|
قراءة أولية في الانتفاضة الثورية العربية
هشام علقم
الحوار المتمدن-العدد: 3407 - 2011 / 6 / 25 - 16:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أكدت الانتفاضة الثورية العربية على صحة وراهنية العديد من الحقائق النظرية، السياسية والاجتماعية، التي حاول المحور المعادي للشعوب من إمبريالية وصهيونية وأنظمة عربية تبعية إخفائها وتشويهها على مدار عشرات السنين ليبقى هذا الجزء من العالم مرتعاً حصيناً للاحتلال والنهب الاستعماري تحت قيادة طبقة أفرزت نظماً سياسية أقل ما يقال فيها أنها تابعة ومتواطئة بل وضيعة لهذا التحالف الرأسمالي العالمي. ولعل أول وأهم هذه الحقائق هي إعادة التأكيد عن الكشف العبقري لماركس والقائل أن الجماهير هي قاطرة التاريخ بل هي صانعته، وبالتالي هي وحدها القادرة على إنجاز التغيير والقيام بالثورات على اختلاف مضامينها وأشكالها، فلا النخب ولا الشخصيات التاريخية من جهة ولا الحركات الفوضوية العدمية المغامرة من جهة أخرى، بقادرة على إحداث التغيير الجذري التاريخي، فهذه أو تلك تستطيع أن تقدم أو تؤخر حدث ما ولكنها لا تستطيع أن تكون قاطرة للتاريخ وصانعة له. الحقيقة الثانية هي أن قانون تلازم تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج وهو القانون الاقتصادي الموضوعي للثورة الاجتماعية قد تجلى بأبهى صوره، فمن جهة هناك الفقر والبطالة كانعدام الديمقراطية والكرامة الوطنية، تطال الغالبية الساحقة من الطبقات الشعبية في حين تتمركز الثروة والسلطة في أيدي قلة قليلة تمارس كل أشكال البذخ والفساد وامتهان الكرامة الوطنية لشعوبها. أما الحقيقة الثالثة فهي بلا شك غياب العامل الذاتي والذي هو بكل تأكيد التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين كمحور لجبهة الطبقات الشعبية المؤهلة لتشكيل قيادة حازمة للنضال لتأخذ الحالة الثورية العربية والتي أنجزت الخطوة الأولى من رحلة الألف ميل وهي إسقاط رأس النظام في كل من تونس ومصر إلى مداها الأقصى في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ولتضع دولها على أبواب المرحلة الديمقراطية المدنية والاجتماعية التقدمية. ونحن هنا إذ نؤكد على أهمية ما جرى فلابد من التأكيد أن الانتقال من الحالة الثورية أو الانتفاضة الثورية للثورة يستوجب هدم القديم بما يمثله من منظومة سياسية وأجهزة أمن وبناء الجديد الثوري، وهذا لن يكون إلا باستلام السلطة الأمر الذي يعتبر جوهر كل ثورة وغايتها السياسية. وما يزيد من أهمية هذا الطرح أن هذه الانتفاضات العربية تحدث في ظل انكشاف ظهرها على المستوى الدولي، فنحن نعيش في عالم القطب الواحد (الإمبريالي الأمريكي) وما يمكن أن يقوم به هذا القطب من دعم وإسناد لبقايا الأنظمة المنهارة ولقوى الثورة المضادة والتي ما زالت تفعل فعلها بل وتحقق بعض الإنجازات بتحالفها مع بعض مكونات المجتمع المصري والتونسي والتي شاركت في إسقاط رأس الأنظمة ولكنها لا تملك بديل اجتماعي ثوري من قوى برجوازية وليبرالية. والحقيقة الرابعة التي تكشفت في هذه الانتفاضة العربية الثورية هي هشاشة وضعف هذه الأنظمة التبعية العربية فبرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها على تسليح قوى أمنها وشرطتها السرية لحمايتها في مثل هذه المواقف، فقد جاءت هذه الانتفاضة لتقول أن هذه الأنظمة هي من الهشاشة بحيث لم تستطع أن تقف في وجه الجماهير الثائرة غير المسلحة إلا بإرادة وعزم وتصميم على النصر والموت دون ما تريد. حقيقة خامسة لابد لنا من إدراكها هنا وهي صحيح أن الشباب هم من أشعلوا شرارة الانتفاضة الثورية العربية ولكن من المؤكد أيضاً أن كل الطبقات الشعبية قد شاركت في صناعة النصر لهذه الانتفاضة والأصح أيضاً أن ليس كل الشباب قد شاركوا في هذا العمل التاريخي المجيد. أما الحقيقة السادسة في هذه القراءة السريعة لمجريات الانتفاضة العربية الثورية فهو الدور الذي لعبه الإنترنت ( فيس بوك ، تويتر ) في هذه الانتفاضة ومن الضروري أن نؤكد هنا أن استخدام أحدث ما توصلت إليه الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات ( رغم طابعها الطبقي من ناحية ملكيتها العائدة للطبقة الرأسمالية الاحتكارية ) كوسيلة أو أداة إضافة في أيدي الأحزاب اليسارية والثورية مما يستدعي البراعة في استخدامها والتحكم فيها. وفي النهاية، فإننا نسجل أننا أمام إستراتيجية أمريكية رجعية تبعية في مواجهة هذه الانتفاضة الثورية تقوم على شقين؛ الشق الأول قمع شامل لكل انتفاضة عربية ممكن هزيمتها واحتواء الانتفاضات التي لا يمكن هزيمتها ويعتمد مدى نجاح الشق الثاني على قابلية القوى الديمقراطية للاحتواء. ونختم بالقول صحيح أن الثوار يصنعون التاريخ لكنهم كما قال ماركس " لا يصنعونه كما يشاؤون، ولا يصنعونه تحت ظروف اختاروها، بل تحت ظروف صادفتهم مباشرة ونقلت لهم من الماضي ".
#هشام_علقم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|