|
غاية الإنسان ؟
محمد لفته محل
الحوار المتمدن-العدد: 3402 - 2011 / 6 / 20 - 23:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سؤال فلسفي قديم طرح على الإنسان وكانت الإجابة عليه مختلفة باختلاف المجتمعات والحضارات والعصور، هذا عدا اختلافه من فيلسوف إلى آخر سواء من نفس الحضارة أو من حضارة أخرى، ومن نفس العصر أو من عصر آخر، ورغم أهمية السؤال فلسفيا إلا أن الناس لا تهتم له إلا نظريا؟ أما عمليا فتتصرف وتعيش بحسب مصالحها وعفويتها وعاداتها الاجتماعية، وهذا السؤال ارقني شخصيا منذ أن استقليت بتفكيري عن الدين وحاولت أعادت قراءة حياتي من الصفر على ضوء العلم والفلسفة، وبطبيعة الحال فان السؤال عن غايتي الشخصية قادني تلقائيا إلى غاية الإنسان، إذ كان الدين يجيب بأن العبادة هي غاية الإنسان؟ لكن الواقع ينقض هذه الفرضية تماما، فالعبادة هي عادة اجتماعية لها وظيفة نفسية، والإنسان أكبر من أن ُيحدد بهكذا غاية بسيطة، وغاية الناس فعليا هي الحصول على المال والنساء والشهرة والسلطة، هذا عدا أن خصوصية المجتمع هي التي تحدد هذه الغاية النظرية للفرد عن طريق التعليم والتوريث والتقليد الثقافي، لقد تأثرت في بداياتي بقراءة الفلسفة الوجودية ووصلت إلى نتيجتها العبثية عن غاية الإنسان؟ ربما بسبب صعوبة ظروفي الاقتصادية والنفسية والعاطفية وبسبب روتين حياتي والعمل الملل، حتى راودتني فكرة الانتحار كثيرا؟ إلا أن خوفي من الم الموت حال دون ذلك لحسن الحظ، لكني اكتشفت فيما بعد أنه رغم أن العمر قصير والحياة مسؤولية صعبة بالنسبة لي، والناس والأعراف والتقاليد متعبة لدي، إلا أن في الجسد طاقات ولذات كامنة حسية ونفسية مؤثرة ومنفعلة رغم محدودية الجسد وضعفه! تغنيه عن محدودية الحياة والجسد، وتعطيها معنى وبعدا آخر أعمق، كلذة الحب والفن والجمال والمعرفة والابتكار الخ، وأن الإنسان المبدع يخلق للوجود والأشياء أبعادا وعمقا ورؤية جديدة غالبا ما تتجاوز الزمان والمكان، المبدع هو طبيعة موازية للطبيعة، وكون داخل الكون، وتاريخ يناظر التاريخ، أنه ثورة قائمة بذاتها، وأن الإبداع هو الخلود والحياة الحقيقية الضمنية، وأن الحياة التي حولنا التي ترسمها حواسنا والمجتمع ليست هي الحياة كلها؟ فنحن نستطيع أن نكتشف فيها ونظيف أليها أبعادا وغايات جديدة عبر الإبداع، وهذا ما اقصده بالحياة الضمنية. لهذا لم أجد لحياتي معنى إلا من خلال الحب والمعرفة والفن والعمل الخلاق، وان التاريخ هو عزائي الوجودي الوحيد للخلود، لكن مع ذلك يجيب العلم أن غاية الإنسان كباقي الحيوانات هي البقاء والتكاثر، فالخلود للنوع لا للفرد مع ذلك فإننا نرث صفات أجدادنا بالجينات وسيرث أحفادنا صفاتنا بالجينات، أي نوع من الخلود الشخصي الجيني لصفاتنا، ويبين التاريخ كذلك أن الإنسان يخلد بمنجزاته وآثاره وأعماله التي صنعها وتركها، لكن الإنسان بسبب نرجسيته وأنانيته وحبه للحياة يرفض أن تحدد غايته بالبقاء والتكاثر ويرفض فنائه الشخصي والجسدي ويرفض أن يتساوى أمام الطبيعة مع الحيوانات! فابتكر غاية أسطورية وحياة أخرى موازية تلبي رغباته النرجسية في الخلود الشخصي والتي تجعل منه مركز الكون وبؤرته، وان كل المخلوقات والطبيعة في خدمته! وتجعل هذه الحياة الفانية ممهدة للحياة الأخرى الخالدة! لكنه يجهل أن طموحه للخلود هو مكانه في التاريخ وليس في الأوهام عن غايات أسطورية وحياة أخرى؟ فهناك الغايات الثقافية للإنسان المبدع كالفنان والعالم والفيلسوف، التي تؤثر وتغيّر في المجتمع والحضارة، وهذا ما يدركه المبدعون والعباقرة الذين يعيشون بمنجزاتهم وأعمالهم الفكرية والعملية التي طورت وغيرت الحضارة البشرية وارتفعت بغاية الإنسان الطبيعية إلى غايات إنسانية ثقافية. فالإنسان يخلد بأعماله الدنيوية فقط وليس في حياة ثانية وهذا ما قامت عليه أسطورة كالكامش العظيمة التي أراها مقنعة في إجابتها عن غاية الإنسان أكثر من أي فلسفة أخرى. يرى التحليل النفسي أن غاية الإنسان هي إشباع رغباته أو تصعيدها لغايات ثقافية، وترى الفلسفة البراغماتية إن غايته هي المنفعة، وترى الوجودية أن الإنسان صانع لماهيته لكنه غايته في النهاية عبثية، وترى الماركسية أن غاية الإنسان هي العمل الذي يلبي حاجاته في المجتمع الشيوعي، وترى البوذية أن الزهد والتجرد من اللذة هي غاية الإنسان. الخلاصة هي رغم أن الإنسان جزء من الطبيعة، إلا إن له إسقاطات وتصورات اجتماعية وتاريخية أو حتى شخصية موازية، للطبيعة تتجاوز غايتها المتمثلة بالبقاء والتكاثر، بشكل فلسفة أو دين أو إيديولوجيا تشكل لديه غاية موازية، أي إن للإنسان والطبيعة في علاقتهما غايتان متوازيتان، والإنسان يعيش ثنائية الغاية الثقافية والغاية الطبيعية. لان الإنسان حيوان ثنائي بين غرائزه الحيوانية ومكتسباته الإنسانية، وهو حصيلة توازي هذين القوتين في تفاعلهما أو صراعهما في ما بينهما أو ما بين الواقع.
#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاحظات حول الصراع بين مذهب السلطة ومذهب الانقلاب
-
ما هو الإسلام الحق؟
-
الرغبة والعبادة
-
موقفي من العادات والتقاليد
-
شذرات فكرية
-
ثنائية القبلية والتمدن
-
الكونية في الأديان السياسية؟
-
الاغتراب والنكوص الفكري في المجتمع العربي
-
فلسفة نزار قباني في المرأة والحب والجنس والحرية والتغيير*
-
ثنائية مدح الأنا وذمها
-
العلم وفرضية ألله
-
ألانتماء الديني بين الواقع العملي والواقع ألافتراضي
-
حضر علم الاجتماع الديني في الجامعات العربية!
-
صنم الديمقراطية
-
نحو وعي مدني
-
الإرهاب الظل
-
المرأة وصورتها الثنائية في المجتمع العربي
-
انثروبولوجيا دينية
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|