ..
وهو الخط الذي ليس له حدود , فهو غير محدود وليس له بداية من اليمين , وغير محدود أيضاً من اليسار ..
أو هو الخط غير المحدود من جهة الفوقية , ولا من جهة التحتية ..
↔ ↕
وهذا شيء لو تصورناه فإننا نستطيع تصوره فقط نظرياً على الورق ..
ولا يمكننا تصوره أيضاً على كائن موجود على أرض الواقع ..
وحتى لو تصورناه على أرض الواقع , فإنّ الأقرب لتصوري أن ينطبق هذا المفهوم على الكون عموماً , وليس على كائن يقف وراء هذا الكون ..
فالكون كما نعلم غير محدود الحجم , وحجمه في ازدياد مستمر ..
وأيضاً ليس له نقطة بداية يستطيع تحديدها العلماء بدقة ..
تماماً كالأمواج الآخذ حجمها في اتساع مستمر , وكلما رجعتُ للوراء لا تجد لها نقطة بداية ..
فهي موجودة منذ الأزل , وحتى الأبد ..
وقد تكون هذه الصورة قريبة بعض الشيء مما أعنيه ..
وهكذا فإنّ مفهوم "سرمدية الحجم" هو مفهوم نظري بحت لا يمكن تطبيقه عملياً على كائن معين ..
وإنما نستطيع تطبيقه عملياً فقط – ودون تصور كامل أيضاً – على حجم الكون فقط ..
وكيف أستطيع وجود كائن يمتلك حجماً لا نهائياً في الأبعاد الفراغية الثلاثة ..
هذا شيء يستحيل عليّ تصوره قطعاً ..
وهل معنى هذا أنّ الخالق موجود في كل مكان كما يقول الصوفية وعوام المسلمين ؟؟
حسناً لو كان موجوداً في كل مكان , فهو موجود في الشارع وفي المتجر وفي داخل أجسامنا !!!
هل هذا ما توصلوا إليه ؟!!
سيعترض عليَّ البعض ويقول لي : لا , الخالق بائن عن خلقه , أي أن الرب موجود في مكان منفصل عن مخلوقاته ..
وكيف أستطيع هنا التوفيق بين لانهائية حجمه , وبين وجوده في مكان غير مادي منفصل عن عالمنا ؟؟
طالما أنه موجود في مكان غير مادي , إذن هو موجود في اللاوجود , إذن هو غير موجود !!!!!!!!
ارحمني ياعقلي من التفكير !!!!!!
***
خلاصة القول : إنّ مصطلح "الخالق" نفسه , كمصطلح تجريدي هو مصطلح سهل وجميل ..
ولكنه لا يستمر في سهولته هذه , بمجرد تصور الصفات التي تتلازم مع هذا الخالق ..
وأجد نفسي عاجزاً عن تصور مفهوم "الخالق" ..
وبالتالي فأنا غير مطالب بالإيمان بشيء لا أفهمه !!
------------------------------------------------
تلك كانت الأسباب التي أدَّتْ إلى اتخاذي لموقف الإلحاد ..
والتي أؤكد على أنّ السبب الأول هو أقواها وأهمها جميعاً ..
وأنا أرحب بالمناقشة والاستماع ..
فأنا لستُ من ذلك النوع الدوجمائي الذي يعتنق فكرة ( كالإلحاد مثلاً ) , ويسد أذنيه عن سماع أي فكرة أخرى ..
ولا أحد يعلم ..
قد أتخلى عن إلحادي يوماً ما ..
فقط ..
إذا أقنعني أحد منطقياً وعقلياً بأنّ موقفي خاطيء ..
وأهلاً وسهلاً بالجميع ..
#جريس_سالم_بقاعين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟