|
محطة العمل الوطني الانتقالية ستكون مسرحاً لاختبار مصداقية كل القوى
قاسيون
الحوار المتمدن-العدد: 1013 - 2004 / 11 / 10 - 11:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كلمة كمال إبراهيم (مستقل) النص الكامل لكلمة الأستاذ كمال ابراهيم في ندوة الوطن الثانية التي أقيمت في دمشق فندق «البلازا» بتاريخ 30/10/2004، تحت عنوان: «الوحدة الوطنية كأداة أساسية في مواجهة المخاطر»:
لعل مبررات عقد مؤتمر وطني عام وشامل صارت اليوم، محط إجماع معظم الفعاليات السياسية والثقافية ولدى جميع المهتمين بالشأن العام. ولم يعد تأجيله أو تجاهل مبررات انعقاده أو استنكار الدعوة إليه، إلا تأجيل أو تجاهل للمشاكل السياسية والاجتماعية المتراكمة منذ عقود طويلة، والتي أثبتت مسيرة الأحداث الأربعة الماضية عدم قدرة طرف واحد في المجتمع بعينه، على التصدي لهذه المشاكل وإيجاد الحلول المناسبة لها، عدا الحالات التي لايتم أساساً الاعتراف بوجودها. فالندوة التي دعت إليها اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والتي شارك فيها طيف واسع من المفكرين ورجال الدين والسياسة والمثقفين كانت خطوة بالاتجاه الصحيح ينبغي تواصلها وتعميق موضوعاتها وصولاً إلى عقد المؤتمر المنشود. كذلك كانت الدعوة التي وجهها الأستاذ حسن عبد العظيم الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي في منتدى جمال الأتاسي، تمثل وعياً مسؤولاً للتركة الثقيلة التي ورثها العهد الجديد، وللملفات المتعددة والمعقدة والتي تحتاج عملية حلها إلى توافق وطني عام. ولكن ماينبغي قوله ولايحتمل التأجيل أيضاً، أن كلتا الدعوتين محكومتان وإن بنسب مختلفة بتصورات مسبقة لآليتي خطابين سياسيين مختلفين بمراجعهما الفكرية الأيديولوجية، للدرجة التي يمكن القول، أن غايات وأهداف وآليات عقد مثل هذا المؤتمر لايجمعهما إلا مفردتا «مؤتمر وطني». على أن المسألة لاتطرح على مثل هذا النحو، في المشاريع العامة التي تخص الوطن، فهنالك الكثير من التجارب وخصوصاً في أمريكا اللاتينية التي أثبتت أنه يمكن إحداث حالة التوافق الوطني العام بصرف النظر عن الاختلافات العقائدية والفكرية، وهذا ماينبغي أن نطمح إليه. إن ذلك يعني بداهة، إلغاء نزعة الاستبعاد فليس لأحد حق احتكار الحقيقة، أو التفرد، بامتلاكها وتخطئة الآخر، كما أنه ليس هنالك من هو أعلى أو أدنى في القضايا التي تمس الوطن. وفق ماتقدم يمكن الاستدلال على صعوبة تحرر الخطاب السياسي وبعيداً عن النوايا الطيبة لحامليه، ليس فقط من مراجعه النصية والإيديولوجية، بل وأيضاً من أنظمة الرقابة الذاتية التي يفرضها الجهاز المفهومي والمعرفي للجهة التي تتم مخاطبتها، فأن تكون هذه الجهة، نخبة مثقفة أو تكون جمهوراً عريضاً بمختلف فئاته وشرائحه أو تلك التي تمثل المفهوم المادي للشعب، لذلك لايمكن قراءة الدعوة التي وجهها أ. عبد العظيم إلا في هذا السياق، أي في كونها تخاطب نخبة سياسية، ثقافية، بعينها أو في أحسن الأحوال تخاطب تلك النخبة مع جمهورها الضيق. لتعيد من جديد إرضاء غرورها الثقافي، النخبوي، لأنها محكومة به، لتعيد من جديد إنتاج أزمة واقع القوى السياسية في ابتعادها عن الشارع وانكفائها في برجها العاجي الذي يبدو أنها لاتريد أن تغادره، أو لاتستطيع ذلك، وفي ذلك ينطبق عليها المثل الشامي «الطبل في دوما والعرس في حرستا». لذلك يمكن القول أن دعوة أ. عبد العظيم إلى مؤتمر وطني عام شيء، وتحديد موضوعات ذلك المؤتمر وآليات عمله، شيء آخر مختلف ومغاير، ولاعلاقة له بالاستحقاق السياسي الذي تفرضه القراءة المسؤولة للشروط الدولية، الإقليمية التي يتم في إطارها الدعوة إلى المؤتمر والتي سيكون لها حضور مؤثر وفاعل في أي مشروع للتغيير الوطني الديمقراطي. لايمكن على سبيل المثال أن تكون الدعوة إلى مبدأ تداول السلطة، أو منصب رئيس الجمهورية، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية مسبوقة بجمعية تأسيسية، معبراً للإجماع الوطني أوالتوافق الوطني، بل يمكن أن تكون مدخلاً لانقسام وطني عميق والذي قد يقود إلى مخاطر مقامرة أو مغامرة أخرى كمغامرة الجزائر، مثل هذا الأمر ينبغي أن يكون مفهوماً تماماً إذا اعتمدنا مبدأ «التحليل الملموس للواقع الملموس» والمتمثل حالياً واختصاراً في غياب ميزان قوى وطني ديمقراطي. يكون صمام الأمان في فرض مسألة الاحتكام إلى نتائج مايراه المؤتمر الوطني مناسباً لمستقبل المجتمع السوري، فالمسألة أولاً وأخيراً، وقبل التفكير بمجازفة أو قفزة في المجهول كهذه، تتكثف بالعمل على خلق ميزان قوى كهذا.. يضمن تقدم المشروع الوطني، الذي هو مشروع ديمقراطي واجتماعي في آن معاً. وذلك بالنظر إلى تراكب المهام الوطنية الديمقراطية الاجتماعية وجدلها من جهة بما في ذلك وحدة الأداة الطبقية المرشحة لحل هذه المهام، ومن جهة أخرى بالنظر إلى بشاعة منطق الانصياع الفكري، السياسي الذي تحاول أن تفرضه الإمبريالية الأمريكية على القوى الوطنية الحية في المجتمع السوري، على أن لهذه البشاعة وجهاً آخر يتمثل في منطق التهافت لملاقاة هذا الانصياع ومحاولة تسويغه فكرياً وسياسياً. وفق ماتقدم فإن هذه المحاولة تعتقد بضرورة إعادة تحرير الفقرتين التاليتين: 1 ـ الوحدة الوطنية: كما لايمكن الموافقة على إنكار الشروخ العميقة في الوحدة الوطنية الذي تعتمده بعض أطراف السلطة، كتصوير المسألة على أنها بخير لأننا لسنا في وضع مشابه للجزائر أو لبنان... كذلك لايمكن الموافقة على الرأي النقيض الذي تمثله بعض أطراف المعارضة الذي يلغي الأساس الواقعي للوحدة الوطنية، ويدعو إلى إعادة خلقه من جديد، والحقيقة تكمن بين هذين الرأيين كما أشار أحد الرفاق في «ندوة الوطن» لقد تعرضت الوحدة الوطنية ولسنوات طويلة للكثير من التخريب والتشويه للدرجة التي تم بنتيجتها تدمير جزء مهم من وعي الفرد بضرورة انتمائه الاجتماعي كأرقى شكل لترجمة هويته الوطنية، لصالح تقدم الوعي الأضيق، والأكثر تخلفاً كالعودة إلى الانتماء (الإثني، المذهبي، العشائري). أما اجتماعياً واقتصادياً، فالاستقطاب اليومي الحاد الذي يتعرض له المجتمع السوري، كان قد دمر الطبقة الوسطى وأوجد فئة صغيرة (أوليغارشية مالية) تتحكم بالثروة وأكثرية ساحقة تعيش كل مظاهر البؤس الإنساني. إن وضعاً كهذا أو جد شرخاً اجتماعياً وعقبة كأداء أمام ضرورات الاندماج المجتمعي المتماسك القادر على المواجهة، فهنالك في سورية الآن وبالمعنى المجازي للكلمة «وطنان» داخل الحدود الجغرافية الواحدة. وبكلمات قليلة، كان ذلك كله ثمناً أو نتيجة طبيعية لمصادرة الصراعين السياسي والطبقي واحتكارهما لصالح جهة محددة في المجتمع، أو إلحاق ا لعملين السياسي والنقابي بها. ومع أن هذه العملية تمت بشكل منهجي ومبرمج، إلا أن الوحدة الوطنية بقيت أساساً جيداً لايمكن إنكاره، ومحطة انطلاق هامة للكشف عن مواطن الخلل ومحاربتها. والمؤثرات في لحظتنا الراهنة كثيرة كـ: الرفض السياسي المطلق والشعبي لمنطق الاستقواء بالخارج أو التدخل في شؤون سورية بأية ذريعة كانت، والاستعداد التام لتقديم كل أشكال العون للمقاومة الوطنية في العراق. نقول ذلك ونستثني قلة قليلة دون ذلك، ليس لها وزن أو ثقل وبعضها يعيش في الخارج. ـ موضوعات المؤتمر: في «ندوة الوطن» التي نظمتها اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ارتكزت على أساس منهجي واضح يتلخص في تحديد نقاط الضعف والقوة، لمواجهة الابتزاز، التهديد الأمريكي، وفي ذلك اختلاف منهجي واضح عن فكرة المؤتمر، وآ’ليات عمله التي دعا إليها أ. عبد العظيم والتي تقترح، تفكيكاً شاملاً للنظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي، وهي بذلك محكومة بآلية خاطئة في التفكير تتلخص في أن مثل هذا العمل قادم لامحالة من الخارج، كالقول: «إن لم تفعله أنت ـ سيفعله الآخر بشكل أسوأ». أي أنها تستند على قراءة سياسية متسرعة لدور «الفزاعة الأمريكية». وهي باعتقادنا ليس فقط قراءة خاطئة بل تنطلق من مبدأ مرفوض بالعرف الشعبي السوري وقواه الحية، وهو أنه لايجوز إقحام التهديد الأمريكي في قضايا مصيرية كـ: ضرورات تجديد الدينامية الاجتماعية والسياسية للمجتمع السوري واتجاهات هذا التجديد. إن الاقتراح المقدم لموضوعات المؤتمر.. التفكيك اللاتدرجي للنظام الاجتماعي، الاقتصادي السياسي، تداول السلطة، حكومة وطنية، وتشكيل ميثاق شرف يكون مرجعاً للائتلاف الوطني، الذي قدمه أ. عبد العظيم، ينطوي على مغامرة من الصعب القبول بها. وذلك بالنظر إلى التقويم العياني ـ الميداني لما تتحمله البنية المجتمعية السورية حالياً، ولما شكل مطلباً عاماً لفئات وشرائح المجتمع السوري. وبشكل خاطئ الفئات الأكثر اتساعاً والتي يعمق الاستقطاب اليومي كثيراً من مشاكلها المادية والمعاشية. وهذا يفترض بالضرورة التفكير بمحطة عمل وطني انتقالية تستجيب لضرورات ومتطلبات الشرط القائم عالمياً، إقليمياً، داخلياً، يمكن تكثيف مهامها بالمحورين التاليين: 1 ـ وقف الاستقطاب وضبطه عند مستوى محدود، وإعادة إحياء الطبقة الوسطى كمدخل أساسي لتحقيق الاندماج المجتمعي الوطني. 2 ـ إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإطلاق الحريات السياسية للقوى الوطنية. إن هذين المحورين ومايتفرع عنهما من مهام مكملة، كفيلة بوضع العمل الوطني العام والشامل في سياقه الصحيح، أو في المجرى العملي الواقعي لإمكانية ترميم الشروخ، وإعادة تصويب وتصحيح الوعي الوطني الذي هو وعي ديمقراطي واجتماعي في آن معاَ، ويضمن تقدمه على أرض صلبة وسيكون الارتداد صعباً، عما تم إنجازه من أي جهة كانت. إن محطة العمل الوطني الانتقالية ستكون مسرحاً لاختبار مصداقية كل القوى الموجودة أو تلك التي يمكن أن تولد، بتمثلها لمصالح الوطن ودفاعها عن الأكثرية الساحقة في الشعب السوري، لأن الكثير من القوى التي يمكن أن توجد أو بعضها على الأقل سوف يتعامل مع قضايا الوطن والشعب بمنطق ذرائعي ـ نفعي. ولن تستمر في مسيرة العمل الوطني الديمقراطي الاجتماعي اللاحقة إلا القوى الحية ليس بالإرادات الطيبة التي لاشك في وجودها عند أية قوة أو فئة في المجتمع السوري باستثناء ( الكومبرادور ـ الفئات الطفيلية). بل هو بآليات تحقيق ذلك. وقد قال كارل ماركس مرة: « الطوباويون لم يكونوا كذلك لأنهم حددوا أهدافاً خاطئة، بل لأنهم اعتمدوا وسائل خاطئة لتحقيق تلك الأهداف. ■■
#قاسيون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحدة الوطنية أكثر إلحاحاً من أي وقت آخر
-
الديمقراطية هي أساس كل أنماط الحياة
-
بلاغ صحفي عن ندوة الوطن
-
«إصلاحات» الدمار الشامل
-
تفجيرات سيناء من وراءها وصاحب المصلحة فيها؟
-
التلوث البيئي في سورية مسؤولية من.. ومن يدفع ضريبته؟
-
الاجتماع الوطني الرابع لوحدة الشيوعيين السوريين - قدري جميل
-
وصية والدي الشيوعي القديم!!!
-
خيارهم الحرب.. خيارنا الشعب!
-
الاجتماع الوطني الرابع لوحدة الشيوعيين السوريين
-
لماذا يسعى الأمريكان لاغتيال الصحافيين الفرنسيين؟!
-
في ذكرى الإحصاء الاستثنائي - التعداد السكاني… عذرا هؤلاء الأ
...
-
«الأزمة في الحزب الشيوعي السوري وسبل الخروج منها»
-
التغيير على الطريقة الأمريكية
-
رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي الثورة الإشتراكية حتمية.... والإ
...
-
قرار مجلس الأمن عدوان جديد
-
بلاغ عن أعمال اجتماع اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين
-
عربة التعليم تأكل ركابها
-
حول الحركة السياسية السورية
-
المشردون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|