|
حتي لا تتكرر كارثة يوليو
محمد البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 12:32
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لو تتبعنا الاحداث منذ قام عبد الناصر بانقلابه العسكري لوجدنا اصابعه في كل كارثة حلت بالمنطقة في كل وطن في الشرق الاوسط علي انفراد أو جماعيا. ولو اضفنا اقوال اليساريين والقوميين بل والاسلاميين للزم معرفة الاصابع المحركة لبطل القومية العربية وزعيمها حيث وجدت الولايات المتحدة الامريكية ضالتها في شخص الزعيم عبد الناصر. كان الخيار قائما علي معيار واحد نجح فيه نظام يوليو برؤسائه الثلاثة وهو اجابة علي السؤال: ماذا لو احاطت الاحداث بمن يتمني الامريكيين وجوده في السلطة واغلقت دونه المنافذ للافلات من المأزق ولم يعد له من خيار سوي خروجه منها او البقاء فيها وتدمير البلاد. فالخيار الاخير كان دائما هو المفضل لدي من ستمكنه الادارة الامريكية من الحكم والوثوب الي كرسي السلطة ودعمه حتي تفضي به الاحداث الي امرا كان مقضيا.
هكذا بحثوا عن زعيم الامة وبطلها القومي في دهاليز جماعة الاخوان المسلمين حيث كان كثير من ضباط انقلاب يوليو اعضاءا بها يحفظون القرآن ويقولون بما يقوله السلفيون الان. فالجماعة تاسست علي ايدي الاحتلال البريطاني الذي سلم مصر وملفها السياسي الي الامريكيين عند انتهاء الحرب العالمية الثانية. كانت المعادلة بعد ان سكتت المدافع هو مقاومة الشيوعية وهو ما لن تقدر عليه حكومة التاج البريطاني إضافة الي ان الامريكيين قد ظهروا الي الساحة كمحررين مما يعطي انطباعا جيدا وغسلا لمساوئ نظم الاحتلال التقليدية. هكذا مهد البريطانيين الطريق للامريكيين وسلموهم ايضا وسرا جماعة قادرة علي التخريب ما يفوق فعل أي حرب عالمية بالبشر.
تحت الرعاية البريطانية الامريكية وفي مستوصف الولادة الثورية وصل عبد الناصر الي الحكم بصحة وعافية وبفتونة الطفل المعجزة. فبعد ثلاثة اشهر من هدم البيت الداخل بحل الاحزاب وتصفية الجماعة الام التي نشأ وترعرع فيها واصطفته وكالة المخابرات الامريكية وقبل الشروع في بناء وطنه استدار ليبتلع جيرانه باعتباره قائدا لهم رغم انوفهم وعلي استعداد لتوصيل خدمات الهدم اليهم. فخطب في الذكري الثانية للانقلاب وقال: أيها المواطنون : لقد بدأت مصر مع العرب عهداً جديداً.. عهداً قوامه الأخوة، الصداقة الصريحة التى تواجه المشاكل وتفكر فيها وتعمل على حلها. إن هدف حكومة الثورة أن يكون العرب أمة متحدة يتعاون أبناؤها فى الخير المشترك، وهى تؤمن بأن الموقع الذى يحتله العرب بين قارات العالم، وخدماتهم العظيمة للحضارة، ومواردهم الاقتصادية القيمة، واتصالهم بالشرق الإسلامى وبالشرق كله يرشحهم لمكانة كبيرة تتيح لهم التأثير على شئون العالم، وتؤمن الثورة أيضاً بأن مشاكل العرب هى مشاكل المصريين. وإذا كانت مشكلة الاحتلال قد استنفدت إلى الآن الجزء الأكبر من جهد المصريين، فإنها لم تصرفهم أبداً عن المشاركة فى كل جهد عربى يبذل من أجل تحرير العرب. ولا شك أن المستقبل سيشهد صوراً جديدة من تعاون المصريين والبلاد العربية، تؤكد للعالم ميلاد قوة جديدة فى هذه الرقعة الهامة من العالم. ولقد أثبتت رحلات أخى الصاغ صلاح سالم - وزير الإرشاد - لقد أثبتت هذه الرحلات أن ما بين مصر والشعوب العربية أقوى من أن يفسده أو يضعفه سعى الساعين أو تضليل المضللين، وأن الشعوب العربية جمعاء أسرة واحدة متصلة مترابطة متحابة متماسكة كقبضة اليد الواحدة، وأنها تهدف جميعاً إلى الحرية، وإلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإلى صور رفيعة من التقدم. كما تؤمن الثورة بأن عبء الدفاع عن البلاد العربية يقع أول ما يقع على العرب، وهم جديرون بالقيام به، ولا جدال فى أن قدرتهم على أداء هذا الواجب يزداد كلما رفعت العقبات والحواجز التى حالت بين العرب وبين ما يلزم لجيوشهم من الأسلحة والعتاد، وهى حواجز وعقبات غير طبيعية لابد أن تزول عاجلاً. وإن حكومة الثورة لتغتبط أعظم الاغتباط لما تراه من توثيق العلاقات بين العرب وباقى أعضاء الكتلة الآسيوية - الإفريقية، واضطراد نجاح هذه الكتلة وظهور آثارها فى المجال الدولى. ولا يستطيع منصف أن ينكر أن هذه الكتلة عامل كبير من عوامل الاستقرار، وعنصر خطير من عناصر السلام الدولى، فهى كتلة بريئة من الأغراض الاستعمارية؛ لا تهدف إلا إلى تحقيق ما ينص عليه ميثاق هيئة الأمم المتحدة من احترام سيادة الدول، ومنع العدوان والغصب، والإقرار للشعوب بتقرير مصيرها... أنتهي الاقتباس من الخطبة.
لم يذكر الرجل كيف ان مبعوثه صلاح سالم كان السبب الاول والاخير والرئيسي في افساد العلاقة مع السودان والعراق بعد ارساله كموفد شخصي ونائبا للحديث باسم حاكم مصر. استمرأ عبد الناصر التاييد الامريكي وسال لعابه علي ضم دول اليه ولو بالقوة والتهييج الشعبي عبر اذاعة صوت العرب التي انشأها بعد عام واحد من انقلابه العسكري. وفي نفس الوقت لعبت المخابرات الامريكية دورا آخر لاخراج حلف جديد الي النور او علي الاقل عقد اتفاقات بين العراق وتركيا وباكستان مما اثار حفيظة عبد الناصر تخوفا منه لظهور ابطالا منافسين له بعكس ما ارست له السياسة الامريكية من طمأنينة عليه كزعيم لا منازع له. في نوفمبر 1954 طلب عبد الناصر مقابلة مسؤوليين مخابراتيين في السفارة الامريكية ليطمئن علي الوعود التي بدت مهتزه امامه. فاخبراه الموظفين ان كل ما يجري فيما بين سوريا والعراق وتركيا صحيح وان هناك ترتيبات تجري لمساعدة اصدقائهم هناك. صمت البطل القومي العسكري التاهيل والفاشي النزعة وذو الارث الاخواني ثم خاطبهم بصوت منخفض وبتسول مهين فذكرهم انه كان يتوقع من جميع الامريكيين الذين له علاقات معه ومنهم السفير كافري سوي ان الحكومة الامريكية حسب وعودها ستمنحه الفرصة الكافية لانشاء منظمة دفاع اقليمية عربية بدون ان يكون لها ايه علاقة مكشوفة مع امريكا والغرب، وستمارس مكانتها وسلوكها السياسي المناسب ضمن الخطط الغربية في حال ظهور خطر يهدد العرب والغرب معا.
طبعا كان المقصود بالخطر الشيوعية، لكن الزعيم المحدود الثقافة والفكر والاداء المهني ايضا والثري بفاحشة في التآمر والغدر والهدم والاستبداد لم يدرك انه ليس بالعميل الممكن الوثوق به في محاربة عدو حقيقي للراسمالية الامريكية.
بعد ما يزيد قليلا عن ستون عاما ومع تبدل الاحوال من العمل السري الي الشفافية وبدلا من نشر الغسل داخل الغرف المغلقة اصبحت حبال الغسيل علي قارعة اسطح العالم ولم يعد هناك خجلا من غسيل لم يعد نظيفا او ربما لم يتم غسله اطلاقا من ان يقال كل شئ بعلانية. بعد تلك الاعوام الطويلة سقط نظام يوليو واعلن عن وجهه القبيح علي مدي الثلاثون عاما الاخيرة من عمره. سقط النظام لانه لا يصح الا الصحيح، سقط بعلانية وعلي طريقة الشعوب المحترمة التي لم يكن لها ان تحكم باعضاء جماعات سرية ارهابية وبرجال فاسدين وبدكتاتوريات تلعب دور الاراجوز في سياسات الدول الكبري، سقطت بفعل شباب لم يخفوا نواياهم ازاء الفساد والنهب والسرقة.
كانت تلك مقدمة طويلة لخبر جاءت به وكالات الانباء من ان كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية ستواصل الاتصالات بالإخوان.. والجماعة، اي نشر الغسيل مرة اخري وهي الخبيرة به وقالت نرحب بشرط عدم التدخل فى شؤون البلاد. عندها تذكرت المثل المصري القديم الذي اصبح ينطبق ايضا علي الامريكيين لاننا في زمن العولمة السياسية والثقافية. يقول المثل: من فات قديمة تاه.
#محمد_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أضغاث احلام بالخلافة القديمة
-
دستور آل سعود المطبق عمليا على بلاد نجد والحجاز
-
رسالة الي المصريين
-
الوصايا العشر للسلطة الفاسدة
-
حديث الذكريات المبكر
-
إحذروا هؤلاء
-
الوكر
-
وسقطت الابوه السياسية
-
عندما يصاب المفتي بالهلع
-
جلد الحية... وقبل ان يرحل الدكتاتور
-
تونس وخرائط النوايا والاولويات
-
الفتنة الطائفية صناعة محلية
-
علي ماذا اقسم البشير؟
-
العمرانية ونهاية عصر الشهداء
-
كيف نفهم الجرائم الاصولية الاخيرة
-
اغلاق مؤقت باذن الله وباذن السلطة
-
تحالف الاصولية الاسلامية مع الصهيونية اليهودية
-
السلف وسذاجة الفكر
-
قمة فضح العرب
-
ما قد حدث للمصريين
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|