|
المثقف العراقي..وتضخّم الأنا
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 3403 - 2011 / 6 / 21 - 09:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
علينا بدءا أن نميز بين ثلاثة مفاهيم تبدو لكثيرين متشابهة غير أنها مختلفة في التشخيص النفسي،هي: قوة الأنا ،ونرجسية الأنا ،وتضخّم الأنا. و(الأنا)،وبعضهم يساويه بـ(الذات)،هو المكوّن الرئيس في الشخصية الذي يتعامل مع متطلبات الواقع.. ثقافية كانت ام سياسية او اجتماعية او عاطفية...واذا اعتبرنا الشخصية (مؤسسة) فان الأنا هذا هو مديرها التنفيذي المسؤول عن اتخاذ القرارات. ولك ان تقول ان تباين الناس في تصرفاتهم يعود في أحد أسبابه الجوهرية الى تباينهم في طبيعة (الأنا)لديهم ..من حيث قوته او ضعفه أو حجمه ،وما اذا كان واقعيا في أهدافه وعقلانيا في اشباعه لحاجات صاحبه..العاطفية بشكل خاص ،او مثاليا يتسامى على الواقع بسلوك قريب من الكمال. و (قوة الأنا) تعني ان صاحبه يمتلك شخصية عقلانية..يتعامل مع الناس والأحداث بواقعية مجردة،ويقيس الأمور والآخرين من حوله وفقا لأحجامها الحقيقة.فهو لا يعظّم شخصا و"ينفخ" فيه،ولا يبخس حق شخص آخر يحظى بامتياز مستحق..حتى لو كان منافسا له في مهنته او تخصصه. وهو يقيس نفسه ايضا بحجمها الحقيقي ،مقدّرا لأيجابيات يمتلكها فعلا (عقلية،ثقافية،علمية،فنية...) ومعترفا بسلبيات فيه (نقص معرفي..تقلّب مزاج..).وبهذا يتمتع صاحب قوة الأنا باحترامه لذاته واعتزازه الايجابي بنفسه ،ولا يضطر لاشعوره الشخصي الى استعمال آليات نفسية مشوّهة للواقع وبخاصة:الانكار والتبرير والأسقاط (ترحيل عيوب النفس على آخرين). اما (تضخّم الأنا) فان صاحبه يعمد الى أن يبدو للآخرين بحجم أكبر من حجمه الحقيقي،لاسيما في قدرات معرفية يمتلكها فعلا. فاذا كان شاعرا مثلا فانه يعدّ ّنفسه "أشعر " من فلان وفلان ..مع أنه بمستواهما أو دون ذلك في مقاييس الابداع الشعري. وعلّته أنه تتحكم به حاجة قسرية هي تكبير حجمه وتصغير حجوم الآخرين العاملين معه بنفس مجال نشاطه الفكري والثقافي،ناجمة عن أنه يكون في الغالب من نوع الشخصية الاحتوائية التي من خصائصها السعي الى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم سواء بالابهار أو بأساليب درامية التوائية أو " فذلكية". وبسبب هذه الحالة النفسية غير المستقرة فان اللاشعور الشخصي لدى المصاب بـ(تضخم الأنا) يعمد الى ممارسة الانكار والتبرير والاسقاط لخفض القلق لديه الناجم من رفضه الاعتراف بواقع حجمه الحقيقي وحجوم آخرين أكبر. ان استمرار ممارسة (تضخم الأنا) تفضي في الغالب الى ( الأنا النرجسي) ..وهنا ندخل في اضطراب نفسي حقيقي يكون صاحبه استغلاليا في علاقاته الشخصية ،ولديه احساس الزهو بالذات ،والمبالغة في انجازاته،ويبدو للآخرين وكأنه كتب على جبهته ( انا مميز)..أي عليكم ان تفضلوني على أنفسكم وتمنحوني الحب والاعجاب والاعتبار متى اردتها.. دون مقابل. هذا يعني أننا اذا وضعنا المفاهيم الثلاثة على خط مستقيم فان ( قوة الأنا) تكون في طرفه الايجابي ،و(تضخم الأنا) في الوسط و (نرجسية الأنا) في طرفه السلبي.أي أن الأولى حالة نفسية صحية والثانية "بين بين" والثالثة اضطراب أو مرض نفسي. لقد عايشت مثقفين عراقيين كثر.ففي السبعينيات كنت مذيعا في اذاعة بغداد وعملت بقسم البرامج الثقافية الذي كان يترأسه الشاعر حسب الشيخ جعفر،ويعمل فيه الشاعر حسين مردان.وعملت صحفيا بمجلة الاذاعة والتلفزيون التي كان يترأسها الشاعر زهير الدجيلي ويعمل فيها مثقفون بارزون يترأسون الآن مؤسسات ثقافية واعلامية مثل :زهير الجزائري وفالح عبد الجبار ومحمد الجزائري وفاطمة محسن..وعملت ايضا في مجلة (الثقافة الجديدة)،وتدريسيا باكاديمية الفنون الجميلة .أقول هذا لأن بعض مثقفي الجيل الجديد سيقول عني ما لهذا الرجل والثقافة ،وليتبينوا أنني لا أتحدث من منطلق علم النفس فقط بل من خبرة عملية تزيد على ثلاثة عقود تعرفت فيها على مثقفين كبارا في الأدب والشعر والمسرح والسينما والموسيقى والفن التشكيلي والفنون الاذاعية. ولقد وجدتهم يتوزعون على هذا الأصناف الثلاثة .فالراحل جعفر السعدي كان مثالا للمثقف المتمتع بـ(قوة الأنا)..ومثله ابراهيم جلال مع شيء لطيف من نرجسية مستحقة!.وعوني كرومي يدفعك تواضعه الى أن تزيد له من حجم (أناه)..وحسين مردان كافر بأناه وبالدنيا ايضا..وفائق حسن بقي حيا برغم انه تحول الى رماد ،وليلى العطار التي كنت التقيها بمكتبها في شارع حيفا لتحليل شخصيتها ولوحاتها كانت جميلة الشكل والفن والأنا مع نرجسية مستحقة ايضا..وصولا الى كامل شياع الذي تتجسد فيه (قوة أنا) ثقافية ..جميلة..كاخلاقه الراقية. وطبيعي انني لا اتحدث عن مصابين بتضخم الأنا..رحلوا..لكنني اجد أن ( تضخم الأنا) أصبح ظاهرة شائعة بين المثقفين العراقيين بعد التغيير..بانت بوادرها لي في أول اجتماع عقده مثقفو العراق في قاعة الأدريسي بكلية الآداب بعد ثلاثة أسابيع من اطاحة النظام .ثم في المؤتمر الأول للمثقفين العراقيين الذي عقد أيام كان الأخ مفيد الجزائري وزيرا للثقافة وكنت عضوا في هيئته التحضيرية( وليت وزير الثقافة الحالي الدكتور والصديق سعدون الدليمي يعمل على عقد مؤتمر ثان يفعّل توصيات المؤتمر الأول..ويزيد).ووجدته (تضخم الأنا) قد تجسد بوضوح في المؤتمر التأسيسي للمجلس العراقي للثقافة الذي عقد في عمان – الأردن عام 2007 بجهود الشاعر ابراهيم الزبيدي،وضمّ نخبة كبيرة من مثقفي العراق في الداخل والخارج، وكان (تضخم الأنا ) السبب في انهياره. ثم لقاء للمثقفين بفندق منصور ميليا بدعوة من المستشار الاعلامي ياسين مجيد بهدف تأسيس مجلس أعلى للثقافة..وكنت حاضرا فيه ايضا بمهاتفة شخصية من جنابه كصديق اذ أنني أحمل شعارا هو الابتعاد عن الحكومة بمسافة انعدام الرؤية!. ان مقالتنا هذه تتضمن افتراضات يمكن أن يردّ عليها بأنها غير مثبتة تجريبيا..وهذا صحيح .غير ان الفرضية تظل حكما قائما الى حين التحقق منها تجريبيا، فمن من المثقفين العراقيين يوافق على أن يكون ضمن العينة ليثبت صحة هذه الفرضية من عدمها؟..مع طلب مني بأسماء محددة أشك بأن أصحابها من صنف المصابين بـ(تضخّم الأنا)..لابطال يقيني بذلك!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة نفسية(28): الضحك يطيل العمر
-
ثقافة نفسية(26): لماذا نحذّر من اليأس؟
-
سيكولوجيا العلاقات العاطفية في الجامعات العراقية(دراسة ميدان
...
-
ثقافة نفسية(24):تدمير الذات
-
ثقافة نفسية(25): دردشة الأزواج عبر النت..خيانة؟
-
ثقافة نفسية (23):الطلاق العاطفي
-
ثقافة نفسية(22):من أنت..الشاكي الباكي..أم أبو الهول الصامت؟
-
ثقافة نفسية(20) :عفريت الحب
-
ثقافة نفسية(21): ما سرّ مزاجنا؟
-
القيظ..وتوتر الأعصاب..وثلاث نصائح للعراقين
-
بطلا تسونامي العرب
-
العراقيون..وشخصية (اما..أو)
-
الشيزوفرينيا..هل هي قدر المثقف الأصيل؟!
-
الشيزوفرينيا..مرض وراثي أم ضريبة الحضارة؟
-
انتحاري الارهابي...ابن السلطة العربية
-
سيكولوجيا الفساد في العراق
-
التحولات السيكولوجية في الانتخابات العراقية (2-2)
-
التحولات السيكولوجية في الانتخابات العراقية من سيفوز في عام
...
-
آخر القمم..أولها
-
أبو ليله..و..عادله خاتون
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|