يوم فاتح يوليوز 2011: أنا غائب..

سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 3411 - 2011 / 6 / 29 - 02:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

يوم فاتح يوليوز2011
"أنا غائب.."
لأنك قاس هذه القسوة كلها، علينا أيها الوطن الجميل: تطلق يد كتائبك السوداء لتفترس بياضنا، وترضى أن نموت بين يديك، مشبعين بكل الموت، ولا تجري تحت جسورك مياه العاصفة...
لأنك تشرع جهاتك لكل القذارات: المرتزقة الهمج الملثمين الذين يرتدون وعدك، وينهبون التاريخ ياسمك ويشربون دماء الفقراء، الزنادقة الأفاقين المولعين بالزينة الزائلة يبيعون كل شيء ويمسكون بالزيف الملتهب..
ولأن سماءك لا تتسع للريح، الشجرة الوحيدة التي تجمعنا،
ولأن اسمك يتلاشى في زحمة الأوان العمياء، ويختفي في صرة الأعداء السباع الذين يغوصون في عقر الدماء، ويستجدون الرعب ليفتح أمامنا باب القبر، ليناموا على جراحنا..
لأنك قاس هذه القسوة كلها أيها الوطن المفدى: نحترق من البرد والجوع، لتتقدم الذئاب من أحلامنا، وتجعل منا أحمالا، فرائس الوقت الموعودة، ولأنك أحرقت كل الرغبات التي تصلنا بك، وتتقدم باسم الخوف نحونا، فتذرونا في أزمنة من نسيان، ولا تتقد سماؤك ولا تطير الطيور في مراياها ..
لأنك تنتشي بالسوط، ولا تسمي الأشياء بأسمائها وتصر على توطين الأحزان في منابتنا، وتغلق باب المسرات بيننا، وتمضي وحيدا محمولا على أكتاف الخائبين..
لأنك قاس كل هذه القسوة :تقتل فينا إشراقات الربيع الآتي، وتنصب ألف الشراك لنا : تطلق قبائلك البدوية الحزبية الهوجاء، وبقايا السلفيين المطرزين بالدماء ليضعونا خارج اللعبة ويتربعون أعياد الولائم حتى آخر قطرة، وتفسح المكان لهم ليقرعوا طبول الحرب، يتسولون خيرك العتيد..
لأنك قاس هذه القسوة كلها: تغتال الحريات باسمنا وتتركنا في العراء، ولا ظل يؤوينا ولا شجر يقطين يواسي جرحنا، وتصفق للموت كي يتقدم منا، وتصرخ في وجهنا:
ما من طريق ممكن غير الخضوع.
لأنك تصادر حقنا في أن نعاكس نهاياتك، وأن نصحب العاصفة حتى الفناء، وأن نرسم خارطتك
قوس قزح يوقظ اليباب في قاماتك، وأن نشيد الأرض باسمنا ونزرع فيها الحب الذي اغتصبه الأعداء في عز الظهيرة وأنت تراه مأسورا ولا تبالي..
لأنك قاس هذه القسوة كلها: تضع أصواتنا في المزاد، وأقدامنا في الجب، وتطارد الحلم الدائر بيننا، وخصب الليالي المبللة بكل أسمائنا المغتالة في الأسواق والممرات الغريبة، وتتنفس الظلال المكسوة بالقهر، لترغمنا أن نقول:
نعم، لهذا السند الضعيف،
نعم لهذا الظلام السائد، نعم للقبضات الحديدية، والديموقراطيات التي لا تزعج الذباب، والأحزاب الهشيم المهرول الذي لا ينتمي لأرضنا،
نعم، لكل جوابي الآفاق الذين يمعنون في الوصول، وللحريات المغلقة كالأقفال، والشعارات الزائلة..، لتقودنا إلى حيث تريد البقاء للأقوياء والأدعياء، وتقول عنا مجانين نحتاج إلى سماوات عاقلة...
من "نعم" لأخرى، تمضي ولا شيء يهتز، الدم واقف، وقافلة الوعود المستوردة تسير وأنت تمنع نباحنا لتطفيء البريق الذي نعبده ونرضاه تاجا لك حتى الصباح..
لأنك قاس هذه القسوة علينا: تؤلب علينا الكهنة والسحرة والهوام والعوام والناطحات والمترديات وما عافت ضباع التاريخ وأباطرة الدين النبيذ، والمال المثقل بعبق الحشيش، وتملأ الطرقات بالطرقيين الأجلاف العابثين والجلادين الصالحين واللصوص الأنبياء والجواسيس أولياء الله العابرين والمخبرين الخدام الأوفياء مسلحين بكل الحقد والضغينة، لتقتل فينا صوت المحبة والأمل البعيد..
ولأنك تفرض الموت علينا، ولا تسمعنا
ولأن "ساركوزي" يبارك عبوديتي
ولأن "بان كي مون" يبارك دمعتي
فإني أنا العبد الضعيف الفقير إلى رجفة الساعة، وبكل طيبة القلب، اكتب في سجلي الذهبي: أنا غائب يوم فاتح يوليوز 2011، فلا تعول على نعمي، سأخبيء صوتي في صدري، وأرتدي المقاطعة سراجا. وأنا أقر بهزيمتي، ولكنها الهزيمة التي تسند الكون ليرعى المعجزات.
سعيدي المولودي

#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات