سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3401 - 2011 / 6 / 19 - 05:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هى مجموعة تأملات إضافية لهذه السلسلة من " تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان " تم التطرق لبعضها بشكل مُفصل فى بعض المقالات السابقة ..هى رغبة فى إثارة الأفكار وفتح آفاق للجدل والتأمل .
* إشكالية الإنسان فى الوجود أن وعيه يُدرك المحدود ولا يتحمل فكرة اللامحدود واللانهايات بالرغم أن الرياضيات تُثبت ذلك فنحن لا نرى إلا نهاية الأطراف فى عالم لا نهاية فيه للخط المستقيم ... من هذا المنظور خلقنا الأساطير التى تجعل هناك بدايات ونهايات للوجود .. وحتى الآلهة لم تخرج عن المحدود فى كل صورها ولكن تصادمها مع الوجود جعلنا نتعسف ونعتبرها لا نهائية حتى تكون ذات وجود مُفارق وليست فى حدود الوجود .
* منذ بداية الوجود الإنسانى وحتى الآن نتعامل باللغة كوسيلة للتفاهم وتبادل المعرفة وإرسال الأفكار ..فكل كلمة لها ذبذبات معينة تعطى دلالة عن شئ مادى محدد أمامنا ..ولا توجد كلمة وإلا لها مدلول مادى ملموس .. إذن كيف عرفنا الله وهو بلا وجود مادى !!..نحن عرفنا الآلهة فى موجودات مادية كالشمس أو القمر أو النهر ..الخ ..ثم تعسفنا بلا داعى ووحدناهم فى إله نزعنا عنه الوجود المادى بتعسف وبلا تبرير وبلا معاينة .. فأمست كلمة توارثناها عن أجدادنا .
* نعرف أننا نعيش الحياة من وجود الموت فلا معنى للحياة بلا موت .. كما عرفنا اللذة بعد أن ذقنا الألم ..ولا معنى للذة بدون وجود الألم ...هكذا هى الحياة وجدليتها .
ما معنى حياة أزلية بلا موت .. وما معنى لذة بدون ألم , وألم بلا لذة ..إنه العبث واللا معنى .
* لا خروج من لحظة ألم تعتصرنا إلا بالنسيان أوبمُخدر يُنسينا ولكن النسيان لا يأتى بسهولة فنستدعى فكرة قوية تُلهينا وتشغلنا عن تذكر الألم فتجد من يعمل بجدية أو يمارس الرياضة أو الفن أو يُشغل ذهنه بقضية كبيرة ..فكرة الله هل هى فكرة وقضية قوية تشغلنا وتلهينا عن ألم عبثية الوجود .
* الوجود والحياة هو صراع الضدين فطبيعة الأشياء هو وجود الشئ ونقيضه ويستحيل أن يتواجد شئ بلا نقيضه ليلتحم معه فى وحدة لا تنفصم يتبادلا الصراع ,الحياة والموت - النمو والهدم - السخونة والبرودة ..كل أطراف التناقض مادية بالضرورة .
المنظومة الإلهية هل هى قراءة وتعريف خاطئ لضد متواجد نجهل مفرادته المادية .
* أى فكرة فى ذهن الإنسان سواء بسيطة أو معقدة كل مكوناتها صور مادية ويستحيل تواجد أى فكرة بدون صور ومشاهد مادية ... فإذا كان الله روح أو لامادة فكيف دخلت هذه الفكرة فى ذهن الإنسان إلا إذا كانت الفكرة فى صورتها البدئية تكوينات لصور مادية ,حتى الذين يتعسفون لفكرة الإله ويجعلونه كيان لا مادى مُفارق فرغما ًعن ذلك لم يستطيعوا ان يخلصوا الفكرة من كل الصور والصفات المادية .
أى شئ من غير صور مادية يستحيل أن يوجد له حضور مع شفرة الدماغ وسينفى وجوده بالضرورة .
* " الدنيا من غير حب ما تتحبش " مقطع من أغنية نراه رومانسى حالم يُغرقنا فى أحلام وجماليات الحب ولكن معناها العميق يتجاوز الصورة الشعرية .. فالحب هو مشروع خلقناه لنتعاطى معه ليجعل للحياة معنى ويصرفنا عن عبثيتها , فمن غير الحب ستصطدم رؤوسنا بقسوة بعدمية الوجود ..نحن نخلق للوجود الذى هو بلا معنى , قضية نتماهى فيها .
* من أسباب إيمان الإنسان بفكرة الله والعالم الأخروى هو رغبتة أن يجد مكان إلتقاء بأحبائه الذين فقدهم فخلق من يوفر هذا اللقاء !!..هى محاولة للتخلص من ألم الفراق والحضور القاسى للموت بأمل اللقاء والإرتماء فى حضن الأحباب .
* أى لحظة فى حياتنا هى لحظة واحدة من بين ملايين اللحظات المحتملة ولكننا نريدها بوعينا لحظة نظامية متوقعة مأمولة مأمونة لذا نحن نخاف اللحظة القادمة أن تأتى خارج ماهو مأمول .. أدركنا أن لنا مستقبل ولكننا ذقنا الألم وعرفنا الخوف سابقا ً ومن هنا خلقنا الآلهة لتُرتب اللحظة القادمة بدون ألم .
* مشكلة الإنسان فى فهم الوجود أنه تعود على رؤية المُنتج النهائى ..فهو يحرق ويجهل كل المراحل السابقة ليقف مبهورا ً أمام روعة المنتج النهائى ناسيا ً أنه كان فى البدء عناصر بسيطة شديدة البساطة والسذاجة ..عناصر موجودة فى الأرض بلا إعتناء .
* الحياة مثل لوحة فنية إبتدأت بخط ليس له أى معنى لتتجمع مجموعة هائلة من الخطوط كل خط فيها بلا معنى ولكن مع تداخلها وأندماجها وتمازجها أصبح للوحة معنى .
* نحن تواجدنا كنقطة على خط الزمن اللانهائى .. من المستحيل بمكان فهم كل ماصار قبل وجودنا ..ولكننا عرفنا الكثير من الأشياء وأدركنا أننا نتاج ظرف مادى بالضرورة.
* لا يوجد شئ إسمه صدفة بل جهل بالقانون المادى والظرف الموضوعى .. نتصور أن رمية النرد تحمل الصدفة فى النتائج ولكننا نجهل القانون والمعادلة المادية لرمي النرد فلو أخذنا حسابات قوة وسرعة الرمى ومعامل سطح الإحتكاك وحركة الهواء ووو.. سندرك معادلة الرمى ويمكن أن نستنتج الرمية القادمة .. قد تكون معادلة كبيرة ولكنها معادلة مادية فى النهاية .
* مشكلة العقل الدينى أنه تعود على ثقافة الحدوتة .. حدوتة صغيرة وسهلة يسمعها من بداياتها لنهايتها ببساطة وبنهاية سعيدة وكفى المؤمنين وجع الراس والكراس ... ولكن الحواديت الحقيقية تُتعب الراس وتَطلب كراريس كثيرة .
* لا يوجد شئ فى الوجود قادر على إنتاج مشهد متطابق مع مشهد آخر لأن عامل الزمن حاضرا ً فى المعادلة .. لذا فالماء لا يجرى بذات النهر مرتين بل بملايين الحالات المختلفة الغير متكررة ولا المتطابقة ولكننا نكتفى بأن نراه يجرى بصورته المعتادة المتشابهة لأننا لا نتحمل إلا هذا .
* فى مسيرتنا للذهاب إلى العمل الإعتيادي يمكن أن نواجه آلاف المشاهد والسيناريوهات الغير إعتيادية إما مؤلمة أو طيبة .. الإيمان جاء لهذه الغرض ..أن لا نحظى بأى حادث مؤلم طارئ قادم لذلك نقول توكلنا عليك يارب وأسترها معانا .
* كنا نعتقد أننا نرى بسقوط شعاع من العين على الجسم المادى بينما هو سقوط الضوء على المادة لتنعكس على عيوننا ..هكذا كل مفردة فى الوجود بلا إستثناء .. فالوجود موجود يسقط على أدمغتنا ليخلق كل الصور والأفكار والفنتازيا .
* أى فعل نفعله يتم إختزانه فى الدماغ ليصبح ذكرى سواء إستطعنا أن نستحضرها أم لا ..أن نعيش خلود بلا نهاية فبالضرورة يتطلب أرشيف ذكريات لانهائية مما يعنى وجود دماغ لا نهائية .!
لوجود حالة خلود يَلزم أن يُلغى العقل والذاكرة لنتحول إلى آليات ميكانيكية مبرمجه تعيش الجنه والجحيم بلا وعى ولا معنى .
* الله غير محدود ..فلا يوجد شئ يحد وجوده ليبدأ هو حدوده , فلا ينفع ان تقول أنه يجلس على عرشه يترقب ويرصد وجودنا لأن هذا يجعله محدودا ً, فهو موجود فى كل مكان ولا يوجد شئ يحد وجوده ..فيكون داخل الكون والمجرات والأرض , فى أعماق الأرض وبحارها وجبالها بل فى الأجساد الحية والميتة .. سيكون بالضرورة داخل الخلية الحية وداخل الجزئ والذرة .. إننا هنا داخل الإله وهو داخلنا وينعدم الحدود ..إننا هكذا بلا وجود مستقل فمن العبث القول أننا سنعذب أو ننعم .
* كل البشر سيقومون ويحاسبون يوم القيامة ولا تعرف لماذا لا يُحاسب البشر أولا ً بأول فور وفاتهم ..لماذا ينتظر الجميع حتى إنتهاء المُمتحن الأخير ..السبب ان لدينا وهم بفكرة البعث للعودة بأجسادنا بينما من يموت أمامنا يتحلل ويتفسخ ويذوب فى ملايين الموجودات الأخرى .. إذن فلن ينفع أن ندعى ببعث الجسد فور الوفاة فلتنتظروا هذا الوهم .
* هل علينا تَقبل أن هناك من يَعبث فى جيناتنا ليُنتج كائن مشوه وفقا ً لحالة مزاجية خاصة أو ليكون فأر تجارب يمنح الأصحاء شعور غبى بالنعمة أو لحكمة مجهولة كما يسوقون .. أم أن الامور لا تعدو سوى خلل كيميائى فى الجينات نتيجة عوامل طبيعية مؤثرة وحاكمة لا تعقل ولا تُدبر ولا تَعى ولا تهتم.
بقدر كون هذه الرؤية حقيقية وعقلانية و تُسعف فكرة الإله من هذه الورطة إلا أنها تقوض وتنسف الفكرة أيضا ً .
* إذا كنت أؤمن بالله وأنفى عدم معرفته بعدد البيض فى بطن سمكة أو صرصار فقد خرجت عن الإيمان وأصبحت من الكافرين ليتم حرقى فى الجحيم أو أتحول وقود لتأجيجها , ولن يشفع حينئذ أنى ملئت الدنيا تضرعا وبرا ً .
* لا توجد ميزة تفاضلية للمؤمن عن اللامؤمن ..فالإثنان يحظيان بنفس النصيب فى الحياة , المرض والصحة , الغنى والفقر , السعادة والشقاء ..إذن ماذا يضيف ويميز وجود الله فى حياة المؤمن ..لا يوجد سوى خلق عالم آخر يجعل لوجوده تميزا ً ومعنى وأفضلية .. ولكن عذرا ً لا يوجد دليل واحد يثبت عظمة هذا الإدعاء بل على العكس العلم والعقل لا يتحمل هذا .
* هل نمتلك حرية الإختيار ؟
لا يوجد شئ إسمه حرية الإختيار ..هو وهمنا بأننا أحرار عندما نتحرك كنقطة داخل شكل هندسى كل أضلاعه وزواياه لم نصنعها بل شاء حظنا أن نتواجد فيه .. وما حركتنا إلا المحصلة النهائية لتلك القوى المؤثرة .
* الحرية لا تكون إلا بإدراك الضرورة .. فنحن لا نختار فعل إلا تحت إدراكنا لقانون المادة والتعامل معه بإحتمالاته .. فأنت لا تختار ان تطير أو تمشى , ستسير على قدميك ولكن عندما تريد الطيران فلتعرف قانون المادة .
* ظهور كل الخرافات والأساطير والمعتقدات أننا تألمنا ولم نُدرك ما هو سبب ألمنا .. لو أدركنا سبب الألم وتجاوزناه فستتطاير كل الخرافات والأوهام .
* أجمل ما فى الإنسان أنه كائن قادر على إنتاج وإبداع الأفكار والقصص والفنتازيا .. ومآساته عندما يتوقف عند فكرة وقصة واحدة لا يبارحها .. وبشاعته عندما يتعصب لها ويدق عنق من لم يؤمن بها .!
دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟