عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 1014 - 2004 / 11 / 11 - 08:28
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
أعظم الشعوب كفاحا عمليا في التاريخ يستحيل شعباً سادياً
لمجرد أنه أعاد إنتخاب رئيسا سابقاً له .. أرأيت ما يُضحك الثكلى !!!
لن نستحضر روح - سيغمنت فرويد - لتتحفنا بالمعنى الدقيق لمُصطلح - السادي أو السادية - فمن المُحتمل أن - صديقنا حديدي - لم يعني بالضبط - شعب سادي , أو ديمقراطية سادية ( : تعبير شديد الغرابة والإبهار , أعتقد سيفعل فعله في سايكولوجية الأمم الديمقراطية , فتتبنى نُظما إستبدادية لتعيد فرامل التاريخ إلى عهد لويس السادس عشر , الأمر الذي سيُحفز خلايا القمع الأصولي لتتمخض شماتة ساخرة بالتطور المدني المُلحد ).. أو ناخبون ساديون - يتناغمون على صفير السياط الجهنمية لحراس أبو غريب البرابرة !! فالدي أظنه أن محتوى تعبيره كان ينطوي على نوع من الملامة أو العتب الجارح للشعب الأميركي الذي خيبَ آمال الإنسانيين جداً والأخلاقيين جداً والثوريين جدا جدا لإنتخابه الموصوم بالعار وغير المنصف - جورش بوش - المُثقل بخطايا هذا الكوكب المقعر !! أو لأن - حديدي- أصلا مُغرم بالتهويل الذي سوف تكون أصداءه باهتة بدون المُفردة البراقة , يرفد ذلك بالطبع كونه أديبا ومترجم أدبي !! لكن المشكلة أن البلاغة مع أهميتها القصوى فإنها تغدو ضامرة صفراء أزاء حقائق الواقع الدامغة , أو بمعنى أكثر تحديدا , أنها حين تُوظف لتشويه الواقع فإنها تصير بضاعة فاسدة غير قابلة للصرف , مثل - وعيد - ( أياد علاوي ) الذي لم يتوفر له سوق للتصريف !! بضاعة فاسدة على شاكلة كُتاب وشعراء الإرتزاق الذين نحتوا ولم يزالوا تماثيل الشمع التي ذابت بسرعة البُروق تحت أول ضربة وهج : صليبي , كهنوتي , قساوسي , أُسقفي , نصراني .. كما ينثر - حديدي - ومن على زفيره العقيدي الألفاظ والمصطلحات على حركة التاريخ!!! غير أن تلك التماثيل رغم شمعيتها المائعة , كانت تتراءى لسياسي الغرب الأوروبي وصُحفييه المخضرمين , والذين كثيراً ما يقتبس من أقوالهم ومواعظهم - صبحي حديدي - , تتراءى أصلب عظما وجمجمة وقلباً من - إله اليونان فوق قمم الأولمب - !!
بالمناسبة أغلبية الكُتاب والصحفيين والمُنظرين والدكاترة الأكادميين - المصريين والسوريين والفلسطينيين - دوما وفي جميع لقاءاتهم وكتاباتهم ومداخلاتهم - يقتبسون أو يستشهدون بما يصدر عن الصحف البريطانية والفرنسية والأميركية - مع فارق أن - حديدي - يكون إقتباسه ذات عدة أبعاد , مثل واضعي كُتب الأحاديث النبوية :[ عن عبد الله بن عُمر , عن أبو هريرة , عن عائشة , عن بشار الأسد , عن حافظ الأسد قال : أن مجزرة مدينة حماة السورية قد قتل فيها أكثر من خمسين ألفاً , وشرد أكثر من ثلاثين ألفاً , وإختفى في غياهب السجون ما يقرب من ثلاثين ألفأ , وأن صنديد هذه المذبحة بجدارة هو رفعت الأسد !! هذه السادية مُخففة بعض الشيء , لذلك تراها لا تحفز الحس البشري !!!].. طبعا ليس ثمة ضير أو عيب في الإستشهاد أو الإقتباس , لكن العيب الدامي هو عندما تستحيل تلك العقول الأكاديمية المتدكترة إلى أجهزة إستنساخ ببغاوية , أو ليس بمقدورها التفريق بين الغث والسمين , بين اللغة الغبية المُعلبة المُخصصة للإستهلاك والضحك على الذقون والعيون والتي تطيح بأبواقها التحريفية أحيانا ما , مثلما حدث لـ ( بيرس مورجان رئيس تحرير صحيفة - الدايلي ميرور- الذي فصلته إدارة الصحيفة نتيجة الصور المُزيفة التي نشرتها صحيفته عن تعذيب سجين عراقي ) كذلك ( مثلما أطاح تقرير اللورد هانتون حول أسلحة العراق بمجلس أمناء الـ BBC بسبب التقرير المُفبرك للصحفي أندرو جليجان , والذي أدى إلى إنتحار خبير الأسلحة - ديفيد كيلي - ) أقول ليس بمقدورها التفريق بين هذه اللغة التحريفية وبين تلك الرصينة المرتكزة على ثوابت واقعية ومنطقية , وهنا يطرح السؤال التالي نفسه : إذاً كيف تدكترت وتأكدمت تلك الرؤوس ياترى؟ أم كونها تظل تلاحقها الدونية وعدم الثقة بالنفس فتستعيض عن ذلك بتلك الإقتباسات المشرشرة , وتلك هي حقيقتهم في أنقى صورها , فهم حتى عند إستشهادهم بتلك الأسماء فإنهم لا يذكروها بشكل خام , بل غالبا ما يسبغون عليها مفردات من قبيل : العبقري , الداهية , المُخضرم ... ويا لهم من عباقرة
ومُخضرمين حين أطلقوا العنان لتفكيرهم المُلتهب, مقرونا ومصقولا بخزينهم الخبراتي , أطلقوه ليُصور أو يُسقط معارك ستالين غراد على بغداد حين تطرق بواباتها جحافل الغزاة الأساقفة الشماليين !!!! تخيل مستوى الضحالة عندما تمارس مثل هكذا إسقاط :
في مؤلفه عن الستالينية يقول - إسحاق دوتشر - : إن المعارك التي دارت في كل شارع من شوارع ستالين غراد , كانت تعادل معارك أوروبا برمتها , وأن تسعين بالمئة من الجيش الألماني كان في روسيا ." .. لذلك فإن هزيمة الألمان في تلك المدينة , كانت نقطة الإفتراق الفاصلة في نهاية الحرب الثانية !! غير أن - بغداد لم تمارس ولو جزءً بليونيا من هذا الفعل الملحمي وسقطت بمُجنزرة مسيحية واحدة - ولم تمارسه فقط لسبب واحد بسيط , وهو أن - جورج بوش الصليبي - قاد الحرب على أسس وذرائع كاذبة مُضللة , بينما الطرف الآخر - بغداد وتماثيلها الشمعية - فقد كانوا ذوي نوايا صادقة , وعلى الدوام ترى صاحب النية الصادقة والهدف العظيم يخسر المعركة الإستهلالية غير أنه فيما بعد سوف يُلقن صَلف وغطرسة القوة دروسا في مغزى البطولة والتحدي والتضحية !! وهذا ما أنجزه التوحيديون والبعثيون والصدريون لاحقا فلقد سفكوا من الدم ما لم يبلغه الثالوث الزنديق !!
ودافيد كلارك هو أحد أولئك العباقرة - أو على شاكلتهم - الذين تنبأوا لبغداد وأصنامها بأن تتخذ ذات المنحى من صمود ستالين غراد الملحمي , وهو أيضا من ضمن الجوق المليوني الذي إجتاح طرقات المُدن الأوروبية مُناهضا ومندداً بالحرب ضد سليل رعاة العوجة , وبالتأكيد أنه كذلك من ضمن البريطانيين الذين شيدوا تمثالا كارتونيا لـ - بوش - ( نكاية به ) في زيارته لبريطانيا بعد الحرب وسحبوه وسط الهتافات والصفير مثلما فعلت الدبابة الأميركية التي سحلت صنم الفردوس في بغداد وسط هتافات الحشود العراقية !! وليس من يُوبخ أو يضع اللوم على الأوربيين الذين إحتشدوا وتظاهروا وزعقوا محتجين , فتلك ليست أول حرب يناهضونها , كإنعكاس لجراح الحرب الكونية التي لم تزل ماثلة في أذهانهم , طبعا إلى غيرها من الأسباب والمؤثرات , لكن قليلا من تلمس معنى الإستبداد , فإذا كانت جراح تلك الحرب لم تزل عالقة في الأحداق , فكذلك يوازيها في ذات الأفق سادية الغستابو الدموية , أو في زمن أقرب إنزياحا - بالنسبة - للأسبان - دكتاتورية - فرانكو العسكرية - , لكن يبدو أنهم أبعد بكثير عن هذا التلمس لكي يسقطوه على بقية الطغاة - وأي طاغية - صدام !؟ لذلك فإننا سوف نعيد التاريخ قليلا إلى الوراء , إلى ما قبل أفول - عبد الرحمن منيف - ليتلو عليهم إحدى إبتهالات شرق المتوسط :" أينما تلتفت يقع بصرك على رفوف الكُتب , على ساحل السين آلاف الكُتب , ملايين الكتب !! آه يا أهل باريس لو جئتم بـ - كُتبكُمْ هذه - إلى ساحل المتوسط الشرقي , لقضيتم حياتكم كُلها في السجون , وسوف تصابون بفايروس ( الطيور والسارس ) والتيفوئيد والطاعون وتموتون! "
وفي كل الأحوال فإن رأي هذا الشارع الأوروبي مُستوعب ومُقدر , فهو في أقل تقدير تلقائي وليست تتحكم فيه إنتهازية أو نفعية من نوع ما . وفي الطرف الآخر فإن تلك النفعية طافحة حد ( شهكة الغركان ) كما يقول - عريان السيد خلف - ومعنى تلك لمن لا يفهم اللهجة العراقية -: شهقة الغريق الذي على شفا الموت الزؤام , تكون أكثر جذباً مغناطيسياً من جذب كوكبنا هذا , بل تتتحسسها على وشك جر السماء لترطمها على هذا الكوكب لكن في أفقه الشرق متوسطي المجذوم !
الطرف الآخر الطافح بهذا الجذام , هو السياسي الأوروبي من أمثال كلارك والعُمالي الآخر جورج جالاواي وشيراك و شرودر وغيرهم من مأبوني الكوبونات المليارية !! ومن هكذا بُعد فإن ما إستشهد به حديدي عن كلارك عن وليام فولبرايت كان مُخيبا للآمال للأسف الشديد , ومخيبا جدا جدا , فأميركا السمة أو الصفة الملائكية ونقيضتها الشيطانية - النقيضة الشيطانية ليست ولن تكون في عهد جورج بوش وسياسة قضم الأنظمة التي سقطت من التاريخ وتضاريس الجغرافيا , وتدعوه شعوب تلك البقاع الخربة لتوجيه التساؤل لها حتى تُجرعه علقمها فربما يتعض , وعلى وجه الخصوص ضحايا - طالبان و صدام - شعبي العراق وأفغانستان , مع التذكير أن ندماءه الأوروبيين الذين إعترضوا على حرب العراق , لم يزالوا إلى الآن يشاركون الأميركيين في حرب أفغانستان .. النقيضة الشيطانية كانت في ذروتها في زمن - الدرة , درة الرؤساء الجمهوريين ؟ ( رونالد ريغان ).. جميع التداعيات التي يشهدها عالم اليوم المضطرب , هي حصيلة التبني الأميركي المطلق للنظم البوليسية في عقد الثمانينات وما قبلها , من تبنيها لصدام حتى إستفحل وقتل , إلى تدفق السلاح المتطور جداً والمال لتجار الحشيش والجهاد الأفغان , إلى التلاقح بحميمية أكثر توقداً مع قطيع آل سعود لنشر الأصولية الوهابية في جمهوريات السوفيت الإسلامية ومنها الشيشان التي سوف تكون مستقبلا قاعدة نموذجية للإرهاب السلفي .. وفيما يخص إنجازات تلك الحقبة ضد عالم اليسار فحَّدث ولا حرج ولا يحزنون - من أميركا الجنوبية إلى آسيا إلى أفريقيا إلى إنشقاقات الحزب الشيوعي الإيطالي , إلى... ؟؟ : ومرة أخرى نعيد الإحتمال بشأن عدم جدية - حديدي - وأنه كان يمزح في هذه الفقرة أيضاً , فما دام لم يزل يحتفظ بكلاسيكيته الشيوعية الشمولية الإستبدادية والطافحة من فحوى سرده , فقد كان الأجدر برؤيته الثاقبة أن تأخذ مساراً أكثر تركيزاً لإنهيارات مرحلة رئاسة ممثل الكاوبوي سابقا وسيد القصر الأبيض لاحقاً وصاحب العبارة الشهيرة الخالدة بحق الإتحاد السوفيتي ( أمبراطورية الشر ) : إنهيارات المنظومة الإشتراكية الزلزالية التي عبَّرَ عنها بصميمية رائدها الواعظ المغوار - ليخ فاونسا - أثناء تأبين الرئيس الدرة المغفور له !!!
وليغفر لنا الرئيس المغفور له , لأننا سوف نُوغل في التطفل أكثر ونضرع إليه ليُتحفنا باللغز العظيم الذي مَكَنه من خلق فضاء أميركي مقفر من الغاز الكاربوني !؟ كذلك بقية الممالك والجمهوريات الأوروبية والآسيوية التي إنتشلت عوالمها من التلوث البيئي , الذي فقط إدارة - جورج بوش فشلت في السيطرة عليه - لغبائها الفاحش , أو أن روحها الشريرة وعنجيتها هي التلوث البيئي بعينه !! وصدام حسين إمتلك بضعة صواريخ لايتعدى مداها مئتي كم , أخذ يعرض عورته في وجه العالم , ثم رش الجبل والسهل بالخردل والسيانيد وحرق النفط الأسود والأبيض والكبريت والغاز .. فقتلَ البشر والحجر والشجر والطير وحتى زعانف البحر والمستنقعات وقصبها وبرديها لم تسلم منه !! ليأتيك في نهاية المطاف - مُسترخ ما تحت أضوية قزحية في عالم خرافي البُعد عن حواضرنا المُلتهبة مدى الأيام - والذي لم تتحسس خياشيمه على إمتداد زمنه - جزئية فقاعية لغاز مسموم , يأتي إليك ليقول : ليس بالإمكان , او أن أنظمة لقيطة مثل نظام صدام والبازار الإيراني والبعث السوري Poor , أنظمة فقيرة بائسة غير قادرة على تلوث الزرع والضرع والمطر !! أنظمة تقول للرب : سمومنا على أهبة الإستعداد لتلوث كل الأشياء لو حاولت قلب كرسيك الأبدي !! ( غدا سوف أهديهم نصا قصصيا عن المطر الأسود والأحمر )
ويتواصل - المُنشد - بصحبة الديمقراطية الإيرانية العمائمية التي أضحت مناراً لديمقراطيات المريخ والمُشتري والزهرة , ديمقراطية العمائم التي يغتصب حراس ثورتها النساء الشيوعيات والعلمانيات عموماً قبل إعدامهن لأجل ألا يذهبن لملاقاة إلههم الجزار وهن كافرات !! لكن هنا ,- واشنطن - هي التي تقر بالديمقراطية العمائمية وليس أي أحد , وإذا قالت واشنطن , قال العالم !؟
لا ندري , لقد وقعنا في حيرة , في ورطة , اسعفونا يسعفكم الله : هل واشنطن هي رسول - إبليس الجماجمي , الجحيمي , المخادع , الكذاب , المارق .. أم أنها يسوع المسيح الإله الملاك !!.. هل تتصخر المفردات , أم يشق جمجمتك الذهول , أم ماذا ؟ ياترى هل هؤلاء يضحكون على أنفسهم , أم يسخرون بالناس , أم ماذا أيضا وأيضا !؟ يخبطون خبط عشواء , تجاهد بكل جبروت القوة الصناعية للولايات المتحدة التي ملأت الكون دُخاناً مُلوثاً والتي تخجل أزاءها الصناعة الإيرانية البائسة , لكي تفهم في أي خط أو على أي نهج يسيرون فيصيبك الإغماء من تخبطهم الأعمى , وتقرر أن تنزوي قبل أن تصاب بالفالج !!
لنعلن المآتم إذن , لكن ليس مآتم إخفاقنا وجزعنا وسط متاهات ذلك القحل البشري الفكري الحسي , إنما على الروح النبيلة الرحيمة الإنسانية لـ - ثاني أوكسيد الكاربون الأميركي - أزاء سادية شرقنا السقيم - !!!
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟