أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر صالح - الغضب الجمعي - الثائر - والغضب الجمعي - الجائر -















المزيد.....

الغضب الجمعي - الثائر - والغضب الجمعي - الجائر -


عامر صالح
(Amer Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 3402 - 2011 / 6 / 20 - 17:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" محاولة سيكولوجية لفهم طابع الحركات الاحتجاجية ـ المطلبية والقوى المضادة لها "

إن الانتفاضات والحركات الاحتجاجية التي تعم الشارع العربي اليوم هي من نوع المعارك التاريخية الفاصلة والحاسمة بين فريقين متناقضين, هما فريق السلطات الحاكمة التي فقدت شرعية وجودها على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخانقة والمتراكمة عبر عقود من الزمن, ويمثل هذا الفريق الأنظمة الدكتاتورية والقمعية المستبدة في البلدان العربية والقوى التي تسير ورائها وتدعمها, والفريق الثاني هو قوى الانتفاضات الشعبية ذات المصلحة الأساسية في عملية التغير التقدمي, والمطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية. ولكل فريق " جمهوره " الخاص والذي يتشكل في سياقات الغضب المتراكم في اتجاهين متنافرين: غضب السلطة وسدنتها وأعوانها, وغضب الثوار. ما هي طبيعة الغضب الجمعي لدى الفريقين, وما هي دلالاته, وكيف ينشأ لدى الفريقين, وما هي تداعياته, ذلك ما نطمح إلى تبيان اتجاهاته الرئيسية في هذه المحاولة المتواضعة !!!.

إن الانفعالات بصورة عامة هي من أهم الخصائص والمقومات التي تجعل لحياة الإنسان معنى. وبدون القدرة أو الطاقة على الانفعال تصبح الحياة غير ذات معنى, شبيهة بحياة الجماد الذي لا يحس ولا يشعر ولا ينفعل. إن الحياة بدون انفعالات تصبح لاهي محزنة ولاهي سارة. ولا نستطيع أن نتصور حياة بدون انفعالات. فالحياة والانفعال شيئان متلازمان لا وجود لأحدهما دون الآخر.

والغاية من الانفعالات هو تحقيق السعادة الشخصية والتكيف مع النفس ومع البيئة المحيطة. ويعتبر الانفعال من العناصر المهمة في تفاعلنا مع البيئة المحيطة بنا, وله تأثير قوي في وظائف جسمنا, وفي إدراكنا للعالم المحيط بنا, وفي قدرتنا على التفكير والتعلم والتفاعل مع الآخرين وفي كافة مظاهر حياتنا. وكون الانفعال ضروريا لحياة الإنسان لا ينافي أنه لا بد للإنسان أن يعمل على ضبط انفعالاته والتحكم فيها, لأن عجزه عن ضبطها والتحكم فيها من شأنه أن يؤدي إلى ضروب من الاضطرابات النفسية والعقلية والجسمية ويعرقل عملية التكيف السليم للبيئة الاجتماعية. وحديثنا هنا هو مكرس فقط للغضب باعتباره احد مظاهر الانفعالات التي تبدو واضحة في السلوك الفردي والجمعي للمجتمعات !!!!!.

الغضب في اللغة: غضب يغضب غضبا, قال ابن فارس: " الغين والضاد والباء أصل صحيح يدل على شدة وقوة. يقال إن الغضبة: الصخرة, ومنه اشتق الغضب, لأنه اشتداد السخط". وفي الاصطلاح: عرفه الجرجاني بأنه: " تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر", وعرفه الغزالي: " غليان دم القلب بطلب الانتقام", وفي المعجم الوسيط: " غضب عليه غضبا سخط عليه وأراد الانتقام منه.... ".

والغضب من الناحية السيكولوجية: هو سلوك متعلم تختلف حدته من الاستثارة الخفيفة وانتهاء إلى الثورة الحادة, وقد يعرف الغضب بأنه حالة انفعال عاطفي حادة طبيعية وصحية وإنسانية, ولكن عندما يخرج الفرد من قدرة السيطرة والتحكم فيه فانه يتحول إلى مشكلة هدامة تؤدي إلى شرخ في العلاقات الاجتماعية والأسرية وحتى الثقافية والاقتصادية.

وللغضب أعراض مختلفة تظهر واضحة في السلوك الظاهر, والتغيرات الفسيولوجية للجسم وكذلك في المشاعر والادراكات الداخلية, ويمكن تلخيصها عموما بالأعراض التالية: ضربات القلب السريعة, تغير لون البشرة, ضغط الدم المرتفع, زيادة توتر العضلات, اتساق حدقة العين, التنفس السطحي غير العميق, انكماش الجلد, الاتجاه العام للجسم والاستعداد للحركة كالجري والهجوم, تغير الصوت في الطبقة والشدة,التصرفات العشوائية, التدفق الكلامي, طبيعة حكم الشخص على مشاعره وشدتها ونوعيتها, كما يتسم السلوك العام بالتكثيف, والاعتباطية, والاندفاع وعدم التبصر, التناقض وعدم الاتساق, وعدم إقامة أي اعتبار للنتائج !!!!!.

والغضب على المستوى الفردي ينشأ بفعل عوامل الإرهاق, والجوع, والألم, والمرض, والإحباط, والقلق, والتفسير السلبي للمواقف, وجود قناعات مسبقة عن بعض الأشخاص أو الأحداث أو القضايا, العجز عن الحوار أو عدم الرغبة فيه, استعصاء حل المشكلات واستمرارها, الاستعجال, التغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية بالنسبة للمرأة أو الوصول إلى سن انقطاع الطمث, الفشل في ممارسة الجنس, الاعتماد على عقاقير بعينها أو الانسحاب من تأثير مخدر, الاضطرابات النفسية مثل الاضطرابات الوجدانية ثنائية القطب " الهوس والاكتئاب ", الجينات الوراثية ودورها في تحديد السمات الشخصية ورسم ملامح الطباع والخطوط الأولية لمظاهر السلوك الإنساني, الشعور بالدونية, تباين القيم والتقاليد الاجتماعية, الضغط النفسي, المشاكل الزوجية والأسرية, الخلافات الفكرية والصراعات الطبقية, الصراعات السياسية, الإحساس بالظلم, الإحساس بأن الطريق مسدود أمام الشخص, تقييد الحريات الفردية والتجاوز عليها, النقاط الحساسة بالشخصية, الحرمان من إشباع بعض الحاجات, البطالة, الفقر, الاستغلال, الرفض الاجتماعي للشخصية, والمعاناة من الفساد بمختلف مظاهره في البيئة المحيطة !!!!.

أما الغضب الجمعي و" الثائر " منه بشكل خاص فيتشكل من خلال حالة الوعي الجمعي بالمشكلات المشتركة بين أفراد المجتمع والمستعصية على الحل, كالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, والتي تبدو بشكل واضح في انتشار الفقر والتفاوت المريع للدخول, وخاصة القائم منه على خلفية الفساد الإداري والمالي والسياسي, والمتمثل بالرشوة والمحسوبية والمحاباة والوساطة والابتزاز والتزوير وسرقة المال العام وغيرها, وخاصة عندما يكون الفساد اكبر حجما من المحاسبة ويصبح ثقافة شائعة تنهك أفراد المجتمع, ويدخل ضمن التركيبية السياسية للدولة, إلى جانب انعدام أو ضعف الخدمات العامة, من صحة وتعليم وماء وكهرباء وضمانات اجتماعية مختلفة,وعدم تفعيل دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي في إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية, وانعدام فرص العمل للمواطنين, يقابل ذلك في الطرف الآخر ثراء فاحشا وغير نزيه لشرائح اجتماعية وسياسية وقيادات في الدولة والأحزاب الحاكمة, الأمر الذي يترك انطباعا غير قابل للطعن بأن الدولة وقياداتها وأحزابها هي مصدر الظلم الاجتماعي ومسببه الرئيسي, وهي مصدر اهانة أفراد المجتمع وإذلالهم وتميزهم وتأليبهم على بعضهم سياسيا ومذهبيا وطائفيا واثنيا !!!!.

وتولد هذه السياسات بمجملها حالات من الكبت والقمع والحرمان المتواصل, وكلما زادت فترة الكبت للمشاعر المصاحبة فهي تشكل أرضا خصبة لغضبا جمعيا ثائرا وهو محمود ومطلوب حيث الحاجة إليه لإثبات ذات الفرد والمجتمع ووجودهما, واخذ الحقوق ممن ظلموه وسلبوا إرادته في الحرية الحقيقية والعيش الكريم, فالغضب الجمعي الثائر هنا هو حالة صحية وسوية للتعبير عن كبت المشاعر التي خنقت داخل الذات المجتمعية بفعل عوامل القمع والحرمان وانعدام الحريات والعدالة الاجتماعية, وهكذا جاءت انتفاضات الشعب التونسي والمصري واليمني ترجمة حية لطول كبت مشاعر الحرمان والفقر والفاقة التي تركتها الأنظمة الدكتاتورية, وهكذا جاءت الاحتجاجات المطلبية العراقية تعبيرا حيا وصادقا عن عمق أزمة الفساد السياسي والإداري والمالي الذي لا نلتمس فيه أفقا للحل, وهو نذير بمزيد من الاحتقانات والإعمال الاحتجاجية الناتجة عنه !!!!.

أما غضب السلطة الحاكمة وأجهزتها وأعوانها والذي أطلقت عليه بالغضب الجمعي " الجائر " فهو غضب الثورة المضادة, والتي تحاول بكل ما أتت به من بقايا القوة لعرقلة وتأخير اختمار الغضب الجمعي " الثائر ", وغضب السلطة الجمعي الجائر هو من نوع غضب " القطيع " نسبة إلى قطيع الأغنام الذي تتحرك جموعه بإشارة من الراعي الكبير ومن الدكتاتور الأوحد, فهذه الجموع لا تتحرك على خلفية عوامل موضوعية مفهومة في الفكر والسياسة والممارسة, وإنما تتحرك على خلفية العداء لمطالب الجماهير المشروعة, يحركها خطاب قائد الضرورة السياسي أو الديني ذو المسحة الانفعالية الضارة بمصالح الناس, فسلوكها هو سلوك هستيري تجسده حالة الخوف من كل جديد, فهي لا تميز بين الصديق والعدو الحقيقي, ولا بين النافع والضار, ولا بين الخطر الحقيقي وما يشبهه, فسلوكها يخلو دوما من التميز, فهي تندفع تحت وطأة التعصب لإرضاء غريزة القطيع " الحيواني ", دون وعي وتنتشر في صفوف المجتمع كالنار في الهشيم لتخرب كل شيء دون حسبان لتصرفاتها وعواقبه, يحرك سلوكها " فوبيا " هستيرية, فهي لا تمتلك قدرة على التخطيط والحكمة في اللحظات الحرجة, وإنما يحرك سلوكها منطق القطيع الذي يتجمع على شكل حظائر بانتظار إشارة من " القائد" أو " الراعي " أو " المرشد الديني " أو " المفتي ". أن الغضب الجمعي الجائر مجردا من كل الصفات الإنسانية فهو يتحرك فقط على خلفية حاسة الشم القوية التي يمتلكها " القطيع " ويندفع حيثما توجه له الإشارة من فوق, وهذا ما يتعارض مع خصوصية الإنسان وعقله المتفرد, فالإنسان يتميز بالعقل الذي يجعل منه كائنا بيولوجيا اجتماعيا, فردا منتميا للمجتمع أو الجماعة البشرية, يطورها وتطوره, يقدرها وتقدره, يسمعها وتسمعه, يتفق معها ويختلف, ويبقى القضاء والحكم العادل هو الفيصل !!!!.

وعلى خلفية ذلك اندفعت الأجهزة المخابراتية والأمنية وأعوان النظم الدكتاتورية من خلال الإذعان الأعمى لمشيئة القائد السياسي أو الزعيم الديني مرتكبة أبشع جرائم القتل والتصفيات بحق الجماهير الثائرة, تلك هي تجربة تونس ومصر واليمن في مقارعة الثوار, وأخيرا التجربة المؤذية للديمقراطية الوليدة في العراق حيث إقدام الحكومة وأحزابها الحاكمة إلى الاستعانة بالعشائر والبلطجيين لقمع وتكميم أفواه جماهير الغضب الجمعي الثائر في ساحة التحرير !!!!.



#عامر_صالح (هاشتاغ)       Amer_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في سيكولوجيا الاغتصاب الجنسي ونظام معمر ألقذافي !!!!!
- في علم نفس الثقافة ومخاطر بناء الديمقراطية على هامش ثورات ا ...
- قراءة نفسية اجتماعية في آفاق ثورات الشباب في العالم العربي
- في علم نفس الثقافة ومناخ الاستبداد
- الموسيقى والغناء بين علم النفس والتربية والدين
- في سيكولوجيا صناعة الجماهيرالقطيعية وتكريس الاستبداد !!!!!
- في سيكولوجيا إشباع الدوافع الإنسانية بين الدين والدنيا !!!!
- اضطرابات الشخصية النرجسية ونموذج معمر ألقذافي
- عندما يختلط النفسي والديني والحقد السياسي في تفسير الفعاليات ...
- في سيكولوجيا نظام الخيمة المتنقلة واللون الأخضر !!!!
- التخلف العقلي والعقل المتخلف: مدخل في سيكولوجيا تشوهات الوعي ...
- بين سيكولوجية الثورة وانفعالات حشود مشجعي فريق كرة القدم في ...
- الشيعة والحسين والإسلام السياسي: قراءة سيكولوجية مغايرة !!!! ...
- بعض ملامح العالم العربي بين الإحصاء و الإخصاء, مدخل مفاهيمي ...
- في سيكولوجيا تحول جماهير الثورة إلى حشود قطيعيه
- ثورة تونس الخضراء بين كارل ماركس وسيكولوجيا غوستاف لوبون
- التعليم العالي في العراق/ النشأة الأولى, الهموم والتطلعات
- قطاع التعليم العالي والبحث العلمي ملاحظات سريعة على خلفية ت ...
- العنف السايكو سياسي ضد المرأة في العراق على خلفية إقصائها من ...
- في سيكولوجيا النفاق وخصائص- المؤمن الفاسد- مدخل مفاهيمي مع إ ...


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر صالح - الغضب الجمعي - الثائر - والغضب الجمعي - الجائر -