رشدي م.معلوف
الحوار المتمدن-العدد: 3401 - 2011 / 6 / 19 - 22:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- الإيمان والأعمال –
طالما نسمع من الخُدّام والوُعّاظ " هل اتّخذتَ الرب مخلِّصًا لك ؟ " . والحقيقة أنّ صيغة هذا السؤال خطأ , إذ يجب أن يكون الكلام السليم " هل ابتدأت تحيا الحياة المسيحيّة ؟ " , لأنّ السؤال الأوّل مفهوم محض أن تقبل المسيح وكفى , وعندما تقبل المسيح لا يهُمُّ بعد كيف تكون أعمالك . إذًا , أن تسأل هذا السؤال يدلُّ على مفهومك الإيماني الخاطئ , لأنّ الإيمان يُترجم بالأعمال (( يعقوب 2 : 20-26 )) , وليس الإيمان أن نؤمن فقط , لأنّ الشياطين أيضًا يؤمنون ويقشعِرُّن (( يعقوب 2 :19 )) .
أنا أرى أنّ نقطة انطلاق الخدمة الروحيّة تتمحور من هذا المركز . فكل مَن يريد أن يعيش الحياة المسيحيّة , يجب أوّلاً أن يعرف " ما هي الحياة المسيحيّة " , ومَن الذي دعانا أن نحياها .
إنّ الحياة المسيحيّة كصورة مُعيّنة تنحصر بإطار مُحَدّدٍ . فالحياة المسيحيّة اسمها " الحياة المسيحيّة " , أي أنّ هذه الحياة مقرون اسمها بالمسيح . وإن كان للحياة العالميّة قوانينها , فإنّ للحياة الروحيّة قوانينها أيضًا , وإن لم يكن للحياة الروحيّة قوانين (( وصايا )) , تكون الحياة العالميّة أرقى من الحياة الروحيّة , لأنّها على الأقل جاهدتْ بتعليم خاص تصطبغ فيه . وأساسًا نُزول العقائد الرُّقِيُّ بالإنسانيّة لحياة أفضل وأسمى , وهذا ما قاله سيّدنا المسيح (( أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.)) (( يوحنا 10 : 10 )) , هذا بالنّسبة للحياة المسيحيّة .
أمّا " الصُّورة المُعيّنة " , فهي كل شخص وشخصيّته بتعامُل المسيح معه . " والإطارُ المُحَدّدُ " , أي مُلكيّة المسيح على القلب لتغييره من قلب حجر إلى قلب لحم (( حزقيال 36 : 26 –27 )) , وسيّدنا المسيح قالها علانيّة وبكل صراحة , إذ يقول ((اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.)) (( متّى 6 :33 )) , ويا عزيزي القارئ , لاحظ الآية الكريمة ماذا تقول (( ملكوت الله وبِرّه )) , وتتمّة الوعد المُبارك (( وهذه كلُّها تزاد لكم )) , أي عندما يملُكُ المسيح على القلب ونحيا في بِرِّهِ يفيض المسيح علينا النِّعم . وهذه أوّل خُطوة للمشوار الهنيء. أضف إلى هذا ..- أنّ الحياة المسيحيّة حياة بِرٍّ (( اطلُبوا أوّلاً ملكوت الله وبِرَّهُ)).
لكن نتعرّض لمُعَلِّمينَ كثيرين يُفسِّرون ويشرحون آيات الله على وفق تيّار هواهم . أي أنّ شرحهم وتفسيرهم للآيات ليس تفسيرًا وشرحًا كتابيًّا . بمعنى , يأخذون الآية بالقطع من سياقها النَّصِّيِّ ويُفَسِّرونها بالحرف , لا بالمعنى الروحي الكتابي , ويعملون من كل آية شريعة , والكتاب المقدّس يقول لنا ((لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي. )) (( 2 كورنثوس 3 :6 )) , هذا الكلام قاله بولس الرّسول وعلّمنا إيّاه , باعتبار مُعاناته من خِلفيّته السّابقة قبل التّعَرُّف على صاحب جدّة الحياة المُباركة . (( 2كورنثوس 3 : 14-15 , رومية 3 : 5)).
وإن لم يكن الإيمان يُترجم بالأعمال فما الفرق بيننا وبين رجال الدين اليهود , الذي يقول عنهم بولس الرسول ((17 هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيًّا، وَتَتَّكِلُ عَلَى النَّامُوسِ، وَتَفْتَخِرُ بِاللهِ، 18 وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّمًا مِنَ النَّامُوسِ. 19 وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ، 20 وَمُهَذِّبٌ لِلأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلأَطْفَالِ، وَلَكَ صُورَةُ الْعِلْمِ وَالْحَقِّ فِي النَّامُوسِ. 21 فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ 22 الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟ 23 الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟ 24 لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ.)) (( رومية 2 : 17-24 )) , هذا الكلام واضح من الرسول أن نُطَبِّقَ الذي نعظه , ولا نقع بأخطاء الآخرين , وهو نفس الكلام الذي قاله لنا رب المجد , إذ يقول ((19 فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 20 فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.)) (( متّى 5 :19-20)).
عزيزي القارئ , هل تعرف أنّ أعمالك هي التي تُحِدِّدُ مصيرك الأبدي ؟!
نعم , الأعمال هي التي تُحَدِّدُ المصير الأبدي . يقول لنا رب المجد ((29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.)) (( يوحنا 5 :29 )). ولا تعليق.
لكن تعرّض البعض قائلاً : (( أما قال الرسولان بولس وسيلا " 31 «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ».)) (( أعمال الرسل 16 :31 )) ؟
- معنى هذه الآية .. أي , آمن بالرب يسوع أنّه الله الظاهر في الجسد القادر على كل شيء فتخلُص ((1 تيموثاوس 3 :16)) . ثمّ الآية التي جاءت بعد هذه الآية ((32 وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.)) (( أعمال الرسل 16 :32 )). ومن البديهي أن نفهم , عندما تقول الكلمة (( وكلّماه وجميع مَن في بيته بكلمة الرب )) , أنّهم أخبروه عن الرب يسوع . وبولس قال عن الرب يسوع أنّه الله الظاهر في الجسد (( 1 تيموثاوس 3 : 16 )).
وأيضًا نسمع من المعترضين على هذا الكلام , ما جاء في رسالة أفسس على فم بولس الرسول نفسه , إذ يقول (( 8 لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 9 لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. )) (( أفسس 2 : 8-9 )) .
هنا بولس يقول لنا عن حياتنا قبل مجيء الرب المخلِّص , إذ كانت الأعمال عبارة عن ذبائح عُجول وتيوس تكفيرًا عن الذنوب والمعصية (( لاويين )) , ثمّ الناموس في العهد القديم لا يوجد فيه خلاص , إذ هو ((الناموس )) يكشف فقط الخطيّة , ويُعَرِّفُكَ أنّك أخطأت ((رومية 3 :20)) , لكن بمجيء البار تغيّر كل شيء , إذ مات البار لأجلنا , كي نحيا نحن في بِرِّهِ (( رومية 3 : 23-26)).
وفي الأخير , الرب ترجم حُبَّهُ لنا , إذ مات لأجلنا , وهو الذي قال ((13 لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ.)) (( يوحنا 15 :13 )) , فتراك أنّ الرب كان عملاً قبل قولاً , وعندما كان يقول كان يفعل . فأين أنت منه ؟
سأموتُ معه ولن أنكِرَ ذاكْ يسوع ابنُكَ سيتبعُ خُطاكْ
مَن لي في السماء وعلى الأرض يا حبيب القلب سِواكْ
عريس نفسي أسرع تعال إنّ لنفسي توّاقةٌ لُقياكْ
كلماتكَ نسمات أيّامي ** الروح والحياة من شذاكْ
بين الأحبّة القلب اختاره كنتُ وردة بين الأشواكْ
حُبُّهُ استوى عرش كياني يا طبيبي وتشفي كل مرضاكْ
طال شوقي ذاب قلبي كالمياه الباردة لحِلقي عيناكْ
أغسِلُ قدميْكَ بدمعي اِفتح الأحضان ولا ترفض فتاكْ
طعامي أن أعمل مشيئتك حيثما تكون أكون أنا هُناكْ
لأجلكَ أُماتُ كل يوم كحَمَلٍ يُساقُ للذّبح فارحم مَوْتاكْ
-
#رشدي_م.معلوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟