|
ثورات العالم العربي بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية
بلغيت حميد
الحوار المتمدن-العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 09:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تجد كلمة الشرعية مصدرها في لفظة شرع، وشرعي تعني قانوني، وشرعية الحكم يقصد بها المرجعية التي تمنح حكم بلد ما الحق في أن يحكموا شعوبهم، وعندما يسقط حكم ما نقول إنه سقط لأنه فقد شرعيته ، وتتقوى الشرعية أكثر إذا اقترنت بالمشروعية، أي إذا استندت إلى الكتلة المجالية التي يشكلها المجال الوجداني، التاريخي، القيمي، الديني، الأخلاقي ... لمجتمع ما. وعملية الثورة تستهدف بالدرجة الأولى إنهيار نظم سياسية قائمة وإعادة بناء أخرى ، مما يعني أن العمل الثوري لا يحدد مضمون ومسار النظام الجديد، فقد يكون ديمقراطيا، وقد يفرز نظما أكثر إستبدادا و أشد دكتاتورية من السابق، ألم تجثوا الأنظمة السلطوية العربية على رقاب البلاد والعباد لعقود عدة باسم الثورة والتحرر؟ ألم يكن نظام القذافي قائما على شرعية الثورة الجماهيرية؟ ألم يكن نظام حسني مبارك وريث شرعية ثورة الضباط الأحرار؟ ألم يكن - ولازال قائما- النظام الجزائري يعتي في الأرض دكتاتورية وفسادا باسم ثورة المليون ونصف المليون شهيدا؟.... لكن ما الذي جعل بعض هذه الأنظمة تلقي نحبها والأخرى تنتظر ، أليس سقوط قناع الحكم باسم شرعية ثورة الأمس؟. بمقتضى فضائل الثورة وشرف الثوار استطاعت الأنظمة البائدة أن تلجم شعوبها وتجعل مثقفيها صم بكم عمي فهم لا ينتقدون، وخلقت بذالك أصناما لم تقل وطأتها عن هبل واللات و العزى ومناة في عصر ما قبل الإسلام ، غير أن أصنامهم كانت حجرا وحلوى، وأصنامنا أفكار وتصورات حكمت على العقل بعدم التفكير إلى أجل غير مسمى. ويمكن إجمال أصنام الشرعية الثورية البائدة في خمسة نماذج تصورية أساسية: 1- يتجلى الصنم الأول فيما يمكن أن نطلق عليه بالشرطية الثقافية في وجه كونية وعالمية القيم الديمقراطية و ثقافة حقوق الإنسان أي الربط الاثنوغرافي بين الانتماء الثقافي والديني والتاريخي لمجموعة من الشعوب وبين الاستبداد وغياب الديمقراطية، وهكذا تم الربط بين الشرق والاستبداد. 2- عمل تيار من الأكاديميين على تصنيف النظم السياسية العربية في مصاف النظم المستقرة، وهكذا ربطوا بين التغيير والفوضى . وبالتالي فإن الشروع في المطالبة بالإصلاح هو في ذات الوقت شروع في المطالبة بالفوضى، غير أن الثورات العربية الراهنة أثبتت أن هذه الأنظمة ليست مستقرة وإنما هي راكدة، أوليست البركة الراكدة هي الوسط الأكثر تعفنا؟ الأمر الذي يعني أن ركود الأنظمة السياسية ينم عن وجود حالة من فوضى وعدم استقرار سياسي خفي. 3- يتجلى الصنم الثالث في ضرورة المفاضلة بين الاستبداد والتطرف ، أي أن العالم العربي لم ينتج إلى نموذجين، نموذج الحاكم الدكتاتور المستبد، و نموذج الارهابي المتطرف الذي يعلم الناس فن الموت أكثر من فن الحياة، ولهذا يجب القبول بالاستبداد، لأنه أحسن حالا من التطرق. 4- كرس المثقف العربي اليائس فكرة الاستثناء العربي وقدرية اللاتغيير ، وغداها المثقف أو العالم الديني، حيث استلهم ما عرف بأدب النصيحة في الفكر الإسلامي أو مرايا الأمراء في الفكر الغربي، جاعلا بذاك أي حراك سياسي في عداد المكروه حينا والحرام أحيانا ، بدعوى أن الفتنة أشد من القتل وحاكم ظالما خير من فتنة سائبة. 5- وضع سلم للأولويات، الذي تم استلهامه من فكر ملهمهم شمعون بريز الذي يقوم على ثلاثي، السلام ، الرخاء، الديمقراطية، وعوضه الحاكم العربي بالاستقرار، توجيه الاقتصاد ثم الانفتاح السياسي، مما يعني أنها مهام لا يمكن أن تتم إلا واحدة تلو الأخرى، أي أن الديمقراطية تستلزم التقدم الاقتصادي، وهذا الأخير يستوجب الاستقرار السياسي، الذي لن يتم إلا بمصادرة كل السلطات تشريعية ، تنفيذية وقضائية، سلطات زمنية وروحية، سلطات عسكرية ومدنية... كل هذه الأساطير شيدت باسم الشرعية الثورية في مرحلة كانت هذه الأنظمة مخلص ومنقد المجتمعات العربية من هيمنة الغرب وملكوت عملائه. ومن أجل ألا تعيد ثورات اليوم إنتاج فراعنة الأمس، يجب على الشرعية الدستورية أن تستوعب الشرعية الثورية ، وليس العكس. ألم يتم تغيير الدساتير وتمديد مدة ولاية الرؤساء بذريعة كونهم وكلاء وأوصياء وقيمين على صيانة مكاسب الثورة وبالتالي باسم الشرعية الثورية؟ ولكون العمل الثوري عمل ظرفي سجين مرحلة محدودة، فإن الشرعية الدستورية هي الأضمن لاستمرارية وحماية مكتسبات الثورة، إذ أن الاستمرار في الارتكاز على الشرعية الثورية خارج الدستور سيؤدي حتما إلى توالي دوامة من الثورات والثورات المضادة، ولهذا قال الأقدمون بأن الثورة تأكل أبنائها ، أي أنها لا تهدأ إلا بالانقلاب على مكاسبها.
#بلغيت_حميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محددات السلوك الصراعي لدول منطقة الساحل و الصحراء
-
لنقوم أسلوب الحركة
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|