عثمان الماجد
الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 08:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أتراني ظالما لجمعية الوفاق حين أقول إنّ البحرين لم تشهد على مدار تاريخ طويل من نضال شعبها السلمي ومسعاه الإنساني لبلوغ التقدم والازدهار حركة سياسية كذوبة مثل هذه الجمعيّة؟ أو هل أن إطلاق مثل هذا النعت على جمعية الوفاق قد بلغ الغاية من حيث دقة التصوير فلاءمت اللغة الواصفة الموصوف؟ شخصيا أعتقد أن المتتبع لحراك جمعية الوفاق السياسي وأدوار هذه الجمعية الباعثة على القلق منذ ظهورها في المشهد السياسي - بعد السماح بتأسيس الجمعيات السياسية في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد - يتيقن بأنها حركة سياسية مذهبية من الطراز الغارق في الاعتقاد بولاية الفقيه، كسبت «تأييدا» في شارع تعمدت بهويتها الطائفية تضييقه، لتجره إلى اعتناق ما اعتقدته عبر جملة من الأكاذيب التي تعمل بإصرار على ترسيخها لدى كوادرها لتبلغ بها حد اليقين العقدي، الذي لا يجوز للمنتسب إلى الجمعية أو للمتعاطف معها أن ينفيه أو يخرج عنه. وكانت أسطورة «المظلومية التاريخية» بذرة الكذبة الكبرى التي وجدتها الوفاق وعاء حاضنا لخليط من المشاعر، أسستها جماعات الإسلام السياسي قبلها وباتت تنتظر تأطيرا وتوجيها إيديولوجيين، وذهبت «الوفاق» تزرع لها أذرعا في اتجاهات متعددة: في النقابات، وفي جمعيات سياسية صديقة «صديقة لها طبعا»، وفي جمعيات حقوق الإنسان وغيرها، لتعبر بواسطتها الداخل وصولا إلى الخارج، حاملة معها عناوين بارزة مثل: «الأغلبية السكانية» و»حقوق الإنسان» و»حقوق المواطنة» و»الدولة المدنية» و»المملكة الدستورية» وغيرها من العناوين التي نجدها في كليتها تمس بشكل مباشر اتجاهات الرأي العام العالمي والمؤسسات الحقوقية التي تقود هذا الرأي، لتفضي بالتالي إلى الإيهام بمصداقية التوجه الذي تقوده الوفاق، وإلى الحصول على الدعم الكافي الذي شاهدناه وصدمتنا مشاهدته في أحداث البحرين، التي تفجرت بتدبير تيارات متطرفة أسلمت زمام قيادتها في الرابع عشر من فبراير إلى الوفاق.
أنا - بطبيعة الحال - في حل من التأكيد على أن الدعوة إلى الدولة المدنية ليست فكرة وفاقية كما أنها ليست فكرة وليدة للدوار، إنما هي نتاج فكر إنساني علماني لا يمت بذات صلة لا إلى الوفاق ولا إلى كل الجمعيات السياسية، التي تتخذ من الدين أو المذهب غطاء لتحركها السياسي على ساحة الوطن خداعا للبسطاء. إن العلمانية التي أنتجت هذا المفهوم وتأسست في ضوئه دول قضت على كل أشكال التمييز واللامساواة، وباتت شعوبها تعيش رغد العيش ورخائه، هي التسمية الرديفة للكفر والإلحاد في الفكر الذي تمثله جمعية الوفاق، وتسعى إلى جعله سائدا في المجتمع عبر وسائل وصلت حد التخابر مع الأجنبي، لبلوغ هدف غرس مفهوم ولاية الفقيه في المجتمع في نهاية المطاف، وهو ما يعني بشكل مبسط أن الفكر المهندس لوقائع الدوار يخطط لكل الحراك المعاكس لاتجاه المجتمع إلى الحداثة والتقدم، بل ويوغل في الزج بالبحرين في مناحي الخطأ قبل الدوار وفي أثنائه وبعده خدمة لمفهوم عقدي سياسي غاية التطور فيه إسلام الرقاب لحكم ولاية الفقيه.
إن مصطلحي «الدولة المدنية» والمملكة الدستورية اللذين لا تكل جمعية الوفاق ولا تمل من ترديدهما للخارج الأجنبي الذي يجهل الأهداف ولا يعلم الغايات أكثر من الداخل الوطني الذي لا يخفى عليه ما ترمي إليه جمعية الوفاق من «الدولة المدنية» وما تخطط له فيما يتعلق بـ «المملكة الدستورية» في وصلة تمجّها الأسماع لعدم صدقيتها وعدم معقولية حصولها، لأنها جمعية تقف على الطرف النقيض من مفهوم المصطلح، يعنيان - أعني المصطلحين - دولة المؤسسات التي تقوم على فصل الدين عن السياسة، لأن في الديانات مذاهب ومعتقدات واختلافات يصعب على الدولة بمؤسساتها المدنية الاهتمام بها والدخول في متاهاتها لتقف مع دين ضد آخر، أو تجامل مذهبا على حساب مذهب آخر، إذ أن مهمة الدولة المدنية الدستورية هي المحافظة على مصالح كل الناس في المجتمع بصرف النظر عن انتماءاتهم العقائدية، وضمان حريات جميع المواطنين وفق نسق تنظيمي يراعي الحقوق والواجبات باعتبارها أساسا للمواطنة التي ترعاها الديمقراطية.
أعتقد اعتقادا جازما مبنيا على ما بلغته المجتمعات الغربية في سياق تجربتها المريرة أن تطور المجتمعات العربية سوف يكون كفيلا بتغيير كل الأفكار التي تتعارض مع طموح شعوبها وسعيها إلى ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية التي سوف تكون الدولة المدنية التي تفصل الدين عن السياسة هي الحاضنة لها.
ولتعذرني عزيزي القارئ في أن أمزج خاتمة مقالي هذا بتضمينِ لبعض مما سبق لي وأن قلته ذات يوم في حديثي عن الإسلام السياسي في هذه المساحة، ليس ذلك لجفاف قريحة «قلمي الرصاص»، أو لخفوت في لونه وإنما بسبب اقتناعي بـ «أنّ تيارات الإسلام السياسي تنطلق من أيديولوجية تعمل وفق منظور أممي، فما ينطبق على الدول العربية ذات الأنظمة السياسية المختلفة ينطبق أيضا على دول مجلس التعاون. وعلى الرغم من أن الوقت غير مبكر، فإن عملا فوريا في إطاره الديمقراطي لازما ينبغي أن يُتّخذ للحد من نشاطات هذه التيارات المتطرفة دفاعا عن الديمقراطية وحفاظا على الاستقرار التاريخي الذي تنعم به دول مجلس التعاون، وذلك لسببين «أولهما لأن عدوى الممارسات في الدول العربية والإسلامية الأخرى سريعة الانتشار خصوصا مع الثورة التقنية الاتصالية الحديثة، وثانيهما: لأن الثقة بتيارات الإسلام السياسي فيما يتعلق بإيمانها بالديمقراطية وحقوق المواطنة ذات مستوى صفري، أو هي دون الصفر بكثير». ومثلما ترى قارئي العزيز فإن هذه الخلاصة تستمد شرعية حضورها من خشيتي من العمى الإيديولوجي والمذهبي الذي قد يجعل البعض متغافلا عن التجارب التاريخية الحديثة والمعاصرة للدولة الدينية منوالا سياسيا شهدته بعض الدول العربية والإسلامية مثل الدولة العثمانية، وجمهورية ولاية الفقيه في إيران وجمهورية الطالبان في أفغانستان.
#عثمان_الماجد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟