|
هل ولَّى زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة؟؟!!
علي جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 3404 - 2011 / 6 / 22 - 10:55
المحور:
القضية الفلسطينية
مع احتساب أنه لا وجود لقائد عسكري بلا توجه سياسي، فإنه غالبا، (وليس قانوناً)، ما يتصف القادة العسكريون للدول، (وللحركات السياسية أيضاً)، بالتشدد، قياساً بما يميل إليه القادة السياسيون من اعتدال ومرونة. ومعلوم أن إسرائيل حالة متطرفة على هذا الصعيد، إذ لم يكن بلا دلالة القول عنها إنها "جيش يقود دولة"، بل، إنها "جيش أنشأ دولة"، التي أنشأت بدورها مجتمعاً، تماهى معها، ومع أكثر قادتها تشدداً وتطرفاً. أما في الآونة الأخيرة، وفي ظل حكومة نتنياهو، الذي، (ناهيك عن شريكه ليبرمان)، تسطو الايدولوجيا لديه على السياسة إلى درجة إخراجه كلياً من الواقع وتحولاته وحساباته، ما جعله على خلاف حتى مع كبار القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، بل، ومع مَن لا يوصف منهم بالميل لـ"اليسار الصهيوني"، أي مع مَن لا يقلون عنه انتماء للاتجاه الأكثر تشددا في الفكر الصهيوني، أعني اتجاه جابوتنسكي وبيغن وشامير، ما يعني أن هنالك ثمة مفارقة تستدعي التوقف واستخلاص الدلالات، خاصة بعد إضطرار بعض هؤلاء القادة العسكريين والأمنيين إلى إخراج خلافهم مع نتنياهو إلى العلن بعدما خاضوه لمدة زمنية في الغرف المغلقة. وكانت البداية بالقنبلة المدوية التي فجرها الرئيس السابق لجهاز الموساد المعروف بدمويته، مائير داغان، حين حذر في تصريحات علنية غير مسبوقة من الخطر الذي يمثله نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك على دولة إسرائيل، واصفا إياهما بالمغامرين قليلي المسؤولية، ومعبِّراً عن خشيته من عدم قدرة القادة الجدد لرئاسة الأركان وأجهزة الموساد والمخابرات على كبح جماح نتنياهو ووزير دفاعه باراك، خاصة تجاه التعامل مع ملف التحدي النووي الإيراني، أي خشيته من أن لا يقوى القادة العسكريون والأمنيون الجدد على فِعْلِ ما فعله هو ورئيس جهاز المخابرات السابق، يوفال ديسكين، ورئيس الأركان السابق، جابي أشكنازي، الذي حرص في أول حديث صحافي له بعد إنهاء مهامه كرئيس للأركان على عدم مهاجمة مضامين تصريحات مائير داغان وتخوفاته، مكتفياً بالقول: " كان يجب إبقاء هذا الخلاف في الغرف المغلقة وعدم إخراجه للعلن"، ومؤكداً أن "الحرص والحرقة" هما ما دفعا مائير داغان للتصريح بما صرح به، ما يعني ضمنا اتفاقه معه في المضمون، وإن اختلف معه في الإخراج. إن هذا الجدل العلني بين نتنياهو ومن هم على يمينه من القيادات السياسية الإسرائيلية، وبين عدد من القادة العسكريين والأمنيين اليمينيين، ينطوي على دلالات عميقة، بحيث يصعب اختزال تفسيره فقط بالقول: إنه مجرد جدل ناشئ عن خلاف بين قادة سياسيين هم أقل دقة في تقدير حسابات موازين القوى الواقعية على الأرض، قياساً بالقادة العسكريين والأمنيين، الأدرى بهذه الحسابات، والأكثر ميلاً بالتالي لبناء مواقفهم وفقاً لها. وكذا، فإن من الصعب اختزال تفسير هذا الجدل بالقول: إن هؤلاء القادة العسكريين والأمنيين، ناهيك عن أمثالهم ممن يميلون لـ"اليسار الصهيوني"، ربما يكونون أميل لاتجاه شارون الليكودي الذي اضطر إلى شق تكتل الليكود وتأسيس حزب "كاديما" بعد خلافه التكتيكي مع نتنياهو ومَن معه من قادة "الليكود"، إذ حتى لو كان الأمر كذلك، فإن حزب "كاديما" ظل في الجوهري والاستراتيجي ليكودياً بامتياز. أجل، من الصعب تفسير الجدل الدائر بين نتنياهو وقادته العسكريين والأمنيين بهذا وذاك من الأسباب فقط، إذ أظن، وليس كل الظن إثما، أن الأمر أبعد، ويشير إلى تنامي الخلاف داخل الحلقات الضيقة في مطبخ صياغة الاستراتيجي من القرارات في حياة دولة إسرائيل، على خلفية ما شهدته المنطقة، ولا تزال، مِن تحولات إستراتيجية وتاريخية، لم تبدأ، وإن كانت بلغت ذروتها، بالحراك الشعبي العربي وتداعياته واستحقاقاته على إسرائيل، خاصة بعدما وقع في مصر وسوريا تحديداً، بل، بدأت، (التحولات)، قبل ذلك، بتحدي إيران وملفها النووي وطموحاتها لتحقيق نفوذ إقليمي مؤثر في السياسة الدولية، الذي أفرز لإسرائيل، (فيما أفرز)، تحدي المقاومة اللبنانية، التي لم تستطع دحر الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2000 فقط، بل، وتمكنت أيضاً، بإقرار رسمي إسرائيلي، (لجنة فينوغراد)، من إلحاق هزيمة أخرى، إنما موجعة أكثر، بـ"الجيش الذي لا يقهر"، ما زعزع مرة أخرى يقين قادة إسرائيل بقوة ردعهم التي طالما قالوا بأنها لا تضاهى، ما جعل الإسرائيليين، مجتمعاً وساسة وعسكر وصحافة...الخ، يستعيدون ما كانوا قد كادوا ينسونه من استخلاصات لجنة "غرانات" حول ما وقع لجيشهم من هزيمة عسكرية فاجعة في حرب أكتوبر عام 1973، التي أفضى إليها التصور الخاطئ للقوة لدى طرفي الصراع. بلى، لقد كاد الإسرائيليون أن ينسوا استخلاصات لجنة غرانات، لكن استخلاصات لجنة فينوغراد أعادتهم إلى الواقع كما هو، وليس كما يتخيله غلاة ساستهم، ونتنياهو، فما بالك بليبرمان، من أشدهم تطرفاً وتشدداً. وهنا يجدر التذكير بأن حقبة العجز الرسمي العربي التي افتتحها السادات، وأكملها وعممها خلفه مبارك، كانت قد ساهمت إلى درجة كبيرة في إعادة الوعي السياسي الإسرائيلي إلى تصوراته الأسطورية حول القوة الإسرائيلية، التي تظن أن القوة الإسرائيلية بلا حدود، بل، وأنها قادرة على التحكم بمصير المنطقة إلى ما لا نهاية، وبمعزل عن ما يحصل فيها من تحولات، إلى أن جاءت نتائج عدوان تموز 2006 على لبنان ببرهان جديد على ما في هذه التصورات من خيالات خرافية، أظن أنه حولها، وحول التحولات التي سيفرزها الحراك الشعبي العربي، يدور الجدل اليوم بين نتنياهو السياسي الغارق حتى الأذنين في أيديولوجيته، وبين قادة عسكريين وأمنيين لا يقلون عنه أيديولوجية، لكنهم أكثر منه دراية بحدود القوة العسكرية الإسرائيلية، وقدرتها على مواجهة ما تشهده المنطقة من تحولات نوعية وإستراتيجية، وبالأساس، فإنهم باتوا على قناعة، بأن قاعدة شن الحروب الخاطفة واقتصار مسرحها على أرض العدو، لم تعد قائمة تماما كما كان قد أرساها بن غوريون، بل، وربما أن القادة العسكريين والأمنيين من طراز شكنازي ومائير داغان وديسكين وفركش، وقبلهم متسناع وأيالون وأمنون ليبتون شاحك وبيري...الخ، قد باتوا على قناعة بأن طبيعة التحديات التي تواجه إسرائيل اليوم لا يمكن حسمها عسكرياً من دون التورط في حروب إقليمية طويلة المدى، ومن دون تعرض الجبهة الإسرائيلية الداخلية لخسائر فادحة، يعد ما وقع منها أثناء عدوان 2006 على لبنان مجرد "مزحة"، قياسا بما يمكن أن يكون عليه الأمر في حال اللجوء للخيار العسكري مع الملف النووي الإيراني، الذي يمكن أن يتطور إلى حرب إقليمية غير مضمونة النتائج، ما يجعل حتى أشد القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين تطرفاً ودموية التفكير في احتمال تلقي هزيمة لا تقوم بعدها لقوة الردع الإسرائيلية قائمة، انطلاقا مما كان قد قاله بن غوريون يوما: "إن إسرائيل لا تحتمل هزيمة واحدة"، ما يطرح سؤال: هل ولَّى زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة؟؟!!
#علي_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-فذكِّر، إن نفعت الذكرى-
-
وتتواصل المجازر الإسرائيلية
-
إسرائيل -الدولة القلعة- إلى أين؟؟!!
-
استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما
-
أحلام شبيبة بلا حدود
-
اضاءات على إنهاء الانقسام
-
ابن لادن: صنعوه فاستعملوه فقتلوه
-
الحراك العربي: تخصيب للمجتمع السياسي والمدني
-
محاكمة مبارك سابقة عربية تاريخية
-
الأسرى الفلسطينيون في يومهم: ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
-
نعم، وسوريا بحاجة للديموقراطية والحريات
-
الأرض في يومها الفلسطيني
-
خصوصية فلسطين في الوطن العربي
-
ديمومة الحالة الانتقالية
-
السياسة الإسرائيلية بين الواقع والوهم
-
التكفيريون الجدد والمحافظون الجدد
-
عودٌ على بدء
-
جبهة الجولان إلى أين؟!!!
-
-إذا عُرِفَ السبب بَطَلَ العجب-
-
مَن يتحمل مسؤولية -ظلمة- غزة؟!!!
المزيد.....
-
محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج
...
-
الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو
...
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|