شمخي جبر
الحوار المتمدن-العدد: 3401 - 2011 / 6 / 19 - 14:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
جاء في قاموس المنجد ان الغندور هو الغلام السمين الناعم، مشيته فيها دلال وتبختر، أو هوالشاب المترف الحسن. والغندورية هي طلب السموّ والتميّز، وظهور الروح الارسقراطية والاستخفاف بالجماهير، وهذا النمط هو ابن الثقافة الاستهلاكية التي ينظر اليها البعض على انها تؤدي الى فقر روحي، فأنانية اللذة بفلسفتها ضد نظم النسك والزهد.
المثقف الغندور، هوالمتأنق بملابسه وجسده وسلوكه ومشاعره وعواطفه. وإذا كانت هذه الصفات عامة للإنسان الحديث، الذي يحول نفسه الى الغندورية في ظل حياة الترف وإشباع الحاجات فإن الأمر يختلف في الحقل الثقافي، قد يكون بطل رواية "المناضل" لعزيز السيد جاسم أنموذجاً للسياسيّ الغندور.
هذا النموذج يظهر بشكل جليّ حين يتخلى المثقف عن دوره، حين تفتح فرص المكاسب المادية لمدعي الثقافة والفكر، وتتحول القضية الى مايمكن تسميته (مقاولات ثقافية).
فالغندور فكر وثقافة بلاموقف، مجرد اكسسوارات ثقافية ولغوية ليس لها رصيد في الواقع. فهوباحث عن الترف والهدوء والحياة الهانئة الهادئة بعيداً عن ضجيج المواقف باهظة الكلفة. يسارع نحو المقاولات الثقافية، ويتقرب لأصحاب السلطة، سواء كانت سلطة الثروة والجاه أو السلطة السياسية، يجيد التلوّن مثلما يجيد اختيار بدلاته وقمصانه وربطات عنقه. لكنه خائف دائماً، خوفه يمنعه من التفكير الحر ويقتل روح الإبداع والمبادرة والتجديد لديه، ومع ان كلّ تلك الموارد لا تعني له شيئاً، فهو دائم الخوف والتحسب. لايتورع عن التجسس وكتابة التقارير على زملائه لأنها رصيده الأوحد أمام رؤسائه، وعلامته الفارقة طول باعه في هذا المجال.
جاهزللعب دور البوق لأية جهة تدفع، قلمه وضميره معروضان للبيع والإيجار بحيث نراه كل يوم في موقف؛ ونحن هنا لا نتحدث عن التغير الصادق والحقيقي للقناعات؛ لكننا نرصد اللعب على الحبال الذي يجعل كاتباً ما يظهر موقفاً ليتراجع عنه في اليوم الثاني؛ أو يقول كلمة ليلحسها بعد أيام. وهو كما يصفه أحد المثقفين (حدّاد يقيم للسلطة وأحزابها أسيجة حديدية تحرسها من دخول أفكار جديدة اليها).
والغندور يميل عادة إلى إنشاء خطاب غير مفهوم .. مرة استعلاءً وتباهياً على المتلقي، وأخرى لئلا يفهم لأنه غير قادر على إغضاب أي طرف، فهو يريد "ويجيد" اللعب على جميع الحبال، فلا يريد ان يقطع أحد هذه الحبال.
والغندور أخيراً يوصينا ان نكتب ما لا يضر ولاينفع، أن نسير الى جنب الحائط، أن لا نخسر هذا أو ذاك، سلوكه الزئبقي ومواقفه غير الثابته وغير الواضحة تجعله صديق الجميع ولاحساً لجميع الموائد.
#شمخي_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟