مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1017 - 2004 / 11 / 14 - 07:16
المحور:
حقوق الانسان
في جلسة حوارية , أعدتها لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان , وحضرها لفيف من مهتمي الشأن العام والعاملين فيه , من منطقة الحسكة , المكان الذي عقدت فيه الجلسة , وكان هناك ورقة عمل تتعلق بحقوق الإنسان , وكيفية فهم هذه الحقوق واليات الدفاع عنها , والى ما هنالك من قضايا واليات يتمخض عنها الحوار , وتصب في اتجاه تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في مجتمع غُيب عنه الإنسان , فما بالك بثقافته ؟.
طرحت ورقة العمل كثير من المسائل الحيوية , وزادتها حيوية بعض المسائل التي جاءت مع اطروحات الحضور , وبمجملها نوقشت وتباين حولها الرأي واختلفت المواقف , وهي حالة جد طبيعية , فيما لو تم النظر إليها على أن قبول الاختلاف , هو الخطوة الأولى للخروج من شرنقة تقمص الاستبداد , وبالتالي هو الرافعة المنجية من عقلية الإدانة وتخوين المختلف , عقلية التخوين التي بدت في الكثير من المواقف التي طرحت , على نمط التشكيك حتى في عمليات اعتقال معتقلي الرأي , وإظهار ذلك كأنه اتفاق بين المعتقل والسلطة ؟ ناهيك عن اتهام منظمات حقوق الإنسان , بأنها تتمول من منظمات دولية , حتى وان كانت تابعة للأمم المتحدة , لكنها – وفق وجهة النظر إياها - تبقى أداة أمريكية , وفي المحصلة صهيونية , معادية ... إلى أخر قاموس الشتم العقائدي الدارج منذ بذرة تضخيم الذات الأولى .
وما قيل في الأمسية , هو جزء مما يدور من نقاشات في المجتمع السوري , بين كافة فعالياته وتعبيراته , وجزء من البحث عن أسئلة الواقع المعاصر , وهي الأسئلة التي كانت تمتلك أجوبة الصمود والتصدي فيما مضى , لكنها الآن باتت بحاجة , إما إلى أجوبة جديدة تتوافق مع المعطيات الراهنة , أو الهروب إلى الأمام وإعادة عزف , النشازات القومجية المفصولة عن الواقع , والبعيدة عن الإنسان السوري فكرا وهموما وطموحا .
أن ما يدور من أحاديث حول مسائل متعددة , يطرحها الواقع المتحرك , يعود جزء منها , وقد يكون الأساسي , إلى المرحلة المديدة التي أقصي فيها المجتمع , ومنع عنه التفكير , وبالتالي غابت ثقافة الحوار وانتفت إمكانيات التثاقف والمثاقفة مع الداخل والخارج , وليس خافيا , انه بعد سقوط الحدود وتغير مفهوم السيادة واجتياح الفضاء , وباتت المعلومة ملك كوني , سقطت أيضا آليات احتكار الفكر والمعلومات والحقائق , وهذا أوجد معطيات متجددة , تتطلب حوارا , وتستدعي مواقف سياسية , من قوى خارجة من مسار مظلم أرهق فكرها , ونزع عنها إمكانياتها المجتمعية , وبالتالي فما نلمسه خلال أمسيات حوارية كهذه , من مواقف غير منسجمة مع الحدث , وغير متوافقة مع منطق الحياة , يتعلق بالجذر الفقهي الذي لا زال غير مدرك حجم التغير الحاصل , ناهيك عن القادم .
معاناة بعض القوى التي هي جزء " من الطيف المعارض " ليس فقط عدم امتلاك برنامج واضح وشفاف للإصلاح السياسي أو الاقتصادي , وهو برنامج غير ملموس , لا من قبل السلطة , ولا من قبل المعارضة , ناهيك عن آليات التعامل مع جملة المصالح الإقليمية والدولية الناظمة للمرحلة السياسية المعاصرة , أي القراءات السياسية لمجمل المعطيات المطروحة , الخاصة بواقعنا , والمعني بها وطننا ومجتمعنا السوري , كالقرار 1559 وملحقاته , والية التعامل معه , خطابا سياسيا وواقعا ميدانيا , من حيث أن اغلب القراءات السياسية تأخذ العامل الخارجي وتعمل على تهويله أو تقزيمه , وتتناسى اغلب هذه القراءات الرسمية منها أو الدائرة في الفلك الرسمي سورية ولبنانية , ما هي موجبات وحواضن مثل هكذا قرارات دولية , إذ يتم تناسي السبب والتركيز فقط , على انه قرار أمريكي , تأمري , حتى أن البعض من العروبين يصل به الأمر إلى وصف مجلس الأمن بالتافه ( فاروق الشرع ) أو انه مجلس أمريكي وأداة صهيونية ( مثلما حدث في الأمسية إياها ) والى ما هنالك من نعوت يحفل بها القاموس القبلي , والشق الثاني يختص به بعض الطيف المعارض في سوريا , والذي يجاري خطاب السلطة , ويتجاوزه في الشعار المشبع بالتكبير وانتفاخ ورم الماضي الجميل , حتى انه يمكن للمتابع البحث عن حجم هذه الشعارات وكبر أهدافها , المتجاوزة للفضاء الإنسي الذي نعيشه , لدرجة انه تم تسجيلها في موسوعة غينيس باسم المشروعية الثوروية .
اعتقد بان الهدف واحد في الحالتين , التسويغ للراهن , والهروب من مواجهة الواقع , لإصلاح ما أفسدته الرؤى الشمولية , وعقلية القبيلة , حيث يتم مرة أخرى إعادة إنتاج خطاب المبارزة , وهو تخوين وإدانة الشرعية الدولية , والتشكيك في مصداقية المنظمة الدولية , وهي ذات المنظمة , التي يستند عليها ذات الخطاب العروبوي في مجمل مطالبه , المتعلقة بفلسطين وبقضية الصراع العربي الإسرائيلي , وكذا قضية الأراضي العربية المحتلة , وإذا كانت قراءة السلطة المتنوعة والمتعددة المكاييل لها ما يبررها , بحكم الفكر الأحادي المحرك لسياستها , وبحكم أيضا المصالح المتشعبة لمراكز القوى فيها , لكن الانسجام مع هذه القراءة من لدن بعض المعارضة , لا مسوغ له , سوى انه يشكل نسبيا مسار اتساقي مع القراءة السلطوية , سواء بسبب وجود المعتقد القوموي ذاته , أو لعدم امتلاك القدرة على نشر قراءة علمانية جديدة , وبالتالي الفشل في الطرح الشفاف لرأي أو موقف سياسي , أن كان ذلك بسبب حاجز الخوف والقمع , أو بسبب الثقافة البدائية التي تستند إليها مفردات التخوين والادانه , وفي كل الأحوال فالقراءة هنا تسعى إلى تسويف الموقف الديمقراطي الذي يمر بمخاضات متنوعة ,عبر العزف على وتر المبُجلين والمنتفخين في جوقة المصالح الآنية .
من ناحية ثانية , أن توصيف مجلس الأمن , بأنه أمريكي وأداة صهيونية , ينسف مصداقية هذه الهيئة في قراراتها المتخذة دفاعا عن القضايا العربية , ويعطي مسوغ وشرعية لإسرائيل في عدم احترامها للقرارات الدولية الصادرة في صالح قضايانا .
فإذا كنا نستند في خطابنا السياسي إلى القرارات التي تصب في صالح القضية العربية , بل ونستند إليها في كل مطالبتنا بأراضينا المحتلة بغية تطبيقها , فلا مسوغ لنا برفض ما ليس في صالحنا , أو يأتي بالضد من مصالحنا , والانكى أننا نتناسى بان مجلس الأمن هو نتاج توافق دولي , جاء عبر صيرورة تاريخية كلفت البشرية آلاف الضحايا والخسائر المادية , وبالتالي فهو يمثل آليات دستورية , اتفقت عليها كل الدول الأعضاء , وباتت أغلبية الشعوب المقهورة في ظل نظام القطب الواحد , تعول على دورها , وعلى الترحيب بإنجازها للكثير من المهام السياسية والاجتماعية والإنسانية في العالم , إضافة إلى نشاطاتها المتنوعة بتعدد وتنوع الهيئات والمنظمات المنبثقة عنها .
ويبدوا أن أصحاب هذه الأقوال والمواقف , لا يدركون بان أمريكا هي التي اضطرت مرارا , إلى استخدام حق الفيتو , لإيقاف الكثير من القرارات الدولية , التي لا تتوافق مع مصلحتها , أو تضر بمصلحة ربيبتها إسرائيل , والاستخدام الأمريكي لحق النقض , معيار واضح حول منحى أو الجهة التي يطالها القرار الدولي , أو الجهة المتضررة أكثر من وجود هذه المنظمة .
أن مجلس الأمن , هو مجلس يمثل شرعية دولية لها قانونها الخاص المتوافق عليه , بمعنى انه ليس بالضرورة أن تصدر كل قراراتها متوافقة معنا من حيث المصلحة , وبالتالي نحن كشعوب عالم ثالثية من مصلحتنا ترسيخ هذه الشرعية , والاستجابة إلى قراراتها , والتناغم معها , وتطبيقها , لأننا أصحاب مصلحة في وجود مجلس الأمن , وفي وجود قرار دولي قد لا يستطيع إيقاف عقلية القطب الواحد , ولكنه يساهم بالتأكيد في الردع النسبي لهذه القوة , إما ما يتعلق بمنظمات حقوق الإنسان , وهي حقوق عالمية أيضا , ومسالة التمويل التي أثيرت في الأمسية أيضا , على أرضية أن كل منظمات حقوق الإنسان الدولية , هي " عميلة " ومن يتعاون معها , " عميل " أيضا , فاعتقد بأنها قضية نقاشية في أكثر من بلد ودولة , وأخمن بان هذه القضية لم تأخذ حقها في الحوار , وبالتالي حتى نستطيع أن نحكم على هذه المسالة رفضا أو قبولا , علينا قبلها أن نمتلك ثقافة حقوق الإنسان , بحكم أن الرؤية الإنسانية , لإنسانية الإنسان وعالمية هذه الحقوق التي تحميها عهود دولية عديدة , لا زالت في مجتمعاتنا لم ترتقي إلى الدرجة الاحترامية البدائية , والحال هذه , الموجودة في الأطر التي تنضوي تحت يافطة المعارضة , فما بالك بالوعي الشعبي , الغريزي , المشبع بأوهام قوموية عنينه ومتخلفة , بمعنى لا اعتقد بان من لا يمتلك ثقافة احترام الأخر , ولا يفهم حقه , وحق الأخر , وغير معني حتى بالعمل على التراكم المعرفي لهذه الثقافة , ثقافة حقوق الإنسان , فهو سيكون حكما غير معني بالإنسان خارج عقيدته وطائفته .
أننا عندما نحشو خطابنا بمفردات " تافه " عميل " أداة تخريب " في وصف قرارات مجلس الأمن , أو وسم منظمات حقوقية وإنسانية , فنحن نسعى إلى إيجاد بديل يستجيب لرغباتنا ومصالحنا المرفوضة في إجماع دولي , عن طريق العيش في الوهم والانحسار , والسعي هنا وان كان من موقع الضعف , ولكنه ينسجم من حيث الهدف مع التجاوز الأمريكي لمجلس الأمن , وان كان من موقع القوة , وفي تجاوز الضعف وتجاوز القوة , يتماثل الهدف وتتطابق الرؤية الضيقة لوظيفة مجلس الأمن ودوره في تثبيت السلم الدولي , ووظيفة منظمات حقوق الإنسان ودورها في نشر ثقافة التسامح والتوافق واحترام الإنسان أينما كان ومن أي جنسية يكون .
القامشلي 8/11/2004
كاتب كوردي , ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟