|
إلى متى يتواصل تجريب المجرَّب؟؟!!
علي جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 10:41
المحور:
القضية الفلسطينية
بعد ربع قرن ويزيد على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد عقدين ويزيد على تأسيس فصائلها وقيادتها للشأن الفلسطيني، اندلعت الانتفاضة الشعبية عام 1987، التي أفضت، (فيما أفضت)، إلى توسع كمي ونوعي في أشكال التنظيم الشعبي، السياسي منه والجماهيري، وكان تأسيس حركتي "حماس" و"الجهاد" التطور الأبرز في هذا التوسع، ما كان يفرض انخراط هذين التنظيمين في إطار منظمة التحرير، بوصفها الإطار الوطني الجامع لمكونات الشعب الفلسطيني الذي يعيش مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، ويناضل من أجل استعادة حقوقه الوطنية والتاريخية المغتصبة، وتلك حقيقة موضوعية تفرض، (بعيداً عن أي جنوح ذاتي)، توحيد الجهود والمقدرات ورصها في مواجهة الاحتلال الجاثم على صدر الوطن والشعب، وهو ما لا يحققه إلا بناء مؤسسة فلسطينية وطنية موحَّدة جامعة، تأتلف فيها كافة التعبيرات الفكرية والسياسية والمجتمعية، عبر الاتفاق على برنامج الحد الوطني الأدنى المشترك، الذي قاد غياب الاتفاق عليه، (وعلى شقه السياسي تحديداً)، بين قيادة منظمة التحرير وقيادتي "حماس" و"الجهاد" منذ تأسيسهما، إلى نشوء وتفاقم الانقسام الداخلي الأخطر على النضال الوطني الفلسطيني المعاصر، كونه لم يقتصر في سببه على الخلاف السياسي القائم فعلاً فقط، بل تجاوزه إلى السبب "السلطوي" أيضاً، وبدقة، لأنه جرى الخلط المتعمد المتبادل، (علنا حينا ومواربة في أغلب الأحيان)، بين هذا وذاك من الأسباب، ما أفضى إلى عدم وضع حدٍ ناجع لهذا الانقسام، الذي ظل يتفاعل كآلية جهنمية فتاكة، ولم تقوَ على درء مخاطره الحلول الترقيعية، التي مرت في المحطات الأساسية التالية: المحطة الأولى: محطة المعالجة بالتنسيق مع احتكاكات متقطعة بين "حصانين" سياسيين "يجران" عربة الانتفاضة الشعبية الأولى، (1987-1993)، وذلك عبر الاتفاق على جدول فعالياتها في بيانين منفصلين، أحدهما تصدره "القيادة الوطنية الموحدة"، ذراع منظمة التحرير الفلسطينية في الوطن المحتل، وآخر تصدره "حماس"، فيما دأبت "الجهاد" على إصدار بياناتها الخاصة بها أيضاً. المحطة الثانية: محطة المعالجة بضبط الاحتكاكات التي كانت تتفجر تارة وتخبو تارة أخرى، وذلك منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000. المحطة الثالثة: محطة المعالجة بالتوحد الميداني عبر الانخراط المشترك في فعاليات "انتفاضة الأقصى"، إنما من دون الاتفاق على الشعارات وبرنامج الحد الأدنى السياسي لها، ما أفضى إلى مواصلة تغذيتها ببرامج سياسية متوازية. المحطة الرابعة: محطة المعالجة بالتوافق على "التهدئة" مع الاحتلال وإجراء الانتخابات التشريعية لمؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية في إعلان القاهرة عام 2005، إنما من دون الاتفاق على البرنامج السياسي، ما قاد إلى انفجار هذا التوافق، حيث تطورت الاحتكاكات المضبوطة إلى حالة من الاحتراب الدموي، الذي أفضى إلى طامة الحسم السياسي بوسائل عسكرية للسلطة في غزة في حزيران 2007، وبالتالي، إلى قيادة الشأن الفلسطيني، خارجيا وداخليا، بـ"حصانين" سياسيين، وتلقائيا، وبصرف النظر عن النوايا، إلى توفير تربة خصبة للاستثمار الخارجي من كل طراز، خاصة وأن الإستراتيجية الإسرائيلية لم تقم على استثمار القائم من التصدعات الفلسطينية الداخلية وتسعيرها فقط، بل، وعلى المبادرة والتخطيط الواعي والمدروس لخلق هذه التصدعات. المحطة الخامسة: محطة المعالجة باتفاق المصالحة المبدئي بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة منذ شهر ونصف الشهر، الذي نص على إدارة الشأن الفلسطيني بالتوافق، مع إرجاء متفق عليه للاتفاق على الأساس السياسي، ما جعل أمر ضمان نجاعة معالجته للقضايا الوطنية الشائكة، داخلياً وخارجياً، أمراً مشكوكاً فيه، ولو حتى لفترة انتقالية لمدة عام، تمهد لإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة للمؤسسات الوطنية العامة، سواء لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية أو لمؤسسات السلطة الفلسطينية، ولعل في الخلاف الدائر على تشكيل حكومة انتقالية للسلطة، وعلى اختيار رئيسها تحديداً، برهان دامغ على عجز صيغة التوافق عن تلبية الحد الأدنى من متطلبات توحيد الجهود والمقدرات الفلسطينية، وصبها في بوتقة المجابهة المفروضة مع الاحتلال، ومع أكثر حكوماته تطرفاً وصلفاً. وهذا طبيعي، ذلك أن اللجوء للتوافق كآلية لتوحيد الجهد والمقدرات، إنما يضمر عدم تزحزح طرفي الانقسام الوطني الأساسيين، "فتح" و"حماس"، عن مواقفهما الأساسية، وخاصة المواقف السياسية منها، بمعزل عما إذا كانت فعلية بالكامل أو مضخمة لغرض تورية الشق "السلطوي" في الخلاف. ولعل فيما خلقه الاتفاق المبدئي للمصالحة من خلافات داخل كل طرف من طرفي الانقسام الوطني، ما يشير إلى صعوبة، (حتى لا نقول عدم إمكانية)، أن يكون التوافق آلية ناجعة لتوحيد الجهود والمقدرات حتى ولو لمرحلة انتقالية. والغريب أن يلجأ اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة للتوافق كآلية لتوحيد الجهود والمقدرات، رغم ثبوت عدم نجاعته كصيغة، ما يجعل اللجوء إليه بمثابة تجريبٍ للمُجرَّب الفاشل في إعلان القاهرة عام 2005 وفي اتفاق مكة عام 2007، والأغرب أنه تم القفز عن وثيقة الوفاق الوطني، (وثيقة الأسرى)، عام 2006، رغم أنها، (على ما لكل طرف عليها من ملاحظات)، تشكل الوثيقة الأولى، بل الأهم، التي استندت إلى إعلان القاهرة، وفصَّلت أكثر في الموضوع السياسي، بما يجعلها، (مع تطوير يستجيب للمستجدات)، صالحة لأن تكون برنامج الحد الأدنى السياسي الوطني المشترك، الذي يمكن على أساسه بناء مؤسسة وطنية موحدة جامعة إلى حين إجراء الانتخابات لمؤسسات منظمة التحرير وذراعها في الضفة وغزة، السلطة الفلسطينية. وهنا يثور السؤال: ترى لماذا، وإلى متى، يستمر اللجوء إلى تجريب المُجرَّب العاجز عن وضع حدٍ لأعقد وأخطر انقسام داخلي شهده الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني المعاصر، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات خطرة، بل قاتلة، على المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، الذي يقر الجميع بأن الحفاظ على منجزاته ومكتسباته، (فما بالك بإحراز المزيد منها)، غير ممكن من دون توفر شرط وحدته الداخلية، وناظمها السياسي بخاصة، الذي لا يمكن تحقيقه من دون الغوص في مراجعة سياسية وطنية شاملة، تفضي إلى الاتفاق على برنامج الحد الوطني الأدنى المشترك ؟؟!!
#علي_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ولَّى زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة؟؟!!
-
-فذكِّر، إن نفعت الذكرى-
-
وتتواصل المجازر الإسرائيلية
-
إسرائيل -الدولة القلعة- إلى أين؟؟!!
-
استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما
-
أحلام شبيبة بلا حدود
-
اضاءات على إنهاء الانقسام
-
ابن لادن: صنعوه فاستعملوه فقتلوه
-
الحراك العربي: تخصيب للمجتمع السياسي والمدني
-
محاكمة مبارك سابقة عربية تاريخية
-
الأسرى الفلسطينيون في يومهم: ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
-
نعم، وسوريا بحاجة للديموقراطية والحريات
-
الأرض في يومها الفلسطيني
-
خصوصية فلسطين في الوطن العربي
-
ديمومة الحالة الانتقالية
-
السياسة الإسرائيلية بين الواقع والوهم
-
التكفيريون الجدد والمحافظون الجدد
-
عودٌ على بدء
-
جبهة الجولان إلى أين؟!!!
-
-إذا عُرِفَ السبب بَطَلَ العجب-
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|