|
السلفية والوهابية واسرائيل
محمد البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3415 - 2011 / 7 / 3 - 02:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتب الدكتور أحمد صبحي منصور مشكورا مقالا علي موقع الحوار المتمدن بشأن السلفية بعنوان "حقائق أساسية فى فهم السّلفية"، فجعلها هي الوهابية وفقط. وهو تعريف به كثير من المصداقية لكنه تغاضي عن ان السلفية تلوث اطرافا اخري كثيرة ممن يؤمنون بالاسلام دينا. ويصعب توثيق ان السلفية هي الوهابية وفقط لان الصفة الي وصفت بها السلفية جاءت تاريخيا وتالية لها باكثر من الف عام. فصفة الشئ جزء منه اي انها تولد معه ولا تفارقه. لهذا فان نقول ان الوهابية هي السلفية نكون اقرب للحقيقة، ولمزيد من الفهم للسلفية علينا بفحصها هي في ذاتها منذ نشأتها والا نحيلها الي نواتج تاريخية مفلسة شانها شأن السلف نفسه.
اتفاقي مع د. منصور يكمن في ان السلوك الوهابي منطبق تماما مع السلف الاسلامي الذي نشأ مبكرا في فجر وضحي وظهر وغروب الاسلام ايضا. لكن المسلمين جميعا يحملون قدرا من السلوك السلفي في شأن الممارسة الاسلامية بل ان العقل الانساني يفقد جزءا هاما من قدراته الفكرية والتحليلية بمجرد ان يتبني الاسلام او يربي عليه منذ الصغر. فلنبحث إذن السلفية في جزورها الاصلية مضيفة الي مرضانا مرضي اخرون ينطلقون بين الناس ويعتقدون انهم اما وسطيين او مصلحيين او مسلمون عقلاء.
مدخلان أساسيان في فهم العقل الانساني الاسلامي: اولهما ان العقل الاسلامي شأنه شأن العقل اليهودي يتطابق معه في اسطرة (الفعل من اسم اسطورة) كل شئ قبل ان يشرع في عرض افكاره. والثاني ان يتم الغاء اي اضافة تقلص من حجم الخرافة داخل العقل، حسب ما نري حاليا من تحقير للمنجزات الغربية وان البديل القرآني افضل او الطب النبوي ... الخ اقوال رجال الدين. العقل التوراتي والعقل القرآني كلاهما يبدأ مما لا برهان عليه (راجع قصص الخلق) بعكس العقل العلمي المعرفي الذي يبدا دائما من مسلمات بديهية لا يختلف عليها احد ويمكن البرهنة عليها من حقائق ووقائع الاشياء. ولن نثبت التناقض بين العقلين وبين العقل العلمي الحديث فقد تاسس الاخير بدءا من تجربة جاليلو عند سقوط الاجسام المختلفة الاوزان في اوقات متساوية من نفس الارتفاع، وهو امر لا يستسيغه العقل مجردا. اما العقل الاسلام /يهودي فهو ينطلق من مفردات سادت في العقل الجمعي وتتميز بالخرافة والمستحيل. ولم يحاول الاسلام ان يفك طلاسم الفكر الاسطوري عند العرب فقد كان النبي مهموما بان يصطف في طابور الانبياء وان يؤكد اتصاله بالمصادر التوراتية متجنبا العقل المنطقي وحقائق الواقع فجاءت نصوص الاسلام تاكيد لما رسخ يهوديا عند اهل مكة والمدينة، بهذا تاسست المنطلقات الاسلامية التي يمكن وصفها بالقواعد والاسس للفكر السلفي.
فإذا كان الاسلام دين العقل حسب ما يدعي كل رجال الدين الاسلامي فما هو تعريف العقل عندهم حتي يمكن ان ننصت ولو لمرة واحده اليهم فيما يقولوه؟ جاءت اليهودية قبل الاسلام باكثر من الفي عام وتلك احد مثالب الاسلام عند اكتشافنا انه قد اعتمد اقوال التوراه قولا بقول وحادثة بحادثة ولم يعير التراكم الحضاري والمعرفي الفكري والفلسفي السائد في المنطقة فيما بين ظهور الديانتين. وكان مهموما باقناع الناس بالنبوة فجعل نصوص الاسلام تتفق مع ما يخالف العقل والمنطق ويتجانس مع التوراة و الانجيل.
السلفية تكذب، لهذا فالوهابية تمارس الكذب ايضا بكل بجاحة. السلفية تاسطر الامور، فمن خصائص الاسطورة هو مناقضة النتائج للمقدمات او جعل مقدمات غير صحيحة اساس الانطلاق لتخرج الي نتائج غير اخلاقية وغير معرفية تبريرا للواقع. هكذا يتم افساد الوقاع بدلا من تحليله وفهمه واصلاحه. فمثلا يبدا اعتراف السلفية بالديانات السابقة لكنهم ينكرون الكتب التي هي اصل القرآن. ففي ذات اللحظة التي يمجدون فيها اليهود لتاكيد نبوة محمد يسبون اليهود ويتوعدونهم بعظائم الامور، بل جعلوا الله يصطف الي جانبهم ليمحق اليهود ايضا رغم قولهم في لحظات اخري ان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فاسطورة العدو الدائم حتي ولو تم القضاء عليه وترحيله خارج جزيرة العرب هي احدي اهم الاسس التي تقوم عليها الاساطير.
الاسطورة في الفكر البدائي هي وليدة تصوره اعقلي البائس فتفتقد المنطق ليس لانها خالية من المنطق انما لان العقل المنجز لها هو الفاقد للقدرة علي التفكير المنطقي أو امتلاك القدرة الذهنية السليمة بهذا امتدت عيوبه لتملأ جنبات الاساطير القديمة كلها. فعندما تصبح الاسطورة هي الكتاب الشارح والمهيمن لحقائق الوجود المادي فان البشر انبياء وصعاليك سيسعون لتفسير الوجود علي اساس ما تاسطرت عليه جنبات عقله. فالاسطورة والعقل المنتج لها في علاقة جدلية يتبادلان المحتوي كل منهما يؤكد ذاته علي حساب الاخر، بهذا يتم الخصم دائما من العقل وينحصر ضيقا باكثر مما هو ضيق. لهذا نجد قصص الخضر والسير علي الماء والموئد الهابطة من السماء والنجاة من النار او من الغرق كلها تتم طبقا لاقوال الاساطير السابقة علي اليهودية لتأكيد صحة الاسلام، ولتأكيد وجود الله الراعي لها كاحداث اعجازية رغم ان العقل الاسطوري والبدائي الاسبق علي الديانات العبرانية الثلاثة كان اكثر ثراءا ووفره في انتاج الخرافات عما حصره الانبياء ونسبوه اللي الله.
مذهب السلفية إذن هو مذهب اسطوري في بناؤه، وهو مذهب اسلامي عام يشترك فيه كل المسلمين. مشكلتهم في الحاضر انهم يستدعون قاع التاريخ الملئ بالخرافة لاعاده كتابة ما اصبح معرفا بالعلم وبالعقلانية المتنامية داخل العقل اي لجعل ما هو اقرب للعلم فاسدا واقرب الي رواسب الماضي الجهول. بكلمات أخري انهم يبددون التراكم مجانا ولا يقدمون بديلا حقيقيا للتقدم، ولهذا السبب علي وجه الخصوص اصبحت منطقتنا واي منطقة اخري ساد فيها فكر السلف (وقبل ان تظهر الوهابية) من مناطق الجهل والتخلف بل والبربرية والبدائية.
من نتاج هذا التحليل نكتشف ان الاسطورة هي فلسفة العرب الاولي بل والاخيرة ايضا لهذا نجد كيف ان العنف يصبح الاداة الاولي في يد السلفية الوهابية عندما تضع افكارها موضع الدعوة خاصة عندما تكون هناك مجتمعات لها مكتسبات عقلية ترقي فوق مستوي الخرافة والاساطير. فعندما تصطدم الخرافة بالمنطق فلا سبيل لاصحاب الخرافة الا العنف وهو امر كشفته علوم النفس. فلو عدنا الي احداث مكة في بداية الدعوة فان العنف بالفتح والسلاح واعادة الغزو كان حلا لمن رفض الاسطورة التوحيدية كحالة ابي سفيان كمثال وليس حصرا. لكن تداعيات العنف كانت افدح ونتائجها كانت كارثية فان يتحول ابو سفيان وابناؤه الاكثر عقلانية نسبيا الي الاسلام لم يكن له من معني سوي نهاية لاي فكر عقلاني تواجد لديهم في جنبات أم القري ثم استخدم ابناؤه العنف فيما بعد للحفاظ علي المكاسب التي تم تحصيلها بتعظيم الاسطورة وجعلها فوق العقل. فالانتهازية وتمكين ادوات العنف البدوي لنشر الدين اصبحت قيمة مضافة عند هؤلاء بعد ان كانت احدي ادوات البدوالقيمية التراثية.
تعرض د. صبحي منصور الي دور الازهر، فالازهر الذي هو المؤسسة الام والجهة التي تاسس فيها د. منصور لم تكن سوي امتداد سلبي كارشيف للدين الجديد الوافد علي مصر. فالازهر كمؤسسة هو تقليد وامتداد للعرف المصري المؤساساتي الذي عرفته مصر منذ زمن الفراعنة في اون وطيبة ومنف وابيدوس حيث تصبح للدين مؤسسة كمؤسسة الري والزراعة والمواني ... الخ حاجة الدولة المصرية لضبط احوالها. ظل الازهر يردد ويحفظ ويدوون القرآن والاحاديث، ولان الاسلام لا يتفق ونمط الانتاج الزراعي ومن اولي الرأسمالي الصناعي والحداثي وما بعد الحداثي فلم يضف شيئا ذو قيمة الي تراث المنطقة اللهم الا الحفاظ والتكرار علي اصوله رغم ان البشر في حياتهم اليومية كانوا يمارسون حياتهم بناء علي فقههم المأخوذ من تراثهم المصري الاقدم من الاسلام والضارب بعمق في جذورهم التاريخية في علاقتهم بالاولياء والصالحين. ولانه تراث اكثر سماحة فان نشر الوهابية كان مستحيلا علي آل سعود، فمصر تحملت افعال اللصوص العرب امثال عمرو ابن العاص الصحابي ومن جاء بعده كلصوص ونهابين للثروة الا ان الامور ظلت تتسم بالعنف في اروقة السلطة وظل الحاكم في قلعته او فسطاطه والناس في حقولهم وورشهم واعمالهم لا يقدرون دفع الظلم باسم الدين من اعمال النهب والسلب التي وصلت الي الحد الادني بعد ان اخذ ابن طولون زمام الحكم لكنها عادت في زمن الايوبي وفي دورات انتهت بمحمد علي مؤسس الدولة الحديثة. ولانها دولة حديثة فهي لا بد ان تتناقض بشكل رئيسي وجذري مع مفاهيم الاسطورة والعنف السرقة واللصوصية اي السلفية في صورتها الاخيرة الوهابية.
أما لماذا تنتشر الوهابية حاليا وتجد لها مسارات داخل العقل المصري فذلك مرده الي توجه مصر العربي الذي اسسه مخرب مصر جمال عبد الناصر وكل حكام نظام يوليو الاكثر جهلا كافضل اختيار لوكالة المخابرات الامريكية. وجاء النفط يصاحبه التعليم الردئ والاعلام المضلل والكذب بعروبة مصر ... الخ الاساطير التي جعلت الطبقات الانتهازية ومعها الطبقات الدنيا والرثة وفضلات الريف من قبول الوهابية التي تؤسس الفكر علي الاسطورة مثلما يفعل الجاهل والكذاب والانتهازي تماما. فعداء الازهر للوهابية له اصوله في التركيبة المصرية، لهذا فعندما اهتز الكيان المصري وتشرخت بعضا من جدرانه بفعل نظام يوليو تسربت الوهابية كمياه الصرف الصحي بين تشققات المجتع بل والازهر نفسه. وتبقي قضية علاقة اسرائيل بالفكر الوهابي ومن الناحية السياسية بآل سعود واضحة وليست لغزا, فاسرائيل تشجع الفكر الوهابي بلا حدود فهو ليس خطرا عليها رغم الجعجعة والصوت العالي بالجهاد وسب اليهود و اسرائيل الي آخر كل تلك الاكاذيب السعودية. فمن المنتصر يا تري لو واجهت الاسطورة العلم والتكنولوجيا؟ وهل حماس خطرا وهل كان عبد الناصر خطرا علي اسرائيل وكذلك صدام او نظام البعث السوري واخيرا الفأر القابع في باب العزيزية ينتظر مصيره اما بطائرة اباتشي او الضبط والاحضار الي المحكمة الدولية في لاهاي. في العلن هناك عداء مفتعل لانه قائم علي الاساطير وفي السر هناك اتفاق وتضامن علي دعم الفساد والجهل والغباء ونشر الفقر ودعم المخربين واللصوص. الم تؤيد اسرائيل وآل سعود معا محمد حسني مبارك؟
#محمد_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتي لا تتكرر كارثة يوليو
-
أضغاث احلام بالخلافة القديمة
-
دستور آل سعود المطبق عمليا على بلاد نجد والحجاز
-
رسالة الي المصريين
-
الوصايا العشر للسلطة الفاسدة
-
حديث الذكريات المبكر
-
إحذروا هؤلاء
-
الوكر
-
وسقطت الابوه السياسية
-
عندما يصاب المفتي بالهلع
-
جلد الحية... وقبل ان يرحل الدكتاتور
-
تونس وخرائط النوايا والاولويات
-
الفتنة الطائفية صناعة محلية
-
علي ماذا اقسم البشير؟
-
العمرانية ونهاية عصر الشهداء
-
كيف نفهم الجرائم الاصولية الاخيرة
-
اغلاق مؤقت باذن الله وباذن السلطة
-
تحالف الاصولية الاسلامية مع الصهيونية اليهودية
-
السلف وسذاجة الفكر
-
قمة فضح العرب
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|