أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - التسامح والرمز















المزيد.....

التسامح والرمز


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 17:08
المحور: حقوق الانسان
    


جرت العادة أن تمنح جائزة التسامح سنوياً لشخصية بارزة، اكتسبت تجربة وأثبتت جدارة واختزنت معرفة واتسمت بالتسامح فكراً ومنهجاً وسلوكاً، لكنها هذا العام مُنحت إلى شابين في مقتبل العمر: تسلّمتْ الجائزة الأولى شابة مصرية عاملة في جريدة “الأهرام”، وحاز على الجائزة الثانية شاب تونسي جامعي، ولم يكن منحهما اعتباطياً وبصفتهما الشخصية حسب، بل مع اعتبارهما من الشباب الذين أصرّوا على المنازلة بصدور عارية في شارع الحبيب بورقيبة في تونس وفي ميدان التحرير في القاهرة، إذاً الجائزة استحقها هذا العام شباب حالم، بمجتمع ينعم بالحرية والكرامة ويضع حداً لأنظمة الاستبداد والفساد .

في السنوات السابقة تسلّم جائزة التسامح شخصيات عربية مرموقة بينهم رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص، لكن الشبكة العربية للتسامح هذا العام خرجت عن هذا التقليد لتكرّم من الشباب العربي، لما في ذلك من رمزية ومعنوية لها ما يبررها وما يزكّيها، فجائزة التسامح هذا العام لها طعم خاص ومذاق جديد، فقد شهد الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه نهوضاً شعبياً كان الشباب عقله المفكر والمدبر، المخطط والمنفذ، مشمّراً عن سواعده وطاقاته، ليبدع ملامح متميزة وريادية على صعيد تاريخنا المعاصر، وقد فاجأ الشباب العالم أجمع بالمستوى الحضاري، المدني، السلمي، الراقي، ولاسيما حين أجبر حاكمين من عتاة حكامنا في تونس ومصر على مغادرة السلطة، عن طريق المقاومة المدنية، اللاعنفية، خصوصاً بعد ما انتقل الخوف من المحكوم إلى الحاكم، وكان مثل هذا التوقيت اختياراً لا عودة عنه للحظة الثورية التي تم اقتناصها ببراعة منقطعة النظير .

لقد اكتشف الشباب واكتشفنا معه، الطاقات الخلاقة، اللامحدودة، الكامنة، التي يملكها، حين جابه ترسانات من السلاح والمخبرين، وعمليات الخداع والغدر، خصوصاً بعد إحراق الشاب بوعزيزي من قرية سيدي بو زيد نفسه، انتفاضاً لكرامته ودفاعاً عن حقه وحريته في حياة حّرة كريمة، فلم يعد يقف بوجهه شيء، خصوصاً عندما انسجمت حركته مع حركة التطور التاريخي وبتراكم وتطور تدريجي طويل الأمد، لتصل إلى لحظة الانفجار التاريخي، عندها ألقى البركان الشعبي حممه بوجه من حاول أن يصادر أحلام الشباب وكرامته وحريته .

وعندما فاض الكأس وخرج الشباب مائزاً رائزاً، متطلعاً إلى مستقبل حر، وهو يطفح بالبشارة والأناقة، ويتواصل بأحدث وسائل الاتصال الحديثة، من الإنترنت إلى الفيسبوك إلى التويتر، إلى الهاتف النقال، عندها أدرك بعض جماعات الحكم والمدلسين والمترددين في السرّ والعلن أن لحظة الحسم اقتربت، فانحاز بعضهم إلى معسكر الشباب، واضطر الحاكم في محاولة منه إلى التكيف برمي جزء من متاع طريقه إلى سلة المهملات، مقدّماً التنازل تلو التنازل، لكن الشباب لم يعد يرضى بغير “الشعب يريد إسقاط النظام” .

هكذا كان الخيار السلمي أقوى من مدفعية الميدان، وكان شعار الحرية والكرامة أكثر وقعاً من كل الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة، من أجهزة النظام وبلطجيته، وعندما أصر الشباب على فرض إرادته وأخذت تنكشف الكثير من عورات النظام ويفقد أوراقه، بدأت آلياته بالتعطل، بل أصيب بعضها بالشلل وفقد قدرته على القمع، وكان العدّ التنازلي إيذاناً، بالتحلل تدريجياً إلى أن انهار واستسلم، حتى بدون الضربة القاضية سواءً في تونس أو في مصر، وهكذا كان يخيّل للأغلب الأعم أن الأنظمة التي كانت تبدو حتى وقت قريب منيعة ومحصنة وكأنها قلاع لا يمكن اقتحامها، وإذا بها تتهاوى سريعاً فقد كان خريفها قد أزف وحل ربيع الشباب .

لقد كان تكريم الشباب، بمنزلة تكريم للمستقبل، ولا مستقبل لحركة أو شعب من دون دور ريادي للشباب، الذي علينا الإصغاء له، والتعلم منه، فهو من يستطيع المواءمة بين الحكمة والتجربة والحاضر والمستقبل، بين الوطنية والمواطنة، وبين الحرية والمسؤولية .

والجدير بالذكر أن حفل التكريم لم يكن للشباب حسب، بل كان لثقافة السلام واللاعنف، التي تتسم بالتسامح وقبول حق الاختلاف والاعتراف بالآخر وإقرار التعددية والتنوع الثقافي الديني والإثني والقومي والسلالي واللغوي .

إن فرضيات التسامح تعني الإقرار بنسبية المعرفة والإقرار بفكرة الخطأ والصواب، وهو المبدأ الذي أخذ به سقراط وطوره فولتير . وهذه الفرضية تقودنا إلى عدم إدعاء امتلاك الحقيقة كفكرة جوهرية للتسامح، أي فكرة عدم العصمة عن الخطأ، بما فيهم للعلماء والمفكرين، وهذا يعني الإقرار بإمكانية الخطأ والاعتراف به عند تقويمه وصولاً إلى محطة التسامح .

والتسامح كفرضية يتطلب معرفة الآخر والانفتاح عليه والاتصال به وحرية التعامل والتعايش معه، وهذا يعني التمسك بالحقوق ومبادئ العدالة وليس العكس . ويفترض التسامح الإقرار بالاختلاف بين البشر بطباعهم ومظاهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهذا يقتضي قبول الحق في العيش بسلام معهم .

ويفترض التسامح اتخاذ موقف إيجابي من حقوق الآخرين، خصوصاً التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهذا لا يعني التنازل على حساب حقوقنا أو المساومة عليها (جماعياً أو فردياً) بل هو اعتراف بحق “الآخر” على قدم المساواة بين البشر وحقوقهم . والتسامح على مستوى الدولة يعني العدل وعدم التمييز في التشريع وفي إنفاذ القانون والإجراءات القضائية والإدارية وإتاحة الفرص للجميع من دون تهميش أو تغييب .

وتبقى فرضية مهمة وهي تتعلق بكون التسامح ضرورياً على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع، وإن الأفراد متساوون في الكرامة والحقوق وعليهم أن يساعدوا بعضهم بعضاً من خلال التعايش والاعتراف بحق الاختلاف والمساواة .

ولعل ذلك يتطلب وسائل ناجعة للوقوف بوجه اللاتسامح . ويعتمد ذلك على تنشئة الجيل الجديد من خلال التعليم بمراحله المختلفة، فالمدرسة والتربية من الطفولة يمكن أن تسهم في خلق بيئة مستعدة لقبول التسامح والاختلاف، ويمكن للجامع والكنيسة والمؤسسات الدينية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني أن تسهم في إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووضع مستلزمات التطور طويل الأمد وبعيد المدى للإقرار بالتسامح .

إن مبادئ التسامح تتخذ منابع متعددة دينية وسياسية وقانونية وعرقية وأخلاقية واجتماعية وفكرية وفلسفية، وهو ما ينبغي لجيل الشباب استلهامه، لبناء دولة مدنية عصرية حديثة تقوم على المساواة التامة والمواطنة الكاملة، وفي ذلك يمكن مواجهة عقبات اللاتسامح التي تتخذ أحياناً شكل حروب أو عدوان أو أعمال إبادة أو انتقام أو تحريم آراء أو تجريم وجهات نظر أو تكفير فكر، ولعل ذلك ما قررته منظمة اليونسكو حين قررت اعتبار يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني اليوم العالمي للتسامح، الأمر الذي يعطي للفكرة رمزيتها، مثلما يعطي للرمز دلالاته .
*باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تتقطّع خيوط واشنطن في بغداد؟ التعويضات ومعسكر أشرف
- ثلاثة ألغام أمريكية جديدة في العراق
- عبد الكريم الأزري: المشكلة والاستعصاء في التاريخ العراقي
- السلام يُصنع في العقول
- كوبا الحلم الغامض- كتاب جديد
- فقه التجديد والاجتهاد في النص الديني
- الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر
- قانون التغيير وتغيير القانون
- في العقول يبنى السلام وفي العقول يتم القضاء على العنف
- فصل جديد من الدبلوماسية الأمريكية
- سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب
- إمبابة وأخواتها
- التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
- لغز الانسحاب الأميركي من العراق!
- التعذيب والحوار العربي - الأوروبي
- تحية لمظفر النواب: شاعر التجديد والتمرد والإبداع
- مَنْ يعوّض مَنْ؟
- الساسة العراقيون يتصرفون وكأنهم لا يزالون في المعارضة
- أيهدم بيت الشعر في العراق!
- بعد 50 عاماً على اعلان تصفية الكولونيالية


المزيد.....




- ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ ...
- أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال ...
- الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق ...
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال ...
- البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن ...
- اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
- البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا ...
- جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س ...
- حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - التسامح والرمز