حسن محمد طوالبة
الحوار المتمدن-العدد: 3403 - 2011 / 6 / 21 - 18:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أزمة العدو الدائمة
إن الكيان الصهيوني, رغم قوته وتفوقه عسكريا ودقة ارتباطه بالقوى العالمية العظمى, والصلة الروحية التي تربطه معها, الا انه يعيش أزمة دائمة مع الحقائق التاريخية مع اتجاهات الحضارة, ومع المستقبل. إن المقاومة اللبنانية حررت الجنوب بعد أن أذاقته مر الهزيمة في حرب تموز, وهي قوة محدودة جداً قياساً بطاقات الكيان الصهيوني والمعدات العسكرية التي يملكها. وزاد الإحساس بالخطر على المستقبل بعد حرب غزة.
إن خوف الصهاينة على المستقبل, آت مما تقدم ومن رفض الجماهير العربية سياسات حكامها الرامية إلى التوبة والصلح مع العدو التاريخي للامة العربية, ولم يقتصر هذا الرفض على المواطن العربي في اقطار الوطن الكبير بل امتد إلى أبناء الاجيال الفلسطينية الذين ولدوا في ظل الاحتلال ونشأوا في ظل قوانينه وأعرافه. فالمظاهرات والعمليات الفدائية في فلسطين, شكلت صدمة لسلطات الكيان الصهيوني بعد أن توهموا أن هذا الجيل (جيل عام 1948) صار جيلاً إسرائيلياً.
إن الأزمة الداخلية في الكيان الصهيوني والخوف على المستقبل, ليس تحليلاً يرضينا, ولا أمنية نتمناها له بل هي هاجس الصهاينة أنفسهم, فهذا (يهو شافاط هركافي يقرأ صورة المعادلة بين العرب والصهاينة, ويرى أن العرب هم الأقوى, حتى وإن ظهروا ضعفاء, لأن قوة إسرائيل -كما يقول- ليست قوة موضوعية, بقدر ما هي انعكاس للضعف لدى العرب).
ويتقدم (هركافي) خطوة أجرأ في نقد الصهيونية فيقول: إنها -أي الصهيونية- كانت عبارة عن قيمة مقدسة, وصارت الآن هدفاً لسخرية الشباب. ويصف الوضع داخل كيانه بأنه يشهد انحطاطا عظيماً, وتردياً في الحالة النفسية العامة والمزاج العام, وانحلالاً في مبادئ السلوك العام, فقد كثر الزيف, وتفشى الخداع والتضليل للذات والتحريض على الكره في المجالين الداخلي والخارجي.
وما تؤكده الأحداث أن الصهاينة يتصرفون بمنطق العنف والإرهاب وكأنهم يعيشون قبل قرن من الزمان, وهذا يؤكد تحجر نظريتهم وعدم قابليتها للتطور, أو مراعاة العصر وتطوره. وعليه فإن العدو الصهيوني, إما أن يقبل بالانكفاء والتخلي عن أحلام التوسع على حساب الغير, وهذا المآل هو ما يتوقعه الخبراء الأمريكان لدولتهم العظمى أمثال صموئيل هنتغتون مؤخراً. ولكن يبدو أن الصهاينة لا يُفكرون بالانكفاء أو التخلي عن أحلام التوسع, بل يسعون إلى التمدد والتخلي عن الاتفاقيات التي أبرموها مع الجانب الفلسطيني, ويبدو أن هذا الخيار الذي نشهده في حرب غزة والانتقام من الشعب الفلسطيني كله, يؤكد الطابع العدواني اللاعقلاني, الذي اختاره زعماء ما يسمون باليمين المتطرف, وهو الخيار القاتل في الأمد البعيد.
مقابل هذه الصورة فما هو حال العرب..?
إن حالة العرب الظاهرة تبدو عليها كل علامات الضعف والهزال والتراجع والنكوص, ولكنها صورة العرب الرسميين -باستثناءات قليلة جداً-, ولكن حقيقة العرب هي من حقيقة الأمة العربية, ذات الحضارة العريقة, القابلة للتجدد, حاملة رسالة إنسانية متفتحة, والتي حافظت على هويتها الحضارية وقوميتها الإنسانية, رغم ما مر بها وما عاشته من حالات ظلم وتأخير وتجهيل. فلم تعش أمة من الأمم في العالم, ما عاشته الأمة العربية, ولم يقع عليها ظلم وغبن وعسف كما وقع على الأمة العربية.
رغم هذا فإن الأمة قاومت المشروع الصهيوني منذ بداياته وقدمت تضحيات جساما وهي تواجهه, وما زالت أسوار الأمة منيعة قادرة على مقاومة الأفكار والتيارات الغربية التي تتناقض مع واقعها ومع مستقبلها.
ولا أريد أن أعدد مقومات قوة الأمة العربية المادية والمعنوية, وما يكتنزه الوطن العربي من خيرات وهبها الله تعالى لهذه الأمة, خيرات عظيمة تكفي للعرب ولغيرهم ممن ينشدون السلام الحقيقي, ولكن هذه الخيرات صارت مصدر خطر على الأمة, عندما تسابق الغربيون منذ القرن الخامس عشر على نهبها وسرقتها من أصحابها.
إن إمكانات عدد من الأقطار العربية كافية لردع العدو وانهاء اسطورته فيكف الحال إذا وُضعت امكانات العرب كلها في مواجهة المشروع المعادي? واذا كانت الصهيونية تستند الى معتقدات دينية يرفضها العقل فإن العرب المسلمين يستندون الى عقيدة سمحة, تؤهلهم خوض الجهد لنيل إحدى الحسنيين, إما النصر أو الشهادة وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب, وبشر المؤمنين صدق الله العظيم.
حديث الحاضر والمستقبل
إن التغني بأمجاد العرب وتاريخهم فقط هو عملية تخدير وموت بطيء, ولكن الحديث عن الحاضر والمستقبل هو المطلوب, مع استحضار لروح الماضي, والغوص في أروقة التراث, لاستخلاص العبر والدروس والقيم ووضعها أمام أعيننا ونحن نضع خطط المستقبل.
إن مواجهة المشروع المعادي الذي يتصف بالتوحد, لا يكون إلا بكيان عربي قومي متحد, وهذا الأمر مقدمة لخطوة الجهاد والنضال المشترك, الذي يحقق للعرب وحدة في النضال, ومن ثم يقودهم إلى نضال وحدوي تقدمي ثوري.
إن الكيان المنشود ليس كياناً طائفياً أو متعصباً, بل يتسم بإرادة قومية قوية, وفيه وحدة الولاء للوطن, وميل نحو التطور والنهضة بأساليب العلم والتقنية الحديثة, وإحداث تنمية شاملة. والانتقال بأبناء الأمة بقفزات كبيرة نحو مستوى الأمم المتقدمة في المدينة.
1- إن الصراع بين المشروعين العربي والصهيوني, هو صراع شامل, يقع في قمة الحرب. والحرب العصرية حرب شاملة تتعدى الجيوش والأسلحة, إلى كافة مجالات الحياة. فلا بد من تسخير موارد الأمة في خوض هذا الصراع حتى تُجبر الأعداء على الرحيل عن أرض فلسطين. وبما أن الصراع شامل, فلا بد من إشراك القوى الشعبية في الجهاد المقدس والعمل الشعبي المسلح.
ولما كان الصراع يستند إلى القوة, وفي مقدمتها القوة العسكرية, فإن العدو الصهيوني يملك من إمكانات القوة العسكرية ذات تقنية فنية متطورة, لذلك فإن العمل الشعبي المسلح هو سبيل مهم لإرباك القوة العسكرية المنظمة, ولنا في العمل الفدائي في لبنان وغزة نموذجا على الصمود بوجه الآلة العسكرية.
2- وهناك مصدر قوة هائل يمتلكه العرب, ويؤثر في معسكر الأعداء, إلا وهو النفط, فالدول العربية تمتلك حوالي 60-70% من احتياط النفط العالمي. وهناك أربع دول عربية (السعودية, العراق, الكويت, الإمارات) هي القادرة على سد النقص الذي سيحصل بين العرض والطلب على النفط.
لقد سبق أن هدد العرب باستخدام النفط سلاحاً في المعركة القومية, وكيف كانت النتائج, وعليه أن نتصور ماذا ستكون الحال عليه لو استخدم العرب قوة النفط في الدفاع عن قضاياهم القومية ومصالحهم الوطنية.
ومع ذلك فإن هذا الموضوع لا بد أن يأخذ مكاناً في اهتماماتنا الثقافية, لخلق وعي حوله. والتذكير دائماً أن العدو الامبريالي الصهيوني, لم يكتف بفرض سياسته حول كميات التصدير والأسعار, بل يستثمر غالبية عوائد النفط العربي من خلال البنوك الأجنبية. وبالتالي فإن أبناء شعبنا في فلسطين والعراق يُقتلون بواسطة أو مساعدة المال العربي. فأية جريمة أفظع من هذه الجريمة..?!
3- وإذ ننادي نحن باستمرار للجهاد, لا بد أن ننظر إلى وقائع ما يجري فوق ثرى فلسطين, من قتل وتهديم البيوت, وجرف التربة وقطع الأشجار وثلوث البيئة, ومحاصرة الشعب وتجويعه. فالعبء صار كبيراً, ولا بد من دعم أبناء الشعب لكي يستمر الصمود بوتائر متصاعدة. لذا يجب علينا أن نروج لفكرة اقتطاع دولار واحد عن كل برميل نفط يُصدّر من الدول العربية.
إنني أعرف أن مقترحات الكتاب والباحثين العرب, لا يسمعها إلا أمثالهم, وليس هناك تأثير فاعل لهذه الآراء والمقترحات لدى صانعي القرار, بل صار العكس, إذ أن بعض الكتاب يروجون لسياسات الحكام مهما كانت نتائجها.
ومع ذلك فإن هذا التصرف يجب أن لا يقودنا إلى اليأس, بل لا بد من تعميق الوعي لدى الأجيال الشابة بالثوابت القومية والمبادئ والقيم العليا, لكي نواجه ثقافة العولمة والتشظية والتفتيت ونظام السوق والغزو الثقافي والتطبيع.
4- إن المطلوب من المثقفين والقوى السياسية والشعبية, إزاحة الرماد عن القشرة, لتطهير جذوة الأمة المتقدة, لكي ندرك أن الأمة ما زالت بخير وقادرة على العطاء بدون حدود, وقادرة على الإبداع بأعلى المستويات.
وقد ساهمت ومضات النضال والصمود في العراق وفلسطين ولبنان في إظهار معدن الأمة الأصيل, وكشف زيف الأنظمة القطرية التي تعرت سياساتها أمام مطالب الجماهير. ومطلوب من المثقفين العرب أن يُعمقوا الوعي القومي الوحدوي التحريري لدى الأجيال الشابة, ورفض مشاريع التسوية مع العدو, ومقاومة سياسات التطبيع والشرق أوسطية, والعمل بدلاً منها, على تعزيز التنمية الاقتصادية والبشرية, واستثمار الطاقات العربية المادية والمعنوية في خدمة مشروع الوحدة والنهضة والتقدم.
5- وخلاصة القول -فالأمة العربية- ليست لقمة سائغة صغيرة يسهل بلعها من قبل الصهاينة, أو يسهل ترويضها وقتل روح المقاومة لديها. فالأمة كثيرة العدد وفيرة الخيرات, لديها من العلماء ما يفوق عدد اليهود الصهاينة كلهم.
المهم هو كيف يتم استنهاض أبناء الأمة في كل الأقطار, ليشكلوا مصابيح وهاجة تكشف ظلمة الغش والخداع الذي فرضته الأنظمة القطرية. وتتحول الأمة من حالة الخنوع والنكوص, إلى حالة النهوض والتقدم والنهضة, لكي تضطلع بحمل رسالتها الإنسانية الخيرة لكل البشرية. وعندها سينتصر المشروع القومي التحرري الإنساني, ويندحر مشروع العدوان والتخلف الفكري.0
وإن غداً لناظره قريب إن شاء الله
#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟