حسام هاب
الحوار المتمدن-العدد: 3414 - 2011 / 7 / 2 - 18:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تناميا ملحوظا لأشكال و صيغ الاحتجاج ، ففي أكثر من مناسبة و بدرجة تصاعدية و بوتيرة متسارعة لاحت حركات احتجاجية مختلفة النوع و الدرجة و المطالب و هي تمارس فعلها و سلوكها الاحتجاجي ، الشيء الذي جعل العديد من المتتبعين السياسيين و الحقوقيين يطلقون على هذه الموجة الاحتجاجية المتنامية ، بربيع الاحتجاجات بالمغرب خاصة بعد حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 .
فالحركات الاحتجاجية باتت واقعا متجذرا في المجتمع المغربي ، لأسباب تاريخية كثيرة و مركبة تمتح من مجموع التمردات و الانتفاضات و المظاهرات ذات البعد الجماهيري التعبوي ، التي عرفها المغرب منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى الآن أي منذ انتفاضة الدباغين بفاس سنة 1873 ، مرورا بحركة الجيلالي الزرهوني بوحمارة سنة 1902 ، و انتفاضة الاسكافيين بمراكش سنة 1904 ، و انتفاضة الدار البيضاء 1952 ، وصولا إلى الانتفاضات التي عرفها مغرب الاستقلال و خاصة تمرد عدي أوبيهي سنة 1957 ، و انتفاضة الريف 1958 ، و انتفاضة 23 مارس 1965 ، و انتفاضة 20 يونيو 1981 ، و انتفاضة يناير 1984 ، و انتفاضة 14 دجنبر 1990 ، إضافة إلى باقي المظاهر الاحتجاجية الأخرى التي عرفتها العديد من المدن ، خاصة ابتداء من سنة 1990 حيث سيتأكد الملمح الشبابي للفعل الاحتجاجي بالمغرب ارتباطا بملحاحية المسألة الاجتماعية ، و اتصالا بالتشغيل و إعادة إدماج هوامش المدن .
لقد تغير مفهوم الاحتجاج في المغرب ، مع ما يرافق هذا المفهوم من تمثلات و ممارسات من صيغة الإضراب ، إلى ظاهرة استغلال الفضاء العمومي عبر تجريب عدد من الأشكال الاحتجاجية ، كالوقفات و المسيرات و الاعتصامات و الإضراب عن الطعام ، متجاوزا بذلك و بشكل نسبي بعض إمكانات صناعة العنف و العنف المضاد التي كانت تبصم اشتغاله و ديناميته في أوقات فائتة . هذا التنامي الملحوظ الذي عرفه الفعل الاحتجاجي بالمغرب من جهة و التطور الممارساتي الذي عرفته أشكاله و صيغه من جهة ثانية ، فضلا عن تنوع جذوره و مساراته ، كلها مبررات موضوعية لا ذرائعية ، توجب ضرورة مقاربة موضوع الحركات الاحتجاجية بالمغرب و الظاهرة الاحتجاجية عامة و مسار حركة 20 فبراير بصفة خاصة كحركة احتجاجية ، شبابية ، مطلبية جديدة ، و ذلك من أجل تعميق النقاش حولها و النظر في شروط إنتاج و إعادة إنتاج السلوك الاحتجاجي التي تعتبر حركة 20 فبراير إفرازا واقعيا له ، مع ما يعنيه ذلك من انفتاح على الآليات الجديدة لاشتغال النسق الاحتجاجي بالمغرب ، و معرفة مسار حركة احتجاجية جديدة ، أثبتت الحضور البنيوي للفعل الاحتجاجي في الوعي الجمعي للمغاربة و تجذره في النسق الاجتماعي المغربي .
تثير حركة 20 فبراير أسئلة سياسية و سوسيولوجية لا حد لها ، فهذه الحركة التي ولدت من ربيع الديمقراطية العربي الذي انطلق من تونس و شمل العديد من الدول العربية ، تعطي نموذجا واضحا عن الحركة الاحتجاجية المغربية في المقام الأول ، باعتبارها منتوجا سوسيولوجيا منغرسا في النسيج الاجتماعي و الثقافي السياسي المغربي . لقد كانت الانتفاضات العربية بما حملته من طقوس احتجاجية و ثورية جديدة هدفها تغيير الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للجماهير العربية المقموعة منذ سنوات ، هي العامل المركزي الذي خلخل الصيرورة التاريخية و السوسيولوجية للمجتمع المغربي الراكدة منذ سنوات خلت ، حيث تحول الربيع العربي إلى ثقافة سياسية متنقلة ، سرعان ما وصلت إلى المغرب بفعل تكنولوجيا الاتصالات المتطورة حاملة معها شعارات الثورة و المطالبة بالتغيير . و هكذا فقد ساهمت موجة الدمقرطة في العالم العربي في انبثاق حركة 20 فبراير من طرف شباب مغاربة، أطلقوا دعوات للاحتجاج و التظاهر ضد كل الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية المتردية ، في فضاء القارة الفايسبوكية انطلاقا من أرضية تأسيسية مطلبية تضم 20 مطلبا أساسيا ، اتفقت عليها كل مكونات الحركة بمختلف توجهاتها السياسية و الايديولوجية ، سقفها السياسي هو الانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية حيث الملك يسود و لا يحكم و كل السلطة و السيادة للشعب .
أصبحت الحركة مطلبا منغرسا في قلب النسيج الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي المغربي ، حيث انضمت إليها فئات واسعة غاضبة على الأوضاع الراهنة ، فقد استطاعت حركة 20 فبراير أن تجمع بين مصالح و تطلعات فئات اجتماعية متباينة سوسيو اقتصاديا ، و متباينة الخلفيات الثقافية و الايديولوجية، و تقنعها بضرورة الانخراط في هذا النسيج الاحتجاجي الطامح إلى التغيير الأفضل ، و لذا فالكل شاهد الحركة الاسلامية بجوار الحركة اليسارية و الأمازيغة و المستقلين أيضا . و شارك في كل الوقفات و المسيرات الفقراء و العاطلين الرافعين لشعار العدالة الاجتماعية ، جنبا إلى جنب مع نخبة مدنية علمانية رافعة لشعار الحريات الفردية و المساواة بين الجنسين و المطالبة بدستور ديمقراطي مدني ، إضافة إلى رجال الأعمال المشتكين من فساد الحقل الاقتصادي و ممارساته الزبونية . لذا فبناءا على هذا المشهد السوسيولوجي المتعدد ، تبرز قوة و فرادة حركة 20 فبراير على مستوى تباين توجهات مكوناتها و مطالبها الجوهرية و الثانوية ، و الأسباب الذاتية و الموضوعية التي دفعت فئات واسعة من المجتمع المغربي لقبول نداء الاحتجاج و الخروج للشارع .
ساهم تجذر الفعل الاحتجاجي في بنية المجتمع المغربي ، في إفراز هذه الحركية الاحتجاجية الجديدة و السلمية . فقد استحضر شباب حركة 20 فبراير كل ثقافة الاحتجاج المغربية في الماضي ، و استفادوا من دروسها التنظيمية و الآليات الاحتجاجية لتصريف مواقفها و مطالبها ، و ابتكروا أساليب جديدة للتظاهر اعتمادا على تكنولوجيا الاتصالات التي تسهل عملية تبليغ المعلومات ، و تسويقها خاصة في المواقع الاجتماعية . كان لتراكم تجارب الحركة الاحتجاجية بالمغرب دورا مهما في بروز فكرة 20 فبراير الاحتجاجية ، التي اعتبرت أن كل الحركات الاحتجاجية السابقة في تاريخ المغرب بلغت بؤرة فعاليتها ، لذا فهذه المعطيات الدقيقة للبعد السوسيوسياسي الذي ساهم في بروز حركة 20 فبراير ، تحيلنا على ثقافة متميزة للاحتجاج لدى الشباب المغربي الذي ألهبته شعارات ربيع الديمقراطية العربي و خصوصيات الفعل الاحتجاجي المغربي ، و من الأكيد أنه في ضوء صيرورة التطور التاريخي للحركة الاحتجاجية المغربية ، " فالاحتجاج يتحول عبر عمليات الانتاج و إعادة الانتاج إلى نمط ثقافي يؤسس لذاته و موضوع في سياق التبادلات الرمزية التي يحفل بها الحقل المجتمعي " ، كما يقول الباحث السوسيولوجي الأستاذ عبد الرحيم العطري .
انبثقت حركة 20 فبراير في ظل حقل سياسي مغربي ، يتسم بالبؤس و ضعف الفاعلين السياسيين الذين يتحملون مسؤوليتهم في عرقلة التغيير و تعطيله نظرا لتبعيتهم لأجندة الدولة . فهذه الأخيرة إلى حدود الآن أي بعد 12 سنة من حكم الملك محمد السادس ، اشتغلت في علاقتها بالحقل السياسي بنفس منطق الإصلاح الذي اشتغلت من خلاله في فترات سابقة ، فالاصلاح بالنسبة للبنية المخزنية هو المخرج الوحيد خلال لحظات الاحتقان و التوتر ، و هذا ما عرفته علاقة الدولة بمفهوم الاصلاح خلال فترات تاريخية سابقة . لذا تفاعلت حركة 20 فبراير مع هذا الواقع السياسي ، لإعادة ترتيب الحقل السياسي المغربي الذي لم يقدر على بلورة سياسية تحديثية للمجتمع و الدولة . فالحركة حاولت أن تؤسس لمفهوم حداثي للدولة ، من خلال مطالبتها بمراجعة علاقتها بالمجتمع ، و استنكار آليات الانتقال الديمقراطي التي باتت شعارا فارغا من أي محتوى سياسي ملموس أو موضوعي .
لقد كان مطلب الملكية البرلمانية هو أولى مطالب الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير ، فهذه الأخيرة أبانت من خلال تركيزها على هذا المطلب السياسي سواء في مسيراتها و شعاراتها و خطابها السياسي الموجه للمواطن المغربي ، أن الملكية في المغرب في حاجة إلى مشروعية سياسية جديدة ، فالشرعية التاريخية و الدينية لم تعد لوحدها كافية لردم الفراغات بين المؤسسة الملكية و المجتمع المغربي . فالحركة اقتنعت بأن التغيير في ظل ملكية تنفيذية تتحكم في كل السلطات ، من شأنه أن يعيد إنتاج نفس الوضع السياسي المرفوض ، لأنها تريد التأسيس لثقافة سوسيوسياسية حداثية جديدة مع المؤسسة الملكية ، من خلال مطالبتها بمراجعة الفلسفة السياسية و الاجتماعية و التنموية للنظام السياسي، فالمتتبع لشعارات الحركة يلاحظ الربط الجدلي بين التنمية من جهة ، و الحرية و الديمقراطية و الحقوق المدنية و العدالة الاجتماعية من جهة أخرى ، فلا يمكن بناء مفهوم التنمية على مستوى أرض الواقع ، في ظل مجتمع يعاني من التهميش و الفقر و الرشوة و الفساد الإداري و الإفلات من العقاب و المحاسبة و عدم استقلال القضاء و تبعيته للسلطة التنفيذية .
يمكن التأكيد على ضوء الإيحاء السوسيو احتجاجي لحركة 20 فبراير ، أن خروج الشباب المغاربة للتظاهر كان ضد وضع اجتماعي و اقتصادي اعتبروه فاسدا ، و وضع سياسي ضعيف إيديولوجيا و تنظيميا و سوسيوثقافيا فاقدا لمقومات الحياة السياسية بمفهومها الحديث . فلذا طالبت الحركة بإسقاط الحكومة و حل البرلمان بناء على اقتناعها بأن الحكومة ضعيفة و أغلبيتها هشة ، و البرلمان مؤسسة صورية لا تنصت للمجتمع و لا تعبر عن مطامحه و تطلعاته ، ففي ظل وضع سياسي غير ممأسس و فاقد لثقة الشعب ، يمكن القول إن المعارضة السياسية في المغرب توجد في الشارع بمعنى آخر في الحقل الاجتماعي ، و هذا ما مثلته الجماهير الشعبية التي خرجت يوم 20 فبراير و 20 مارس و غيرها من المسيرات التي عرفتها المدن المغربية ، مما يوضح على أن الحقل السياسي المغربي فشل في التجسيد السوسيوسياسي لتطلعات المجتمع المغربي و مطالبه الملحة ، و قد كانت النسبة الكبيرة لمقاطعة المغاربة لصناديق الاقتراع خلال انتخابات 2007 خير تعبير عن هذا الفشل الذريع للفاعلين السياسيين ، مما شكل فراغا سياسيا في الحقل السياسي و الاجتماعي و الثقافي ، و شكل خللا بنيويا لم ينتبه إليه أي أحد إلا بعد 20 فبراير .
أثبتت حركة 20 فبراير أنها قادرة على تجميع التشظي الذي كان يعرفه الحقل الاحتجاجي بالمغرب ، لكنها بقيت في مستوى حركة احتجاجية و لم ترق إلى حركة اقتراحية لذا ظلت شعاراتها فضفاضة و لم تبلور برنامجها السياسي و الاجتماعي الاستشرافي ، و لم تحمل مشروعا للحداثة المغربية قادر على تجاوز حالة التردد التي تعيشها الانتلجنسيا المغربية ، للدخول في مرحلة بناء المشروع الديمقراطي الحداثي الفاعل على جميع الأصعدة .
#حسام_هاب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟