مجلة النادي العراقي أرنهم هولندا العدد التاسع حزيران 2002
المعادلات السياسية الخاصة بالشأن العراقي ، معادلات معقدة تحمل الشيء ونقيضه في آن واحد أحياناً. والقراءة السهلة المبسطة للمعادلة هي: وجوب التعاون والتنسيق مع من يسقط صدام حسين وبالأخص مع الإدارة الأمريكية التي خولت نفسها للقيام بهذه المهمة.
وقد يتفهم الإنسان مثل هذا الرأي الصادر من المواطن العراقي العادي المكتوي بنار الدكتاتورية والمطلع على أوضاع بعض أوساط المعارضة العراقية ، لكن المر المثير للجدل هو صدور مثل هذا التصور من أوساط سياسية معارضة وادلجة مثل هذا التصور حسب أوليات الهيمنة والانفراد الأمريكي ، انطلاقاً من القول بأن العامل الدولي والمقصود القرار الأمريكي هو الحاسم ، وهو قول مردود وفق المعطيات العديدة سابقاً وحالياً ووفق التجارب المتراكمة لنضالات الشعوب من اجل التحرر والانعتاق والديمقراطية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن ما يحرك السياسة الأمريكية وما يحدد أولاياتها هو بالأساس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والشركات الاحتكارية ، وليس حرصها على مصالح الشعوب ومستقبلها.
وبالتالي وإن كان هناك توافق آني في المصالح فإن اعتماد مثل هذا التوافق الهش أساساً لا يستند على أسس ثابتة ، ولا يمكن التعويل عليه.
والحديث عن العامل الدولي وعدم المراهنة عليه ، لا يعني أن العامل الدولي غير مؤثر أو غير معني بالشأن العراقي ، الا أن الأمر الجدير بالملاحظة هو التميز بين التعويل على العامل الدولي وبين الاستفادة من العالم الدولي. والأمران مختلفان فالأول لا يعني الثاني قطعاً.
فالتعويل يعني المراهنة على القرار الأمريكي والسياسة الأمريكية وربط جهود ومساعي الناس بتحركات الإدارة الأمريكية ، والقبول بالدور المرسوم للمعارضة العراقية من قبل الساسة الأمريكان وأصحاب القرار في الإدارة الأمريكية بشأن ما يتعلق بمستقبل العراق. ولا يقتصر الأمر آنئذ بحدود العراق ومشاكله الداخلية فقط. فأمام الإدارة الأمريكية خارطة سياسية أكبر من خارطة العراق. والسياسة الأمريكية بشأن العراق جزء من سياسة شاملة حول الشرق الأوسط ، وبالتالي فأن الرهان على الخيار الأمريكي بشأن العراق قبول بالخيار الأمريكي بشأن المنطقة عموماً ، وهذا مكمن تناقض جدي بين طموحات وتطلعات جماهير المنطقة العربية والشرق أوسطية وبين السياسة الأمريكية المبنية أساساً على دعم إسرائيل والأنظمة التابعة لها في المنطقة. فكيف يستقيم الحديث الأمريكي عن حماية حقوق الإنسان في العراق مع حالة حقوق الإنسان العربي في المنطقة في ظل الأنظمة الصديقة لأمريكا ، هذا اذا لم نتحدث عن حقوق الإنسان الفلسطيني؟!
أما الاستفادة من العالم الدولي والتعامل معه وفق منطق واقعي ن فأنه يتطلب الانطلاق أساساً من رسم السياسات على أساس مصلحة الشعب العراقي وحريته في تقرير مصيره والنظام السياسي الذي يرتئيه مستقبلاً.واذا ما ظهر تناقض جدي بين المصلحة العراقية والمصلحة المنبثقة والمتعلقة بالمراكز الدولية ، فأن الأولوية ستكون للمصلحة الوطنية اذا ما انطلقنا من سياسات مبنية أساساً على أساس مصلحة الشعب العراقي. أما في حالة المراهنة والتعويل على العامل الدولي فأن أي تناقض ناشئ حالياً أو مستقبلاً سيكون لصالح المراكز الدولية وعلى حساب مصالح الشعب العراقي.
ومن التعقيدات الأخرى المتعلقة بالشأن العراقي ، مسألة كون الولايات المتحدة الأمريكية خصماً للنظام العراقي ، وما يثيره ذلك من تصورات وأوهام لدى البعض بأن نظام صدام حسين معادٍ للولايات المتحدة الأمريكية ، وان مجرد كون الولايات المتحدة خصماً للنظام كافٍ لتزكية النظام واعتباره نظاماً وطنياً ، في حين أن معيار وطنية النظام هو بالأساس مدى قبوله من قبل الشعب ، وموقف الشعب العراقي المعادي للنظام واضح للقاصي والداني. وبالتالي فأن معاداة أمريكا أو افتعال المعاداة معها ، لا تجلب لصاحبها صفة الوطنية ، لأن المعيار الأساسي بهذا الصدد هو موقف الناس من السلطة ، ومدى تمثيل تلك السلطة لفئات الشعب العراقي تمثيلاً حقيقياً مبنياً على صناديق الاقتراع وفي انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة.
أن التوازن بين ما هو وطني وما هو دولي أمر مطلوب ، كما أن النظر الى العامل الدولي بمعزل عن العامل الداخلي أمر من شأنه أن يجلب كوارث سياسية على مستقبل العراق ومصير شعبه ن هذا ناهيك عن المخاطر العملية الناجمة عن أية ضربة عسكرية أمريكية على البنية التحتية في العراق ، تلك البنية التي تحطمت بسبب سياسات الدكتاتورية وحروبها الداخلية والخارجية والقصف الأمريكي.
وهنا يجب الحذر أيضاً من مناورات الديكتاتورية الحاكمة ، واستغلالها لمواقف الكثيرين من أصدقاء الشعب العراقي ، الذين يرفضون توجيه ضربة عسكرية أمريكية للعراق ، وكذلك الإشكاليات الناجمة من عدم تفهم البعض لمواقف بعض لأطراف المعارضة رفض توجيه ضربة عسكرية أمريكية للعراق رغم كونهم في المعارضة.
وبهذا الصدد يجب القول أن رفض الضربة الأمريكية لا يعني بأي شكل من الأشكال تزكية النظام الديكتاتوري المجرم الذي يجب تقديم رؤوسه لمحاكمة دولية كمجرمي حرب. كما ان هذا الموقف لا يعني أيضاً التخلي عن النضال من أجل إسقاط الديكتاتورية.
فالسؤال الأساسي هو: على من تقع مسؤولية إسقاط الديكتاتورية ؟!
وأعتقد ان هذا الأمر مهمة الشعب العراقي وقواه السياسية الحية الموجودة فعلاً على الساحة العراقية والتي تناضل ضد الدكتاتورية منذ فترات طويلة وقبل أن يتحول النظام العراقي من صديق تابع للولايات المتحدة الأمريكية الى عدوٍ لها.