|
النزاهة بين كلب الصيد وكلب الحراسة!!
سعد سامي نادر
الحوار المتمدن-العدد: 3406 - 2011 / 6 / 24 - 17:12
المحور:
سيرة ذاتية
مهنياً يتطلب توفر شرطان لمدقق الحسابات كي يكون جديراً بمهنته. يؤكد الأول على أن يكون المدقق بالأصل، محاسب كفء وقدير بوظيفته. والثاني أن يتحلى المدقق الكفء بأخلاق كلب الحراسة لا كلب الصيد !. لنرى ما أهمية ما علمنا إياه أساتذتنا النجباء في كلية التجارة من سر مهنة ليس لها دخل بالسياسة !. أهمية الأول تتعلق بأسس المعرفة، أكاديمية أم ممارسة حد سواء، لكي لا نكون ضعفاء وأضحوكة بأرقام يغرقنا بها المحاسبون، متخصصو تغطية سرقات الفاسدين. أما المبدأ الثاني فأخلاقي وليد المهنة والتجربة. إنه يوجب تحلى المدقق الكفء دوماً، بصفاء وحُسن نية مسبقة عند مراجعته السجلات والمستندات. كما يفعل كلب الحراسة، فوظيفة الكلب، حراسة القطيع دون عواء لمخاطر وهمية كاذبة. ولا شم محفزات للشر والتهام فريسته سراً. فسوء النية المسبقة ، قد تعتم الرؤية وتتيه مهمتنا الرقابية بالبحث عن صورة طريدة في عقلنا الباطن ليس لها وجود أصلاً، وربما نخلق من خطأ حسابي شائع وهماً بوجود تلاعب واختلاس. تذكروا إني أتحدث عن سيرة متاعب مهنة خَطيرة ليس لها علاقة بالسياسة! حثني الكثير من زملائي على ترك مكاتب التدقيق والعمل في المؤسسة العامة للتجارة. حينها، كانت هذه المؤسسة مسئولة عن مجموعة مؤسسات وشركات عامة "حكومية" ضخمة جدا. بل كانت بحق، عملاقاً اشتراكياً بكل المقاييس. حيث كانت خدماتها تغطي العراق بأكمله بما يحتاجه الناس من مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية والبضائع الإنتاجية المستوردة. يكفي ان أسطولها للنقل البري كان يعد الأكبر في الشرق الأوسط. لتغطية فروع إدارتها المنتشرة في أنحاء العراق، احتوت و عينت 70% من دفعات عدة سنوات لخريجي التجارة وإدارة الأعمال والاقتصاد، ولكل جامعات "القطر" أعتذر ! (هاي كلمة بعثية). وكانت لموظفيها مزايا كثيرة مغرية، أهمها جمعيات تعاونية لبناء المساكن وأخرى للمواد الاستهلاكية، إضافة لرواتب ومخصصات تفوق رواتب القطاع الخاص. لخبرتي كمحاسب في عدة شركات عصراً. ومدقق في مكتب تدقيق أستاذي الفاضل المرحوم عزيز الحافظ -وزير اقتصاد في حكومة عارف- صباحاً. عُينتْ في دائرة الرقابة الداخلية. وفي يوم مباشرتي الأول، ترأست مجموعة تدقق حينها، حسابات مصلحة المبايعات الحكومية. كان أعضاء مجموعتي، خريجين جُدد بلا خبرة، رغم كون بعضهم من أصدقائي، لكن اسلوب عملهم صدمني، بالأخص، رئيسهم السابق. كان بمفهومنا المهني، كلب صيد من طراز ارستقراطي نبيل، فهو دائم الاحتكاك بالمحاسبين ويثير ضجة وحساسيات لأي خطأ شائع تافه يحدث بعملية تكسير أو جمع أرقام بالحاسبة. لكنه كان مهذباً لا يخرج عن الأدب. في وقتها وجهت تحفظي طالبا من زملائي كتابة ملاحظاتهم بانتظار تصفيتها دفعة واحدة قبل انتهائنا فترة التدقيق. تجاوزني "حارس" المجموعة ورئيسها السابق. وبدأ يُتلفن لساعات مع مدرائنا. لم تمض أربع ساعات حتى عُدتُ عضواً في مجموعة الحارس الأمين الوفي على مال الوطن. كانت كارثتي اني لم أرضَ يوماً ان العب دور أكرهه بالفطرة، ولا ان يقودني شرطي ! أنا أعرف خطورة مهمة الرقيب و المدقق. وأفهم أيضاً، ان خطورتها وأهميتها تكمنا في أسمهما المخيف، فمجرد إشاعة وجود مثل هذه الوظيفة، في ذلك الزمن المخيف..!! كان يعني مانعاً رادعاً خفياً لكل من تسول له نفسه ان يتلاعب ويمد يده على المال العام. (انها لغة مقارنة لا إطلاق) في الأصل، كان الضمير الشخصي والجمعي وسمعة الشخص هو معيار وظيفة "المانع الرادع" على الواقع الإفتراصي. في حينها كانت الغَلبة لخوف الضمير والعرف الاخلاقي ومخافة الله ، لا خوفاً من عقاب القانون!!. حينها، لم تكن هناك هيئات نزاهة وشفافية ديمقراطية ! ولا لافتات لآيات الذكر والموعظة. ولا مانشيتات أئمة تحث وتذكرنا بالعدل والملك والقسط والميزان !.. ولا غرف لتعبد وصلاة الغلاة المنافقين .. ولا حجيج جماعي طلباً لمغفرة لعق دم الأبرياء وطعامهم من آكلي السحت الحرام !.. ولا شهادات مزورة بالجملة كما هي عليه الآن؟!..حتى المقارنة مع ذاك الزمن الصعب الفاشي الظالم باتت عقيمة، وأضحت بائسة ويائسة.. يا لخيبة رموز إسلامنا السياسي سنةً وشيعة..! إن الأرقام الفلكية والأسماء التقية ! وحدها تكفي لتقييم المقارنات ومستوى خيبات أملنا وبلوانا بالتغيير المنشود. دعونا لا نتكلم عن النزاهة ما دام أمينها قد اغتيل غدراً في وضح النهار. ناهيك عن جيش قضاتها المغدورين. إن مَن اغتاله سار خلف نعشه. أليس القاتل من صرح ان اللامي قـُتل بكاتم صوت، لا بلعلعة رشاشات النظام ؟. يا لخيبتي مع النزاهة والتدقيق والسياسة ! لأعود لقصتي. لم يمض على تعييني اسبوع، وفي أول اجتماع جمعني برئاسة الرقابة الداخلية، وبحضور كل المجموعات. في تلك الساعة، صبري لم يكظم غضبي في ان لا أبوح بالحقيقة. فرفعت يد الحق وفجرت مفخخة روحي:" إن العمل التدقيقي في مؤسستنا أشبه بعمل بوليسي..أشبه بشرطة تدقيق تمشي على رؤوس أصابعها !!".. فارت ثائرة مديري العام المرحوم هاشم الربيعي : انت منو ومنو الشرطي؟ أنا مدقق جديد.. ألتفت إليه أستاذي الفاضل هادي التميمي وأشاد بي لمعرفته بعملي السابق. ما جعلني فخوراً بعد تفريغ غضبي، أن زميلي الرائع الحبيب حكمت جاويد، قدمني الى مدير حسابات المؤسسة السيد نزار الآلوسي الذي طلب التعرف بي. شد السيد نزار على يدي وقال: "انتظرت خمس سنوات كي أسمع هذه الحقيقة..شكراً سعد". حدث هذا عام 1973 وتركت العمل مكرها بعد سنتين. في حينها كان زمناً للظلم والتنمية الانفجارية أيضاً! لكني تيقنت انه في كل المعايير والمقاييس المهنية التي تتعلق بالنزاهة الشخصية والضمير الجمعي، كان أفضل بما هو عليه نحن الآن، بالمقارنة مع مستنقع فساد ومفسدين آسن بلا حدود. حينها، كان الله حي في وجدان الأكثرية. وكان يخافه الجميع قبل ان يُلوَّث اسمه بالذبح والدم. أليس الحديث بعده عن حب الوطن مجرد مسخرة ؟ قبل ان يكفرني التقاة ووعاظ سلاطين اليوم. ويتهمني البعض كوني فاشي أروج لأفكار البعث !؟ ارجوا من زميل مهنتي المهذب النزيه موسى فرج مدير هيئة النزاهة السابق أن يتكرم ويقدم لنا ما يعانيه الآن زملاء مهنتنا في هيئتي النزاهة والرقابة المالية في عصر أفولها، من تهديد وضغوط "كواتم الصوت" الاسلامية. لكني أتردد خوفا عليه من قـَتـَلة النزاهة ! فمهنتهم "الصيد" بكواتم الصوت..!
#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عار الشراكة الوطنية .. حزمة -وطنية- واحدة !!
-
نتنياهو والربيع العربي.. آفاق الرهانات لحل الصراع العربي الا
...
-
نتنياهو والربيع العربي.. آفاق الرهانات لحل الصراع العربي الا
...
-
مخاوف الإئتلاف: وجوود ثلاثة أفواج مسلحة مؤيدة لعلاوي!؟
-
النائب محمود عثمان يطالب: الضمير -الالكتروني- بدل الإرادة ال
...
-
مهمة مستشار..! أم وظيفة وزير تجارة..!
-
هل نقول وداعاً ! لل -الشيوعي الأخير- سعدي يوسف ؟
-
-2- -المنامة-.. عروس عروبتنا وقِبلة إسلامنا الجديدة.!
-
1 --المنامة-.. عروس عروبتنا وقبلة إسلامنا الجديدة..!
-
شموئيل موريه .. شجون وأحلام وآمال عراقية نقية طيبة
-
تظاهرات-1ا- الحظة التأريخية وموقف كتابنا!
-
تظاهرات – 2 نار الديمقراطية ولا جنات البعث والاسلام السياسي!
...
-
القُمامة والإقامة والهوية الوطنية الهولندية..!!
-
علي تكساس و-مرتزقة أبا يعقوب يوسف ابن عَمر-
-
الحملات الإيمانية ومسخرة تكرار التاريخ..!
-
خير وسيلة للدفاع ، تشويه الآخرين..!
-
هل يتعلم ساستنا من شيوعيي العراق، تجاوزهم الماضي.؟!-2-
-
هل يتعلم ساستنا من شيوعيي العراق، تجاوزهم الماضي..!؟
-
المجلس الوطني للسياسات والاستراتيجيات.. ولد ميتاً
-
تسريبات وتساؤلات حول تشكيل الحكومة العراقية..!
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|