|
إنطفاء .....اليسار !
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 3403 - 2011 / 6 / 21 - 16:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ارتبط اليسار تاريخياً بأهداف جاذبة تنسجم مع طموحات الشعوب كالعدالة الاجتماعية، والانحياز لمصالح العمال والفلاحين والكادحين والفقراء، والنضال ضد الاستعمار والظلم والعدوان في معارك لا تعرف الهوادة، والتضامن مع الشعوب المناضلة، وبالعلمانية والتحرر الاجتماعي ومساواة المرأة، وارتبط أيضاً برموز ثورية متفانية، أمثال : فهد، فرج الله الحلو، الشفيع، محجوب، غسان كنفاني، فؤاد الشمالي، شهدي عطية.... وغيرهم كثر. وكان لليسار حضور مميز في النقابات والصحافة والحياة الفكرية والفنون والنقد، جاء ذلك في مرحلة صعود اليسار على صعيد عالمي وأثناء تصدره لحركات تحرر وطني عديدة. غير ان اليسار حمل في صعوده بذور ازمة ساهمت في تدمير مقومات مشروعه للتغيير. فالالتحاق بالمركز الشيوعي العالمي وسياساته الخاطئة، والالتحاق بأنظمة الاستقلال الديكتاتورية، التحاقان أضعفا بنية اليسار الفكرية والديمقراطية إضعافاً شديداً وانتزعا منه زمام المبادرة والتأثير في صناعة الحدث. وفي هذه الأثناء التزمت الأحزاب اليسارية بأولوية السياسي على النظري والمبدئي الى المستوى الذي بات معه تبني الماركسية ليس بوصفها دليلا للعمل بل من أجل أبعاد عملية وبراغماتية. شهد اليسار حالة من الجمود والترهل والعجز امام ثقافة الديكتاتورية، وشيئا فشيئا تعاملت العديد من الاحزاب الشيوعية كأصولية ايديولوجية وتنظيمية. غير ان الافلاس الفكري أدى الى انتقال ماويين وشيوعيين وقوميين من اليسار الى الاسلام السياسي بعد قيام الثورة الاسلامية الايرانية، وأدى الى تعميق تبعية احزاب شيوعية بالانظمة الديكتاتورية. لكن انهيار (الاتحاد السوفياتي) المركز والمرجعية أتى وبالضربة القاضية على هامش استقلال الاحزاب والتنتظيمات اليسارية عن انظمتها مرة واحدة والى غير رجعة، ودفعها الى الالتحاق بالانظمة التحاقاً تبعياً، عوضاً عن إجراء المراجعة النقدية واستخلاص دروس تلك المرحلة التاريخية. الاختبار الحقيقي للاحزاب اليسارية والشيوعية جاء مع اندلاع الثورات العربية، التي كشفت الحجم الضئيل لليسار وضعف تأثيره وخوفه من مطلب إسقاط النظام. لقد طرح حزب التجمع اليساري في مصر أهدافا أقل بكثير من أهداف ثورة الشباب، وكان في مقدمة المهرولين الى الحوار مع عمر سليمان الذي كان هدفه الالتفاف على مطالب ملايين المصريين المنتفضين. لم يقدم التجمع اية مبادرات تفصله عن الحزب الحاكم طوال الازمة، وانعكس ذلك على نفوذه الجماهيري الذي لم يسجل تحسنا خلال الثورة وما بعد اسقاط مبارك ورموز النظام والحزب الحاكم. الحزب الشيوعي السوري قدم نموذجا مدهشا في تبعيته للنظام، فكان الحزب بحاجة الى انتفاضة كي يتنبه الى وجود "ثغرات" في الحياة السياسية كقانون الطوارئ، وغياب قوانين ناظمة للعمل السياسي، وتدهور الاوضاع المعيشية. ويفهم من البيان انه لولا الانتفاضة لما تعرف الحزب على تلك الثغرات!! البيان يتحدث عن امتداد الاحتجاجات الى مدن سورية أخرى مستغلة بعض الاساليب الامنية الخاطئة. يلاحظ هنا انزعاج الحزب من انتشار الاحتجاجات التي لا مبرر لها بعد قرارات الرئيس المتمثلة بإلغاء محكمة أمن الدولة، وإلغاء حالة الطوارئ، والسماح بالتظاهر السلمي وفقاً للقانون. الحزب يريد وقف الاحتجاجات لأن تطبيق القرارات مشروط "بعودة الحياة الطبيعية والهادئة الى مدن البلاد" كما ورد في نص البيان. إن القمع الدموي الذي اودى بحياة 1300 معظمهم من المدنيين السوريين العزل والابرياء لا يحرك شعرة في رؤوس قيادة الحزب، كما ان العقوبات الجماعية واستخدام الاسلحة الثقيلة التي شردت آلافاً مؤلفة من السوريين داخل وخارج سورية لا تستحق اكثر من إشارة عابرة وليس نقدا الى "بعض الاساليب الامنية الخاطئة". ويتفنن الحزب الشيوعي السوري (بكداش) في عزف مقطوعة المؤامرة التي يشارك فيها إسرائيل ودوائر الغرب والاعلام وتكنولوجيا التزييف التي تعتمد المبالغة والتهييج النفسي ضد النظام الذي نجح في إفشال مخطط الشرق الأوسط الجديد، ومنع تصفية المقاومة الفلسطينية. ويؤكد البيان ان النهج الوطني للنظام أقوى من أن تسقطه المؤامرات. يلاحظ هنا تبرير ظلم وقهر وديكتاتورية النظام بدعوى مواجهة إسرائيل والمشاريع الاميركية. والسؤال هنا لماذا لا تتم تلك المواجهة الموعودة في ظل حريات ديمقراطية داخلية ينعم فيها الشعب كي يكون افضل سند للنظام وهو يقاوم ويمانع. ألم يرفض الشعب السوري الاحتلال والاستعمار لأنه ينهب البلد ويفقر الشعب ويدوس على كرامته وحريته. وإذا ما قام النظام بالنهب والافقار والقهر والقمع ألا يتشابه مع الاستعمار والاحتلال الخارجي. الحزب الشيوعي اللبناني يتقاطع مع شقيقه الحزب السوري في الحديث عن الفتنة الداخلية التي تحركها إسرائيل والامبريالية والقوى العميلة الداخلية، وفي عدم التضامن مع الشعب السوري الذي يتعرض لتنكيل دموي، وفي عدم إدانة هذا القمع. والاهم يتفق الحزبان على رفض عملية التغيير الديمقراطية السلمية والمشروعة. أما اليسار الفلسطيني فيتأرجح موقفه بين اللوذ بالصمت كأضعف الايمان وبين تأييد النظام وتكرار رواياته وتحليلاته الفاقدة للصدقية. ما حدث في مخيم اليرموك اثناء تشييع شهداء 5 حزيران الجاري الذين سقطوا على حدود الجولان المحتل، يكشف انفصال قيادة الفصائل عن الشعب الفلسطيني، فقد رفع المتظاهرون شعار: "الشعب يريد إسقاط الفصائل"، ورشقوا السيارات الفارهة التي تحمل القيادات بالحجارة، واحرقوا بعض المقرات ولم يكن رد البعض بأقل دموية، عندما سقط شهداء فلسطينيون بسلاح فلسطيني. لقد اسقطت الثورات العربية المنظومة الفكرية للنظام العربي المريض التي تنتمي لها اكثرية الاحزاب اليسارية، وشرعت باستبدال الهويات الاثنية والطائفية والمذهبية الدينية بالهوية الوطنية، واستبدلت الشرق الاوسط بربيع عربي وثورة عربية ونظام عربي جديد، واعتمدت الشعب كمرجعية ومصدر للشرعية. لم تتحسس احزاب اليسار طبيعة الثورة الديمقراطية السلمية بعد انفكاك الجسم الحي – الفئات الشبابية - في المجتمعات العربية عن النظام البطريركي. ولم تتوقف عند مطالبها العادلة : حرية، عمل، خبز. الحرية هي أولوية لدى كل الشعوب العربية. ومواجهة الامبريالية هي كذبة كبرى اذا انفصلت عن الحرية.. عن الشعب.... الشعوب. لذلك فإن حل المسألة الوطنية التي عجزت الانظمة عن حلها خلال نصف قرن، باتت مقترنة بانتزاع الشعوب لحرياتها ولكرامتها. إذا كان امتناع اليسار عن المراجعة والتغيير والمبادرة قد عبر عن افلاس فكري مريع، فإن عدم دفاعه عن حرية الشعوب وهي تتعرض لابشع اشكال القمع الدموي يعبر عن إفلاسه الأخلاقي وهو أسوأ أنواع الإفلاس.
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نداء آية براذعية * ما زال يطن في الأذن!!
-
اللا معقول في تصفيق الكونغرس ....ومبايعة نصر الله
-
فعاليات إحياء الذكرى63 للنكبة تحيي أملا جديدا
-
هل تجاوزت حماس وفتح اختلالاتهما؟
-
هل يملك النظام السوري حلا للأزمة؟
-
جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل
-
اغتيال جوليانو خميس ...اغتيال لثقافة الحرية
-
القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي
-
ثقافة ثورية إنسانية ...وثقافة فاسدة
-
اربعة مشاهد دراماتيكية مخزية
-
الثورة المصرية والتغيير الفلسطيني المأمول
-
ظاهرة دحلان...... الى اين؟
-
التفكير الآمن أولا !!!
-
التفكير الآمن ......!!!
-
استقلال المرجعية الثقافية..... ام تبعيتها!!
-
القرضاوي عالم دين ام رجل سياسة؟
-
مكانة الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني
-
قمة بدون قاعدة....!
-
الحريم.. صراع العقل والجسد
-
انفصالنا عن الرموز
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|